كنت عند أحد الأصدقاء البارحة وسالفة تجي وسالفة تروح عن بريدة وما تتعرض له من هجوم خاصة بعد ... ما يخفى عليكم
فأعطاني هذا الصاحب مقالاً كتبه أحد الدكاترة يدافع فيه عن بريدة حينما عرضت قناة العربية فيلما عن منصور النقيدان
وبصراحة أنا ما سبق شفت الفيلم لكن أخذت أخباره من هذا الصديق
وقال لي إن المقال رفضت صحفنا (التي تدعي الوطنية) أن تنشره !!!!!!!!!
وبما أن صاحبنا ليس من أهل الانترنت فقد استأذنته في نشره فقال لا أظن أن هناك مانع فكاتبه كان يريد أن ينشره في الجريدة
وأرفقه لكم هنا وهو مقال ممتع ورائع
قناة العربية والتشويه المتعمد لتاريخ مدينة بريدة
د. عبد العزيز بن سليمان المقبل
aiziz8@hotmail.com
عمدت قناة العربية في برنامجها "مشاهد وآراء" ليلة الجمعة 18 نوفمبر إلى تشويه متعمد لتاريخ مدينة بريدة العريقة حينما عرضت ما سمته فيلمًا وثائقيًا عن "منصور النقيدان" ، وهذا الفيلم الوثائقي المزعوم لم يظهر فيه إلا شخص واحد يتحدث عن نفسه ، وآخر يُعلق تعليقات فيها مجازافات خرقاء وهو لا يُحسن حتى نطق اسم مدينة "بريدة" ، وهذا التسطيح بالمُشاهد والاستهتار من القناة بمشاعر سكان المدينة بما سمته فيلمًا وثائقيًا ـ لا يحمل من اسمه أي مضمون ـ ليدل على النية غير السوية والهدف المشبوه خاصة مع كبح ضيف البرنامج الدكتور "محسن العواجي" والذي أبدع في الحديث عن الواقع الحقيقي وأفسد على القناة ما كانت تسعى إلى ترسيخه ، وإن لم تُتح له الفرصة ليُعبر عما يريد ، في حين سفسط الآخر الأستاذ "جمال خاشقجي" فيما لا علم له به على حقيقته .
ولا أريد الحديث عن فكرة البرنامج الغريبة ولا الدخول في تفاصيل أفكار المتحاورين فلكل وجهة نظره ، وإنما أريد إحقاق الحق فيما يتعلق بتاريخ مدينة بريدة في الجانب الذي طرحه الفيلم الوثائقي المزعوم من ناحيتين: الأولى: الجانب العلمي والفكري لمدينة بريدة ، والثانية: حقيقة إخوان بريدة .
والحق أن الحديث عن هذين الجانبين طويل ومتشعب ولكن أشير فقط لما يُناسب المقام في نقاط محددة لبيان كيف يُشوَّه التاريخ وتُقلب الحقائق بدافع الهوى أو الجهل .
لقد ركّز الفيلم المذكور على أن بريدة مدينة المتناقضات فمن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، واتضح من خلال إدارة الحوار في البرنامج عَدُّ هذا من المثالب خاصة حين التركيز على ديمومة الفكر المتطرف وانتشاره في نظر "خاشقجي" ، وبعيدًا عن تفسير المصطلحات ونظرية التطرف ومن يحددها ـ وكما قلت لن أدخل في تفاصيل المفاهيم والأفكار ـ إلا أن هذا الأمر ـ إن صح ـ يُعد من المناقب لهذه المدينة خلافًا لِما أرادت القناة ترسيخه في نفسية المشاهد ، فالتعددية وجو الحرية هو جوهر الحضارات وسرُّ بقائها ، وهذا ما تميزت به الحضارة الإسلامية ، فلم تعرف أي أمة مبدأ { لا إكراه في الدين } إلا في الحضارة الإسلامية ، ولم تكفل أي دولة حقوق الأقليات والديانات السماوية كما فعلت الدولة الإسلامية ، وما بقي ترث اليهود والنصارى الديني والثقافي محفوظًا إلا في ظل الحضارة الإسلامية ، وفي البلاد السعودية لم تشهد مدنها تعددية في الأفكار والرؤى كما حدث في مدينة بريدة ، وأضرب لهذا مثلاً واحدًا فقط .
لقد كان علماء "آل سليم" لهم الزعامة العلمية والقضائية والشعبية في مدينة بريدة قرابة نصف قرن بتأييد قوي من السلطة السياسية يتخللها بعض الانقطاع ، وظهرت مدرسة أخرى يتزعمها عدد من العلماء الآخرين تحمل وجهات نظر مختلقة في بعض المسائل تخالف فيها مدرسة "آل سليم" ، وكان بين هاتين المدرستين صولات وجولات ومناظرات وخصومات ، لكنهما تعايشتا مع بعض وإن كانت القوة للمدعومة بالسلطة السياسية لدرجة أن أحد علماء المدرسة الثانية حُكم عليه بالقتل وهو الشيخ عبد الله بن علي بن عمرو لتبنيه وجهات نظر مخالفة ، وحدث هذا في العاصمة التي من المفترض أن تستوعب الجميع وأن تكون أكثر انفتاحًا من غيرها .
ومن السخرية أن المدرسة الأولى لو قُدِّر لها أن تظهر كما كانت عليه في ذلك الحين لعدتها قناة العربية ومن نحا نحوها من أشد المتطرفين ، في حين ستُتخذ الثانية نموذجًا للانفتاح وتحرر العقل وسُينسى "النقيدان" محور البرنامج ؛ لأن ما صارعته تلك المدرسة لا يُقارن بتقلبات الشخص المذكور والضغوط المزعومة .
والعجيب أنه على الرغم من الصراع العلمي والفكري بين هاتين المدرستين كان بين أفرادهما تناغم نادر لا يفهمه من لا يعرف تاريخ المنطقة ولا أخلاق ونفسية أهلها ، وأُدلل بنموذج واحد فقط ، فجدّ والدي كان أول رئيس لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمدينة بريدة ومن أشد المؤيدين "لآل سليم" وكانت لديه صلاحيات واسعة في التنفيذ حتى أن الأمير لا يتدخل فيما يُقرر ويعمل ، ومع ذلك وجدنا أنه كان وكيلاً في تنفيذ عِدة وصايا لبعض أصحاب المدرسة الثانية أو المقربين منهم ، بل إن أخت الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر وكّلت عبد العزيز بن علي المقبل على وصيتها ، وابن جاسر رأس المدرسة الثانية ، وفي وثائق العائلة أمثلة أخرى من المكاتبات والمداينات من هذا القبيل ، فكيف يُفسر المتسفسطون مثل هذا ؟؟ أما نحن أبناء هذه المدينة فلا نستغربه لأننا نشأنا على تقبل الآخر والتعايش معه بل والإحسان إليه مهما اختلفت وجهات نظرنا .
وبالنسة لإخوان بريدة فببساطة متناهية هم امتداد لمدرسة "آل سليم" التي كانت تؤيد بقوة السلطة السياسية ولا زالت ، ونقول لخاشقجي لك أن تصلي بمساجدهم لترى كيف يرتفع نحيبهم عند الدعاء في القنوت لولي الأمر لتوقن أن كلامك أوهام ونظريات مكتبية بعيدة عن الواقع والحقيقة ، وإن لمّح "خاشقجي" إلى وجود الفكر المنغلق لدى إخوان بريدة إلا أننا نقول إن من يؤيد السلطة السياسية بحماسة مستعد لتقبل ما تطرحه وإن اختلف معها في بعض التفاصيل ، وهناك أمثلة كثيرة ليس هذا موضع ذكرها ، وإذا كان "خاشقجي" يدعو لتقبل الآخر فلماذا لا يتقبل إخوان بريدة وهو الذي لم يضرب مثلاً واحدًا يُدلل به على كلامه ؟؟
والمقصود أن مدينة بريدة مثّلت الحضارة الحقيقية في الانفتاح العلمي والثقافي ، وكيف لا وأبناؤها أشهر من عُرف بالسفر والترحال والانفتاح على العالم الخارجي حتى ظهر ما يُعرف تاريخيًا "بالعقيلات" والذين كان لهم دور مشهور في الأحداث السياسية والاقتصادية في الجزيرة وخارجها وخاصة في الكويت والعراق والشام ومصر ، أما آحاد الأفراد الذين لهم قصص وأخبار في الاتصال بالعالم الخارجي فلا حصر لها .
وأخيرًا فإن قناة العربية مطالبة بالاعتذار عما قدّمته من صورة ممسوخة ومشوهة عن مدينة بريدة ، وإني أدعو أبناء هذه المدينة أن يكون لهم دور مشرّف تجاه تاريخهم الذي حُرِّف بصورة متعمدة ، وأُنادي الآخرين بإيضاح موقفهم كما لو كان الفيلم بثته قناة أخرى مغضوب عليها !!!