أخي فيتامين القصة كالتالي :
كتب الدكتور حسن المقال التالي /
د. حسن بن فهد الهويمل
طُعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الصميم، حين اتهمت أحبّ النساء إليه، ولما سُئِلتْ كان جوابها: (فصبر جميل...). ولما كان الله المستعان على ما يصفون فوجئ الكون الإنساني بما لم يكن في حسبان الجميع: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}وقبل هذا وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنون والسحر والشاعرية، وأدمي عقبه، ووضعت القاذورات على ظهره، وشنأه الأبتر، وكسرت ثنيته، وسُحر، ووصفه رأس المنافقين بالأذل، ولمَّا تزل فوهات المدافع تقذف الحمم، وأفواه المنافقين تفيض بالبهتان الذي يحير سامعيه لفظاعته. ولما كان التاريخ يكرر نفسه، فقد انبعث أشقاها، ليؤذي الحبيب الأحبّ من النفس والمال والأهل على مسمع ومرأى من مليار ونيف من المسلمين. وحين لا يبادر القادرون بردّ فعل رادع، كلٌ حسب طاقته، لكي يحفظ جنابه، ويسعد أحبابه، تبلغ الأمة درك الذلة والمهانة، وتستفحل فيها الغثائية، وتكون عرضة لمزيد من الإيذاء في الدين، ومن الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، ثم لا تقدر على ردّ يد لامس. والتعدي على جنابه الطاهر أثار مشاعر المسلمين على مختلف المستويات، وأثبت للعالم أجمع أن الأمة الإسلامية، وإن وهنت وحزنت ستظل دون ثوابتها ومقدساتها.
وواجب صفوة الصفوة من علماء ومفكرين وساسة وإعلاميين عند مثل هذه النوازل التدبر والتفكر، ووضع الأمور حيث يجب أن توضع؛ إذ المواجهة ستطول وتمتد، وقد يمكر الشانئون بجرّ المنافحين إلى مواجهات غير متكافئة، ليستفيد مَن لا يقاتلون إلا من وراء جدر. وعلينا أمام هذه التحديات الممسك بعضها برقاب بعض ألا نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، بحيث تكون المحاسبة مقدَّرة بقدرها، لا يكون فيها تعدّ ولا ظلم ولا مجازفات خاسرة، كما يجب ألا تكون الغيرة والتصدي والصمود سحابة صيف، تعصف، ثم تخبو؛ إذ كل اهتياج غير موزون يحور رماداً بعد إذ هو ساطع.
وأخوف ما أخاف على أمتنا ذاكرتها المخروقة، ونسيانها المعتق، فما تواجهه من تعديات متلاحقة ينسي بعضها بعضاً؛ فأين نحن من آلاف المقترفات السافرة، والانتهاكات المتواصلة عبر التاريخ؟ وتفادياً لأيّ مواجهة غير محسوبة علينا أن نتساءل: هل جاء المساس في سياق الحرب النفسية، أم جاء بادرة شخصية، تجهل مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في نفوس المسلمين، أم أن ذلك في سياق الصدام الحضاري؟ فلكل دافع أسلوب في المواجهة، ونحن أحوج ما نكون إلى (استراتيجية) محكمة؛ لمواجهة مثل هذه النوازل؛ فالحرب الفكرية ليست بأقل شأناً من الحرب العسكرية، وقضايا المسلمين العامة لا بدّ لها من مؤسسات ترصد وتحلل وتحكم المواجهة.
وطبعي أننا لا نملك القدرة على المواجهة العسكرية، ولا نميل إليها لو توفرت إمكانياتها، وعندئذ فإن المواجهة الفكرية والاقتصادية والسياسية أجدى وأهدى وأعمق تأثيراً. وبرهان ذلك تراجعات المؤسسات (الدانمركية) واستباقها لمحاصرة القضية، والحيلولة دون امتدادها، بيد أن لملمة ذيولها جاء في غير وقته. ولو أن عقلاء القوم إذ أحسوا بفداحة الخطيئة تداركوا الأمر، وقدموا اعتذارهم، لما بلغت الأمور ما بلغت. وتبرير الفعلة النكرى بحق التفكير والتعبير مجانب للصواب؛ فالحرية الإنسانية لا بدّ أن تكون منضبطة، وكرامات الشعوب لا بدّ أن تكون مستحضرة مصونة، وبقدر محافظة الإنسان على قيمه المادية تكون محافظته على قيمه المعنوية. والمؤسسة السياسية في (الدانمرك) ارتكبت خطأً فادحاً بتعويلها على (حرية الصحافة) و(حرية الكلمة)؛ فذلك تعويل لا تعضده الأعراف السياسية، فضلاً عن حدود الحريات الأخرى. ولقد أشار (الأمين العام) (كوفي أنان) إلى خطأ الفهم، وحث على تجنب بؤر التوتر، ومن بعد ذلك تلاحقت التصريحات التنصلية من بعض زعماء العالم، وكان حقاً على الدول الأوربية التي عاضدت بعضُ صحفها (الدانمرك) أن تعينها بردّها عن الظلم، على حدّ (أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً)؛ فالمملكة العربية السعودية التي قادت حملة الاستياء، حالت دون تصرفات غاضبة، يقودها الشارع الإسلامي، ثم تكون فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا خاصة.
ومثل هذا التصعيد العاطفي لن يكون في صالح العالم بأسره، ومشاعر الشعوب لا يمكن حسمها بقرار سياسيّ، إنها كالطوفان تدمّر كل شيء أتت عليه، وما كان من أهداف المؤسسات الإسلامية زجّ العالم في بؤر التوتر؛ إن موقفهم غيرة على سمعة رسولهم وطهره، ومحاولة لتراجع المعتدي عن اعتدائه، وما كان ضرّ الصحيفة لو اعتذرت عما بدر منها، وحمَّلت الخطأ رسَّامها (الكاريكاتيري).
والإسلام الذي قطع بكفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وإن يد الله مغلولة، ولقي منهم أذىً كبيراً، لا يودّ من المسلمين تصعيد الخلاف، ومن ثم نهاهم عن سبّ معبودات المشركين، ونهى عن قطيعة المخالف في الدين، وحصر المواجهة مع الذين يقاتلون على الدين، ويخرجون من الديار، والذين اقترفوا خطيئة النيل من الرسول لم يعرفوا أن إيمان المؤمن لا يتم حتى يكون الرسول أحبّ إليه من كل شيء حتى من نفسه. ولم يتحقق إيمان (عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - حتى كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحبّ إليه من كل شيء، حتى في نفسه، وحين قالها، قال له رسول الله: (الآن يا عمر)؛ أي الآن تحقق الإيمان. وكيف يكون اعتداء على رسول الرحمة والسلام، والمسلمون لا يفرقون بين أحد من رسله؟ ألا يكفي الغرب أن يعاملنا بالمثل، أو يكف عن تعمد الإهانة لمشاعر المسلمين؟
وما فعلته الصحافة (الدانمركية) وباركته المؤسسة السياسية يعدّ من نقض العهد والتعدي السافر؛ ذلك أن العهود والمواثيق تتطلب احترام مقدسات الآخر، أو الكف عنها على الأقل؛ فنحن نعرف أن (اليهود) و(النصارى) لا يؤمنون برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا يرون القرآن كلام الله، وتلك من عقائدهم، ومع ذلك فإنها لم تؤثر في العهود والمواثيق المبرمة بين الدول المختلفة في عقائدها، متى لم ينقض المخالف الميثاق. ومع ما يتجرعه العالم الإسلامي من ويلات فإنه مستعد لنسيان ما فات، وفتح صفحة جديدة، وما على المؤسسة السياسية في (الدانمرك) إلا أن تبدي أسفها واعتذارها، وتؤكد لصحافتها أن من مستلزمات التبادل التجاري، وهو جزء من العهود والمواثيق الكف عن إيذاء مشاعر المسلمين، وعندئذ لا يكون هناك ما يمنع من عودة المياه إلى مجاريها على المستوى السياسي على الأقل، أما المقاطعة الشعبية فتلك إرادة لا يقدر عليها إلا من بيده مقاليد كل شيء. وإذا كان الإعلام الغربي قد أضل قومه بتحميل الإسلام معرة الإرهاب فإن من واجب قادة العالم تصحيح المفاهيم؛ ليعيش العالم بسلام.
ومن المؤسف أن تُمِدَّ بعض الصحف الغربية صحف الدانمرك بالغيّ، وتلك الحيل (التكتيكية) قامت بها بعض الدول الأوربية لفك الاختناق عن (الدانمرك)، وتخفيف حدة المواجهة، بحيث أعادت نشر الصور، تمشياً مع سياسة ضياع الدم بين القبائل، ووضع الأمة الإسلامية والمملكة العربية السعودية بالذات في موقف حرج، وتلك محاولة غبية، متى استطاع العالم الإسلامي التعامل معها بحكمة وروية، فالبادئ مقترف، والمساير مؤيِّد، وعلى الأمة الإسلامية أن تظل في مواجهة المقترف، وأن تدع المساندين لها، محتفظة بحقها، حين تحتاج تلك الدول إلى مساندة أو تأييد في المحافل الدولية.
وظاهرة المساندة الأوربية دليل على نجاح ردود الفعل الإسلامي، ودليل على أن الفكر الأوربي في الهمِّ غرب، وأنهم في الهوى سواء. إن مواجهة أوربا كلها في الأمور المتعذرة، والصحافة الأوربية التي شاطرت (الدانمرك) تريد أن تخفف من وطأة المقاطعة، وأن تربك المواجهة الإسلامية. وما تلاقيه المملكة من نقد إن هو إلا ابتلاء وامتحان، وعليها أن تصبر وتصابر وترابط، والاحتجاج بأنها عضوٌ في (منظمة التجارة العالمية)، وأن العضوية لا تخولها مقاطعة الدانمرك اقتصادياً احتجاج مرجوح؛ فالتعدي على مشاعر المسلمين وإثارتهم يحمِّلان الدولة؛ بوصفها قبلة المسلمين وفي أرضها يرقد الجسد الطاهر، مسؤولية الاستجابة لمشاعر الشعوب الإسلامية، ثم إن مبادرة المقاطعة ليست سياسية، وإنما هي شعبية، وحتى لو فتحت المملكة أسواقها للمنتجات (الدانمركية) فإن الرأي العام الإسلامي سيتمسك بالمقاطعة؛ مما يعرض البضائع الدانمركية للكساد، وتلك مقاومة سلمية مشروعة، استطاع بها (غاندي) إخراج (الإنجليز) من الهند. وإذا كان الغرب جاداً في مواجهة الإرهاب، فعليه أن يجتهد في تجفيف مستنقعاته، وقطع دابر مثيراته. وإثارة مشاعر المسلمين ورقة رابحة في يد الإرهابيين، والدول الإسلامية جادة من جانبها في مطاردة فلول الإرهاب، ولا أحسب الدول الغربية واعية للأسباب، ولا محسنة لأسلوب المواجهة.
ومع كل التداعيات السلبية والإيجابية فإن هذا الإيذاء ترك آثاراً إيجابية ما كان لها أن تكون لولا التعدي الآثم على حرمات المسلمين، وهذا يستدعي قصة (الإفك) وتطمين الله للمؤمنين حين حسبوه شراً لهم، وهو في النهاية خير؛ فالذين يركنون إلى الغرب من أبناء المسلمين، ويدَّعون رغبته في التعايش السلمي والحوار الحضاري، ويلومون أهلهم على سوء التعامل معه، وسوء الظن به، تبدت لهم منطوياته؛ فلقد كشف الحدث عن خبيئة الأعداء ومساندة بعضهم بعضاً. وحين يتلقى الذين في قلوبهم مرض درساً عملياً، يكون ذلك أدعى لوعيهم بالذي يبيته المناوئون، وأخذ الحذر من الأعداء الذين يبيتون ما لا يرضى الله في القول والفعل.
ومشروعية الحوار وتبادل المعارف والخبرات، لا تقتضي الغفلة، ولا الركون إلى الذين ظلموا، ولا المداهنة. وأخذ الحذر لا يتعارض مع الجنوح للسلام والمصالحة والتعايش وتبادل المنافع؛ فنحن هنا لا نريد قطع السبيل، ولا المقاطعة، ولا المواجهة، وإنما نريد الوعي بما ينطوي عليه الآخر، وترتيب الأمور بحيث تكون المواجهة حضارية، وما منعت المواجهة العسكرية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مقايضة الأسرى المشركين بتعليم أبناء المسلمين.
وإيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأتي حلقة في سلسلة محاولات يائسة للنيل من مقدسات المسلمين. وإذ تكون المحاولة اليائسة البائسة بحق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فإن استعراض سيرته وموقف الآخر منها يتوفر على شواهد كافية. وشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظلت، ولما تزل مجال حديث منكر يتداوله المستشرقون والمبشرون والمستغربون من أبناء المسلمين الذين ران على قلوبهم ما كانوا يقرؤون. وما تتلقفه الصحافة العالمية إن هو إلا ناتج طبعي لهذه الحملة المتواصلة على قيم الأمة الإسلامية؛ فالمستشرقون والمبشرون والمناديب ومَن اتخذهم دليلاً من مستغربي المسلمين، ولغوا في قضايا الأمة ومسلماتها، ولما تعدم الأمة من علمائها الأوفياء مَن تصدى لأولئك، وفند أقوالهم، وأجهض حملاتهم الفكرية، مثلما أجهضت جيوش المسلمين حملاتهم الصليبية.
وإذا كانت أذية الكلمة حكراً على المفكرين الذين شُغلوا بمقارنة الأديان، وتولوا كبر الغزو الفكري، فقد امتدت الأذية من الكلمة العلمية إلى الكلمة الإبداعية، وإلى سائر الفنون: الفعلية والشكلية؛ فكان أن تولى كبر الأذية الروائيون والممثلون والرسامون، وهؤلاء أكثر ارتباطاً وتأثيراً في الرأي العام، ولعلنا نذكر رواية (الآيات...) و(العار) و(الوليمة).
وما فعلته الصحافة (الدانمركية) محاولة بذيئة جنت من ورائها خيبة الأمل؛ فالمسلمون توحدت مشاعرهم، وقد تتوحد صفوفهم وأهدافهم، والرأي العام (الدانمركي) انشق على نفسه، واختلفت صفوفه. وما كانت الفعلة النكراء في الصحافة الدانمركية من بوادر العصر؛ إنها خليقة الأعداء، ومَن تصوّر أن ذلك عارض زائل فقد وهم. وكيف لا نعي قول الباري: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وتحذير الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لتتبعن سنن من كان قبلكم). والغرب لن ينفك عن الغزو والتآمر، وواجبنا إتقان لعبة التواصل معه.
لقد اهتمّ المستشرقون بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخذوها من أطرافها قدحاً أو مدحاً، وكان منهم المنصفون، ومنهم دون ذلك، ومنهم المتحاملون، وقليل منهم مَن أثرت فيه السيرة العطرة بكل طهرها ونصاعتها فأسلم. ومن المستشرقين (الدانمركيين) بالذات الذين تناولوا سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - المستشرق (يوهل فرنفز ت 1932م) الذي ألف كتاب (حياة محمد) و(تعاليم محمد طبقاً للقرآن)، وآخرون من (الدانمركيين) كتبوا في التاريخ الإسلامي من مثل (أوليسترب ت 1938م) و(جودي بيتر ت 1945م) و(بدرسن). ولم تكن المشاهد الفكرية في الدانمرك جاهلةً مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند المسلمين، ولا جاهلةً ما عرفه العالم عن أخلاقه المتميزة. ولا شك أن مثل هذه المحاولة لها أهداف خفية، قد لا نعرفها في القريب العاجل، ولكنها ستبدو في أذيال اللعبة، حين يفرج عن الوثائق، أو حين ينفضّ سامر المأجورين: (ويأتيك بالأخبار مَن لم تزود). وفي غمرة الحملة ضدّ مَن كان خلقه القرآن، ومن زكاه ربه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، نجد مَن أنصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المستشرقين. وممن أنصفه وأسلم عدد كبير، من بينهم (آتيين دينيه) الفرنسي، وقد سمّى نفسه (ناصر الدين)، و(يوزورث سمث) و(ج. ولينز) و(أنسو بروكس) و(بارنت) الألمانيون، و(أرثر كين) الأمريكي، وآخرون لا حصر لهم. وكتابات المجحفين منهم مرتبطة بخلفياتهم الدينية والفكرية وأنساقهم الثقافية، ومنطلقة من رؤيتهم الوضعية ولصوقهم الماديّ، وأكثرهم أجيرٌ جنّدته المنظمات المعادية للإسلام، والمقتفون أثرهم من المفكرين العرب تتشابه الأفكار عندهم كما تشابهت البقر عند بني إسرائيل، وتتداخل الآراء في كتاباتهم حتى تكون كما طيلسان (ابن حرب).
وإذا أساء المستشرقون لكل مفردات الحضارة الإسلامية، فإن لهم مواقف عدائية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحيث أنكروا الوحي والإسراء والمعراج، واتهموا الرسول بأنه مؤلف للقرآن، وصانع للإسلام، ووصفوه بأنه ناثر مبدع، وثائر عربي خدم قوميته. وحتى الذين ذكروه على رأس الأبطال، نظروا إليه بوصفه عبقريا إنسانيا، وليس مرسلا من عند ربه. والمؤسف أن هذه الرؤى التقطها بعض مرضى القلوب من المسلمين، فلقد سايرهم على سبيل المثال (محمود أبو رية) في قضية الإسراء والمعراج، وسايرهم (طه حسين) في تاريخ إبراهيم وإسماعيل، والتقط بعض المفكرين أطرافاً من دعاويهم دون وعي منهم بخطورة تبني مثل هذه الأفكار المادية الإلحادية. وفقهاء الأمة ناقشوا مثل هذه التعديات، وأقروا عقوبة المستهزئين، وخير من تناول ذلك شيخ الإسلام (ابن تيمية) في كتابه الموسوعي (الصارم المسلول على شاتم الرسول).
ولعل هذا الحدث المنكر يهدي أفكاراً ضالة، ويشفي نفوساً مريضة، ويردها إلى جادة الصواب؛ فالمفكرون من أبناء المسلمين يتلقون مثل هذه المقولات ويتقبلونها بقبول حسن، ويشيعونها: إما جهلاً منهم بنواقض الإيمان، وإما إعجاباً منهم برؤية المستشرقين ومناهجهم. وإذا كانت تصديات الغيورين بهذا المستوى المشرف لما روّجته صحف الغرب فإن الواجب أن تمتد الغيرة إلى لغط عربي، يمسّ ثوابت الأمة، باسم الاجتهاد والتأويل وحرية الفكر، وما شيء من ذلك له ما يبرره، وبخاصة أن الإسلام مستهدف، وأن المسلمين مضللون.
http://www.suhuf.net.sa/2006jaz/feb/7/ar2.htm
فرد عليه المهوس بهذا الرد :
كتب الدكتور حسن بن فهد الهويمل في العدد 12185 الموافق ليوم الثلاثاء 8-1- 1427هـ مقالا بعنوان (بل هو خير لكم) متناولاً قضية الساعة وهي الإساءة التي ندت عن بعض الصحف الدنماركية إلى شخص الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فكان أن أتى بمقال عائم غير مقنن، خالياً من الأفكار الجوهرية التي يحاول أن يعالجها ويشفي الصدور، لقد كان ولا يزال بل ولا يفتأ يقلل من شأن أمته حين يصمها بنعوت جوفاء لا تمت للأدب بل وللواقعية بصلة، وحسب أنه يتحدث عن أمة قد هوت أمجادها في أسفل سافلين، وما علم أنه يتحدث عن أمة وعدت بالنصر ولو بعد حين، ولا يضيرها ما يعتورها من نكبات ونوازل.
لست أدري كيف يأتي بكلمات مترادفة يغلفها ببريق اللفظة ناسياً ومتناسياً أن من يصنع مثل هذا فإنما يخفي تحت ذاك البريق واللمعان خواء فكرياً قد عقمت الليالي والأيام عن المجيء بمثله؟! ولست أدري كيف يرضا عن نفسه وهو يتكئ على الألفاظ المنمقة على حساب المعاني، ليقع بلا إدراك في حضيض المزالق الخطرة الموحلة بالريبة وعدم الارتياح. لقد قال قولة ما كنت أحسب أن تصدر عنه حين قال: (وأخوف ما أخاف على أمتنا ذاكرتها المخروقة، ونسيانها المعتق..) هذه قولة واحدة من عدة قولات كان يدبج بها مقالته في حالة يأس مفرط تجاه أمته الإسلامية.
لعل من الحق المحض رؤية تلك الكتابات التي يعيد ويزيد فيها حيال الأمة، مقصراً في حقها، بل متشائماً من واقعها المعاصر، وليته (وهل تنفع شيئاً ليت) زرع روح التفاؤل في قلوب القراء، بل نجده يضرب بعنف على هذا الوتر بلا روية وبال إطراق في العواقب، وكأنه علم قابل الأيام وسوء الحاضر وحده بلا شريك.
لقد كتبت ما كتبت لعلم الهويمل علم اليقين أن الأمة يقظة غير نائمة، وأن ما يحصل في يومها وما حصل في أمسها لا يخفى عليها، وما من أمة نست أو تناست النكبات والنازلات الشداد؛ إلا امتهنت وساء حالها، أما أمتنا فهي بريئة من هذا الوصم المغلوط والمردود على صاحبه.
لقد كان بودي أن يهتبل الهويمل هذه المأساة المستجدة، كأن ينادي باستغلال هذه الفرصة بالتعريف بنبينا وبديننا الإسلامي، لتكون رب ضارة نافعة، أو أن ينادي بعمل المصانع المنتجة للمواد الغذائية والاستهلاكية عموما كي لا تحوجنا الضرورة إلى صناعات غيرنا، لا أن يجعل اللوم على واقع أمتنا واصفاً إياه بما لا يليق بمسلم منتمٍ للإسلام.
أحمد بن عبدالعزيز المهوس
تعليم القصيم
http://www.suhuf.net.sa/2006jaz/feb/16/rv5.htm
فرد عليه العمران بهذا الرد /
ما هذا التطاول على الكبار؟!
اطلعت في عدد الجزيرة الغراء عدد 12194 على تعقيب الأخ أحمد بن عبد العزيز المهوس على ما كتبه الدكتور حسن بن فهد الهويمل (بل هو خير لكم) حول الإساءات التي صدرت من الدنمارك في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد استغربت أشد الاستغراب من تعقيب المهوس لما حمله في طياته من تحامل غير مبرر على الدكتور حسن، فتعقيبه عبارة عن كلام هائم عائم كالزبد إذا قبضت عليه لم تجد شيئا؛ لأنه لا يستند على حقيقة بل الواقع يفنده فهو كالسابح في بحر لجي وهو لا يجيد السباحة.
وقد سبق أن قرأت ذلك المقال للدكتور حسن فرجعت إلى قراءته مرة أخرى فلم أر شيئا مما خلط فيه الأخ أحمد المهوس بغير علم، بل كانت معالجة الدكتور حسن لهذا الموضوع معالجة سديدة وصائبة تنم عن عمق في الرؤية وتحليل صادق في الطرح, أما ما يدعيه المهوس فليس صحيحا، بل ما طرحه الدكتور حول أمتنا الإسلامية هو عين الصواب، فقد وضع يده على الداء ووصف الدواء لهذه الأمة المنكوبة، ولا يضير وصف الدكتور حسن لأمته بأن ذاكرتها مخروقة، بل هو كلام صحيح، والواقع يشهد له وخذ من الأدلة ما يثبت ذلك:
1- فقد احتلت إسرائيل الأراضي العربية عام 1967 ونسيت أمتنا المطالبة بأراضي عام 1948.
2- أحرقت إسرائيل المسجد الأقصى وقامت المظاهرات والهتافات، فماذا صنعت أمتنا لإسرائيل غير هذا التشنج الذي لا يرد مسلوبا ولا يعيد مفقودا؟
3- قتل اليهود المصلين في الحرم القدسي ونسينا إحراق المسجد الأقصى.
4- دمرت إسرائيل المفاعل العراقي وغزت أمريكا أفغانستان والعراق، فماذا صنعت أمتنا غير التلاوم بينها؟
فكلما جاءتنا طامة هي أكبر من سابقتها استفقنا على لاحقتها، أليست ذاكرة أمتنا مخروقة كما يقول الدكتور حسن؟
إنه لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها وهو الرجوع إلى ثوابت الأمة ومنبعها الصافي، أما التغني بالأمجاد السالفة للأمة فلا يجدي شيئا إذا لم نربط حاضر أمتنا بماضيها بجسور قوية من العمل والبناء والإعداد والتخطيط والاستشراف لخطط الأعداء ووأدها في مهدها، أما أن نلملم جراحنا على عفن ونتغنى بأمجادها السالفة فقط فهذا منتهى السذاجة في العلاج.
إذا ما الجُرحُ رمّ على فسادٍ
تبيَّن فيه إهمالُ الطبيبِ
إنه من المؤسف أن يتطاول صغار المبتدئين على شيخ من شيوخ الأدب قد عجم الدهر عيدانه وأفني عمره بين المحبرة والقلم كتابة وتأليفا، ومن هو الذي لا يعرف للدكتور حسن قدره؟ إنه أحد الرجال القلائل في الساحة الأدبية الذي يذب عن ثوابت الأمة وقضاياها، بذل جهده ووقته للمنافحة والتصدي لكثير من التيارات الغربية الوافدة في الأدب والنقد على حين تلقفها بعض أدبائنا دون تمحيص ودراية، وللدكتور حسن مواقف محمودة ومشهودة يعرفها القاصي والداني، فليس منعزلا في برج الأدب بمنأى عن قضايا أمته، فهو يعيش ويتفاعل معها؛ يتألم بألمها ويفرح لفرحها، وما هذه القلائد التي تتحفنا بها جريدة الجزيرة الغراء في كل أسبوع إلا برهانا على ما نقول، يعالج فيها قضايا أدبية ونقدية واجتماعية مع الالتزام في الطرح والوضوح في الرؤية، لكن المشكلة تكمن فيمن يكتب له الدكتور حسن، متعه الله بالصحة والعافية، لأن بعض من يكتب له أمي الثقافة قد استحكمت العجمة على فهمه.
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
من الذي يشكك في نزاهة قلم الدكتور حسن وسلامة قصده إلا إنسان صاحب هوى، والهوى يعمي ويصم، إن تعقيب المهوس على قمة من قمم الأدب في بلادنا بهذا الأسلوب الفج والمبتذل لهي من البواقع، ولا أجد لها تفسيرا إلا تفسيرا واحدا، وهو أن المهوس يحب الظهور ولو بالتحرش بالكبار، لكن هذه الوسيلة هي وسيلة ممقوتة وبئست الوسيلة.
كناطحِ صخرةٍ يوما ليوهنها
فلمْ يضرها وأوهى قرنَهُ الوعلُ
وإنني متيقن جيدا بأن الدكتور الفاضل لن يرد على ترهات المهوس لأنها لا تستحق الرد؛ لأن الرد هو المطلب الذي يريده المهوس من هذا التعقيب وهو حب الظهور ولو على أكتاف الآخرين.
وإذا أتتكَ مذمتي من ناقصٍ
فهْيَ الشهادةُ لي بأني كاملُ
عبد الله بن سليمان العمران / بريدة
http://www.al-jazirah.com/1240787/rv2d.htm
فرد عليه المهوس بهذا الرد :
حين كتبت ما كتبت في ردي على مقولة عقيمة قد صدرت عن الدكتور حسن الهويمل تحت عنوان (لقد أسأت إلى أمتك بلا حق) توالت الاتصالات الهاتفية علي من المتابعين لصفحة عزيزتي الجزيرة فكان أن حدثت أصداء لما كتبته، وقد جاء في بعضها مثل ما جاء في تعقيب الأخ (عبدالله بن سليمان العمران)، على أني أعجب كأشد ما يكون العجب من حداثة سن كثير منهم، فعلمت فيما علمت أن هذا الجيل الذي يحاول جاهداً أن يلحق بالركب قليل الزاد في معرفة من يطالعوننا بكتاباتهم في صحفنا السيارة، بمعنى أنهم لا يعرفون هؤلاء الكتّاب إلا من تلك الصحف فقط، وقطعاً هذا أمر ضرره كبير ومرتعه وخيم، حيث يكمن البعد عن قراءة الكتب المعتد بها، ومن ثمة الجهل المطبق بمعرفتهم حق المعرفة، التي تحوي العلم الحقيقي بل أشطراً من السير الذاتية لكثيرٍ منهم.
والأخ الآنف الذكر فيما يبدو أنه من ذياك النوع ومن ذياك الوادي، حيث أعطى صاحبه أكبر من حجمه، ولعمر الله إنه لواهم أيما وهم فيما ذهب إليه، ذلك أنه زعم أن الهويمل يعد من كبار الأدباء، بل من شيوخ الأدب، وكذا قمة من قمم الأدب... إلخ.
وإني لأسأل: من أين جاءت تلك الألقاب التي ألحقته بأدباء وعمالقة النهضة الحديثة؟ لعل الجواب عن هذا السؤال جاء في قول الأخ واصفاً الهويمل - بما ليس فيه قطعاً - (قد عجم الدهر عيدانه، وأفنى عمره بين المحبرة والقلم كتابةً وتأليفاً) هكذا يصنع الجهل بأهله!؟ هذا قول لا يصدر عن صاحب زاد ثقافي أبدا، ألفاظ منمقة لامعة لكنّ تحتها بهرجةً وتزويقاً، وأكبر المظان عندي أن عدوى الاعتماد على اللفظ على حساب المعنى قد انتقلت إليه عن طريق صاحبه، فصاحبه يتكئ على اللفظ وإن أخطأه المعنى.
لعل أمري الكتابة والتأليف اللذين يتحدث عنهما يستوجب التوقف لتبيان ماهيتهما، وإني لبادئ بالكتابة أولاً:
ليعلم الأخ وغيره أن الهويمل يكتب في الجزيرة، ولم أرَ قط كتابات له يعتد بها من حيث الكثرة بخلاف هذه الجريدة، فإذا كان ذلك كذلك، من الاستحالة بمكان أن نساويه بغيره.
ثانيا: أما تأليف الكتب، فليس الأمر كما يظن، ذلك أن صاحبه (الهويمل) لم يؤلف كتبا إلا بعدد أصابع اليد الواحدة، وهذا نزر قليل إذا علمنا أنه في العقد السابع من العمر، سبعون سنة ولم يؤلف إلا خمسة كتب!!؟؟ أما إذا أسقطنا رسالة الماجستير ورسالة الدكتوراه اللتين أجبر قسراً على تأليفهما لأصبح العدد ثلاثة كتب يضاف إليها ثمانية كتيبات لا ترقى إلى مستوى الكتب المعتد بها! في حين إن غيره يؤلف المئة والمئتين من الكتب في أقل من هذا القدر من العمر، فأين الذي أفنى عمره في التأليف!!والأخ يبدو أنه جاهل بحقيقة صاحبه، فأخذ يهرف بما لا يعرف! فلست أرى كبيراً يعتد به بحق، ولست أظن أن الأخ لا يزال مصرا على قوله!! وعليه أن يدرك مَن هو صاحب الهوى، ثم لو أن صاحبه بحق (أفنى عمره بين المحبرة والقلم كتابةً وتأليفاً) أي لو أنه كان ذا همة - كما يزعم - لألف كتاباً لطلابه في كلية اللغة العربية يحوي المقرر، بدلاً من تلك المذكرات العتيقة التي ملئت حشواً قد ألهب كواهلهم بلا طائل، وما أظنه يفعل ولو قدّر عظم الفائدة التي تعود عليهم.
يجب أن يعرف الجميع أن الهويمل أخطأ خطأً فادحاً حين قال (وأخوف ما أخاف على أمتنا ذاكرتها المخروقة ونسيانها المعتق...)هكذا!! (ذاكرة مخروقة ونسيان معتق)!!؟ يوهم أبناء الأمة بالضعف والعجز حتى إذا استحكمت الحلقات انقض كما ينقض السبع على الطريدة، وإني لأجزم بأن هذا الخرق في الذاكرة والنسيان المعتق لا يكونان إلا في ذاكرة القائل، أما الأمة فمنهما براء.
لقد بات من المعلوم محضاً وصرفاً أنه لا أحد يُعصم من النقد بخلاف من عصمهم الله، فما يصغر صغير عن أن يَنْقِد، ولا يكبر كبير عن أن يُنْتَقد، ولقد زلت قدم الهويمل في جرف هارٍ، فكان يجب بحقه أن يعتذر.
أحمد بن عبد العزيز المهوس
http://www.suhuf.net.sa/2006jaz/mar/7/rv4.htm
فتعقبه الكريديس والصويلح بهذين الردين :
لقد أسأت إلى شيخك بلا حق !!
شُدِهت وأنا أطالع تلك الكلمة التي كتبها أحمد المهوس في هذه الصحيفة في يوم الخميس السابع عشر من شهر الله المحرم، فلقد قرأت المقالة التي كتبها المهوس مرة ومرتين وزيادة فأسفت حقيقة على ما جاء فيها، حيث برح الخفاء وظهر سوء الفهم عيانا، كذا الخلط والتطاول الدكتور حسن بن فهد الهويمل تحت ستار (إساءته إلى الأمة وسوء ظنه بها)، ولعمري فقد عصفت بك عواصف العواطف حتى استقر بك الحال في قعر التعصب والهذيان من غير ما دليل واضح أو برهان، سوى تزويق الكلمات وتنميقها وتعزيز المقالة وتدعيمها ببعض المحسنات التي لا ينطلي مرماها على أولى الأحلام والبصائر!! في محاولة للفت الأنظار وإثارة الكمائن لدى القراء للحصول على جلبة صحفية يكون فارسها (المهوس)!! هذا وقد رأيت في مجمل قراءتي ومتابعتي لمشاركات المهوس التي يكتبها هنا أنها مقالات متفرغ لنقد الدكتور حسن الهويمل في عصبية عمياء، وتهجم شرس يظهر جليا للمتابع لهذه الصحيفة فلا أعرف - إن لم يخني الفكر - أحداً عقب على الدكتور الهويمل بهذه اللهجة المتشنجة سوى الأخ المهوس وإني أخشى أن تكون هذه الردود وما شاكلها محاولة - ولا شك أنها بائسة يائسة - للصعود على أكتاف المشاهير والكبار من خلال رميهم ورشقهم بالكلمات النابية والمتحجرة، ولكن هيهات هيهات، فما هم إلا كما قيل (كالقابض على الماء)!! ثم إنني أتساءل كيف يتأتى نقد العلماء والأدباء، بل والله إنه النسف برمته ممن بضاعته لا تعرف؟! ولا ثمة إسهامات تستحق الإشادة سوى أمثال هذه الردود الهازلة، كيف لذي لب أن يوجه كلمة ساخرة لمن نشأ مدافعا عن قضايا أمته ووطنه ومملكته؟ إنه الجحود والنكران لا غير وانكار المعروف وتهميشه، أهكذا يجازي التلميذ شيخه وأستاذه؟!
لقد أورد المهوس كلاماً شارداً عن الصواب ومجانباً للحقيقة التي يسير عليها الدكتور الهويمل، حيث يصف مقال الدكتور بقوله: فكان أن أتى بمقال عائم غير مقنن خاليا من الأفكار الجوهرية.. وهذا الكلام باستطاعة كل قارئ أن يدحضه بحجج شتى إذ إن الدكتور لا يشق له غبار في هذا المجال ومقالاته وكتاباته تعتبر رسائل شافية لقلوب القراء والعامة، وذاك لما يعتور الأغلبية من جهل بالواقع وتداخل في الحقائق وعدم وضوح رؤية في كثير من المستجدات التي يطرحها الدكتور، ولكن بنظرة فاحصة وتحليل فاهم للأمور، عارف بما هي كائنة عليه من خلال مناقشة متروية متزنة مستنيرة بالحجة والبرهان، ولكن هذه الكلمات التي أشاح بها علينا المهوس ممن ينتسب إلى (التعليم) هي علامة فارقة في عدم وضوح الرؤية وتحديد الهدف وتلابس الأفكار وتداخل الكلمات وهي مطابقة وموافقة لمثل رائع يقول: (يُدخل شعبان في رمضان)، وحول التشنيع الذي كال به للدكتور بسبب وصفه للأمة بالسقوط يقول: وحسب انه يتحدث عن أمة قد هوت أمجادها في أسفل سافلين وما علم أنه يتحدث عن أمة وعدت بالنصر ولو بعد حين... ومن يشكك في أن أمتنا الآن تمر في مرحلة عصيبة وغمة تتجلى بادية في أمور شتى لو حصرتها لطال بي الحديث، ومن يجادل في أن الأمة الآن أصبحت تعيش في قلاقل ومحن لا يعلم نتائجها وما ستحيلنا إليه إلا الله، أليست مشاعر أمتنا مهزوزة ومتأزمة في كل حين وآن، وكل يوم نرى ونفجع في النيل من أقدس مقدساتا وثوابتنا لا ريب في ذلك بتاتاً، ثم يا ليت أن المهوس أجال النظر في كلامه وتفحصه قبل أن يزمع نشره بين الملأ، حيث يقول (وما علم أنه يتحدث عن أمة وعدت بالنصر ولو بعد حين) يفهم من هذا الكلام أن الأمة ما زال فيها ما فيها من التعثر والتأخر؛ إذ إن الوعد بالنصر ما زال قائما ويرتجى تحقيقه بفعل العمل الذي يكون سببا في تعجيله للمسلمين ولهذه الأمة، وهذا إقرار من الكاتب وموافقة غير مباشرة لما ينحو إليه الدكتور الهويمل في رؤيته لواقع الأمة في هذا الزمن، الفاجعة التي نقم منها المهوس على الدكتور الهويمل استخدام لغته الجميلة وبيانه المنمق في مقالاته وكتاباته التي تحمل البلسم الشافي، وعتبه عليه في ذلك ولكأنه يريد أن يخاطبنا بلغة عجماء لا يستقيم معها لسان ولا يعقلها جنان، ولكن رحمة الله على القائل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا
يكفي الدكتور الهويمل شرفاً أنه ساهم في نصرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقلمه وبنانه، يكفيه فخراً أن سجلت له هاتيك الكلمات المباركات في الذب عن قضايا أمته الإسلامية ووطنه الغالي، يكفيه شرفا ذلك المجلد الرائع الذي وسمه ب(أبجديات سياسية على جدار الوطن) ولست في مجال حصر إسهاماته - حفظه الله - فهو صفحة بيضاء مكشوفة أعماله معروفة وواضحة، وجهوده مباركة ونافعة، وأنا على علم يقين وجازم بأن هذه الترهات ما عادت تؤثر في أمثال هؤلاء، فعقولهم قد نضجت منذ زمن بعيد، وهممهم تصاغرت بل وتلاشت عن متابعة هؤلاء وملاسنتهم والدخول معهم في مهاترات ومجادلات يستفيد منها أولئك في إبراز أنفسهم أمام الملأ إبرازاً فارغا وباختيارهم، فرحم الله أرضاً أقلتهم وسماء أظلتهم.
ختاماً أوصي كل كاتب لا يستطيع كتابة مقالة أو تدبيج أخرى بعيدة كل البعد عن المصداقية والوضوح من نقد وسخرية وعبارات فيها من الضحك والاستخفاف بعقل القارئ مالا يخفى على كل ذي لب وبصيرة!! أنا أوصيه أن يعيد قلمه إلى غمده، ويضعه مشكوراً من حيث أخذه، وأن يضع عن بنانه ومسؤوليته عبء القلم وتبعاته فله تبعات وكلٌ ميسرٌ لما خلق له!!
وصية:
زن القول من قبل الكلام فإنما
يدل على قدر العقول التكلُّمُ!
