أمــــــكـ ومـا أدراكـ مـا أمـــــكـ ..
حملتك في أحشائها تسعة أشهر ، ذاقت فيهل المُرّ ، وتغيرت عليها دنياها ، فما المذاق هو المذاق ،
ولا المعاشرة هي المعاشرة !
فكم من أنّةٍ خالجتها ، وزفرة دافعتها من ثقلك بين جنبيها ، لا يزداد جسمك نمواً إلا وتزداد معه ضعفاً .
تُسر إذا أحسّت بحركتك داخل جوفها ، ولا يزيدها تعاقب الأيام وكرُّ الليالي إلا شوقاً لرؤيتك واشتياقاً
لطلّتك .
ثم تاتي لحظة خروجك ، فتعاني ما تعاني من خروجك !!
فلا تسل عن طلقها اللذي يعتصر له الفؤاد ، وآلامها اللتي تُعجزها عن البكاء !!
ولا تسل عن تعسر ولادتها ، ترى الموت في تلك الساعة عشرات المرات حاضرا بين عينيها ،
فإذا تعسرت ولادتك استسلمت راضية ، خائفة عليك لا على نفسها من ان تعبث مشارط الاطباء
في بطنها ..
حتى إذا ماخرجت من أحشائها وشمّت عبق رائحتك نسيت آلآمها ، وتناست أوجاعها ، وعللقت
فيك جميع آمالها ، فكنت انت المخدوم في ليلها ونهارها ، تغذيك بصحتها ، وتدثرك بحنانها ،
وتميط عنك الأذى بيمينها ، تخاف عليك من اللمسة ، وتشفق عليك من الهمسة .
إذا صرخت فزّ قلبها إليك ، سرورها أن ترى ابتسامتك ، إذا مسّك ضر لم يرفا لها دمع ،
ولم تكتحل بنوم ، تفديك بروحها وعافيتها .
فكم من ليلة سهرتها من أجلك ؟ وكم كم دمعة ذرفتها من أجل مرضك ؟ .
فياليت عنائها ينتهي عند هذا ؛ بل ماتزيدها الايام إلا لك حبا ، وعليك حرصا ، فما إن يتم فصالك
عامين ، وتبدأ خطواتك الصغيرة بالثبات ، إلا وترمقك بنظراتها ، وتحيطك بعنايتها .
أوامرك مطاعة ، وطلباتك مجابة ، تغتمُّ لحزنك ، وتضيق لغضبك ، تشقى لك أنت ، تتعب حتى تهنئ أنت ،
فكم من دموع عنك أزالتها ؟ وهموه عن صدرك أزاحتها ؟ حتى إذا صلب عودك ، وزهر شبابك ،
كنت انت عنوان فخرها ، ورمز مباهاتها ، تسر بسماع أخبارك ، وتسعد برؤية آثارك ،
فكم من دعوات لك تجلجلت في ظهر الغيب وأنت لا تدري ؟ وكم من ابتهالات سالت معها الدموع
على المآقي من اجلك وأنت لا تشعر ؟ .
تعطيك كل شيء ولا تطلب منك أجرا ، وتبذل لك كل وسعها ولا تنتظر منك شكرا ، أحسنت إليك إحسانا
لا تراه ، وقدمت إليك معروفا لن تُجازاه .
فهاهي قد تقضى شبابها ، وعلا مشيبها ، ورقّ عظمها ، واحدودب ظهرها ، وارتعشت أطرافها ،
وزارتها اسقامها ، في هذه "الحالة " لا تنتظر منك إلا قلبا ً رحيما ، ولساناً رقيقا ، ويداً حانية .
* للأمــانـة .. مـنـقـول*