أخي الكريم صاحب الموضوع
شكرا لك على نصيحتك القيمة , وأثابك الله على قدر نيتك .
أنا أؤيدك في بذل النصيحة ولو لم تكن فاعلا لها , لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يشترط فيه الفعل والترك , ولكنه حالة الكمال ولا شك .
ولكني أقف وقفة تأمل ونظر حول صلب الموضوع , وهو وصم الآخذين من لحاهم بأنهم زاغوا عن الحق .
فأقول ما لدي , فإن أصبت فمن الله , وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .
أولا : المظاهر الشرعية مهمة جدا في الشريعة , ولكنها ليست كل شيء , فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله لا ينظر إلى الصور ولكن ينظر إلى القلوب .
فمن الخطأ - في رأيي - أن نحكم على رجل بأنه تقي صالح بمجرد شكله ومظهره , لأنه شكل الصلاح المتعارف عليه ( لحية + ثوب قصير + مسواك ) قد تم استغلاله من قبل بعض ضعاف النفوس , فأكلوا أموال الناس بالباطل , وعملوا أعمالا يندى لها الجبين .
فالناس يظنون بأهل المظاهر الشرعية ظنا حسنا , والحقيقة أن هذا الظن ليس على إطلاقه دوما .
ثانياً : إعفاء اللحية من مسائل الفروع التي اختلف فيها العلماء قديما وحديثا , ولا يجب أن تختلف قلوبنا من أجل هذا الخلاف , وهو خلاف في مسائل كثيرة : حكم الإعفاء بين الوجوب والسنية , ويتبعه : حكم الحق بين التحريم والكراهية .
وحكم الأخذ فيما زاد على القبضة , وحكم الأخذ مما دون القبضة , وحكم الأخذ من عرضها , وحدود اللحية , وغيرها من مسائل الخلاف التي ناقشها أهل العلم قديما وحديثا , بل حصل الخلاف فيها في عهد الصحابة .
وأقوى الأقوال : أن الإعفاء واجب , والحلق محرم
واختلفوا : هل الحلق من الكبائر أم من الصغائر ؟
واختلفوا خلافا قويا في حكم الأخذ منها ما زاد على القبضة أو من عرضها , أو تشذيبها ومواساتها .
كل ذلك موجود ومبثوث , وللشيخ دبيان الدبيان كتاب نفيس فصل في هذه المسألة تفصيلا دقيقا عميقا طويلا .
ولست هنا لأرجح بين الأقوال , فلست أهلا لذلك , وإنما أردت بيان وجود الخلاف القوي فيها .
ثالثا : الذين أخذوا من لِحاهم بعد أن كانت طويلة نوعان :
نوع يأخذ عن قناعة بجواز ذلك , لأنه نظر إلى الأدلة الشرعية واقتنع بجواز ذلك .
فهذا النوع لا يمكن أن نقول عنه إنه زيغ عن الحق وضلال , لأنه اجتهاد فقهي قابل للصواب والخطأ , والمجتهد مأجور .
وكثير من العلماء القدامى أفتوا بمسألة ما , ثم بدا لهم غيرها فتغيرت فتواهم , ولم يقل أحد بأن هذا انتكاس وزيغ .
أما كون الأخذ من اللحية غير معروف ولا نعلمه , فعدم العلم ليس علما بالعدم , فعدم معرفتنا بكتب الخلاف وما كتبه أهل العلم في بطون الكتب إنما يعبر عن جهلنا , وليس دليلا على أن المألوف هو الصواب وحده .
وهناك نوع آخر أخذ من لحيته لا من قناعة بجوازها , ولكن من باب ( المودرن ) و ( التزكرت ) و ( والتمدن ) ولو سألته عن الحكم الشرعي لما استطاع الجواب .
فهذا عمله يخشى عليه من أن يكون من الضلال والانتكاسة , لأنه ناتج عن هوى , وليس عن حجة وبرهان .
هذا ما تيسر لي تفصيله في هذه المسألة وأرجو أن أكون وفقت فيما يجب إيضاحه .
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه , وإن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]