بين زيارتين
قبل سنيات تسللت إلى منتدى بريدة متقنعاً ، أرتدي ثوب ( شبح ) ، ووقتها شاركت بمقالة أو مقالتين .. وتأملت الساحة ( الصاخبة ) فلاحظت أن ( نار ) العاطفة كانت – على الدوام - في غاية ( الاشتعال ) ، والأعضاء - في جملتهم - حولها يستدفئون .. ورمقت تحت ظل جدار المنتدى شبحاً من بعيد ، اقتربت منه ، تأملته ، يا للهول إنه ( العقل ) ، كان قابعاً مستوحشاً .. لا يمدّ يده للسلام عليه سوى قلة معدودة ، بعضهم يلوّح له من بعيد !!وكانت مقالتي ذات نسب مع العقل ، ولذا لم أستغرب أن يكون التفاعل معها باهتاً .
وجدت اللغة المستخدمة في المنتدى ( بسيطة ) جداً ، ومغرقة في العامية ( المحلية ) .
شعرت بوحشة ، وتعاطفت مع العقل ، ونقمت على العاطفة ، وتمنيت وقتها لو كنت شاعراً ، لأوسعت العقل رثاءً ، والعاطفة هجاءً .
وحين دلفت إلى المنتدى هذه المرة تذكرت قول الشاعر :
فلا القوم بالقوم الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت أعرف
فمن جهة وجدت ( العقل ) يتصدر في واجهة المنتدى ، وبدا يبتسم ، وهو يبادل ( معظم ) الأعضاء المصافحة في اليوم مرات ، مع كل مشاركة ، وكل تعقيب .. يبدو على محياه الرضا ، وهو يرى جملة الأعضاء – بطواعية – يجعلونه ( يمضي ) على مشاركاتهم قبل الدفع بها للساحة ، وهم يدركون كبير ( قيمته ) ، بالدرجة التي إذا أرادوا ( عيب ) أحد ( أتهموه ) بالانسياق وراء العاطفة ! .. وحينئذٍ تذكرت ( مكانة ) العاطفة السابقة .. وتساءلت : يا ترى هل قام عليها العقل بانقلاب فأزاحها ؟!
ولكني تذكرت أن ( العقل ) لا يفرض نفسه بالقوة ، وأيقنت أن الأعضاء هم الذين قاموا بانقلاب داخل أنفسهم .. تساءلت : لابد أنهم سيكونون مغتاظين من العاطفة ، ترى هل طردوها من المنتدى ؟! .. أجابني هاجس من داخلي : أشك في ذلك ، فالعقل ( أعقل ) من أن يسمح لهم بذلك ، وقد نصّبوه ، ورضوا حكمه !
لم يخب ظني ، هاهي العاطفة ( تتمخطر ) في المنتدى ، ولكن لتقوم بمهمات ( خاصة ) ، تمثل مهمتها الأصلية ، وتحت ( إشراف ) العقل !
ولفت نظري – من جهة أخرى – مواهب أخجل أن أقول عنها مواهب ، تمرسٌ بالكتابة ، وجمالٌ في العرض ، وعمقٌ في الطرح ، وبعدٌ في التفكير .. بلغة جدّ راقية ، وأسلوب ساحر .. ما دعاني أن أستشعر الحرج وسط هذا الوهج الإبداعي ..
قلت في نفسي : لعل زيارتي السابقة كانت في مرحلة ( مراهقة ) المنتدى ، وزيارتي هذه إبان ( اكتهاله ) ، والمراهقة أمر ضروري ومفيد حين يأتي في وقته ( الطبيعي ) ، فالمراهقة لها دور ( إيجابي ) في الانطلاق والجرأة ، لكن غير الطبيعي أن ( يتكهل ) المراهق ، أو( يراهق ) الكهل أو العجوز !
وفي النهاية أشكر من أعماقي الإخوة الفضلاء ، الذي رحبوا بأخيهم الضعيف ، وجاوز بعضهم الترحيب إلى ( المبالغة ) في التوصيف ، وأردد مقولة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وقد أثني عليه : ( اللهم أنت أَعَلَمُ بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، فاجعلْنِي خيراً مما يحْسَبُون، واغفرْ ليَ برحمتك ما لا يعلمون، ولا تؤاخِذْني بما يقولون ) .
|