سلسة تأملات في أحاديث السنة النبويّة ( 1 )
السلام عليكم .
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ , قَالَ : " إِنَّ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِائَةَ رَحْمَةٍ , أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا عَطَفَتِ الْوَحْشُ عَلَى أَوْلادِهَا , وَأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً لِنَفْسِهِ يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ")) رواه مسلم .
فكل مايحصل من مواقف يتراحم فيها الناس فيما بينهم كإحسانٍ إلى ضيف أو كشف كربة أو إغاثة لهفان , فهو من ثمرة تلك الرحمة التي أنزلها الله , بل حتى البهائم فيما بينها وجاء في بعض شواهد هذا الحديث (( جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرَضِينَ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ يَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تَطَأَهُ وَتُصِيبَهُ " ))
قال القرطبي معلقًا على الحديث السابق (( وإذا تقرر هذا , فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة له على الرفق , وكشف ضر المبتلى , فقد رحمه الله سبحانه وتعالى بذلك في الحال , وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل , ومن سلب ذلك المعنى منه , وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ , ولم يلطف بضعيف , ولا أشفق على مبتلى , فقد أشقاه الله في الحال , وجعل ذلك علمًا على شقوته في المآل , نعوذ بالله من ذلك .. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم _ : (( الراحمون يرحمهم الرحمن )) .. وقال (( لايرحم الله من عباده إلا الرحماء))
وقال (( لاتنزع الرحمة إلا من شقي )) وقال (( من لايرحم لايُرحم )) .
قلتُ : وهذه الأحاديث تدفـع المسلم على تجديد توبته , وإحسان الظن بربـه , والإقبال عليه بالطاعات رجاء مغفرته ورحمته ..
ولايخفى أن أهل السنة والجماعة , يرون أن لله أسماء وصفات , تليق بعظمته وجلاله , ويمرونها بلا تكييف ولاتشبيه ولاتمثيل ولاتعطيل .. قال تعالى ( ليس كمثله شيء وهو السميـع البصير ) ..
أسأل الله أن يتغمدنا وإياكم بواسـع رحمته وغفرانه ..
.