الفصل اﳋامس عشر ﰱ القوى اﶈركة اﳊيوانية
وأما القوة اﶈركة فهى مبدأ انتقال اﻷعضاء بتوسط العصب والعضل باﻹرادة، وﳍا أعوان أوﱃ وثانية. فالعون اﻷول
هو اﳌدركة :إما اﳌتخيلة، وإما العاقلة؛ والعونان اﻷخﲑان قوتا الﱰاع إﱃ اﳌدرك: إما نزاعا ﳓو دفع، أو نزاعا
"14ب" ﳓو جذب. فالﱰاع ﳓو اﳉذب هو للمتخيل أو اﳌظنون نافعا ومﻼئما. وهذه القوة تسمى شهوانية؛
والﱰاع ﳓو الدفع للمتخيل ضارا أو غﲑ مﻼئم على سبيل الغلبة ويسمى غضبا؛ وﳘا مبدأ استعمال القوة اﶈركة ﰱ
اﳊيوان الغﲑ الناطق وﰱ اﳊيوان الناطق ﻻ من حيث هو ناطق. فإحدى القوتﲔ: اﻷوﱃ لدفع الضار، والثانية ﳉذب
الضرورى والنافع.
فهذه هى القوى اﳌشتركة للحيوانات الكاملة من حيث هى حيوانات كاملة. وكلها كماﻻت أجسام على سبيل
تصور تلك اﻷجسام ا. فلذلك ﻻ تتم أفعاﳍا إﻻ باﻷجسام. وﲣتلف ﲝسب اﻷجسام: أما اﳌدركة فيعرض ﳍا إذا
انفعلت آلتها أن ﻻ تدرك، أو تدرك قليﻼ، أو تدرك ﻻ على ما ينبغى - كما أن البصر إما أن ﻻ يرى، أو يرى رؤية
ضعيفة، أو يرى غﲑ اﳌوجود موجودا أو خﻼف ما عليه اﳌوجود ﲝسب انفعال اﻵلة. ويعرض ﳍا أا ﻻ ﲢس
بالكيفية الﱴ ﰱ آلتها، إذ ﻻ آلة ﳍا إﱃ آلتها؛ وإﳕا تدرك باﻵلة، ويعرض ﳍا أن ﻻ تدرك فعلها ﻷنه ﻻ آلة ﳍا إﱃ
فعلها؛ ويعرض ﳍا أن ﻻ تدرك ذاا ﻷنه ﻻ آلة ﳍا إﱃ ذاا؛ ويعرض ﳍا أا إذا انفعلت عن ﳏسوس قوى ﱂ ﳛس
بالضعيف أثره، ﻷا إﳕا تدرك بانفعال آلة. وإذا اشتد اﻻنفعال ثبت اﻷثر. وإذا ثبت اﻷثر ﱂ يتم انتعاش غﲑه معه.
ويعرض ﳍا أن البدن إذا أخذ يضعف بعد سن الوقوف أن يضعف ﲨيعها ﰱ كل شخص، فﻼ يكون وﻻ شخص
واحد تسلم فيه القوة اﳊساسية. فاذن هذه كلها بدنية؛ وكذلك اﶈركة، وذلك فيها أظهر ﻷن وجودها ﲝركة
آﻻت فيها، وﻻ وجود ﳍا من حيث هى كذلك ذا فعل خاص.
الفصل السادس عشر
ﰱ اﻹنسان
ومن اﳊيوان اﻹنسان: ﳜتص بنفس إنسانية تسمى نفسا ناطقة، إذ كان أشهر أفعاﳍا وأول آثارها اﳋاصة ا النطق.
وليس يعﲎ بقوﳍم: نفس ناطقة - أا مبدأ اﳌنطق فقط، بل جعل هذا اللفظ "15ا" لقبا لذاا.
وﳍا خواص: منها ما هو من باب اﻹدراك، ومنها ما هو من باب الفعل، ومنها ما هو من باب اﻻنفعال. فأما الذى
ﳍا من باب الفعل ﰱ البدن واﻻنفعال ففعل ليس يصدر عن ﳎرد ذاا. وأما اﻹدراك اﳋاص ففعل يصدر عن ﳎرد
ذاا من غﲑ حاجة إﱃ البدن. ولنفسر كل واحد من هذه: فأما اﻷفعال الﱴ تصدر عنها ﲟشاركة البدن والقوى
البدنية: فالتعقل والروية ﰱ اﻷمور اﳉزئية فيما ينبغى أن يفعل وما ﻻ ينبغى أن يفعل ﲝسب اﻻختيار. ويتعلق ذا
الباب استنباط الصناعات العملية والتصرف فيها كاﳌﻼحة والفﻼحة والصباغة والنجارة.
وأما اﻻنفعاﻻت فأحوال تتبع استعدادات تعرض للبدن مع مشاركة النفس الناطقة، كاﻻستعداد للضحك والبكاء
واﳋجل واﳊياء والرﲪة والرأفة واﻷنفة وغﲑ ذلك. وأما الذى ﳜصها - وهو اﻹدراك - فهو التصور للمعاﱏ الكلية. وبنا حاجة أن نصور لك كيفية هذا اﻹدراك فنقول:
إن كل واحد من أشخاص الناس مثﻼ هو إنسان، لكن له أحوال وأوصاف ليست داخلة ﰱ أنه إنسان، وﻻ يعرى
هو منها ﰱ الوجود مثل حده ﰱ قده ولونه وشكله واﳌلموس منه وسائر ذلك - فإن تلك كلها، وإن كانت إنسانية،
فليست بشرط ﰱ أنه إنسان، وإﻻ لتساوى فيها كلها أشخاص الناس كلهم. ومع ذلك فإنا نعقل أن هناك شيئا هو
اﻹنسان. وبئس ما قال من قال: إن اﻹنسان هو هذه اﳉملة اﶈسوسة! فانك ﻻ ﲡد ﲨلتﲔ ﲝالة واحدة .وهذه
اﻷحوال الغريبة تلزم الطبيعة من جهة قبول مادا وصورا: فان كل واحد من أشخاص الناس تتفق له مادة على
مزاج واستعداد خاص. وكذلك يتفق له وقت وزمان وأسباب أخرى تعاون على إﳊاق هذه اﻷحوال للماهيات من
جهة موادها. ﰒ اﳊس - إذا أدرك اﻹنسان - فإنه تنطبع فيه صورة ما لﻺنسان "15ب" من حيث هى ﳐالطة هذه
اﻷعراض واﻷحوال اﳉسمانية. وﻻ سبيل ﳍا إﱃ أن ترتسم فيها ﳎرد ماهية اﻹنسان حﱴ يكون ما يشاكل فيه نفسا
تلك اﳌاهية. وهذا يظهر بأدﱏ تأمل. واﳊس كأنه نزع تلك الصورة عن اﳌادة وأخذها ﰱ نفسه، لكن نزع إذا غابت
اﳌادة غاب، ونزع مع العﻼئق العرضية اﳌادية. فإذن ﻻ ﳐلص للحس إﱃ ﳎرد الصورة. - وأما اﳋيال فانه قد ﳚرد
الصورة ﲡريدا أكﱪ من ذلك، وذلك أنه يستحفظ الصورة وإن غابت اﳌادة. لكن ما يتراءى للخيال من الصورة
اﳌأخوذة عن اﻹنسان مثﻼ ﻻ تكون ﳎردة عن العﻼئق اﳌادية، فان اﳋيال ليس يتخيل صورة إﻻ على ﳓو ما من شأن
اﳊس أن يودى إليه. - وأما الوهم فإنه وإن استثبت معﲎ غﲑ ﳏسوس فﻼ ﳚرده إﻻ متعلقا بصورة خيالية.
فإذن ﻻ سبيل لشئ من هذه القوى أن يتصور ماهية شى ﳎردة عن عﻼئق اﳌادة وزوائدها إﻻ للنفس اﻹنسانية، فاا
الﱴ تتصور كل شيء ﲝده كما هو منقوصة عنه العﻼئق اﳌادية، وهو اﳌعﲎ الذى من شأنه أن يوقع على كثﲑين
كاﻹنسان من حيث هو إنسان فقط. فإذا تصور هذه اﳌعاﱏ تعدى التصور إﱃ التصديق بأن يؤلف منها على سبيل
القول اﳉازم. فالشئ ﰱ اﻹنسان الذى تصدر عنه هذه اﻷفعال يسمى نفسا ناطقة؛ وله قوتان: إحداﳘا معدة ﳓو
العمل ووجهها إﱃ البدن وا ﳝيز بﲔ ما ينبغى أن يفعل وبﲔ ما ﻻ ينبغى أن يفعل، وما ﳛسن ويقبح من اﻷمور
اﳉزئية - ويقال له العقل العملى، ويستكمل ﰱ الناس بالتجارب والعادات؛ والثانية قوة معدة ﳓو النظر والعقل
اﳋاص بالنفس ووجهها إﱃ فوق، وا ينال الفيض اﻹﳍى. وهذه القوة قد تكون بعد بالقوة ﱂ تفعل شيئا وﱂ تتصور،
بل هى مستعدة ﻷن تعقل اﳌعقوﻻت، بل هى استعداد ما للنفس ﳓو تصور اﳌعقوﻻت - وهذا يسمى العقل بالقوة
والعقل اﳍيوﻻﱏ. وقد تكون قوة أخرى أخرج منها إﱃ الفعل، وذلك بأن ﲢصل "16ا" للنفس اﳌعقوﻻت اﻷوﱃ
على ﳓو اﳊصول الذى نذكره، وهذا يسمى العقل باﳌلكة. ودرجة ثالثة هى أن ﲢصل للنفس اﳌعقوﻻت اﳌكتسبة
فتحصل النفس عقﻼ بالفعل؛ ونفس تلك اﳌعقوﻻت تسمى عقﻼ مستفادا . وﻷن كل ما ﳜرج من القوة إﱃ الفعل
فاﳕا ﳜرج بشئ يفيده تلك الصورة، فاذن العقل بالقوة إﳕا يصﲑ عقﻼ بالفعل بسبب يفيده اﳌعقوﻻت ويتصل به
أثره، وهذا الشئ هو الذى يفعل العقل فينا. وليس شيء من اﻷجسام ذه الصفة. فاذن هذا الشئ عقل بالفعل
وفعال فينا فيسمى عقﻼ فعاﻻ، وقياسه من عقولنا قياس الشمس من أبصارنا: فكما أن الشمس تشرق على
اﳌبصرات فتوصلها بالبصر، كذلك أثر العقل الفعال يشرق على اﳌتخيﻼت فيجعلها بالتجريد عن عوارض اﳌادة معقوﻻت فيوصلها بأنفسنا.
فنقول: إن إدراك اﳌعقوﻻت شيء للنفس بذاا من دون آلة، ﻷنك قد علمت أن اﻷفعال الﱴ باﻵلة كيف ينبغى أن
تكون، وﳒد أفعال النفس ﳐالفة ﳍا. ولو كان تعقل بآلة لكان تعقل اﻵلة دائما، ﻷا ﱂ ﲣل: إما أن تعقل اﻵلة
ﲝصول صورة اﻵلة، أو ﲝصول صورة أخرى. وﳏال أن يعقل الشئ بصورة شيء آخر. فإذن تعقله بصورته. فإذن
ﳚب أن ﲢصل صورته. وحصول صورته ﻻ ﳜلو من وجوده: إما أن ﲢصل الصورة ﰱ نفس النفس مباينة لﻶلة، أو
ﲢصل الصورة ﰱ نفس اﻵلة، أو ﲢصل الصورة فيهما ﲨيعا. فان كانت الصورة ﲢصل ﰱ النفس وهى مباينة فلها
فعل خاص ﻷا قد قبلت الصورة من غﲑ أن حلت تلك الصورة معها ﰱ اﻵلة .فان كان حصول الصورة ﰱ اﻵلة،
فيجب أن يكون العلم ا دائما إذ كان العلم ﲝصول الصورة ﰱ اﻵلة. وإن كان ﲝصوﳍما ﰱ كليهما فهذا على
وجهﲔ: أحدﳘا أن يكون إذا حصل ﰱ أيهما كان - حصل ﰱ اﻵخر ﳌقارنة الذاتﲔ، فيجب أن يكون إذا كانت ﰱ
اﻵلة صورا أن تكون أيضا ﰱ النفس إذا كانت ﳌقارنة الذاتﲔ، فيكون حينئذ العلم ﳚب أن يكون "16ا" دائما،
أو يكون ﳛتاج أن ﲢصل صورة أخرى من الرأس، فيكون ﰱ اﻵلة صورتان مرتﲔ؛ وﳏال أن تكثر الصورة إﻻ
ﲟوادها وأعراضها، وإذا كانت اﳌادة واحدة واﻷعراض واحدة ﱂ تكن هناك صورتان، بل صورة واحدة. ﰒ إن كان
الصورتان فﻼ يكون بينهما فرق بوجه من الوجوه، فﻼ ينبغى أن يكون أحدﳘا معقوﻻ دون اﻵخر. وإن ساﳏنا وقلنا
إن الصورة وحدها ﻻ تتهيأ أن تكون معقولة ما ﱂ ﲡد صورة أخرى، فﻼ بد من أن نقول حينئذ إن كل واحدة من
الصورتﲔ معقولة. فإذن ﻻ ﳝكن أن تعقل اﻵلة إﻻ مرتﲔ، وﻻ ﳝكن أن تعقل مرة واحدة. فإن كان شرط حصول
الصورتﲔ فيهما ليس على سبيل الشركة بل على سبيل أن ﳛصل ﰱ كل واحد منهما صورة ليست هى بالعدد الﱴ
هى ﰱ اﻷخرى - رجع الكﻼم إﱃ أن للنفس بانفرادها صورة وقوى ما.
فقد بان من هذا أن للنفس أفعاﻻ خاصة وقبوﻻ للصورة اﳌعقولة ﻻ تنقطع تلك الصورة ﰱ اﳉسم، فيكون جوهر
النفس بانفراده ﳏﻼ لتلك الصورة. وﳑا يوضح هذا أن الصورة اﳌعقولة لو حلت جسما أو قوة ﰱ جسم لكان
ﲢتمل اﻻنقسام وكان اﻷمر الوحداﱏ ﻻ يعقل. وليس يلزم من هذا أن اﻷمر اﳌركب ﳚب أن ﻻ يعقل ﲟا ﻻ ينقسم
وذلك ﻷن وحدة اﳌوضوع ﻻ ﲤنع كثرة اﶈموﻻت فيه، لكن تكثر اﳌوضوع يوجب أن يكثر اﶈمول. وأيضا اﳌعﲎ
اﳌنقسم ﰱ نفسه إذا حل جسما وعرض له اﻻنقسام ﻻ ﳜلو من أن تؤدى القسمة إﱃ اﻻنفصال إﱃ تلك اﳌعاﱏ، أو
ﻻ تؤدى. فان كان تؤدى تعرض منه ﳏاﻻت: من ذلك أن يكون بغﲑ وضع القسمة موجبا لتغﲑ وضع اﳌعﲎ فيه؛
ومن ذلك أن ﳛتمل اﳌعﲎ اﻻنقسام إﱃ مبادئ معقولة غﲑ متناهية؛ ومن ذلك أن يكون من حيث هو واحد غﲑ
معقول، ﻷنه من حيث هو واحد غﲑ منقسم. وأجزاء اﳊد ليس تكفى فيها الوحدة باﻻجتماع، بل وحدة إﳚاب
طبيعة واحدة و"17ا" من حيث هو ذلك الواحد معقول، ومن حيث هو ذلك الواحد غﲑ منقسم. فمن حيث هو
ذلك غﲑ منقسم، ومن حيث يكون ﰱ اﳉسم منقسم. فاذا ليس من حيث هو معقول ﰱ اﳉسم ألبتة، وﻷن اﳌاهية
اﳌشتركة بﲔ اﻷشخاص تتجرد عن الوضع وسائر اللواحق، وإما أن تكون ﳎردة عن الوضع ﰱ وجود اﳋارج، أو
ﰱ وجود العقل، أو ﰱ كليهما، أو ﻻ ﰱ واحد منهما. فان كان وجوده ﰱ الوضع ﰱ كليهما فإذن ليس يتجرد عن الوضع ألبتة، أعﲎ الوضع اﳋاص. لكنا فرضنا أن له ﲡردا من حيث هو مشترك فيه عن الوضع اﳋاص. أو يكون ﻻ
ﰱ واحد منهما - وهذا كذب ﻷنه ذو وضع ﰱ اﻷعيان؛ أو يكون ذا وضع ﰱ العقل وليس ذا وضع ﰱ اﳋارج -
وهذا أيضا كذب. فبقى أن ﻻ يكون له وضع ﰱ اﳌعقول وله وضع ﰱ اﳋارج. فان تصور به اﳉسم ﰱ اﳌعقول كان
له أيضا وضع ﰱ اﳌعقول - وهذا ﳏال. وأيضا فإنه ليس لشئ من اﻷجسام قوة أن يطلب أو يفعل أمورا من غﲑ
اية. واﳌعقوﻻت الﱴ للعقل أن يعقل أيها شاء كالصورة العددية والشكل وغﲑ ذلك بﻼ اية. فاذن هذه القوة
ليست ﲜسم. ﻷن لكل جسم قوته الفعلية متناهية ليست أعﲎ اﻻنفعالية، فإن ذلك ﻻ ﳝتنع.
فقد بان لك أن مدرك اﳌعقوﻻت، وهو النفس اﻹنسانية، جوهر غﲑ ﳐالط للمادة، برئ عن اﻷجسام، منفرد الذات
بالقوام والعقل.
وليكن هذا آخر ما نقوله ﰱ الطبيعيات.
واﳊمد ﷲ رب العاﳌﲔ والصﻼة على سيدنا ﳏمد وآله أﲨعﲔ !
اﻹﳍيات
بسم اﷲ الرﲪن الرحيم
الفصل اﻷول
ﰱ موضوع اﻹﳍيات
اﳌوجود قد يوصف بأنه واحد أو كثﲑ؛ وبأنه كلى أو جزئى؛ وبأنه بالفعل أو بالقوة. وقد يوصف بأنه مساو لشئ،
ويوصف بأنه متحرك أو إنسان أو غﲑ ذلك. لكنه ﻻ ﳝكن أن يوصف بأنه مساو إﻻ إذا صار كما، وﻻ ﳝكن أن
يوصف بأنه متحرك أو ساكن أو إنسان إﻻ إذا صار جسما طبيعيا - فإذن ما ﱂ يصر رياضيا ﱂ يوصف ﲟا ﳚرى ﳎرى
أوسط هذه الصفات. وما ﱂ يصر طبيعيا ﱂ يوصف ﲟا ﳚرى "17ب" ﳎرى آخرها. لكن ﻻ ﳛتاج ﰱ أن يكون
واحدا أو كثﲑا إﱃ أن يصﲑ رياضيا أو طبيعيا، بل ﻷنه موجود عام هو صاﱀ ﻷن يوصف بوحدة أو كثرة وما ذكر
معها. فإذن الوحدة والكثرة من اﻷعراض الذاتية اﳌوجودة للموجود الﱴ تعرض له ﲟا هو موجود. ولوﻻ ذلك لكان
اﳌوجود الواحد ﻻ يكون إﻻ رياضيا طبيعيا. فاذن للموجود ﲟا هو موجود أعراض ذاتية.
والفلسفة اﻷوﱃ موضوعها اﳌوجود ﲟا هو موجود؛ ومطلوا اﻷعراض الذاتية للموجود ﲟا هو موجود - مثل
الوحدة والكثرة والعلية وغﲑ ذلك. واﳌوجود قد يكون موجودا على أنه جاعل شيئا من اﻷشياء بالفعل أمرا من
اﻷمور بوجوده ﰱ ذلك الشئ، مثل البياض ﰱ الثوب ومثل طبيعة النار ﰱ النار؛ وهذا بأن تكون ذاته حاصلة لذات
أخرى بأا مﻼقية له باﻷسر ومتقررة فيه ﻻ كالوتد ﰱ اﳊائط، إذ له انفرد ذات متﱪئ عنه. ومنه ما ﻻ يكون هكذا.
والذى يكون هكذا: منه ما يطرأ على الذات اﻷخرى بعد تقومها بالفعل بذاا أو ﲟا يقومها - وهذا يسمى عرضا.
ومنه ما مقارنته لذات أخرى مقارنة مقوم بالفعل ويقال له صورة، للمقارنﲔ كليهما: ﳏل، ولﻸول منهما موضوع
وللثاﱏ هيوﱃ ومادة. وكل ما ليس ﰱ موضوع - سواء كان ﰱ هيوﱃ ومادة، أو ﱂ يكن ﰱ هيوﱃ ومادة - فيقال له: جوهر.
واﳉواهر أربعة: جوهر مع أنه ليس ﰱ موضوع ليس ﰱ مادة؛ وجوهر هو ﰱ مادة. والقسم اﻷول ثﻼثة أقسام: فإنه
إما أن يكون هذا اﳉوهر مادة، أو ذا مادة، أو ﻻ مادة وﻻ ذا مادة. والذى هو ذو مادة وليس فيها هو أن يكون
منها. وكل شيء من اﳌادة وليس ﲟادة فيحتاج إﱃ زيادة على اﳌادة وهى الصورة، فهذا اﳉوهر هو اﳌركب.
فاﳉواهر أربعة :ماهية بﻼ مادة، ومادة بﻼ صورة، وصورة ﰱ مادة، ومركب من مادة وصورة.
الفصل الثاﱏ
ﰱ أحكام اﳍيوﱃ والصورة
اﻻتصال اﳉسمى هو موجود ﰱ مادة، وذلك ﻷنه يقبل اﻻنفصال. وقبول اﻻنفصال فيه إما أن يكون ﻷنه اتصال
"18ا" واﻻتصال ﻻ يقبل اﻻنفصال الذى هو ضده ﻷنه يستحيل أن يكون ﰱ ضد قوة قبول ضد، ﻷن ما يقبل شيئا
يقبله وهو موجود. فمن اﶈال أن يكون شيء غﲑ موجود يقبل شيئا موجودا. والضد يعدم عند وجود الضد.
واﳌقابل عند وجود اﳌقابل. فقوة قبول اﻻنفصال هو لشئ قابل لﻼنفصال واﻻتصال. فإذن اﻻتصال اﳉسماﱏ ﰱ
مادة. وكذلك ما يتبع هذا اﻻتصال ويكون معه من القوى والصور.
اﳌادة اﳉسمانية ﻻ تفارق هذه الصورة. ﻷا إن فارقت فإما أن تكون ذات وضع، أو ﻻ تكون ذات وضع. فإن
كانت ذات وضع وتنقسم فهى بعد جسم. وإن كانت ذات وضع وﻻ تنقسم حصل لذى الوضع الغﲑ اﳌنقسم
انفراد قوام. وقد بينا استحالة هذا ﰱ الطبيعيات. وإن ﱂ يكن ﳍا وضع، وكانت مثﻼ مادة نار ما بعينه، فاذا لبست
صورة النارية ﱂ ﳚب أن ﲢصل ﰱ وضع بعينه، ولكنها ﻻ ﳝكن أن ﲢصل إﻻ ﰱ وضع بعينه. وأما إذا كان مثﻼ ماء
ﰒ استحالة هواء تعﲔ ﳍا ذلك الوضع، ﻷا إذا كانت ماء كانت هناك. فإذن إﳕا لبست صورة اﳍوائية أو النارية
وهى ذات وضع. ولو كانت اﳍيوﱃ تقتضى وجودا عاريا عن الوضع على ﳓو وجود اﳌعقوﻻت، والصورة أيضا غﲑ
ذات وضع لنفسها ﻷا معقولة من حيث هى الصورة - لكان اﳌؤلف من معنيﲔ معقولﲔ. وكل ﲨلة معقولﲔ معقول
غﲑ ذى وضع. فاذن اﳌادة اﳉسمانية يتعلق وجودها بسبب جعلها ذات وضع دائما فﻼ تتعرى إذن عن الصورة
اﳉسمانية وﻻ عن صور وقوى غﲑها. وكيف! وإذا وجدت جسما ﱂ ﳜل إما أن يكون قابﻼ للتقطيع والتفريق، أو
غﲑ قابل. فإن كان قابﻼ فإما بعسر أو بسهولة. وأيضا فإما أن يكون قابﻼ للنقل عن موضعه، أو غﲑ قابل . وﲨيع
ذلك بصور وقوى غﲑ اﳉسمية.
الفصل الثالث
ﰱ إثبات القوى
كل جسم ذى قوة يصدر عنه فعل دائما ﰱ العادة اﶈسوسة فإما أن يكون ذلك الفعل يصدر عنه ﳉسميته "18ب"
أو لقوة فيه. أو بسبب من خارج. وﻻ ﳚوز أن تكون ﳉسميته، ﻷن اﻷجسام ﻻ تساوى فيما يصدر عنها وتتساوى
ﰱ جسميتها. وغن كان يصدر عنها دائما بسبب من خارج يستعمل بعض اﻷجسام ﰱ شيء وبعضها ﰱ شئ، أو ﻷسباب ﳜتص بعضها ببعض تلك اﻷجسام - فﻼ ﳜلو: إما أن يكون وقع ذلك اتفاقا، أو ﻷن لتلك اﻷجسام خواص
ﰱ أنفسها ا تستحق أن تتوسط عن الواحد ﰱ آثار ﳐتلفة أو ﳜتص بعضها ببعض اﻷسباب إن كانت كثﲑة. والذى
باﻻتفاق ليس ﳑا يستمر على الدوام واﻷكثر .وكﻼمنا فيما يستمر على الدوام واﻷكثر. وإذن إﳕا ﳜتص بعضها
بتوسط بعض اﻷمور ﲞاصية ﳍا تصلح لتلك اﻷمور. واﳋاصية معﲎ فيها غﲑ اﳉسمية. وتلك اﳋاصية هى اﳌبدأ
القريب من ذلك اﻷثر. فقد تأدت إﱃ القسم الثالث وهو أا إﳕا تصدر عنها تلك اﻷفعال ﳌبادئ فيها غﲑ اﳉسمية،
وهى القوى: فإن هذا معﲎ اسم القوى. وﻷن كل جسم ﳜتص كما قلنا بأين وكيف وسائر ذلك، وباﳉملة: ﲝركة
وسكون - فذلك إذن له ﻷجل قوة هى مبدأ التحريك إﱃ تلك اﳊال. وهذا اسم الطبيعة.
وﻷن كل مبدأ حركة ﻻ ﳜلو إما أن يتوجه ا ﳓو شيء ﳏدود، أو يتوجه ﳓو دور ﳛفظه، أو يتوجه ﻻ إﱃ غاية على
اﻻستقامة. واﳌتوجه ﳓو شيء ﳏدود إما بالطبع، وإما باﻹرادة، وإما بالقسر. والقسر ينتهى إﱃ إرادة أو طبع. وكل
منتهى إليه مطلوب.
طبع اﳌتحرك أو إرادته، أو طبع القاسر أو إرادته، وكل ذلك لشئ هو كمال لذلك اﳌريد أو اﳌطبوع وخروج إﱃ
الفعل ﰱ مقولة تصﲑ عند حصوﳍا واجد اﳌعدوم: أما الطبيعى فكمال طبيعى، وأما اﻹرادى فكمال إرادى مظنون أو
باﳊقيقة. وكل حركة ﳏدودة فإا إذا نسبت إﱃ مبدئها اﻷول كانت لكمال ما هو خﲑ حقيقى أو مظنون؛ وكذلك
اﳊافظ. وأما القسم الثالث فمحال، ﻷن اﻹرادة ﻻ تتحرك إﻻ ﳓو غرض مفروض. والطبيعة ﻻ تتحرك إﻻ إﱃ حالة
ﳏدودة وذلك "19ا" ﻷا إذا ﲢركت إﱃ أى كيف اتفق بعد أى كيف اتفق فما ليس متميزا عنده عن غﲑه ﱂ يكن
بأن يتحرك ﳓو كيفية أوﱃ بأن ﻻ يتحرك. فإذن كل حركة ﳓو غاية.
العبث حركة ﳓو غاية للمحرك اﻹرادى القريب الذى ليس ﳓو غاية ﶈرك فكرى بعيد. فإن الذى يعبث يتخيل
غرضا للعبث فيشتاق إليه من حيث التخيل. وأما إذا قيل "للعبث" إنه "ليس لغرض" فمعناه إنه ليس لغرض عقلى.
والعابث بيده ﳏركه القريب هو ﳏرك عضل اليد وﳛرك إﱃ غاية ما تلك القوة عندما تقف وإﱃ غاية أخرى للتخيل
اﳌستعمل للشوق، وليس لغاية عقلية.
موجبات اﻷشواق التخيلية غﲑ مضبوطة ﰱ اﻷمور اﳉزئية، وﻻ أيضا صحيحة اﻻرتسام ﰱ الذكر، حﱴ إذا راجع
التخيل التذكر صادف غرض ما فعله وداعيه إليه ثانيا. ومن أسباب تلك العادة: فإن اﳌعتاد يشتهى إذا سنح للخيال
أدﱏ متذكر من مناسب أو مقابل، وباﳉملة شيء ذى نسبة. وإذا كان العقل منصرفا عن ضبط ذلك إﱃ أمور أخرى
حسية أو ذكرية واختلس التذكر فيما بﲔ ذلك اختﻼسات، تعذر على الذهن مصادفة السبب فيه فكانت نسبته إياه
إﱃ العبث أشد.
الفصل الرابع
ﰱ أحكام العلل واﳌعلوﻻت السبب هو كل ما يتعلق به وجود الشئ من غﲑ أن يكون وجود ذلك الشئ داخﻼ ﰱ وجوده أو متحققا به
وجوده. فمنه سبب معد، ومنه سبب موجب. فإذن كل سبب شرط. والشرط إما أن يكون موجبا أو غﲑ موجب.
والذى ليس ﲟوجب فهو إما أن يكون قابﻼ للوجود، أو ﻻ يكون قابﻼ: فإن ﱂ يكن قابﻼ للوجود وﱂ يكن جزء
وشرط يوجب الوجود - فﻼ حاجة إليه؛ بل كل سبب إما أن يكون جزءا ﳑا هو سبب، أو ﻻ يكون. فإن كان جزءا
فإما أن يكون جزء وجوده بانفراده يعطى الفعل ﳌا هو جزء له، أو يكون جزء وجوده بانفراده يعطيه القوة. والذى
يعطيه القوة - أى يكون به الشئ بالقوة وفيه قوة الشئ - هو مادته وهيوﻻه. واﻵخر اﳌوجب له، فهو من اﻷسباب
اﳌوجبة ويسمى صورة. والذى ليس ﲜزء منه إما أن تكون سببيته لقوام ذلك اﻵخر "19ب" ﲟباينة ذاته، أو
ﲟواصلة ذاته، والذى هو ﲟواصلة ذاته يسمى موضوعا. والذى ﲟباينة ذاته إما أن يكون مفيد وجود ذلك اﳌباين بأن
يكون ﻷجله، أو ﻻ يكون. والذى هو متعلق به وجود اﳌباين ﻷجله يسمى غاية، والذى ليس ﻷجله فاعﻼ، وكﻼﳘا
موجبان. فاﻷسباب إذن ﲬسة: مادة، وموضوع، وصورة، وفاعل، وغاية. لكن اﳌادة واﳌوضوع يشتركان ﰱ أن كل
واحد منهما فيه قوة وجود الشئ، وإن افترقا ﰱ أن أحدﳘا جزء واﻵخر ليس جزء، فيجب أن يؤخذا كشئ واحد
وهو الذى فيه الوجود. فتكون اﻷسباب إذن أربعة: "ما فيه"، و "ما به"، و "ما منه"، و "ما له."
فالسبب الفاعلى فيما ﳛدث ليس سببا للحادث من حيث هو حادث من كل جهة، ﻷن اﳊادث له وجود بعد أن ﱂ
يكن. وكونه بعد ما ﱂ يكن ليس بفعل فاعل، إﳕا ذاك الوجود هو اﳌتعلق بغﲑه؛ ولكن له ﰱ نفسه أنه ﱂ يكن. فإذا
كان الوجود متعلقا بالغﲑ، ويستحيل أن يكون وجود عن علة ليست فعل الوجود، يكون مع الوجود على ترتيب
يقتضى ﻻ ﳏالة - كما علمت - اية عند اﻷسباب اﻷول.
الفصل اﳋامس
ﰱ الوجود وبيان انقسامه إﱃ اﳉوهر والعرض
الوجود يقال ﲟعﲎ التشكيك على الذى وجوده ﻻ ﰱ موضوع؛ ويقال على الذى وجوده ﰱ موضوع. وقولنا:
"موجود ﻻ ﰱ موضوع" قد يفهم منه معنيان: أن يكون وجود حاصل، وذلك
الوجود ﻻ ﰱ موضوع؛ واﻵخر أن يكون معناه: الشئ الذى وجوده ليس ﰱ موضوع. والفرق بﲔ اﳌعنيﲔ أنك
تدرى أن اﻹنسان هو الذى وجوده أن يكون ﻻ ﰱ موضوع، ولست تدرى أنه ﻻ ﳏالة موجود ﻻ ﰱ موضوع:
فانك قد ﲢكى ذا اﳊكم على الشئ الذى ﳚوز أن يكون معدوما. وكون الشئ موجودا ﻻ ﰱ موضوع باﳌعﲎ
اﻷول من ﻻزم الوجود للشئ الذى ﻻ يدخل ﰱ ماهية الشئ، وهو ﳑا قد تبحث عنه، فإنه ليس هاهنا معﲎ إﻻ
الوجود الذى ليس هو بنفسه ماهية لشئ من اﳌوجودات الﱴ عندنا - وقد زيد عليه أنه " ليس ﰱ موضوع ."فإذن
ذا اﳌعﲎ "20ا" ﻻ يكون جنسا لشئ. وذلك ﻷنه إن كان شيء ماهيته أنه موجود، ﰒ ذلك الوجود ليس ﰱ
موضوع، فﻼ يتناول سائر اﻷشياء الﱴ ليس وجودها ماهيتها من حيث ماهيته، فﻼ يكون جنسا له ولغﲑه. - أما
اﳌعﲎ الثاﱏ، وهو الذى معناه شيء إﳕا له إذا وجد ذا النحو من الوجود، فهو مقولة اﳉوهر. وﻻ ﳝكنك إذا
فهمت حقيقة اﳉوهر أن ﻻ ﲢمل عليه، وﳝكنك أن ﻻ ﲢمل اﳌعﲎ اﻵخر عليه. وأما الوجود الذى يكون ﻷشياء ﰱ موضوع فيفهم منه أيضا معنيان. وواضح من أحد اﳌعنيﲔ أنه ليس جنسا، وإﳕا
يشكك ﰱ اﳌعﲎ الثاﱏ الذى بإزاء اﳌفهوم للمعﲎ اﻵخر من اﳌوجود ﻻ ﰱ اﳌوضوع. فنقول: إن هذا اﳌعﲎ ليس
جنسا لﻸغراض، ﻷنه ليس داخﻼ ﰱ ماهيتها؛ وإﻻ لكان تصورك للبياض بياضا يكون ليشتمل على تصورك أنه ﰱ
موضوع. وكذلك ﰱ الكم. وﻷن الوجود ﳌا كان ﰱ موضوع إما أن يكون مع وجود موضوعه بالطبع أو بعده،
ووجود ما ليس ﰱ اﳌوضوع ﻻ يلزم أن يكون على وجود الشئ الذى ﰱ اﳌوضوع وﻻ بعده. والوجود لذلك قبله
بالذات وباﳊد. وهذه القبلية له من حيث الوجود، وهو اﳌعﲎ اﳌشار إليه بأن فيه هاهنا شركة كتقدم اﻻثنﲔ على
الثﻼثة، فإذن ذلك ليس من حيث العددية، بل من حيث الوجود، فيكون متقدما ﰱ اﳌعﲎ اﳌفهوم من الوجود، وﻻ
يكون متقدما ﰱ اﳌعﲎ اﳌفهوم من العدد، فﻼ يكون الوجود بينهما بالسوية.
واﳌوجودات الﱴ ﰱ موضوع :منها ما ﳍا قرار ﰱ اﳌوضوع، ومنها ما وجودها ﻻ على سبيل اﻻستقرار؛ وأوﻻﳘا
بالوجود ما هو ﲟعﲎ اﻻستقرار. - ومن وجه آخر: بعض اﳌوجودات ﰱ موضوع للموضوع ﰱ نفسه فقط، وبعضها
للموضوع ﲟعﲎ وجود غﲑه فقط، وبعضها للموضوع ﰱ نفسه بالنسبة إﱃ غﲑه ﻻ أنه نفس وجود غﲑه بازائه.
فأوﻻها بالوجود اﳌتقرر فيه، وأقلها استحقاقا للوجود من هذين: الذى ﻷجل وجود غﲑه، والثالث متوسط: مثال
اﻷول البياض، مثال الثاﱏ اﻷخوة، مثال الثالث اﻻبن. "20ب" وأيضا أضعف اﳌتقرر ﰱ نفسه ما هو بسبب إضافة
نفسه كالوضع؛ وأضعف ما هو بسبب قياس إﱃ غﲑه ما هو إﱃ غﲑ ﰱ حكمه مثل ذلك :اﻷصغر واﻷكﱪ. وأضعف
الثالث ما كان إﱃ غﲑ قار، ك "مﱴ."
وكل وجود للشئ فإما واجب، وإما غﲑ واجب. فالواجب هو الذى يكون له دائما. وكل ذلك إما له بذاته، وإما
له بغﲑه.
كل ما ﳚب لذاته وجوده فيستحيل أن يكون وجوده ﳚب بغﲑه. وينعكس: كل ما ﳚب وجوده ﻻ عن ذاته فإذا
اعتﱪت ماهيته بﻼ شرط ﱂ ﳚب وجودها؛ وإﻻ لكان لذاته واجب الوجود وﱂ ﳝتنع وجودها، وإﻻ لكان ﳑتنع
الوجود لذاته فلم يوجد وﻻ عن غﲑه. فإذن وجوده لذاته ﳑكن، وبشرط ﻻ علته ﳑتنع، وبشرط علته واجب.
ووجوده ﻻ بشرط علته غﲑ وجوده بشرط علته: فبأحدﳘا هو ﳑكن، وباﻵخر واجب.
كل ما وجوده مع غﲑه من حيث الوجود ﻻ من جهة الزمان فليس ذاته بذاته بﻼ شرط غﲑه واجبا. فإذن ذاته بذاته
ﳑكن.
كل ما هو جزء معنوى كأجزاء اﳊد، أو قوامى كاﳌادة والصورة، أو كمى كالعشرة وما هو ثﻼثة أذرع مثﻼ
فوجوده بشرط جزئه، وجزؤه بشرط غﲑه؛ فليس واجب وجود بذاته.
كل ﳑكن الوجود بذاته ﻻ ﳜلو ﰱ وجوده: إما أن يكون عن ذاته، أو عن غﲑه، أو ﻻ عن ذاته وﻻ عن غﲑه. وما
ليس له وجود ﻻ عن ذاته وﻻ عن غﲑه فليس له وجود. وليس ﳌمكن الوجود بذاته وجود عن ذاته، وإﻻ لوجب
ذاته عن ذاته؛ فإذن وجوده عن غﲑه. ووجوده عن غﲑه معﲎ غﲑ وجوده ﰱ نفسه، ﻷن وجوده ﰱ نفسه غﲑ
مضاف، وعن غﲑ مضاف. وإذا كان وجوده عن غﲑه ﳑكنا أيضا وﱂ ﳚب، احتاج وجوده عن غﲑه، ﰱ أن ﳛصل، إﱃ غﲑه -فيتسلسل إﱃ غﲑ اية - وسنوضح بطﻼن هذا ﰱ العلل. فإذن ﳚب أن ﳚب وجوده عن غﲑه فيتسلسل
إليه، فيكون حينئذ وجوده عن غﲑه واجبا حﱴ يوجد. فإذن اﳌمكن لذاته، ما ﱂ ﳚب عن غﲑه، ﱂ يوجد. وإذا
وجب عن غﲑه كان وجوده عن غﲑه واجبا عن ذلك الغﲑ وواجبا له، فيكون باعتبار نفسه ﳑكنا وباعتبار "21ا"
غﲑه واجبا.
الكلى ﻻ وجود له من حيث هو واحد مشترك فيه ﰱ اﻷعيان، وإﻻ لكانت اﻹنسانية الواحدة بعينها مقارنة
لﻸضداد. واﻷضداد إﳕا ﳝتنع اقتراا ﻻ ﻷجل وحدة اﻻعتبار، بل ﻷجل وحدة اﳌوضوع؛ فإنه لو كانت اﻷضداد
ﲡتمع، لكان اعتبار الشئ مع أحدﳘا غﲑ اعتباره مع الثاﱏ: فكان لون من حيث هو أسود ﱂ ﳚتمع معه من حيث
هو أبيض، بل افترقا برفع ذلك، فاجتماعهما مستحيل ﻷنه ليس ﳚوز أن يكون الواحد موصوفا ما ﻻ بشئ آخر.
وكيف يتصور حيوان بعينه هو ذو رجلﲔ وغﲑ ذى رجلﲔ، ووحدتان ﳘا وحدة واحدة ﰱ العدد فﻼ يكون واحدا
بالذات! - فالكلى إﳕا هو واحد ﲝسب اﳊد. ووجود اﳊد ﰱ النفس بأن يكون معﲎ معقول واحد بالعدد من حيث
هو ﰱ نفس له إضافات كثﲑة إﱃ أمور كثﲑة من خارج ليس هو أوﱃ بأن يطابق بعضها دون بعض. ومعﲎ اﳌطابقة
أن يكون لو كان بعينه ﰱ أى مادة كانت لكان ذلك اﳉزئى أو أى واحد منها سبق إﱃ الذهن قبل اﻵخر أثر هذا
اﻷثر ﰱ النفس. وهذه الطبيعة إذا وجدت ﰱ اﳋارج ووجدت كثﲑة، فﻼ ﳜلو كل واحد من تلك الكثرة، إذا وجد
غﲑ اﻵخر، عن أن يكون لكونه تلك الكثرة أو ﻻ لكونه تلك. فإن كان ﻷجل تلك الطبيعة، كان ﳚب أن يكون
كل واحد غﲑ نفسه، وكان ﳚب ﰱ كل شخص الكثرة، إذ كان إﳕا هو كثﲑ ﻷنه إنسان. فإذن الكثرة تعرض له
بسبب، ولو كان من كل واحد منها أنه تلك الطبيعة وأنه هو معﲎ واحد أو يلزم أحدﳘا اﻵخر، ﳌا كانت تلك
الطبيعة إﻻ هو بعينه. وهذا اﳌعﲎ ﰱ اﳉنس أظهر، ﻷنه ليس ﳝكن أن ﳛصل اﳌعﲎ اﳉنسى بالفعل إﻻ وقد صار نوعا.
وإﳕا صار نوعا لزيادة اقترنت به ليس لذاته، وتلك الزيادة شرط زائد وجودى أو عدمى. ومن شرط هذه الزيادة
ﰱ اﳉنس أن ﻻ تكون داخلة ﰱ ماهية العام اﳉنسى، وإﻻ لكانت مشتركا ا، بل ﳚب أن تكون زائدة عليها. نعم!
قد يدخل ﰱ ﲣصيص آنيته. واعلم أن الفصل "21ب" ﻻ يدخل ﰱ ماهية طبيعة اﳉنس ويدخل ﰱ آنية أحد
اﻷنواع.
قد صح أن كل منقسم باﳌقدار أو بالقول أو باﳌعﲎ فوجوده غﲑ واجب بذاته، وإن كان مكافئ الوجود للغﲑ
فوجوده غﲑ واجب بذاته. فكل جسم وكل مادة جسم وكل صورة جسم فوجوده غﲑ واجب بذاته، فهو ﳑكن
بذاته، فيجب بغﲑه - وينتهى - كما قلنا - إﱃ مبدأ أول ليس ﲜسم وﻻ ﰱ جسم وهو الواجب الوجود بذاته.
وﻻ ﳚوز أن يكون معﲎ واجب الوجود مقوﻻ على كثﲑين؛ فإا إما أن تصﲑ أغيارا بالفصول، أو بغﲑ الفصول.
فان صارت أغيارا بالفصول ﱂ ﳜل: إما أن تكون حقيقية وجوب الوجود تكون واجبة الوجود بذاا من غﲑ تلك
الفصول، أو ﻻ تكون. فإن صارت واجبة الوجود بالفصول، فالفصول داخلة ﰱ ماهية اﳌعﲎ اﳉنسى. وقد بينا
استحالة هذا. وإن ﱂ تكن داخلة ﰱ تلك اﳌاهية، فيكون وجوب الوجود وجوب وجود لنفسه من غﲑ هذه
الفصول. ولو ﱂ تكن فصوﻻ ﱂ ﳜل: إما أن يكون وجوب الوجود حاصﻼ، أو ﻻ يكون. وإن كان حاصﻼ وكثﲑا فكثرا ذه الفصول ليس ذه الفصول - هذا خلف. وإن كانت واحدة ﰒ انقسمت ذه الفصول فتكون هذه
الفصول عوارض تعرض ﳍا، فيكون انقسامها بالعوارض ﻻ بالفصول، وكان بالفصول - هذا خلف. وأما إن كان
غﲑيتها بالعوارض ﻻ بالفصول، وقد قلنا إن كل واحد. ﳑا هذا سبيله، فهو هو بعينه لعلة - فكل واجب الوجود هو
هو بعينه لعلة - وقد قلت: ﻻ شيء من واجب الوجود بذاته وجوده بعلة. فواجب الوجود غﲑ مقول على كثﲑين،
وكونه واجب الوجود وكونه هذا لذاته. فإذن واجب الوجود بذاته هو واجب الوجود من ﲨيع جهاته. وﻷنه ﻻ
ينقسم بوجه من الوجوه فﻼ جزء له فﻼ جنس له. وإذ ﻻ جنس له فﻼ فصل له. وﻷن ماهية آنيته - أعﲎ الوجود -
فﻼ ماهية يعرض ﳍا الوجود، فﻼ جنس له إذ ﻻ مقول عليه وعلى غﲑه ﰱ جواب ما هو شئ. وإذ ﻻ جنس له وﻻ
فصل، فﻼ حد له. وإذ ﻻ موضوع له، فﻼ ضد له. وإذ ﻻ نوع له، فﻼ ند له. وإذ هو واجب الوجود من ﲨيع
جهاته "22ا" فﻼ تغﲑ له.
