زواج المسيار .. هل يحل المشكلة ؟
شهد زواج المسيار جدلا فقهيا واسعا بين العلماء والفقهاء في الآونة الأخيرة .. فبينما اعتبره البعض حلا لمشكلة العنوسة التي أضحت أغلب المجتمعات العربية تعاني منها ، ارتآه آخرون إهانة للمرأة باسم الزواج ، وضحكا على النساء وخداعا لهن .. وفي الوقت الذي قال فيه البعض إنه يذلل العديد من المشاكل الأسرية ، وصفه آخرون بزواج الجبناء .
الدكتور عبد السلام بن محمد الشويعر عضو هيئة التدريس بكلية الملك فهد الأمنية يرى أنه ينبغي تحيد صورة زواج المسيار الموجودة في الذهن أولا قبل الحديث عن حكمه ، لأننا عندما نتحدث عن زواج المسيار يتبادر إلى الذهن صور متعددة لـه ، حتى أن المجلس الواحد قد يضم أحياناً أكثر من شخص يتصور كل واحد منهم صورة مختلفة تماما لزواج المسيار عن الآخر ، بل أحياناً تكون متضادة.
ويؤكد أن هذا هو سبب تضارب فتاوى بعض أهل العلم بخصوص زواج المسيار لأنهم يفتون بحسب الوارد لهم ، ولذلك لا بد عند الجواب عن حكم زواج المسيار النظر إلى ما الذي في ذهن السائل أو المتلقي ، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وهذه اللفظة - زواج المسيار - من الألفاظ المشتركة التي تصدق على أكثر من معنى.
ويضيف أن الأصل في النكاح أنه يجب أن يكون بولي وشاهدي عدل وأن يعلن ـ ومن الإعلان تسجيله في الدوائر الرسمية ـ وأنه يجب فيه على الزوج لزوجته القسم والمبيت ولو ليلة كل أربع ليال إن كان معددا ، ويجب لها ولأبنائها منه النفقة بالمعروف ، والتي يدخل فيها السكن .. فإذا استوفى هذه الشروط يصبح نكاحا شرعيا لاشك في جوازه .
أما إذا اتفق الرجل مع امرأته - برضاها - على إسقاط حقها من القسم مع توفر جميع الأمور السابقة ، فأصبح لا يأتيها مثلا إلا في بعض الأوقات أو في النهار فقط - أو نحو ذلك - فهذا هو زواج المسيار .. وهذا الفعل إن كان يرضيها فلا حرج فيه; لأن القسم والمبيت من حق الزوجة ، فإن رضيت بإسقاطهما من غير إكراه جاز لها ذلك; لأن الحق لا يعدوها ، والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين من أن السيدة سودة - زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم - وهبت يومها لعائشة رضي الله عنهما.
كما أن هذا العمل كان معروفاً عن الصحابة ومن بعدهم ، وقد عقد سعيد بن منصور في سننه باباً في زواج النهاريات ؛ أي اللاتي يقسم لهن أزواجهن في النهار دون الليل ، لأن الليل هو عماد القسم ولكن هذا الحكم مشروط برضا الزوجة وموافقتها عليه ، لأنه حق لها لا يجوز للزوج هضمها إياه.
أما الشيخ عبد العزيز المسند - المستشار بوزارة التعلم العالي والداعية السعودي المعروف - فيرى أن زواج المسيار هو إهانة للمرأة ولعب بها ، وحاشا للمرأة المسلمة أن تكون لعبة بأيدي المتذوقين الذين يخادعون الناس ، ولو أبيح أو وجد لكان للفاسق أن يلعب على اثنتين وثلاث وأربع وخمس ولا أحد يعلم عنه شيئا ، لأنه يلعب بحجة الزواج على نساء متعددات كل منهن مخفية ، ولا تدري إحداهن عن الأخرى شيئا ، ومن ثم فهو وسيلة من وسائل الفساد للفاسق ، والرجال الجبناء هم الذين يتنطعون الآن بزواج المسيار .
ويشير الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن يعيش - إمام وخطيب جامع خادم الحرمين الشريفين - إلى أن تسمية زواج المسيار بهذا الاسم هي التي سببت الإرباك في قضية هذا الزواج ، فهو زواج شرعي بلا شك لأنه مكتمل الأركان والشروط وليس فيه ما ينقصه سوى الإعلان .. والإعلان يعتبر من متممات الزواج وليس من واجباته أو أركانه أو شروطه .
ويتمنى أن يتفشى هذا الزواج ويكثر لأن البيوت الآن مليئة بالبنات العوانس ، وإذا تقدم أزواج لهذه البنات بالشروط التي يمليها البعض على البعض الآخر وكانت هذه الشروط موافقة للشرع فليس في ذلك أي بأس .. إذ ما المانع أن تتزوج البنت من شخص وهي مقيمة في بيت أبيها وأمها ؟ بل إنه يكون لبعض البنات أم أو أب أو والدان مريضان وليس عندهما من يعتني بصحتهما ولا من يقوم بشؤونهما ، وهي ترى أنها إذا تزوجت وذهبت مع زوجها فربما يتعرضان للضياع ولأمور لا يعلمها إلا الله ، فكونها تتزوج وتشترط على الزوج أن يبقيها في بيت والدها أو بيت والدتها أو بيتهما جميعاً فليس في هذا شيء ، فالمؤمنون على شروطهم .. وما داموا قد اتفقوا على مراعاة هذه الشروط وتطبيقها برضا الطرفين وفي حدود الشرع فلا أرى في ذلك بأساً ، بل الفتنة الحقيقية هي بقاء النساء بلا زواج، فكلنا يعرف ما يترتب على ذلك من مشاكل وإفرازات بسبب عزوف الشباب والشابات عن الزواج ، ومن ثم فإنني أرى أنه زواج مشروع وفيه خير ومصالح للأمة وإعفاف لكثير من الرجال والنساء.
أما الدكتور إبراهيم الخضيري القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض فيقول إن زواج المسيار زواج شرعي صحيح ولا غبار عليه .. ورغم أنه قد لا يرتضيه بعض الأشخاص لبناتهم وأخواتهم لكن هناك حالات تقتضيه ، وأنا أسميه زواج الخوافين والجبناء من الرجال ، الذين لا يجرؤون على أن يظهروا ذلك أمام زوجاتهم ، وهو في نفس الوقت صالح لذوي الظروف الخاصة ، فمثلاً امرأة كفيفة أو معاقة أو ذات بنات وبنين وهي ترغب في الزواج ولا تريد أن تنتقل من دارها ، ولا تريد من زوجها يوماً ولا ليلة وإنما تريد أن تقضي وطرها فيما أحله الله عز وجل ، فتلجأ إلى الزواج مسقطة جميع حقوقها الزوجية ، وهذا حق شرعي لها ولا غبار عليه .
ويضيف أنه ليس بين الزواج العرفي الذي يسمى عرفيا في بعض البلاد الإسلامية وبين زواج المسيار أي علاقة من وجهة التنظيرات القانونية .. وعلى كل حال فزواج المسيار زواج شرعي صحيح لا غبار عليه ولكنه للجبناء من الرجال ولذوي الظروف الخاصة ، وقد لا يرتضيه الإنسان لبنته مثلاً كما هو التعدد مباح في الشريعة ، إلا أن كونه لا يرتضيه لا يعني أنه ينقص من قدره شيئاً ، لأن الشريعة الإسلامية قد راعت ظروف الناس وأحوالهم.
__________________
من الدنيـا أنـا مابـي سوى عـفـو العلي التـواب ويحسـن خـاتمـة فعـلي ويغـفـر لـي ضـلالاتـي
أبمـلا العمر "بالتوبة" و "نوح" و "هود" و"الأحـزاب متى كـانت سنيـني عمـر انـا عمري في ركعاتـي
|