الورقة الثالثة
على غير عادته حضر المعلم إلى درسه مبكرا !
هذه المرة , لم يسحب كرسيّا ويجلس , ولم يحدثنا عن مباريات الأمس ..
فاليوم هو في شأن آخر! طلب من أحدنا مسح السبورة , ثم استدار إلينا ورتب طاولاتنا
يا شباب تأكدوا من نظافة أماكنكم , اعتدلوا في جلساتكم .. وكأنه سيؤمّنا في صلاة !
وبدأ يهيئّ مكانا في الخلف , نزع سجادة أحد زملائنا..
وفرشها على الكرسيّ المعدّ .. آهآآه ! سيشرّف المشرف !
لأول مرة كانت أدواته ووسائله مكتملة
توجّه إلى السبورة وكتب البسملة , لم ينتبه أن الطالب لم يمسحها أصلا !
على السبورة بسملتان , الأولى كتبها معلم جادّ .. يستعين باسم الله حقا
والثانية لمعلم يخطب ودّ مشرف .. فشتّان بين البسملتين !
وباستجداء يمزّق وقار المعلم , طلب منّا ألا نخذله , وأن نبيّض وجهه _ حسب زعمه _
ما هي إلا لحظات , والمعلم الآخر الهارب من الميدان .. عفوا أعني المشرف
ماثل أمامنا , وقد حظي باستقبال حار من لدن معلمنا , وتشييع إلى الخلف ..
حيث المكان المعدّ .. نعم إلى الخلف , يبدو أنه المكان المناسب للمشرف !
شرع المعلم بشرح الدرس .. يا الله .. أووه ما هذا ؟!
ذهلنا من إبداع المعلم في الشرح , وروعة تعامله معنا
كل هذه الإمكانات لديك , ولم نرها من قبل ! يا ظالم !
والمشرف قابع في الخلف , يحدّق به , ويملأ أوراقه بتقرير مزيّف
ونحن أيضا لم نخذله , أتقنّا دورنا بجدارة , في المسرحية المهزلة
فلقد كنّا نرفع أيدينا عند كل سؤال , ولو لم نعرف الإجابة .. طبعا بإيعاز من المعلم !
انتهى الدرس , خرج المشرف راضيا , والمعلم جذلان .
بعد أن زرع فينا أبشع ما يمكن زرعه في النشء .. تزييف الحقائق
على الضفة الأخرى , وفي نفس الفصل , يتكرر المشهد ..لكن
مع معلم مختلف , ودرس مختلف أيضا , كان يعلم بزيارة المشرف بعد قليل
لكنه .. لم يأبه , ولم يعد له مكانا .. فهو مشغول بدرسه كالعادة ..
وليس لديه وقت لممارسة التزلّف الذي يريدون
حضر المشرف .. قبع في الخلف ! كل شيء كالعادة
عدا أننا أردنا ألاّ نخذل معلمنا , كنا نفعل معه ما كرسه فينا غيره
فجأة ! توقف عن الشرح .. وعلى مرأى ومسمع من المشرف
عاتبنا قائلا : كونوا على سجيتكم .. ما هذا النشاط ؟ كل هذا لأجل المشرف !
حسبتم حسابا لمن زاركم دقائق , ولم تراعوا معلما يزوركم كل يوم
أين هذه الحيوية والحرص من قبل ؟ حقّا لقد خذلتموني !
خرج المشرف ..
وقبل أن يخرج المعلم المربي , التفت إلينا ..وقال :
إن كان المشرف واحدا .. زارني في درس واحد
فأنا أعتبركم عشرين مشرفا .. تزورونني كلّ درس !
ثم انصرف .
|