مرجع جواب السؤال الخامس من تفسير السعدي رحمه الله :
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَﻻ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِﻻ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَﻻ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِﻻ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي اﻹِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَﻻ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) .
لما أمر المؤمنين بغض اﻷبصار وحفظ الفروج، أمر المؤمنات بذلك، فقال: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) عن النظر إلى العورات والرجال، بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع، (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) من التمكين من جماعها، أو مسها، أو النظر المحرم إليها. (وَﻻ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، ﻻ بد لها منها، قال: (إِﻻ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) وهذا لكمال اﻻستتار، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، كما ذكرنا. ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن، ليستثني منه قوله: (إِﻻ لِبُعُولَتِهِنَّ) أي: أزواجهن (أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) يشمل اﻷب بنفسه، والجد وإن عﻼ (أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن) ويدخل فيه اﻷبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا (أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ) أشقاء، أو ﻷب، أو ﻷم.
(أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) أي: يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا، ويحتمل أن اﻹضافة تقتضي الجنسية، أي: النساء المسلمات، الﻼتي من جنسكم، ففيه دليل لمن قال: إن المسلمة ﻻ يجوز أن تنظر إليها الذمية.
(أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) فيجوز للمملوك إذا كان كله لﻸنثى، أن ينظر لسيدته، ما دامت مالكة له كله، فإن زال الملك أو بعضه، لم يجز النظر.
(أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي اﻹرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ) أي: أو الذين يتبعونكم، ويتعلقون بكم، من الرجال الذين ﻻ إربة لهم في هذه الشهوة، كالمعتوه الذي ﻻ يدري ما هنالك، وكالعنين الذي لم يبق له شهوة، ﻻ في فرجه، وﻻ في قلبه، فإن هذا ﻻ محذور من نظره.
(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) أي: اﻷطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء < 1-567 > اﻷجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، وﻻ وجدت فيهم الشهوة بعد ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة، ﻷنه يظهر على عورات النساء.
(وَﻻ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) أي: ﻻ يضربن اﻷرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخﻼخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة.
ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن اﻷمر إذا كان مباحا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في اﻷرض، اﻷصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه.
ولما أمر تعالى بهذه اﻷوامر الحسنة، ووصى بالوصايا المستحسنة، وكان ﻻ بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك، أمر الله تعالى بالتوبة، فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ) ﻷن المؤمن يدعوه إيمانه إلى التوبة ثم علق على ذلك الفﻼح، فقال: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فﻼ سبيل إلى الفﻼح إﻻ بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرا وباطنا، إلى: ما يحبه ظاهرا وباطنا، ودل هذا، أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة، ﻷن الله خاطب المؤمنين جميعا، وفيه الحث على اﻹخﻼص بالتوبة في قوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ) أي: ﻻ لمقصد غير وجهه، من سﻼمة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة.
|