مرحباً بك أخي العزيز ( محمود السعيدان ) ..
قبل أن أجيب على سؤالك أوَدُّ أن أذكر هذه القصة :
يُروى أنَّ جُحَا ركب حماره ومعه ابنه فمَرَّ بقومٍ فقالوا : ( ما أقساه وأقل رحمته بالحمار ، كيف يركبه وابنه جميعاً ! ) ، فنزل جحا وجعل ابنه لووحده راكباً فمر بقوم آخرين فقالوا : ( ما أعق ابنه به وما أذل والده ، كيف يركب الابن الحمار والوالد يسوقه ! ) ، ثم أنزل جحا ابنه من الحمار وركبه هو لوحده فمَرَّ بجماعة فقالوا : ( ما أقسى قلب هذا الأب ، كيف يركب الحمار ويترك ابنه راجلاً ! ) ، ثم نزل جحا عن الحمار ومشى وابنه والحمار لم يركبه أحد فمروا بجماعة آخرين فقالوا : ( ما أبخل هذا الرجل وأغباه وأقساه بنفسه وابنه ، كيف يترك يمشون ومعهم الحمار ولم يركبوه ! ) .. فالتفت جُحَا إلى ابنه وقال له : هل رأيتَ كيف أنه لا سلامة مطلقاً من الناس ، فمهما فعَلْت فإنك لن تَسْلَم منهم ومن كلامهم فيك ؟!! .. انتهت القصة بمعناها .
وهكذا أخي الفاضل فإن مَن ابتلي بداء الجدل لا دواء أنجع ولا أنفع مِن ترك الجدال معه مع العلم أنه بجداله وتعمقه في ذلك لن يضر إلا نفْسه ، ولا تنسَ ما ذكره الله في القرآن الكريم مما فعله بنو إسرائيل حينما أمرهم موسى عليه الصلاة والسلام بذبح البقرة حتى شددوا في أسئلتهم الجدلية فشدَّد الله عليهم وشقوا على أنفسهم ..
ومثلاً الأخ الكاتب ( البارع ) أبدى استغرابه في البداية من أصل الموضوع فبينت له ذلك ، ثم ردَّ بردٍّ آخر بَهَت فيه الشيخ ببهتان عظيم حيث أخبر بأنه يدين الله بأن الشيخ يزدري غيره من المشايخ ولا يرى أحداً منهم اليوم وأنه قد فرح بوفاة الشيخ ابن باز – رحمه الله - ! ، ثم بينت له أن هذا افتئات وعليه بأن يطلب من الشيخ المسامحة على ذلك وفصلت له في المسألة ، وذكرت له مثالاً في سلامة قلب الشيخ على غيره من المشايخ والفرح لمن مات منهم على الإسلام والسنة وتمنيه أن يكون مكانهم كغبطة منه لهم ، ولكن الكاتب ردَّ بردٍّ آخر يقول فيه لماذا الشيخ لم يقل حين بلغه خبر وفاة الشيخ ابن باز ما قاله حين بلغه خبر وفاة الشيخ السعودي - رحمهما الله - وكأنه يجب على الشيخ أن يتخذ كلاماً يردده كلما بلغه خبر وفاة أحد من مشايخ أهل السنة والجماعة !! ، وأبى أيضاً في تعليقه الأخير وطلب تِعداداً بأسماء المشايخ الذي يراهم الشيخ ليتمسك بهم ويقرأ كتبهم ويستفيد منهم - كما يقول - ! ؛ ولو قلت له بأن الشيخ يقول : ( خُذ من كلام المشايخ ما عليه الدليل من الكتاب والسنة وليس مجرد أقوال واجتهادات فارغة ليس عليها دليل ) لقال لك ربما بعد ذلك : ومَن هم المشايخ الذين على الحق ! ، ولو قلت له : ( لا نحدد أحداً لكن الحق بيِّن والباطل بين ، ومَن معه الدليل من الكتاب والسنة فهو على الحق ومَن يفعل برأيه واجتهاداته مع مخالفة الأدلة فهو على غير الحق كالصُّور والتصوير مثلاً ، فما أشد تهاون كثير من المشايخ بها اليوم مع أنه ورد في السُّنة في تحريمها ولعن المصورين قريباً من خمسين حديثاً وليس ثلاثين كما تذكر أخي الفاضل محمود في بعض ردودك – وبعض المشايخ مُصِرٌّ على التصوير مجتهداً في التوسع فيه حتى ولو وَرَدَت فيه الأحاديث الصِّحَاح العِظام حتى في غير ما يعتبره ضرورة كبطاقة الأحوال ونحوها بل يُطلق العِنان لنفسه للتصوير فيما لا ضرورة فيه ، وحسبك أن تأخذ جولة على المجلات التي توجد بالمكتبات وسترى من العجب في صورهم والتجمل بها ما يبكي العين أسفاً على ما آلت إليه الحال ببعض حملة العلم اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله !! ) .. ولربما لو قلت للكاتب ذلك لقال لك مردداً كلامه الأول مُصِرًّا عليه بجدل عقيم : ولماذا لا تحدِّد أسماء المشايخ ، بل اذكرهم لنتمسَّك بهم ونقرأ كتبهم ونستفيد منهم ! .. وهكذا هو الجدل العقيم .. فكما أجمل الله الطيبات ولم يُعدد أصنافها وأشكالها وألوانها في كتابه الكريم بقوله : ( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) فلا تثريب علينا إذاً لو قلنا بأنه ليس من المصلحة تحديد أشخاص بأعينهم لا سيما في عالَم الإنترنت الذي يدخله مَن هَبَّ ودَبَّ وقد يحصل لديهم تشتيت في حال تعيين أشخاص بأعينهم وربما تصنيف لك بتصنيفات مُضِرَّة بل نُجْمِل رأي الشيخ في ذلك وهو فحوى كلام الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل ومالك والشافعي وأبي حنيفة .. وهو : [ خُذِ الحقَّ - وهو الذي عليه الدليل - مِمَّن جاء به أياً كان وعُضَّ عليه بالنواجذ وإياك وأقوال الرجال واجتهاداتهم مما ليس عليه دليل ] .
هذا هو القول الفصل في أصل المسألة ، ولئن خرجْت منها فستدخل في نقاشات جانبية طويلة عريضة لا فائدة منها ولا نتيجة في النهاية سوى تشتيت القلوب وإثارة الضغائن وإفراح الشيطان ؛ وهذا يحصل كثيراً كثيراً خصوصاً في المنتديات للأسف حينما يطول النقاش فيخرج المتحاورون عن نقطة الحوار وأصل ما يتحاورون حوله فلا تجد إلا نادراً مَن يستعمل في ذلك عين العقل والحكمة بقطع الجدال وترك المجادل ، وخذ في ذلك جولة على بعض المنتديات وسترى من ذلك ما يندى له الجبين !! .
وختاما فهل فهِمْت كلامي أخي الفاضل ، وهل تعذرني على ترك الجدال مع بعض الناس ؟ ..
أتمنى ذلك ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
آخر من قام بالتعديل أبو سليمان الحميد; بتاريخ 24-07-2006 الساعة 10:50 AM.
|