اتصلت بي امرأة ، وقفتُ على قصة ..
أسعدَ الله أوقاتكم ..
عندما تسمعُ شخصاً يقولُ : فلانٌ يصطادُ في الماءِ العكرِ ، يتبادرُ لمُخيَّلتِكَ سوءُ النيةِ وخبثُ الطبعِ وانتِهازُ الفرصِ ووضاعةُ المقصدِ ، وهذا ما يصدقُ على بعضٍ من الأشخاصِ الذينَ نصبوا أنفُسَهم لحلِّ المشاكلِ الأُسريةِ والزوجيةِ وبدوا كالطفيلياتِ يقتاتونَ على الآخرين ومصائبُ قومٍ عندَ بعضِهم فوائدُ ، وليستِ الفائدةُ العائدةُ عليهم أجرٌ وثوابٌ أخرويٌّ يرجونَه بل حبُّ الظُّهورِ والتسلقُ على أكتافِ غيرهم والأدهى والأمرُّ كونُها أكتافاً واهنةً من مصابٍ أو صوتٍ مبحوحٍ لا حولَ له ولا قوةَ .
اتصلتْ بي امرأةٌ ، وقفتُ على علاقةٍ ، حدَّثتني من أثِقُ بها ، في الموقعِ الفلانيِّ يرجى الحذرُ فلقد سمعتُ .. ، وخذ من هذه الأمثلةِ التي يتحفكَ بها بعضُ متفيهقي الأشرطةِ في التسجيلاتِ الإسلاميةِ ، أو يطلُّ عليكَ يتشدَّقُ بها على قناةٍ فضائيةٍ بما تسمى محافظةٌ –وأنا أعترض على هذا الإطلاقِ لأنها لا تخلو من دخنٍ- أو تجلسُ تنتظرُ صلاةً أو عقبها لواقفٍ يحكي مأساةَ أسرةٍ ، وكأنه يتباهى بشهرتِه التي طالت حتى وصِلت للمصابين والمأزومين من الجنسين ، والغالبُ أنها من النساءِ إن لم يكن جُلُّها ..
والله يُخشى على مثلِ أولئكَ أن يأثموا من حيثُ لا يعلموا ، فمثلاً هناكَ شريطٌ صدرَ لأحدِ الأشخاصِ يتحدُّثُ فيه عن وقوفهِ على تصرُّفاتٍ تصدرُ من النساءِ حينَ يرتدْنَ أماكنَ معينةٍ واشتهرَ هذا الشريطُ وبلغَ الآفاقَ وما شُهرتُهُ إلا لقصصَ "السِبَاحينِ" التي يحويْها ، وما يعتَبِرُهُ جراءَةَ طرحٍ فيه هو في نفسِ الوقتِ انتِهاكٌ صارخٌ لخصوصيةِ الآخرينَ ، فأجزمُ أنَّ ذلكَ الشريطَ قد استمعَ له إحدى من رُويتْ قصصُهنَّ فيهِ ، فكيفَ بها وقد ائتَمنت هذا الشخصَ على حادثَةٍ ترجو من الله –عز وجل- تفريجَ أمرها ثمَّ من هذا الشخصِ فتحَ بابِ للحلولِ لها لتجدُهُ بكلِّ صفاقةٍ يتاجرُ في مأساتِها متاجرةً بعائدةٍ ماديٍّ أو معنويٍّ يعودُ عليهِ ، والأدهى والأمرُّ إن سمى مكاناً مقصوداً بعينِهِ أو ناحيةً أو فئةً .
لم يكن من هديِّ النبوةِ ولا السلفُ الصالحُ ائتمانُ غيرِ الأكفاءِ على دواخلِ البيوتِ والأُسَرِ والفئاتِ ، وليسَ من الكفاءةِ في شيءٍ أن يتمَّ إفشاءُ ما سُمعَ حتى ولو كان بدون تسميةٍ خاصةً مع وجودِ قرائنَ قد تصلُ لمن لهمُ الحلُّ والعقدُ ، والله لقد ذكرَ لي شخصٌ أنَّه كانَ بمجلسٍ وجاءهم من أولئكَ الأشخاصِ ولم يكن يعلمُ بوجوديَ ، حيثُ تربطني به علاقةُ نسبٍ ، وبدأ يتحدَّثُ عن تدهورِ علاقةِ قريبٍ لي مع أسرتي وهذا القريبُ ممن يشارُ له بالبنانِ في بريدةَ وعلمتُ أنه يقصِدُنا للقرائنِ والتلميحِ القريبِ من التصريحِ ، حتى كرهَ المتحدثُ هذا الشخصَ وقريبهُ لما أوصلَه إليه من أن جعلهُ على لسانٍ الناسِ بالشماتةِ كما يذكرُ .
