إيصال أفكارنا .. لماذا هو هكذا ؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
جميلٌ أن يضع الشخص له منهجًا في حياته ، يحدد من خلاله أهدافَهُ وطُرُقَهُ ووسائلَهُ .
وجميلٌ أن يثبت على منهجه ، ويبتعد عن تذبذب المنهج ، واضطراب الفكر ، إلا إن تبيَّن له أن الحق خلاف ما هو عليه ، فالأجمل أن يسير إلى التي هي أحسن .
ومن الحسن أيضًا ، أن يطرح بين الفينة والأخرى بعضَ الأفكار التي يرى أنَّ من الجيد مناقشتَها والحوارَ حولها ، لعل أحدًا ينتفع بها ، ويقتنع ، ويتبنى .
ومهما اختلفت الأفكار ، وتباينت وجهات النظر ، فإن ذلك محتملٌ ما دام في حدود شرع الله ، ولم يتعدَّ حرمات الله ، والأصل في المتلقي تقبُّل ما يعارض نَظَرَهُ من أفكارٍ ، تقبُّلَ مناقشةٍ وحوارٍ ومراجعةٍ ، لا تقبُّل تسليمٍ وتأييدٍ هكذا بلا نظرٍ .
وإيصال الأفكار ، وطرحُها ، ونقلُها إلى الآخرين ، ينبغي أن يكون بأساليب جميلة ، وبحكمةٍ ، وموعظةٍ حسنةٍ ، وجدالٍ بالتي هي أحسن ، مهما كان المخالف - في نظرنا - مخطئًا ، ومهما كان خطؤه - المحتمل - كبيرًا .
فإن من صفات المؤمنين الذين يحبهم الله ، ويحبون الله : { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } ، وهذا أكيد ، إذ إنهم مستجيبون لأمر الله تعالى : { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } .
ومهما كان من خلاف ، فإن الخلاف المشروع لا يوجب الشقاق ، روى البخاري عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال : سمعت رجلاً قرأ آيةً ، وسمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها ، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فعرفت في وجهه الكراهية ، وقال : "كلاكما محسن ، ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا" .
وليُعلم تمام العلم ، أن ذلك لا ينافي الغيرة على محارم الله ، والشدة إذا انتهكت حدود الله ، بل إن الشدة إذًا تصبح واجبة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لذلك ، ويحمر وجهه ، ويرتفع صوته - صلوات الله وسلامه عليه - .
قال الله تعالى في شأن الكفار والمنافقين : { وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ، وقال في شأن الكفار المحاربين : { وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً } ، فالتعامل الصحيح مع مثل تلك الأخطاء العظيمة التي لا تحتمل ، هو الشدة والإنكار البليغ .
وبهذا يظهر أن الرفق والحكمة والأسلوب الحسن = هو الأصل ، وأن الشدة والتغليظ إنما هو في حالات خاصة تستوجب ذلك، وذلك بيِّنٌ من أننا علَّقنا الشدة على أمرٍ ، بينما أطلقنا السهولة والسماحة .
وإذا نظرنا إلى مجتمعنا ، وأمعنَّا وأنعمنا النظر في طريقة البعض في تصحيح الخطأ ، وجدنا أنهم خالفوا تلك القاعدة المهمة ، فجعلوا الأصل الغلظة ، مهما كان الخطأ يسيرًا ، ومهما كان المخطئ متأوِّلاً ، أو مقلِّدًا ، أو مؤتَمِرًا .
ولا أدري ، هل يعلم أولئك أن الحق - الذي يرون أنه معهم - سيُحارَب ويُنتقد ، وأن تلك الغلظة والشدة ستُنفّر الناس عنهم وعما معهم ، خاصَّة من توجَّه إليه ذلك العنف وتلك الغلظة .
أرى أن التعنيف والتغليظ في الكلام والرد على المخالف الذي يُحتمل الاختلاف معه ، فضلاً عن تخريب ما عنده باليد = أرى أن ذلك من الإفلاس والعجز عن مقارعة الحجة بالحجة .
ما دعاني إلى كتابة هذه الكلمات هو ما حدث لي ضحى هذا اليوم ، حيث زرت مكتبةً من المكتبات ، وبعد سلامي على البائع فيها ، سارع بالهمس في أذني - بحرقةٍ رأيتُها في عينيه - : "أبو عبد الله .. جانا واحد إرهابي (!) وقطّع وخرّب الكتب اللي عندنا .. اللي تتكلم عن الإرهاب .. هل هكذا إنكار المنكر ؟!!" .
قلت : هبهُ منكرًا ، فما هكذا إيصال أفكارنا !
النادم
ظهر الثلاثاء
4/11/1426
__________________
كثرت ذنوبي ، فلذا أنا نادم .
أسأل الله أن يتوبَ عليَّ ، ويهديَني سبيل الرشاد .
وما أملي إلا ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ .
أبو عبد الله
|