( 5 )
8. فانتقلت بعده إلى الجامعة , وهنا كانت الثورة النحوية , حيث النقاش الحاد , والجدل اللغوي , واللقاء بفطاحلة اللغة والنحو , كالدكتور رفعة الليثي والدكتور فخر قدارة والدكتور حسن هنداوي , والدكتور سليمان الحلفاوي , والدكتور صلاح الدين السيد , وأبرزهم وأعظمهم كان الشيخ العلامة صالح العبيكي ( أبو سليمان ) حفظه الله ووفقه لطاعته , فقد درسني هذا الرجل سنتين كاملتين ( أربع مستويات ) كنت معه أولا بأول , صاغ لي النحو صياغة جليلة , وعلمني كيفية التفكير النحوي , والمهارة النحوية , والسليقة العربية مما لا أنسى فضله بعد الله تعالى ما عشت حيا .
9. وكنت في الجامعة أكتب المذكرات في النحو أولا بأول مع كل دكتور , وكان الأساتذة يتركون الكتاب ويقررون مذكرتي بعد مراجعتها وتصحيحها , وما زلت أحتفظ بجميع المذكرات المخطوطة باليد إلى يومكم هذا ولله الحمد .
.10. درست في الماجستير على أيدي ثلة من عمالقة النحو كالشيخ محمد المفدى والدكتور عبد الله الخثران والدكتور تركي العتيبي والدكتور علي البواب , فكان لهذه الدراسة والاحتكاك بهؤلاء العمالقة الأثر الكبير في صياغة فكر صاحبكم اللغوية والنحوية .
11. نسيت أن أخبركم أني قبل أن أدخل الجامعة وحين استشرت الشيخ عبد الله الفوزان , أخبرني أنه سيبدأ بدرس شرح الألفية في المسجد , فجر كل خميس , فالتحقت بالدرس منذ ذلك اليوم , وكان الدرس قراءة في شرح ابن عقيل مع تعليقات الشيخ وإضافاته , فلازمتُ الدرس أربع سنوات حتى تخرجت من الجامعة , ثم بعد ذلك أخذتني صوارف الحياة العملية عن الدرس , ولم ينته الشيخ بعد من الألفية آنذاك , وأذكر أنه في آخر الوقت لم يكن يحضر مع الشيخ إلا ثلاثة أو أربعة بعد أن كانوا قرابة العشرين في البداية , وهذه مشكلة الدروس الطويلة , التي قد يمل الطلاب منها , ومن هنا اتجه كثير من المشايخ إلى الدورات المكثفة في عصر السرعة , وأذكر أنه كان من زملائي في الدرس عند الشيخ عبد الله , الشيخ خالد المشيقح , والشيخ عثمان العثيم , والشيخ أحمد الزومان , وغيرهم , ولم يستمر منهم مع الشيخ إلا أحمد الزومان وفقه الله .
12. أذكر أني حضرت دورة ميسرة في الآجرومية للشيخ أحمد العلوان , في مسجد الجاسر بحي السلام , ولم أستمر معها مع إعجابي بالشيخ أحمد , لأنها كانت دورة مبسطة جدا .
13. أثناء دراستي في الجامعة كانت تمر بنا مراجع كثيرة في النحو والصرف , فكان الطلاب يذهبون لمكتبة الكلية لتصوير المطلوب , وكنتُ أذهب لمكتبة الرشد لأشتري الكتاب كاملاً , فلم أتخرج من الجامعة إلا وقد كونت مكتبة نحوية لا بأس بها , وحين تخرجت وأصبحتُ معيداً فيها , لم أتوقف عن شراء الكتب النحوية حتى يومكم هذا , فتحصل لدي بحمد الله كتبا كثيرة في النحو واللغة والأدب والمعاجم ما يزيد على مائتي كتاب ولله الحمد والمنة , وقد قرأت في اللغة والأدب الشيء الكثير , فقرأت البيان والتبيين للجاحظ , وشيئا من الحيوان , والكامل للمبرد , وعيون الأخبار لابن قتيبة , وشيئا من أغاني أبي الفرج , وثمرات الأوراق للحموي , وبعض الأمالي للقالي , وبعض العقد الفريد , ومحاضرات الراغب , وغيرها من الكتب الأخرى التي استفدت منها لغة وأدبا ونحوا ومعاني .
14 . ليس شيء أنفع لطالب العلم من تدريس المادة , فحين تريد أن تتقن مادة ما , فعليك أن تدرِّسها لمن هم دونك , فتترسخ لديك , وهذا كان دأبي في علم النحو , فكنت أدرس بعض زملائي منذ المتوسط , وأدرس أخواتي في البيت , وقد أقمت دورة في الإعراب في مسجد الصمعاني بحي الخليج استمرت أسبوعا ونصف أول ما تخرجت من الجامعة , فكان لهذا الأثر البالغ في جمعي المادة والتحضير الجيد .
15. كنت كثير السؤال عن اللغة والنحو , وأذكر أني كنت أزعج مدرس الحلقة بالإعراب , فأسأله عن إعراب آية أو كلمة , فكان يتضايق كثيرا , فهو بين حالين يتجاذبانه , فهو مسرور بأن تلميذه يحرص على فهم الآيات ويطلب إعرابها , وهو في الوقت ذاته محرج من كثرة الأسئلة التي قد لا يجد لها جوابا حاضرا في وقتها , مع أنه كان من خريجي اللغة العربية .
16. أذكر أني كنت أعترض على مدرس التاريخ في المعهد حينما يكتب في السبورة فيخطِئ بالرفع أو النصب كأن يكتب مثلا : وقد انتصر الأيوبيين على الفرنجة ,, فأصرخ آخر الفصل : الأيوبيون يا شيخ , فيضحك دون أن يلتفت , ويعدلها قائلا : ولا تزعل يا شيخ علي !!
17. هذه تجربتي في النحو خاصة وعلم اللغة بشكل عام , ولا أزعم أنها تجربة فريدة تستحق الاهتمام , ولكنه اجتهاد من أخيكم بعد أن طلب منه ذلك , سائلا الله تعالى أن ينفع بها , وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .
18. في الختام : أحب أن أنبه أني بصدد فتح درس لغوي نحوي , يكون مقسما بين النحو واللغة والأدب , حيث نشرح كتاب قطر الندى لابن هشام , وبعده نقرأ في كتاب : الكامل للمبرد , وسيكون يوم الأربعاء غدا إن شاء الله أول الدروس في مسجدنا بحي الخليج , بعد صلاة العشاء مباشرة , نسأل الله التوفيق والسداد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم : علي بن سليمان الحامد ( أبو سليمان ) ,
تم الفراغ منه صبيحة الثلاثاء : 27 / 3/1433 هـ .