أخي وعزيزي ( المنخرش ) الله يهبطك باسمه!!!
يعجبنا كثيراً حرصكم على تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحث الناس على امتثالها ، ولا أدل على ذلك من هذه الملاحظة التي لفتت انتباهكم ، وتفاعل معها عدد من الإخوة ، وكان كلامهم عين الصواب بإحالة الموضوع إلى أهل الاختصاص في مكاتب توعية الجاليات ؛ لكني أحببت أن أوضح الصورة أكثر في مثل هذه المسألة فأقول :
للمعلومية فإن المذهب السني الفقهي السائد في عدد من دول وسط آسيا وشرقها هو المذهب الحنفي في الفقه ، مع وجودٍ لا بأس به من المالكية .
ولا ضير ؛ فكما أنا نتبع في الفروع مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، أو نتبع منهج المحققين المتأخرين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ،
وكما أن السائد في مصر وما حولها هو المذهب الشافعي ،
والسائد في المغرب العربي هو المذهب المالكي ،
فكذلك في تلك البقاع : السائد تاريخياً هو المذهب الحنفي ، غير أن هذا لا يعني أنه لا يوجد هناك من أتباع المذاهب الأخرى كالمالكية أو الشافعية أو غيرهم .
ولذا أود أن أنبه إلى أمور :
1- أن من أقل المذاهب أَتبَاعاً على العموم : مذهبنا الحنبلي ، بل إن بعض المؤلفين في الفقه المقارن أو المذاهب الفقهية يدخله في الفقه الشافعي ، لأن الإمام أحمد تلميذ الشافعي ، وكذا الشافعي تلميذ مالك بن أنس ، وإن كان بينهم _ أو بين أتباعهم _ اختلاف في الفتوى .
2- أن غالب هذه المذاهب تتعدد فيها الروايات في المسألة الفرعية الواحدة ، ولذا قد يختلف القول في المذهب الفقهي الواحد في مسألة واحدة ، وما اختلاف المذاهب واختلاف المذهب الواحد في المسألة إلا دليل على أنها من فروع المسائل .
3- أن مذهبنا الحنبلي _ إن صح التعبير_ قريب من المذهب الشافعي ، وقريب منهما المالكي ، بينما مذهب أبي حنيفة تكثر المسائل التي يخالف فيها المذاهب الثلاثة ؛
ولذا نلاحظ اختلافنا في بعض الأحكام مع الأحناف ؛ بينما لا يلاحظ العامة _ أمثالنا _ اختلافنا مع الشافعية والمالكية ،
وهذا كله لاختلافٍ في أصول هذه المذاهب _ من مدرسة أهل الحديث إلى مدرسة أهل الرأي _ ولاختلاف أئمتها في بلدانهم ، وما يبلغهم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
4- أكرر : أن الاختلاف في هذه المذاهب هو في الفقه والأحكام ، أما في العقائد والملل فليس بين أئمة المذاهب اختلاف في العقائد؛ لأنهم اعتمدوا الكتاب والسنة منهلاً عذباً لعقيدتهم ، ولذا لم تختلف عقائدهم ،
ومذهبهم كلهم في العقيدة : هو ما نسميه مذهب السلف وعقيدتهم ،
وهي العقيدة التي دافع عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كثيراً ،
ولما ظهرت الفرق الضالة _ بدءاً من زمن هؤلاء الأئمة أو بعده بقليل _ كالجهمية والمرجئة والقدرية ثم الصوفية وغيرهم كثير ، أخذ عددٌ من أتباع هذه المذاهب بها ولم يأخذوا بمذاهب أئمتهم العقدية ،
ولذا حجهم شيخ الإسلام ابن تيمية بأنهم تركوا مذاهب أئمتهم في العقائد!! .
ولذا فلا تستغرب إذا قيل لك إن السائد في شرق آسيا مثلاً : المذهب الحنفي فقهاً ، والتصوف معتقداً .
وفي المغرب العربي : المذهب المالكي فقهاً ، والصوفية عقيدة .
وفي مصر : المذهب الشافعي فقهاً ، والأشعرية عقيدة . وهكذا دواليك .
5- أن الاختلاف في الأحكام الفقهية لا يضر _ وإن كان المعتمد هو الدليل_ كما قال مالك : إذا خالف قولي قول النبي صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط ، وقال : كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر (ويشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ) .
ولذلك نجد كل واحد من هؤلاء الأئمة يفتي ويقول بقول ، ثم يتراجع عنه ويقول بخلافه لسُنَّةٍ ظهرت له أو لدليل علمه ؛ ولذا قال الشافعي لتلميذه أحمد بن حنبل : إذا علمتم الحديث ... فأعلمونا به ، وطلب منه إذا صح الحديث عنده أن يبينه له حتى يفتي على ضوءه .
وكذلك : فنحن الآن لانعمل بكثير من الأحكام التي نُصَّ عليها في كتب المذهب الحنبلي ؛ لأن الراجح خلافها ، والاختلاف في هذه الأحكام خير لهذه الأمة .
6- أن لهذا الاختلاف أسباباً كثيرة نص عليها العلماء ، منها على سبيل المثال :
غياب الحديث عن بعض الأئمة ، أو اختلافهم في تصحيحه وتضعيفه ،
أو اختلافهم في فهم الدليل ،
أو اختلافهم في الاستدلال ببعض الأمور كعمل أهل المدينة وغيره ،
أو اختلافهم في ثبوت نسخ الدليل من عدمه ،
وأسباب كثيرة جعلتهم يختلفون (((غير أنهم لا يتعادون ويتحاربون إذا اختلفوا في الاجتهاد ))) ،
ولمعرفة جملة الأسباب التي دعت إلى الاختلاف راجع كتب أسباب اختلاف العلماء ومن أعظمها : " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية " .
7- أن في هذا الاختلاف من الرحمة والتوسعة على العباد الشيء العظيم ، فقد اختلف الصحابة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته ، ولم يضرهم هذا الاختلاف _ وإن كان كل منهم يرى أنه محق في اجتهاده ، وما يلبث أن يتراجع إن رآه خطأً _ .
ولذا نحث الشباب على أن لا يحملوا الناس على فتاوى مشايخهم أو ما دوِّن في كتب مذاهبهم ؛ لأن هؤلاء العامة عملوا به بعد أن استفتوا من وثقوا في علمه ودينه ، ومن الخير الكثير أنهم حرصوا على الخير وبحثوا عن الأجر _ وإن كنا نراهم أخطأوا _ ، فإن نصحناهم وقبلوا فذلك خير ، وإن لم يقبلوا فلا ينبغي التعنيف والإنكار عليهم لأنها مسائل اجتهادية ، ولربما كان الحق معهم !!!
وكمثال على ذلك :
هذه الملاحظة التي لاحظها الإخوة ؛ وهي شروعهم في سنتي الفجر والإمام يصلي الفريضة : نحن نراها مخالفة للنص : " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " ،
أما الأحناف فيرون هذا من كلام أبي هريرة رضي الله عنه وليس حديثاً ، وقد خالفه جمع من الصحابة فصلوها . عموماً لا أريد أن أتوسع في سرد الخلاف فيها .
ولذا أقول : لا ينبغي قسرهم على ما يفتي به علماؤنا ، لأنا لو ذهبنا إلى ديارهم لم نرض بفرض مذهبهم علينا ،
والمعتبر الدليل ، فإن أقنعتهم بعلم فذلك خير ، وإلا فلا تفرض عليهم إلا في أمهات المسائل : كالعقائد (فلا نقرهم بالتصوف ، مع دعوتهم بالتي هي أحسن ) ،
وأمهات مسائل الفقه : ( كصلاة الجماعة والحجاب ونحوها ) ،
ونحن ننهى عن مثل هذا التصرف لأن فرض مذهبك ورأيك وشيخك عليهم قد يؤدي إلى نتائج عكسية ، وما يدريك لعل الحق معه!!! ،
ومن الأولى أن تقنع شيخه ومرجعه وتناظره _ على مرأى منه _ حتى تتوصل معه إلى الحق ( إن كانت المسألة مما يستحق هذا الخلاف ) .
وإليكم بعض الأمثلة لمسائل فرعية نختلف مع بعض أصحاب المذاهب فيها :
فالشافعية : يرون مشروعية القنوت في الفجر دائماً ، ولذا تجد الأرياف في مصر لا يتركون القنوت في الفجر _
بل إن من بسطائهم من يعنف على الإمام إذا ترك القنوت !!! _
والأحناف : كما تفضلت لا يتركون سنة الفجر ولو أقيم للفريضة ،
وكذا : فهم يرون بطلان الصلاة بعدد قليل من الحركات حتى إن منهم من يفتي بأن حركتين من خارج الصلاة تبطلها ، وقد يكون هذا سر اهتمامهم بصلاتهم وخشوعهم التام فيها ، على عكس ما ذكر الأخ بأنهم لا يرون الطمأنينة شرطاً ؛ بل إنها تقارب عندهم الركن !
وكذا فهم لا يجهرون بالتأمين مع الإمام في الصلاة الجهرية ، فإذا قال الإمام ولا الضالين : لم يجهروا بـ " آمين " .
وكذا فإن بعض المالكية : يجهرون بالبسملة في القراءة في الصلوات الجهرية .
وكل هذا من الاختلاف في فروع المسائل التي لا تحتمل الشدة في الاستنكار والاستغراب .
ولذا أقول : تعجبني غيرتكم على شرع الله عز وجل ، غير أن ما نحتاجه مع هؤلاء الوافدين هو تصحيح عقائدهم ، وإزالة الشبه عنهم ، واستصلاحهم بالتي هي أحسن ، عل الله عز وجل أن يهدي بك رجلاً فتتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه " لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم " متفق عليه
أعتذر على الأطالة ، وأسأل الله أن يجمعني بكم في جنات النعيم ؛ مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاُ ...
محبكم / صالح أبو
__________________
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً***بالطوب يرمى فيرمي طيب الثمر
آخر من قام بالتعديل صالح أبو; بتاريخ 10-10-2005 الساعة 11:20 AM.
|