مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 21-02-2012, 11:25 AM   #3
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
( 3 )

ومن أجل هذه الصعوبة , فإن الأمثل لدراسة النحو هو التدرج من الأدنى إلى الأعلى شيئا فشيئا عن طريق تكبير الدوائر , فتدرس النحو كله بطريقة موجزة , ثم توسع الدائرة قليلاً فتدرسه بشكل أرحب من قبل , ثم توسع الدائرة قليلا .. وهكذا حتى تصل إلى مرحلة الإتقان .
وبالمثال يتضح المقال :
فتدرس أولا الآجرومية بأي شرح أدرتَ , إما بشرح الأهدل الموسع , وإما شرح ابن عثيمين رحمه الله , وإما شرح ابن قاسم المسمى : حاشية الآجرومية , وأفضل شرح للآجرومية من وجهة نظري هو شرح العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله المسمى : التحفة السنية على مقدمة الآجرومية , ويمتاز بسهولة اللفظ , وجودة التمارين .
فإذا أتقنت الآجرومية , فإنك تنتقل بعدها إلى دائرة أوسع , ومن أحسن الدوائر في هذه المرحلة : كتاب قطر الندى لابن هشام , وشرحه للمؤلف نفسه , أو شرح الشيخ عبد الله الفوزان المسمى : تعجيل الندى ..
وكتاب : ملحة الإعراب للحريري , مع شرحه للمؤلف نفسه .
وكذلك كتاب : شذور الذهب مع شرحه , وكلاهما لابن هشام , ويمتاز هذا الكتاب بطريق العرض الجيدة .
فإذا حصل لك إتقان ولو نسبي لهذه المرحلة , فانتقِلْ إلى المرحلة التي تليها : مرحلة النضج اللغوي النحوي : ألفية ابن مالك , مع شروحها , وأحسن شرح لها هو شرح ابن عقيل , وأوسعها : شرح الشاطبي المسمى : المقاصد الشافية , وكذلك شرح الأشموني , وأعمقها معنى : شرح ابن هشام المسمى : أوضح المسالك أو التوضيح ,,, وأسهلها عبارة شرح الشيخ عبد الله الفوزان حفظه الله المسمى : دليل السالك .
وأنصحُ بحفظ المستطاع من الألفية , لأن في ذلك ترسيخا للنحو وقواعده وفروعه .
ولا ضير عليك بعد هذه المرحلة أن تقرأ في كتب المتقدمين أمثال : كتاب سيبويه , وكتب الفارسي وابن جني ونحوهم , فهي المصدر الأصيل لهذا العلم العظيم .

سادساً : يجب أن تكون قراءتك على شيخ أو معلِّم , وخاصة في البدايات , أما من جعلَ شيخَه كتابَه , فقد كثر خطؤه وقلَّ صوابُه .

سابعاً : أنصح طالب النحو الجاد أن يقرأ كثيرا في كتب اللغة والأدب , لأنها ترسخ العلم , وتوطن العربية في عقله وفكره , فليقرأ كتاب : الكامل للمبرد , وكتب الجاحظ , وكتب ابن قتيبة , والأمالي للقالي , والنوادر لأبي زيد , والعقد الفريد لابن عبد ربه , وزهر الآداب للحصري , والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني , والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي , والأوراق للصولي , وثمرات الأوراق للحموي , وشرح مقامات الحريري للشريشي , وشرح لامية العجم للصفدي واسمه : الغيث المسجم في شرح لامية العجم , وشرح ديوان الحماسة للتبريزي , وغيرها كثير .
فقراءة مثل هذه الكتب أو بعضها يكسب القارئ الأسلوب الرفيع , واللغة العالية , وترسخ اللغة في عقله الباطن فتكون سليقة لديه حينما يكتب أو يتكلم أو يراسل ,, ولا سيما أن مثل هذه الكتب أشبه بالكشكول الأدبي الذي يجمع بين اللغة والنحو والأخبار والتاريخ والنوادر والطرائف والشعر والآداب , فأنت في بستان أفيح تنتقل من روضة إلى أخرى لا تمل ولا تكلّ .
وللأسف أني أجد عند كثير من طلبة العلم الشرعي عزوفا عن مثل هذه الكتب التراثية الرصينة بحجة أنها مليئة بقصص الغزل والنساء , أو أن مؤلفيها مطعونون في دينهم كالجاحظ وأبي الفرج وأبي حيان , أو أنها تعد من مضيعة الوقت في نظرهم .
والجواب عن هذا كله : أن هذه الكتب جمعت فأوعت , ولك أن تختار , ولا سيما أن مثل هذه الكتب لا تُؤَسِّسُ فِكْراً ولا عَقِيدَةً , بل هي مخزون لغوي أدبي لا غنى لطالب العلم عنه , ولم أجد أحدا من علماء الشرع السابقين قد حذر من قراءتها أو الاطلاع عليها , بل إن ابن خلدون رحمه الله حث في مقدمته على قراءة أربع كتب : البيان والتبيين للجاحظ , وأدب الكاتب لابن قتيبة , والكامل للمبرد , وأمالي أبي علي القالي , وجَعَلَ هذه الكتب أصولا وأركانا للأدب .
__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل