8
8
تابع لما في الموضوع /
الناقض الثالث؛ التحاكم إلى الطاغوت :
[ فتلك الدولة ] تتحاكم إلى طواغيتٍ متعددة عربيةٍ وغيرِ عربيةٍ وتلتزم قوانينَها ومواثيقَها الطاغوتية فهي تحتكم إلى محكمة العدل الدولية، ومحكمة العدل الدولية كما نصت المادة (92) من ميثاق الأمم المتحدة هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتقوم هذه المحكمة باختصاصاتها وفقاً لنظام أساسي يعتبر جزءاً من ميثاق الأمم المتحدة الذي تؤمن وتسلّم به وتحترمه وتقرّه كلّ دولة تنضم إلى الهيئة، و[ تلك الدولة ] في مقدمة هذا الركب الكفري، ومن البديهي أن نقول أن قضاتها المنتخبين ليسوا قضاة شرعيين مسلمين، وإنما هم - كما نصت (المادة الثانية) من (نظام المحكمة) (من المُشَرِّعين المشهود لهم بالكفاية في القانون الدولي!) والحكمُ والفصلُ في النزاع يكون بهوى ورأيِ أغلبيةِ هؤلاء المشرّعين الكفرة، كما في (المادة 55): "تفصل المحكمة في جميع المسائل برأي الأغلبية من القضاة الحاضرين وإذا تساوت الأصوات رجح جانب الرئيس"... وستعرف فيما يأتي أنّ في مواد هذا الميثاق ما ينصّ على أن للجمعية العامة في الأمم المتحدة أن تفصِل كل من انتهك مبادئ الميثاق، وأن لكل دولة منتمية لعضوية الأمم المتحدة حقّ اللجوء والتحاكم إلى محكمة العدل الدولية... بل قد تعهدت كل دولة من الدول الأعضاء ... بأن تخضع لأحكام المحكمة في أية قضية تكون طرفاً فيها [14]، كما هو نص (المادة الرابعة والتسعون) من ميثاق الأمم المتحدة: (يتعهد كل عضو من أعضاء "الأمم المتحدة" أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أي قضية يكون طرفاً فيها) ونص (المادة الثالثة والتسعون): (يعتبر جميع أعضاء "الأمم المتحدة" بحكم عضويتهم أطرافاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية).
فهذه الدولة التي تتستر خلف توحيدٍ مشوّهٍ ممسوخ مع جميع دول العالم الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة يتحاكمون إلى هذه المحكمة ونظامها الأساسي الكفري ويعتبرون أطرافاً فيه والذي هو جزء من الميثاق الذي لا يتم انضمام أي عضوِ للأمم المتحدة إلا بالتصديق عليه والتعهد بالتزام بنوده... ويتحاكمون إلى قُضَاتها الكفرة الذين تقوم بانتخابهم - كما نصت (المادة الثامنة) - الجمعيةُ العامةُ في الأمم المتحدة ومجلس الأمن كل على حدة... [15].
بقي أن يتعرّف الموحّد ... على هذا النظام الأساسي الذي تحكم هذه المحكمة بمقتضاه وعلى أي القوانين يعتمد ويرتكز ويقوم... وإلى أيها يحتكم ويرجع...
ترى هل هو شرع الله؟ حكم الله؟ حدود الله؟ أم ماذا؟ تجيبنا على هذا وبكل وضوح وصراحة المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية... فَتُبَيِّنُ وتُعَدِّدُ مصادر القانون التي تطبقها هذه المحكمة الدولية الطاغوتية وهذا نصّها:
مادة (38): "1) وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاًً لأحكام القانون الدولي العام، وهي تطبق في هذا الشأن [16]:
أ) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
ب) العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دلّ عليه تواتر الاستعمال.
ج) مبادئ القانون العامة التي أقرّتها الأمم المتمدنة.
د) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام من مختلف الأمم".
أرأيتم ... يا دعاة التوحيد...
التحاكم يكون إذن عند النزاع إلى:الاتفاقيات الدولية - والعادات الدولية - ومبادئ القانون العامة وأحكام المحاكم ومذاهب كبار القانونيين - هذا هو القانون والشرع الذي تتحاكم إليه الدول كل الدول - في هذه المحكمة، ومن ضمن هذه الدول طبعاً [ تلك الدولة ] .. وهكذا يا مشايخُ يهدم التوحيد المزعوم... أليس هذا هو الإيمان بالطاغوت والتحاكم إليه.. ألم يقل سُبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء/60].
فكذّب الله عز وجل في هذه الآيات إيمانَ وتوحيدَ [ تلك الدولة ] وأمثالها مادامت تتحاكم إلى أيّ طاغوتٍ من طواغيت العالم... يقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ...في فتواه حول تحكيم القوانين: "كذَّب الله إيمانهم بقوله (يزعمون) فكل من تحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد آمن بالطاغوت الإيمانَ المُوجِبَ لكفره بالله" أهـ.
كما تحتكم هذه الحكومة إلى هيئة تسوية المنازعات في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإليك مثالاً واحداً من (نظامها الأساسي) (قانونها) يُعَرِّفْكَ على الطّاغوت الذي تتحاكم إليه دول المجلس مجتمعةً عند النزاع ... [17] ... .
(المادة التاسعة): (تصدر الهيئة توصياتها وفتاويها وفقاً:
لأحكام النظام الأساسي لمجلس التعاون.
والقانون الدولي.
والعرف الدولي.
ومبادئ الشريعة الإسلامية على أن ترفع تقاريرها بشأن الحالة المطروحة عليها إلى المجلس الأعلى لاتخاذ ما يراه مناسباً) أهـ.
أرأيتم يا دعاة التوحيد! ... هذه [ تلك الدولة ] ... شريعة الله ... توضع في آخر القائمة.. يسبقها في التحاكم وفصل النزاع: قانون المجلس (النظام الأساسي) ثم القانون الدولي الكفري ثم العرف الدولي الفاسد وأخيراً الشريعة الإسلامية.
الله جل ذكره يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء/59].
وطغاة الخليج ... يقولون في تشريعاتهم: "إن تنازعتم في شيء فردّوه إلى نظام المجلس والقانون الدولي والعرف الدولي وأخيراً الشريعة الإسلامية) {أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل/62]. {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [18] [سورة الأنبياء/67].
فما تقولون يا دعاة التوحيد ويا علماء السنة! ويا حماة العقيدة؟! أمعصيةٌ هذا أم شركٌ أكبرٌ مخرج من الملّة؟
إن مثل هذا والله لا يخفى على صغار طلبة العلم فضلاً عمّن ينتسب إلى العلم والعلماء.
[ ... ]
ثم هب أنّهم لم يقصدوا الترتيب في هذه المادة [19] فإن ذلك أيضاً لم يخرج من دائرة الشرك أرأيتم كفار قريش، ألم يكونوا يعتبرون الله هو رب الأرباب الأخرى فيعظمونه أكثر من تلكم الآلهة المزعومة؟.. ولكنّهم يشركونها معه كقول قائلهم في التلبية:
* لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك *
فكذلك أتباعهم هؤلاء، فإنّهم وإن لم يقصدوا الترتيب والتقديم والتأخير في هذه المادة...بل لو قدّموا الشريعة الإسلامية وجعلوها في أوّل ما يتحاكم إليه ولكن أبقوا معها قانون المجلس والقانون الدولي والعرف الدولي... فإن هذا لم يخرج من دائرة الشرك أيضاً (شرك الطاعة في التشريع).
{أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}؟ [يوسف/39]
فحتى لو صدقوا في تحكيم بعض الشريعة، واستسلموا لها مع تلك القوانين والأعراف.. فإن هذا هو الشرك بعينه...
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتاويه: "وهذا الدين هو دين الإسلام، لا يقبل الله ديناً غيره، فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً، ومن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته، والمشرك والمستكبر عن عبادته كافران" اهـ [20].
قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [سورة المائدة/72].
وقال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [سورة المائدة/48].
وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [سورة النساء/60].