وهو عاﱂ، ﻻ ﻷنه ﳎتمع اﳌاهيات، بل ﻷنه مبدؤها، وعنه يفيض وجودها. وهو معقول وجود الذات، فانه مبدأ.
وليس أنه معقول وجود الذات غﲑ أن ذاته ﳎردة عن اﳌواد ولواحقها الﱴ ﻷجلها يكون اﳌوجود حسيا ﻻ عقليا.
وهو قادر الذات، ﳍذا بعينه، ﻷنه مبدأ عاﱂ بوجود الكل عنه. وتصور حقيقة الشئ - إذا ﱂ ﳛتج ﰱ وجود تلك
اﳊقيقة إﱃ شيء غﲑ نفس التصور - يكون العلم نفسه قدرة - وأما إذا كان نفس التصور غﲑ موجب، ﱂ يكن العلم
قدرة.
وهناك فﻼ كثرة، بل إﳕا توجد اﻷشياء عنه من جهة واحدة. فإذا كان كذلك، فكونه عاﳌا لنظام الكل اﳊسن
اﳌختار هو كونه قادرا بﻼ اثنينية وﻻ غﲑية.
وهذه الصفات له ﻷجل اعتبار ذاته مأخوذا مع إضافة. وأما ذاته فﻼ تتكثر - كما علمت -باﻷحوال والصفات. وﻻ
ﳝتنع أن تكون له كثرة إضافات وكثرة سلوب، وأن ﳚعل له ﲝسب كل إضافة اسم ﳏصل، وﲝسب كل سلب
اسم ﳏصل. فإذا قيل له: "قادر" فهو تلك الذات مأخوذة بإضافة صحة وجود الكل عنه الصحة الﱴ باﻹمكان العام
ﻻ باﻹمكان اﳋاص. فكل ما يكون عنه يكون بلزوم عندما يكون، ﻷن واجب الوجود بذاته واجب الوجود من
ﲨيع جهاته. - وإذا قيل: "واحد" يعﲎ به موجود ﻻ نظﲑ له، أو موجود ﻻ جزء له؛ فهذه التسمية تقع عليه من
حيث اعتبار السلب. - وإذا قيل: "حق" عﲎ أن وجوده ﻻ يزول وأن وجوده هو على ما يعتقد فيه. - وإذا قيل:
"حى" عﲎ أنه موجود ﻻ يفسد، وهو مع ذلك على اﻹضافة الﱴ للعاﱂ العاقل. - وإذا قيل: "خﲑ ﳏض" يعﲎ به أنه
كامل الوجود برئ عن القوة والنقص: فإن شر كل شيء نقصه اﳋاص. ويقال له خﲑ ﻷنه يؤتى كل شيء خﲑيته :
فإنه ينفع بالذات والوصال، ويضر بالعرض واﻻنفصال، أعﲎ باﳌواصلة: وصول تأثﲑه، وأعﲎ باﻻنفصال: احتباس
تأثﲑه. وإذا كان كل مكمل مدرك يلتذ به اﳌدرك، وهذا هو اللذة: وهو إدراك اﳌﻼئم، واﳌﻼئم هو الفاضل بالقياس
إﱃ الشئ كاﳊلو عند الذوق والنور "22ب" عند البصر والغلبة عند الغضب والرخاء عند الوهم والذكر عند
اﳊفظ -وهذه كلها ناقصة اﻹدراك، والنفس الناطقة فاضلة اﻹدراك، ومدركات هذه نواقص الوجود -فإدراك
النفس الناطقة للحق اﻷول الذى هو اﳌكمل لكل وجود بل اﳌبتدئ، وهو الذى هو اﳋﲑ اﶈض، ألذ شئ. وإذا ﱂ تلتذ أنفسنا بذلك، أو التذت لذة يسﲑة، فذلك للشواغل البدنية الﱴ هى كاﻷمراض ولبعد اﳌناسبة لغرق النفس ﰱ
الطبيعة مثل اﳌرضى الذين ﻻ يلتذون باﳊلو أو يتأذون، وإذا زال العائق ﲤت اللذة باﳊلو، وظهر التأﱂ باﳌر .وهذا
أيضا كاﳋدر الذى ﻻ ﳛس بأﱂ وﻻ لذة، وكالذى به اﳉوع اﳌسمى بوليموس فإنه جائع وﻻ ﳛس بأﱂ اﳉوع. فإذا
زال العائق يشتد به إحساسه. فكذلك فقد النفس الناطقة ﲟﻼحظة كماله من مؤﳌات جوهره، ﻷن فقد كل قوة
فعلها اﳋاص ا من مؤﳌات إذا كانت تدرك الفقد. لكن البدن هو الشاغل عن اﻹحساس بأﱂ هذا الفقد، أو بأﱂ
وجود مضاد للحق مثلما ﳓس من اﻷﱂ بذوق مضاد للحلو. فإذا زال البدن اشتدت لذة الواجد وعظم أﱂ الفاقد
اشتدادا ﻻ يقاس إﱃ حال التذاذ ﲝلو أو تأﱂ ﲟر. والسعادة هى اﻻنقطاع باﳉملة عن مﻼحظة هذه اﳋسائس ووقف
النظر على جﻼل اﳊق اﻷول، ومطالعته مطالعة عقلية. واﻻطﻼع على الكل من قبله ليكون صورة للكل متصورة
ﰱ النفس الناطقة يلحظها وهو يشاهد ذات اﻷحد اﳊق - من غﲑ فتور وﻻ انقطاع - مشاهدة عقلية.
واﷲ وﱃ تسهيل سبيلنا إليه بتوفيقه.