محمد بن العزيز الكريديس/ بريدة
http://www.suhuf.net.sa/2006jaz/mar/9/rv1.htm
المتابع لجريدة (الجزيرة) العزيزة يلفت نظره مرابطة الكاتب الأخ أحمد المهوس وانشغاله في التعرض للدكتور حسن الهويمل بسبب أو بدون سبب، ولأن هذا التحرش لافت للنظر فقد هاتفت أستاذي الهويمل، لماذا لا يحسم الموقف ويرد عليه وهو الذي جالد عشرات الكتاب في مختلف المعارف والقضايا؟ فكان رده علي: (لو أنه أساء لي لرددت عليه)، قلت له: كيف؟، قال: (لقد تحدث ليراه الناس وقد رأوه على صورة لا يحسد عليها)، والمتابع لعدد من الردود التي يكتبها المهوس ضد أستاذه يرى أنها تنطوي على ضغينة؛ فالملاحظات التي يبديها يربطها بذم واتهام وتنقص، والدكتور الهويمل يحتمل ذلك ولا يلقي له بالاً ويعده إساءة لذات الكاتب؛ لأنه يكشف عن مخبوء نفسه، وأنا لا أمنع من أن يبدي القارئ رأيه فيما يقرأ فهذا حق مشروع، والذين يتناولون قضايا الفكر والأدب يخطئون ويعيبون ومناصحتهم من الدين، ولكن المهوس في كل تصدياته لأستاذه لا يقف عند حد الاستدراك، وحتى لو اختلف معه فإنه لا يفرق بين اختلاف في الأصول واختلاف في الفروع، ومن المؤذي والمخجل أن يظل المهوس يلاحق أستاذه في أمور لا يعرفها لمجرد الإساءة. ولأن المهوس كان من الدفعة التي تخرجت قبلنا بسنة ولم يتهيأ له العمل في الجامعة فقد تصور أن أستاذه السبب في ذلك، ولقد ساءه رؤية زملائه المعيدين والمبتعثين وهو في التعليم العام، وحتى بعد حصوله على الماجستير لم يتح له دخول الجامعة، وهذا زاد من استيائه وشكه، ولو جمعت الكتابات التي تناول بها أستاذه لما كان فيها إلا التحرش. ورد أستاذي عبدالله العمران عليه وأنه يريد الشهرة حين يلتفت إليه الدكتور الهويمل غير صحيح، فالأستاذ العمران يجهل تماماً ملابسات القضية، والغريب أن هذه الإساءة المتعمدة تصدر من كاتب مغمور لأستاذ مشهور، والمتابع لنشاطات الهويمل يعرف حجمها وتعددها وتنوعها ويعرف مكانته العلمية والعملية ومشاركاته المتواصلة التي لا ينكرها إلا صاحب هوى. والمهوس الذي أنكر على الأستاذ عبدالله العمران ثناءه لزميله الهويمل لا يجهل الحق ولكنه يتعمد إنكاره؛ فهو على علم بسيرته. وإذا جهل شيئاً من ذلك فعليه أن يسأل عشرات الدكاترة من طلاب الهويمل المنتشرين في أنحاء البلاد. والذي أعجب منه إصرار المهوس على مواصلة الكتابة ضد أستاذه رغم إهمال الهويمل له.
وإذا كان المهوس غيوراً على مصلحة أمته متألماً من النيل من رسوله صلى الله عليه وسلم فلماذا لا يكتب مثلما كتب الهويمل وأوقف قلمه لخدمة أمته، وإذا كانت كتابات الهويمل ومؤلفاته ليست ذات بال عند المهوس فأين البديل، والمهوس الذي ينتقد أستاذه لم يتجاوز في كل ما يكتب حد المحاولات، وإلا فأين إسهامات المهوس بينما يكفي الهويمل مكانة أنه حاضر في المشهد الأدبي منذ أربعين سنة ولما يزل في تفوق وتألق في كل المحافل في الجامعات والمؤسسات داخل البلاد وخارجها، فكيف يسمح المهوس لنفسه أن يتطاول على أستاذه بغير حق ويتهمه بالخواء الفكري وضعف المؤلفات، وأنا متأكد أن المهوس لو امتلك القدرة على فهم كتابات الهويمل لما وسعه إلا التسليم. ولست وحدي المعجب والمثني على الهويمل فهناك عشرات الأدباء الذين يعرفون للدكتور الهويمل مكانته بل هناك الجامعات والمؤسسات التي تعرف قدره وتستعين به. وكيف يسوِّغ الأخ الهوس لنفسه التقليل من عالم ناقش عشرات الرسائل العلمية دكتوراه وماجستير وحُكِّم في أرقى الجوائز العالمية ومثّل بلاده في عشرات المؤتمرات والمحافل الدولية واستضافته المؤسسات والصالونات والمحطات التلفازية والإذاعية وخاض عشرات المعارك الأدبية وطبع له أكثر من أربعة عشر كتاباً كان آخرها (أبجديات سياسية على سور الوطن) وهي مجموعات محاضرات ودراسات ومقالات في الفكر والسياسة.
ألا يعلم المهوس أن خمس مقالات كتبها عن أستاذه ولم يلتفت أستاذه إليها كافية للبحث عن مجال آخر؟! ومن الصدف العجيبة أن تحرشات المهوس جاءت إلى جانب الثناء والإكبار للهويمل من أستاذ جامعي عريق بلغ درجة (بروفيسور) هو الأستاذ الدكتور مرزوق بن تنباك في رده على زميله الهويمل وهاك نص ما قاله ابن تنباك عن أستاذك الهويمل: (الأستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل قامة شامخة في الحياة الأدبية بل في الثقافة العربية والإسلامية، وهو الرجل الذي لا يقعقع له بالشنان، عرفته قبل أن ألقاه وقرأت له وأعجبت به وبما يطرح أي إعجاب، ثم اتصلت أسباب المعرفة به من موقعه في دائرة الثقافة فازدت إعجاباً به وتقديراً له ولم أقرأ له كتاباً أو مقالاً أو أستمع إلى محاضرة أو مناظرة إلا شعرت أن الرجل ابن بجدتها وهو ناقد جريء وملتزم أبي) (الجزيرة 1 - 2 - 1427) هذا بعض ما قاله وهو الخبير بالرجال، فأي الرجلين أحق: المهوس أم ابن تنباك. لقد نقد الهويمل كتاب ابن تنباك عن (الوأد عند العرب) وعلى الرغم من قسوة الهويمل فإن الذين يعرفون للهويمل مكانته يحترمون مواقفه، ولا يعرف الفضل لأهله إلا ذوو الفضل، فهلا كنت منهم؟
عبدالله الصويلح
http://www.suhuf.net.sa/2006jaz/mar/12/rv5.htm
ثم بعد ذلك جاء رد الرفاعي كما نقلت لك سابقا