لا يمكن أن تكون حليم الا اذا ادركت فائده الحلم وغائلة الغضب وهذا لا يكون الا بالتجارب ولذا قيل ( لا حليم الا ذو عثرة ولا حكيم الا ذو تجربه ) فاذامرت بك تجارب غضبت فيها وتحققت خسارتك وندمت وزرعت الندامة في نفسك تصميم قويا على ترك الغضب والامساك بالنفس عندئذ تكون حليم اذ الحلم ذل كما تقول الحكماء ولا يصبر علي الذل الا لشي اعظم منه حتى أن بعض الحكماء صبرت عليه من اجل أن لا تسمع كلمة عوجاء في حقها ..
وأعلم أن غرس الصفات الطبيه في نفسك يكون التدريب المستمر .. والتدريب معناه أنك تسير الى اتقان المهارة او الصفه التى تريدها بالتدريج فتبداء ضعيف ثم تقوى حتى تصل الى اقصى شي تمسح به طبيعتك وما غرس فيك .. اذ الانسان لا يتجاوز ما تسمح به طبيعته وما تقدر عليه نفسه و ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) وهذا صادق في التكليف الشرعي ويصدق على قدرات النفس وميولها وما جبلت عليه ..
وكما أن العلم بالتعلم كذالك الحلم بالتحلم .. وربنا سبحانه يعين من طلب الخير كما قيل ( من يتحر الخير يعطه ومن يتحر الشر يوقه )
وفي الدعاء المشهور ( اللهم زينا بالعلم وجملنا بالحلم )
فالعلم غنى .. لانه يغنيك عن الحاجه لغيرك فلا تسأل ولا تخضع اذ صاحب المعلومه مثل صاحب المال يأسرك ببيانه ويدفعك بحجاجه ويستغني عن السؤال
والحلم زينه .. لان الغضوب يخرج من طوره وتظهر عورته وقبح دخائله والحلم يزين الانسان بزينة الوقار والتجمل ..
وأصل الحلم أن تتغاضي عمن اغضبك وأنت قادر على انزال غضبك به فكل شي يغضبك ويدفعك للانتقام المقدور عليه وتركته فأنت حليم
وبهذا يكون الحلم له خمس عناصر
الاول أن يصدر من الطرف الاخر اساءة متعمده لك
الثاني أن تنتفخ نفسك بالغضب
الثالث أن تطلب نفسك الانتقام
الرابع أن تكون قادر على الانتقام
الخامس أن تترك الانتقام من اجل الحلم ..
السادس أن يكون الحلم لمصلحة عقليه
ولذا قالوا ( الحلم خصلة من خصال العقل ) فأنت تحلم لاجل مرعاة مصلحة دينيه او دنيويه او عرفيه ..
ولا تحلم لاجل الحلم ذاته .. اذ الحلم وسيلة لغاية .. والغاية طلب خير الدرارين ولذا ندب الله للحلم واخبر عن فضلة في الاخرة بقوله ( وليعفوا وليصفحوا الا تحبون أن يغفر الله لكم ) وقال ( واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) وفضله في الحياة أن كل شر سببه الغضب المسبب لخسران الدارين فكم من غضوب قتل او ضرب او شتم واعتدي فأوجب له ذالك خسائر فادحه في الدارين ..
وورد أن من سنن المرسلين ( الحياء والحلم )
أي ترك ما يعاب وترك التقصير في حق ذي الحق .. وترك الانتقام الموجب لخسارة الدراين او نقص كمالهما ..
وبعض الناس يعتقد أن الحلم انك لا تغضب ..
وهذا خطاء ..
الحلم أنك لا تنتقم انتقاما يوجب خسارة الدرين .. فأنت في الانتقام تراعي مصالح الدارين ..
والحلم له صور كثيره
منها أن يكون لك قريب او صديق تحسن اليه وتصله ويسى اليك ويقاطعك فالحلم هنا ان تواصل الاحسان اليه
ومنها أن تحسن الى قريب او بعيد وتعطيك وتخدمه ومع وهو اعق من الضب فالحلم هنا ان تواصل في اخلاقك الحميده
ومنها ان يظلمك احد في عرضك او مالك وتطلب نفسك الانتقام فالحلم هنا ان تعفوا عنه
ومنها أن تصدر اساءة قوليه او فعليه في مجلس ما فتترك الانتقام منه وتحلم عليه
وينبغي لمن يتصدي للناس بالتعليم والدعوة أن يصطحب الحلم كما قال تعالي ( كونو ربانينن ) قال بعض المفسرين ( حلماء علماء ) والرباني هو الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره فهو ساع لنشر الفضيله بين الناس و كثير الناس بمنزلة البهم السارحه وكان الجهل يغلب عليهم وكثيرا ما يسيئون الى من يعلمهم وينصحهم ويأمرهم ويناهم ولذا شباههم الرسول ب ( الرغيه ) أي النعم التى ترعي فكان الحلم اهم خصائص المعلم ..
وكانت العرب ترد الصاعين صاعين لمن اخطاء عليهم كما قال شاعرهم
الا لا يجلهن احدا علينا .. فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فأنزل الله ( واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) قال الحسن ( حلماء وأن جهل عليهم لم يجهلوا ) يعني لا ينتقمون ممن يقدرن على الانتقام منه ولا يردون السيئه بالسيئه ..وهكذا تهذيب وتشذيب لانفعال الغضب ..