قال الشيخ حمود العقلا رحمه الله [21]: (هذه الآية الكريمة نصٌ في أنّ من يتحاكم إلى الطاغوت أو يُحَكِّمُه فقد انتفى عنه الإيمان بدليل قوله تعالى: {يزعمون أنهم آمنوا} إذ لو كانوا مؤمنين حقا لما عبّر عن ادعائهم الإيمان بالزعم، فلما عبر بالزعم دلّ على انتفاء حقيقة الإيمان بالله، كما أنّ في قوله تعالى {وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} دليلٌ أيضا على انتفاء حقيقة الإيمان عنهم، ويتضح كفرُ من تحاكم إلى الطاغوت أو حكّمه بمعرفة سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر المفسرون أن سبب نزول الآية أنها كانت بين رجلٍ من اليهود وآخرَ من غير اليهود خصومةٌ، فقال اليهودي: نترافع إلى رسول الله، وقال الآخر: بل نترافع إلى كعب بن الأشرف اليهودي، فنزلت هذه الآية، وقال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نترافع إلى محمد، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة، ويتحاكما إليه، فنزلت {ألم تر إلى الذين يزعمون... الآية}، وهذا الأثر المروي عن الشعبي وإن كان فيه ضعف إلا أن له شواهدَ متعددةً تعضده وتقوّيه، ووجه الاستشهاد بسبب نزول هذه الآية على كفر وردة من ذكروا فيها: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل الرجل الذي لم يرض بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، فلو لم يكن مرتدا لما قتله.
كما روي عن عروة بن الزبير أنه قال: اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فقضى لأحدهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر رضي الله عنه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم انطلقوا إلى عمر، فانطلقا، فلما أتيا عمر، قال الذي قضى له: يا ابن الخطاب: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى لي، وإن هذا قال: ردنا إلى عمر فردنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أكذلك؟ للذي قضى عليه فقال نعم، فقال عمر: مكانك حتى أخرج فأقضي بينكما، فخرج مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله.
وهذا الاختلاف الحاصل في سياق القصة لا يقدح في ثبوتها لاحتمال التعدد، كما أن في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء/61] دلالة على أن من صد عن حكم الله ورسوله وأعرض عنه فحكّم غيره أنه منافق، والمنافق كافر) اهـ.
--------------------------------------------------------------------------------
[14] راجع (النظام الأساسي لمحكمة العدل الدّولية) و(العلاقات السياسية الدولية) للدكتور إسماعيل صبري ص702 وغيره.
[15] ...
[16] إن نص النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي (نص وضع في 16 ديسمبر 1920) كان يكتفي بالقول: "إن المحكمة تطبق…" أما نص محكمة العدل الدولية القائمة اليوم فقد فصّل الأمر بجملة أطول ليبين صراحة أن المصادر التي تعددها المادة هي مصادر القانون الدولي نفسها.
[17] ... .
[18] أخبرنا الله عز وجل في كتابه أن إبراهيم قالها بعدما بين سفاهة طواغيت قومه ومعبوداتهم من دون الله… والعبادة التي نعنيها هنا هي طاعة أولياء الشيطان في تشريعاتهم وقوانينهم الدولية وغيرها.
[19] فقد يرقع لهم بعض المشايخ بأن الواو لا تقتضي الترتيب.
[20] الفتاوى (28/23).
[21] فتوى في تحكيم القوانين الوضعية.
الناقض الرابع؛ موالاةُ الكفار ومحبتُهم ونصرتُهم على المسلمين :
فقد ثبت بما لايدع مجالاً للشك تولي طواغيت [ تلك الدولة ] للكفار ومحبتهم وأخوتهم فهم يصرحون بذلك ليل نهار، ويجهرون به في إعلامهم وبياناتهم وخطاباتهم ويؤكدون عليه لمناسبة ولغير مناسبة، فهم يسمون دول الكفر بالدول الصديقة، ولا يتحرجون من إعلان عمق العلاقات الودية بينهم ويؤكدون أنها من الرسوخ بمكانٍ لا يستطيع أحدٌ أن يزحزحه أو يؤثر فيه، وهذا أمرٌ يعايشه الناس كلّ يومٍ فإعلامُهم لا يكاد يَنْفَكُّ عن ترديد هذه المعاني ونشرها بين الناس ...
ومظاهرةُ هؤلاء الطواغيت من حكام [ تلك الدولة ] للكفار على المسلمين مما لا يخفى إلا على الحمقى والبله ... وقد كان أهل التوحيد يتُهمون بأنهم يختلقون هذا الأمر ويفترونه على [ تلك الدولة ] فأنطق الله ألسنة هؤلاء الطواغيت بما يقطع الطريق على المعتذرين لهم من المنافقين وعلماء السوء ... وورد في ... : (إن المتأمل في علاقاتنا الخارجية يلاحظ ما يأتي:
1) تقديم الدعم المادي والمعنوي للدول التي تحارب الدعاة وتمنع نشر الدعوة إلى الله على بصيرة مثل سوريا والسلطة الجديدة في الجزائر، أو لجهاتٍ أخرى ...