ثمَّ توقفوا معيَ عن الفائدةِ من اتصالِ امرأةٍ بشخصٍ قيلَ لها بأنهُ مصلحٌ اجتِماعيٌّ أو أُسريٌّ ، فقالتْ لهُ شكواها وأن زوجَها قاربَ على ضَربِها ، ثم بدأَ سعادةُ المصلحِ يهرطِقُ عليها ، خذيهِ بالحسنى توددي إليه ، حاولي استقبالهُ مبتَسمةً .. الخ ، جميعُ ما ذكرتَ تعرفُه المتَّصلةُ وقد تكونُ جرَّبتْهُ ، والحلُّ لا يكونُ بتنظيرٍ بل بتطبيقاتٍ عمليةٍ ، ولم ينصَّ الشرع بمثلِ هذه الحالاتِ على تنظيرٍ بل على تطبيقٍ أوليسَ أعزُّ القائلينَ قال : ( فإن خِفْتُمْ شِقَاقَ بينِهِمَا فابعَثُوا حَكَمَاً من أهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أهْلِهَا إنْ يُرِيْدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ الله بينَهُمَا ) الآيةُ ، أوليسَ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ أجرى تَطبيْقاً عمَلياً عندما زارتْهُ فاطمةُ الزهراءُ رضيَ الله عنْها وطلَبتْ منهُ خادِماً للعملِ الذيْ أثقلَ كاهِلَها الشريفَ فجاءَ رسولُ الهُدى عليهِ الصلاةُ والسلامُ إلى بيتِها وجلسَ بينَها وبينَ عليٍّ رضيَ الله عنهما وأرْشَدَهُما في القصةِ المعروفةِ ، وخذْ من أمثِلةِ السلفِ الصالحِ الشيءَ الكثيرَ ، بل وحتى من أهلِ الخيرِ في وقتِنا الحاضرِ ما تشاءُ ، والذينَ يعملونَ على الإصلاحِ بالسرِّ وتوفيقِ الزوجينِ والأُسرِ ، وإزالةِ الخلافاتِ بدونِ مساسٍ بحرمةِ تلكَ العلاقاتِ أو الاقتياتِ عليها ، وليسَ على سبيلِ "سواليفَ" هاتِفيَّةٍ دونَ خطواتٍ عمليةٍ .
بل وصِلتْ العدوى إلى المتخصصينَ في المجالِ بعدَ أن استدرَجَتهمُ القنواتُ الفضائيةُ ، وأوعَزتْ إليهمُ أنّ تقديمَ القصصِ مدعاةٌ لجلبِ المشاهِدِينَ ونجاح البرنامجِ وإيصالِ الصوتِ ، سواءاً كانَ ذلكَ بشكلٍ مباشرٍ أو غيرَ مباشرٍ .
والنصِيحةُ أوجِّهُهَا لأصحابِ المشاكلِ والحاجاتِ ألا يجْعَلوا مشاكلَهم سلعةً ، فالحلولُ لا تصِلُ عن طريقِ الهاتِفِ بل بالتواصلِ مع أصحابِ الشأنِ في الأُسرِ أو مع المؤسساتِ الخيريةِ كإصلاحِ ذاتِ البين أو الجمعياتُ المعنيةُ التي يقومُ عليها الأخيارُ ، والجميعُ إذ يستنكرُ تصرُّفاتٍ بعض الرقاةِ ممن يستغِلونَ المَرْقيينَ وتصرفاتِ بعضَ مفسّري الأحلامِ والذينَ لا يستَحونَ من طلبِ اسمِ الرائيةِ حياً على الهواءِ على قناةٍ فضائيةٍ ويتدرجُونَ مع خطُواتِ الشيطانِ ، يجبُ أن يستَنكروا بدرجةٍ أعظمَ تصرُّفاتِ هؤلاءِ الوالغينَ في مشاكلِ الناسِ لتحقيقَ مآربَ شخصيةٍ أو الزَّهوِ بها في مجامعِ الناسِ .
وألفُ تحيةٍ عطرَةٍ ودعاءٍ بتحميدِ المسعى ، ورفعِ الدرجاتِ ، وإقالةِ العثراتِ ، لمن كانَ همهُ أن يصُدُقَ فيهِ قولُ الله عزَّ وجلَّ : (لا خيرَ في كثيرٍ منْ نَجْواهُم إلا منْ أمرَ بصَدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بينَ الناسِ ومنْ يفْعَلْ ذلكَ ابتِغاءَ مرْضاتِ الله فسوفَ نؤْتِيهِ أجراً عظيماً ) .
|