وترجّلت يا والدي العزيز بعد مسيرة حافلة بأعداد هائلة من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات وغيرهم الذين تتلمذوا على يديك ، مسيرة حافلة بالإخلاص والنجاح في ميدان التعليم استمرت أكثر من ثلاثين عامًا .. ورغم مرور ما يقرب من عشرين سنة على وقوفك أمامنا في الفصل حين كنتُ في السنة الأولى الابتدائية إلا أني لم أنس تلك اللحظات وكأنها بالأمس ، لم أنس منظرك وأنت تجوب الفصل طولا وعرضا لتعلم كل طالب مبادئ الكتابة (كيف نمسك بالقلم ، كيف نكتب على السطر ، كيف نرسم الأحرف) .. والدي العزيز ، والأستاذ الفاضل محمد الشقيران الذي درسني في الصف الثاني الابتدائي لا يمكن أن أنسى لحظاتي معهما أيام الدراسة ، بحق معلمان تعجز الحروف أن تصف إخلاصهما وفضلهما في ميدان التعليم .
للتاريخ : عندما كنت في التطبيق الميداني في الجامعة كنت أدرس المرحلة المتوسطة ، وقتها كان معلم القرآن مجازا لظروف مرضية ، فأخذت الحصص عنه للصف الثاني المتوسط ، فكان مستواهم ضعيفا جدا ، في تلك السنة ذهبت إلى والدي في فصله لأعطيه غرضا كلفني به ، فدخلت عليه وكان يدرس الصف الثالث وطلبت منه الجلوس في الفصل لأستعيد ذكرياتي معه أيام الابتدائية ، المفاجأة أن الطلاب كانوا يقرؤون القرآن ووالله إنهم أفضل وبمراحل من أولئك الطلاب في المرحلة المتوسطة ، كانوا يقرؤون بإتقان عجيب ما شاء الله تبارك الله ، وما ذاك بعد فضل الله إلا لتأسيسهم المتين في القراءة والكتابة .
كان والدي أحيانا يحول دروس العلوم أو التوحيد أو الفقه إلى قراءة أو كتابة أو قرآن إذا لاحظ أن الطلاب بحاجة إلى مزيد شرح ومتابعة لإتقانها ، فكان يردد دائما : إذا خرَّجت طالبًا من الابتدائي وهو متقن للقراءة والإملاء فأكون بذلك حققت نجاحا كبيرًا وهو ما يحتاجه الطالب في هذه المرحلة التأسيسية .
عذرا فقد استرسلت ، وبحق هي ذكريات يجب أن تدونها الأقلام وتسطر في دفاتر الذكريات حفظا لفضل أهلها .
والدي العزيز :
ستبكيك المدرسة وأنت تودع طلابها ومعلميها وفصولها وساحتها وأسوارها ، ستبكيك لأن لك بصمة وحضور مشرّف في كل وقت ومكان فيها ، ستبكيك لأنك أفنيت جهدك وإخلاصك وصوتك يتردد في فصولها مع طلابك الذين أحببتهم وأحبوك .
ولكن عزاءها أنك شيدت تمثال العلم الشامخ في أرجائها طوال ثمان عشرة سنة ألفتها وألفتك .
تحياتي ،،