أخي العزيز لسان المواطن :
أعلم أنك كتبت الموضوع وفي قرارة نفسك أن هناك عاصفة من المخالفين سيواجهونك بالرد .
لجرأة الموضوع أولا
ولأنه غير مبني على أسس علمية من اليقين والبرهان ثانيا .
أدلف إلى موضوعك :
هناك فرق بين أن يكون الشخص نبياً , وبين أن يكون عبدا صالحا
فالنبي يوحى إليه من عند الله تعالى , والعبد الصالح رجل صالح لا يأتيه شيء عن الله .
إذن فالقول بأن فلانا من الناس إنه نبي , هو قول على الله تعالى , والقول على الله إذا لم يكون بدليل ظاهر صريح صحيح , فإنه يكون كذبا , ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا )
وأعيذك بالله أن يكون هذا قصدك .
هل كان سقراط نبياً ؟
لا يوجد دليل شرعي من الكتاب ولا السنة على ذلك .
إذن , فمن أين لنا بالدليل على أنه نبي ؟
ج : الدليل هوعموم قوله تعالى : " ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك "
ويجاب عن هذا الدليل : أن هذه الآية فيها إثبات تعليم الله لنبيه ببعض الأنبياء , وإخفاء بعضهم عنه , فكيف لنا أن نعلم علما عن نبي لم يعلمه محمد صلى الله عليه وسلم .
نحن قد عرفنا الأنبياء الذين قصهم الله على محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز , وفي وحي السنة المطهرة مما لم يرد في القرآن مثل : يوشع ..
إذن : فمحمد عليه الصلاة والسلام لم يعلم بأن سقراط كان نبيا , لأنه لم يقصه علينا .
فكيف لنا أن نعلم نحن بذلك ؟؟
هذا من جهة .
من جهة أخرى : يستحيل أن يكون سقراط نبيا , لأنه كان يعبد آلهة متعددة كما أثبتتها لها كتب الفلسفة , ولو رجعت إلى كتاب ( محاورة الدفاع ) ألتي أثبتت كثيرا من آراء سقراط لوجدت أنه يؤمن بتعدد الآلهة .
وهذا يبطل أن يكون نبيا قطعا , لأن دعوة الأنبياء " أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره "
وقد حكى ابن تيمية رحمه الله تعالى رأي سقراط وأفلاطون في الباري ما هو ؟
قال ابن تيمية : " قال سقراط وأفلاطون وأرسطو : إن الباري لا يُعبّر عنه إلا بهُو , وهي الهوية المحضة غير المتكثرة , وهي الحكمة المحضة والحق المحض , وليس لله صورة مثل الصورة التي تكثرت في العنصر ... الخ " درء تعارض العقل والنقل : 2/159 .
فبالله عليك هل هذا كلام أنبياء ؟
أم أنه كلام فلسفي محض ليس فيه من نور النبوة وبرهانها شيء ؟؟؟
ثم إن الاحتجاج بالآية على أن سقراط أو أفلاطون كان نبيا يحتاج إلى إثبات .
فالدليل يطالَب به المثبت وليس النافي
فالبينة على المدّعي .
فالآية باقية على معناها : أمر معلوم ( قصصناهم عليك )
أمر مجهول ( لم نقصصهم عليك )
حين تريد أن تدلف إلى هذا العالم المجهول الذي اختص الله به فيجب أن يكون لديك الدليل البرهاني القاطع ( على حد طريقة ابن حزم في الأدلة ) .
نأتي إلى المسألة الأخرى :
سقراط دعا إلى مكارم الأخلاق والفضية , وثار على عصره الفاسد .
ربما كان هذا صحيحا , وأمره إلى الله تعالى .
ولكن هل كان سقراط وحيدا في ذلك ؟
بوذا
زرادشت
حمورابي
بزرجمهر
كلهم تقريبا كانوا يدعون إلى الفضيلة , ولهم أقوال جميلة في الأخلاق والإنسانية ونحو ذلك .
ولكن لم يمنعهم ذلك أن يكونوا مشركين بالله العظيم .
كما بين ذلك أخونا الزنقب ....
هل كان سقراط عبدا صالحا ؟
ربما كان رجلا صالحا أخلاقيا وسلوكيا , ولكن أن يكون صالحا ديانة لله رب العالمين , فهذه تحتاج إلى بينة أخرى , ولكنها اخف من بينة النبوة
والسبب في ذلك : أن سقراط كان من اليونانيين , واليونانيون في عهده اشتهروا بكثرة الآلهة , فكل شيء له إله , الشمس لها إله , والمطر له إله , والجمال له إله ....
فهل رضي سقراط بهذه الآلهة أم أنه نابذها واعترض عليها ؟
ليس لدي علم كاف بذلك .
وأتمنى أن يكون قد فعل .
في الختام :
ربما نعجب بشخصية ما لاحترامها قيمة الإنسان , وثورتها ضد الظلم والطغيان
فهذا يكسبها احترام الإنسان للإنسان
ولكن لا يعطينا الحق أن نحدد علاقته بالواحد الديان إلا أن يكون عندنا من الله فيه برهان .
والله تعالى أعلم .
والسلام عليكم .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]