2) الحرص على ألا تتعارض [ سياسة الدولة ]مع مصالح الأنظمة الغربية التي تقود العداء للإسلام، ويتضح ذلك في مجاراة الولايات المتحدة الأمريكية في غالب المواقف والعلاقات والقرارات مثل الاندفاع نحو عملية السلام مع اليهود).
وبمثل هذا ثبت وقوع [ تلك الدولة ] في هذا الذنب الذي يخرج به العبد من الإسلام.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة/51]، وقال سبحانه: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة/22]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [سورة الأنفال/73].
قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية: (فإنّ من تولاّهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملّتهم، فإنّه لا يتولّى متولٍ أحداً إلاّ وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمُه حكمَه) [24].
قال ابن حزمٍ رحمه الله [25]: "صح أن قوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إنما هو على ظاهره بأنه كافرٌ من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين ".
قال ابن كثير رحمه الله [26]: "ومعنى قوله تعالى {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} أي: إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين و إلا وقعت فتنةٌ في الناس؛ وهو التباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين فيقع بين الناس فسادٌ منتشرٌ".
وذكر الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله نواقض الإسلام فقال [27]: (اعلم أنّ من أعظم نواقض الإسلام عشرة:... الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة/51].
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله [28]: "فذكر تعالى أن موالاة الكفار منافيةٌ للإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه، ثم أخبر أن سببَ ذلك كونُ كثيرٍ منهم فاسقين، ولم يفرّق بين من خاف الدائرة ومن لم يخف، وهكذا حال كثيرٍ من هؤلاء المرتدين قبل ردتهم كثير منهم فاسقون، فجّر ذلك إلى موالاة الكفار والردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك".
وقال الشيخ أحمد شاكر:" ألا فليعلم كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض: أنه إذ تعاون مع أعداء الإسلام مستعبدي المسلمين , من الإنجليز والفرنسيين وأحلافهم وأشباههم , بأي نوع من أنواع التعاون , أو سالمهم فلم يحاربهم بما استطاع، فضلاً عن أن ينصرهم بالقول أو العمل على إخوانهم في الدين , إنه إن فعل شيئاً من ذلك ثم صلى فصلاته باطلة , أو تطهر بوضوءٍ أو غسلٍ أو تيممٍ فطهوره باطل , أو صام فرضاً أو نفلاً فصومه باطل , أو حجّ فحجّه باطلٌ , أو أدى زكاةً مفروضةً , أو أخرج صدقةً تطوعاً فزكاته باطلةٌ مردودةٌ عليه , أو تعبد لربه بأي عبادةٍ فعبادته باطلةٌ مردودةٌ عليه، ليس له في شيءٍ من ذلك أجرٌ بل عليه فيه الإثم والوزر.
ألا فليعلم كل مسلم:
أنه إذا ركب هذا المركب الدنيء حبط عمله , من كل عبادةٍ تعبد بها لربه قبل أن يرتكس في حمأة هذه الرِدِّة التي رضي لنفسه , ومعاذ الله أن يرضى بها مسلمٌ حقيق بهذا الوصف العظيم يؤمن بالله وبرسوله؛ ذلك بأن الإيمانَ شرطٌ في صحة كل عبادة وفي قبولها , كما هو بديهي معلومٌ من الدين بالضرورة، لا يخالف فيه أحدٌ من المسلمين) [29].
وقال الشيخ عبد الله بن حميد [30]: "فيجب ويتعين على كل مسلمٍ ناصحٍ لنفسه أن يعرف ما قرره العلماء رحمهم الله، من الفرق بين التولي والموالاة.
قالوا رحمهم الله: الموالاة مثل لين الكلام، وإظهار شيء من البشاشة، أو لياثة الدواة، وما أشبه ذلك من الأمور اليسيرة، مع إظهار البراءة منهم ومن دينهم، وعلمهم بذلك منه، فهذا مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وهو على خطر.
وأما التولي: فهو إكرامهم، والثناء عليهم، والنصرة لهم والمعاونة على المسلمين، والمعاشرة، وعدم البراءة منهم ظاهراً، فهذا ردة من فاعله، يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة المقتدى بهم".
--------------------------------------------------------------------------------
[24] التفسير 6/277
[25] المحلى: 11/138
[26] التفسير 2/331
[27] الرسائل الشخصية: 91
[28] الدرر 8/129
[29] عمدة التفسير
[30] الدرر 15/479
تمت النواقض
|