مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 07-01-2012, 11:04 AM   #2
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537

الفريدة العاشرة : زيادة اللفظ في كلام العرب .


من سِماتِ كلام العرب زيادة بعض الألفاظ للتأكيد , واللفظ المزاد إما أن يكون اسماً أو فعلا أو حرفاً .
فأما الاسم فالأصل عدم زيادته , لأنه قائم بنفسه , ولكن مع ذلك وردت الزيادة في الأسماء بشكل يسير جداً , ومن ذلك ضمير الفصل في نحو : زيدٌ هو الكريم , فالضمير ( هو ) زائد لأجل التوكيد , ولو حذف لكان المعنى قائماً .
وكذلك الفعل , فالأصل فيه عدم الزيادة , لأنه دال على حدث وزمن , وزيادته إثقال للفظ بلا داع , ولكن مع ذلك فقد وردت الزيادة في بعض الأفعال مثل : زيادة ( كان ) في قولهم : ما كان أكرمَ زيداً , قال ابن مالك :
وقد تزاد ( كان ) في حشوٍ كما ,,, كان أصحَّ علمَ من تقدَّما

أما الحرف فالزيادة فيه كثيرة جداً , لأن معناه لا يتعلق به , فاستخفوا زيادته , كما زادوا ( أن ) بعد ( لَمَّا ) نحو : لما أن جاءني الضيف أكرمته , قال تعالى : {فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ } (96) سورة يوسف
وكذلك زيادة الباء في خبر ما , وليس , نحو : ما أنا بحاضر , لستُ بصاحبٍ لك
ومنه قوله تعالى : { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (132) سورة الأنعام
وقوله تعالى : { قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} (66) سورة الأنعام .
وكذلك زيادة ( ما ) بعد أحرف الجر نحو : " {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ } (159) سورة آل عمران , {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } (155) سورة النساء .
وكذلك زيادة ( مِنْ ) في النفي كما تقول : ما جاءني من أحد ..
ومنه قوله تعالى : { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } (3) سورة فاطر .

وهنا يظهر لنا سؤالان :

السؤال الأول : ما معنى زيادة الحرف ؟
الجواب : زيادة الحرف لا تعني أنه ليس قيمة في الجملة , كلا .
وإنما معنى الزيادة فيه أنه زائد من جهة الإعراب والإسناد في الجملة , وليس من جهة المعنى , فحين يقول النحاة إن هذا الحرف زائد , لا يعنون به أنه ليس قيمة في الجملة , بل يعنون أنه خارج عن التركيب الإعرابي أو الإسنادي للجملة بشكل عام .
ولكي يُفهَمَ هذا الكلام , نوضِّحُه بالمثال :
ليس محمدٌ بحاضرٍ .
ليس : فعل ناقص مبني على الفتح .
محمد : اسم ليس مرفوع ..
بحاضر : الباء حرف جر زائد .
حاضر : خبر ليس مجرور لفظا منصوب محلاً ...
فنلحظ هنا أن حرف الجر الزائد لم يؤثر على الإسناد العام للكلمة ( حاضر ) فهي ظلت خبرا للفعل قبلها , ولم يضر فيها الجر الظاهر , لأنه عارض .
ومثله : فبما رحمة من الله .
الباء حرف جر .
ما : زائدة ..
رحمة : اسم مجرور بالباء ..
فنلحظ أن ( ما ) لم تؤثر في السياق الإعرابي للكلمة .
وهذا معنى كونها زائدة عند النحويين .
أما من حيث المعنى فلا شك أن لها معنى هاما جدا , والحرف الزائد غالبا يأتي لتوكيد اللفظ أو لتوكيد السياق .
قال السيوطي : " وسئل بعضهم عن التأكيد بالحرف وما معناه , إذ إسقاطه لا يُخل بالمعنى ؟
فقال : هذا يعرفه أهلُ الطباع , يجدون من زيادة الحرف معنى لا يجدونه بإسقاطه .." [ الإتقان في علوم القرآن : 3/196 ] .

السؤال الثاني : هل في القرآن الكريم حرف زائد ؟
لعل القارئ يلحظ أنني مثلت فيما سبق بآيات قرآنية , وقد يتحرج كثير من الدارسين بإطلاق لفظ زائد في القرآن , وشنوا حملة على النحويين بإطلاق لفظ زائد في إعرابهم للقرآن , وتفسيرهم , لأن القرآن في نظرهم مُنَزَّهٌ عن الزيادة والنقص , ولذلك لجئوا إلى التعبير بلفظ ( صِلَة ) لما هو زائد في الإعراب في القرآن الكريم .
وهذا كلام صحيح في بعضه , فالزيادة بلا قيمة ولا معنى لا يمكن أن تكون في التنزيل , ولا يمكن أن يقول به مؤمن موحد فضلا عن عالم متمكن .
ولكن القائلين بهذا القول جهلوا معنى الزيادة التي أرادها النحويون في كلامهم , فالزيادة كما أسلفنا إنما هي زيادة إعراب وإسناد لا زيادة معنى , فالحرف في كتاب الله تعالى لا يمكن أن يأتي إلا وله معنى , ولكن تركيب الجملة في كلام العرب مكونة من مسند ومسند إليه كالمبتدأ والخبر , والفعل والفاعل , ويسمى الواحد منها ( عمدة ) لأنه ركن أساسي في الجملة , وما كان خارجا عن هذين الركنين فهو يسمى ( فضلة ) , كالمفاعيل , والحال والتمييز والاستثناء والنعت والبدل , والجار والمجرور وغيرها , ولا يعني أن تسميتها بالفضلة ألا يكون لها معنى أو قيمة ! كلا , بل المراد أنها خارجة عن ركني الإسناد .
فكذلك الحرف الزائد , هو زائد من جهة الإعراب , وليس زائدا من جهة المعنى .
فمثلا : إذا قلت : ما جاء أحد . هذا نفي صريح .
ولو قلت : ما جاء مِنْ أحد , فهذا أصرح وأبلغ في النفي , والنحاة يقولون بأن ( مِنْ ) هنا زائدة .
وكذلك تقول : ما زيدٌ حاضرٌ ,, جملة تامة , وتقول : ما زيدٌ بحاضرٍ , فتزيد الباء إمعانا في تأكيد النفي .

إذن , فالخلاصة : أن الزيادة في القرآن عند النحويين لا تعني الحشو في الكلام , وإنما تعني الزيادة الإعرابية فقط .

فائدة سريعة : في لهجة أهل نجد العامية يقولون : فلان مهب حاضر , والله منب مسافر اليوم ..
والمتأمل لهذا التعبير يجد أنه كلام فصيح جدا , ولكن دخل عليه بعض الاختصار , وأصل العبارتين : فلان ما هو بحاضر , والله ما أنا بمسافر . والباء تزاد بعد ( ما ) النافية كثيرا , فجمع العامة ثلاثة كلمات وجعلوها كلمة واحدة ( حرف النفي ما , والضمير , والباء الداخلة على الخبر ) .
__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل