مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 17-12-2012, 11:20 AM   #24
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
الأخ الكريم : الحاسة السادسة .

أشكرك أخي الفاضل على مشاركتك وإبداء رأيك , وإن كانت مشاركتك ردا على مشاركة أحد القراء وليس على الموضوع الأصلي , ولكن مجرد حضورك شرف أعتز به .

أما بالنسبة لتعليقك المختصر في لفظه الكبير في معناه , فإنه يحتاج إلى تحرير أخي الكريم .

وقديما قال العلماء : قبل أن تنكر المنكر عليك أن تعرف أنه منكر أولا , ثم تنكره .

لأنه ربما تنكر شيئا ليس منكرا فتقع في المحظور , وتضيق على عباد الله بما لم يأذن به الله .

فنقول وبالله التوفيق :

الاقتباس من القرآن الكريم أنواع , ومن أنواعه يتبين حكمه :
فمن ذلك : اقتباس جارٍ مجرى المثل كأن تقول : حاولت أمريكا تدمير العراق فتسبب هذا في خسارتهم الفادحة في الجيش , وانقلب السحر على الساحر , ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .

أو أن تقول : جلست أبحث عن ألوان مناسبة لبيتي فتشابه البقر علينا ...

فالاقتباس من هذا النوع جائز لا إشكال فيه , وليس فيه امتهان الآيات أو إساءة إليها

ومثل هذا كثير في التراث الإسلامي والأدبي , قال عبد المؤمن الأصفهاني : " لا تغرنك من الظلمة كثرة الجيوش والأنصار , إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار "

وكتب آخر فقال : " لا عدمت الدولة بيض سيوفه التي ترى بها الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة "

ومن ذلك أيضا : اقتباس حالة من القرآن تشابه حالتك الراهنة فتنزلها عليك , بشرط ألا تكون تلك الحالة خاصة بصفة الله تعالى أو صفة لنبي كريم لا يشاركه فيها أحد .
كأن تقول مثلا : هذا نصحي لكم , وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ..
أو أن تقول : حاول اليهود الفتك بغزة لكنهم ولله الحمد غلبوا هنالك واقلبوا صاغرين ووقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ...

وفي رأيي أن الجملة التي ذكرها الشيخ العواجي : " أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا .. الآية " هي من هذا النوع , لأن الجملة كلها بتمامها ليس فيها شيء خاص بيوسف عليه السلام وحده , فجملة ( أنا يوسف وهذا أخي ) صحيحة , فاسمه يوسف الأحمد , وهذا أخوه في الله .
وجملة ( قد من الله علينا ) أيضا منطبقة , فقد من الله عليهم بالخروج من السجن , وما من عبد في الدنيا إلا ولله عليه مِنّة .
( إنه من يتق ويصبر ... ) هذا حكم عام يؤتى به للاستدلال , فلا إشكال فيه .

نعم , يكون ممنوعا لو أنه أتى بآية خاصة لنبي كريم كأنه يقول مثلا :
( زارني اليوم الشيخ إبراهيم الدبيان , واتخذ الله إبراهيم خليلا ..)
فهذا حرام ولا يجوز ومنكر عظيم , لأنه افتراء على الله , وتنزيل للآية في غير مكانها ..

وفي قصة الإفك أن عائشة رضي الله عنها لما جاءها الخبر قالت أقول : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ..
فهي استدعت نصا قرآنيا جاء على لسان نبي كريم لأنه يوافق حالتها ...

وهذه قصة طريفة من التاريخ تقول :
هدم سليمان بن عبد الملك كنيسة دمشق , فكتب إليه ملك الروم : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها , فإن كان صوابا فقد أخطأ أبوك , وإن كان خطأ فما عذرك ؟
فكتب إليه : " ففهمناها سليمان , وكلا آتينا حكما وعلما "

وقصة أخرى لأبي العيناء , أن موسى بن عبد الملك أتلف مال نجاح بن سلمة وأضر به , فذات يوم , كان أبو العيناء جالسا في مجلس , فسئل عن نجاح هذا ما شأنه , فقال أبو العيناء : ( فوكزه موسى فقضى عليه ) , فعلم به موسى فتوعده , فقال أبو العيناء : " أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس "

وهذه القصة يرويها علماء الأدب والإسلام كالحصري في زهر الآداب وياقوت الحموي في معجم الأدباء , وابن خلكان في الوفيات , والصفدي في نكت الهميان , وغيرهم .


نعم أوافقك أخي العزيز بأنه لا ينبغي الغلو في أحد كائنا من كان سواء الشيخ سليمان أو غيره , ويجب أن ننزل الناس منازلهم , والتوسط في الأمور هو القصد , وكلا طرفي قصد الأمور ذميم .


أسأل الله تعالى أن يبصرنا في دينه وأن يهدينا للتي هي أقوم , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل