المقالُ الثَّاني : الشيخُ أحمدُ الشاوي .. إطلالةٌ مشرقةٌ .. وعودةٌ جديدة
في هذه اللحظَةِ ، يعودُ شيخَنا الخطيب ، ليصعدَ المنبرَ ويصدحَ بالحقِّ شامخاً عزيزاً مقداماً .
يعودُ ليرجعَ الصوتُ الأبي ، والأسلوبُ السَّاحر ، والطرحُ الواعي .
يعودُ ليُسعِدَ قلباً طالما انتظرَ وترقَّب ، وليُشَنِّفَ أُذُناً بَعُدَ عهدها بتيك النبرةِ الأخَّاذة ، وليملأَ نفساً باتت تغالبُ الحسرةَ والألمَ لفراقِه .
يعودُ ليسافرَ بي بعيداً بعيداً إلى حيث الأفقِ الرَّحب ، في دوحةٍ غنَّاء ، حيثُ البلبلِ الشادي ، والنهرِ الرَّقراق ، والغصنِ الرطيب ، والدِّيمِ المتتابعِ بهدوءٍ يبعثُ النشوةَ في حنايا قلبٍ موجوعٍ مفجوع .
ثمَّ يمضي ويتركني أشاركُ وحدتي ، فلا تلبثُ الرِّياضُ الناضرةُ إلا أن تتلاشى وتضمحل .
تلكم أحبتي صورةٌ من صورِ إطلالةِ شيخي الحبيب في خيالي الذي يأبى مفارقةَ العظماء .
كلما تذكرتُه زادتِ الأحزان ، واعتصرَ الألمُ قلبي ، وركبني همٌّ لا يُطاق :
ولكنَّ التفَرُّقَ طالَ حتى ** تَوَقَّدَ في الضُّلوعِ له حريقُ
لازلتُ أذكرُ صعودَه لمنبرِ العزَّةِ والشُّموخ ، وإلقاءَه التحيةَ بنبرةٍ هادئةٍ جميلةٍ يتبعها بيانٌ يهزُّ أركانَ الجبالِ إن في شجاعتِه ، أو في تأثيرِه الحكيم ، أو تربيتِه الناجحة ، حاله :
فلو كنتُ الحديدَ لكسَّروني ** ولكني أشدُّ من الحديدِ
* * * *
أنا يا غُدْرُ إن لم تعرفوني ** فتىً صُلبُ العقيدةِ لا أرِقُّ
لازالت جملُ العزَّةِ التي خرجت من فيهِ ترنُّ أجراسَها في أُذُني لتُكسبَني زاداً من الإقدامِ ثرياً :
يُصَرِّفُ بالقولِ اللسانَ إذا انتحى ** وينظرُ في أعطافه نظرَ الصّقر
أحبتي أعضاءَ المنتدى :
إنَّ رجلاً أسدى إلينا جميلاً طوالَ سبعَ سنينَ لم تكن عجافاً بيننا وبينه أفحقُّه علينا أن نتأثّرَ لتوقيفه قليلاً وننساه ؟! .
أفلا يجبُ علينا أن نتحرّكَ سعياً لهذا الرجلِ الألف ؟! .
ماذا فعلنا تجاه رجلٍ يظمئُ نهارَه ويسهرُ ليلَه من أجلِ إفادتنا ومن ثَمَّ يُرمى بتهمٍ مبعثها الإرجافُ والتفرقة .
ماذا فعلنا تجاه سناً تلاشى بعدَ إشراق ، وزهراً ذبلَ أمامَ أعيننا ، ونهراً غدا مقفراً موحشاً .
رأيناه مع الشبابِ في الحلقاتِ القرآنيةِ فوجدناه نعمَ المعلمَ ونعمَ المربي ، ورأينا دروسَه في المساجدِ والدُّورِ النسائيةِ فوجدناه خيرَ موجهٍ وخيرَ معلم ، ورأيناه في منبرِ الجمعةِ فعلمناه فارساً إذا ما الشرُّ أبدى نواجذَه لا يلينُ ولا يستكين حتى يلينَ لضرسِ الماضغِ الحجرُ :
رجلٌ إذا لبسَ الحديدَ إلى الوغى ** لبسَ الحدادَ عدوُّه في المهربِ
غيرَ أنَّ الفارسَ أصيبَ في غيرِ مقتل ، والفرسَ أُلجمت ، وبحلقةِ الصمتِ رُبطت وأُحكمت ، وأُغمِدَ السيف ، وبدا الزيف .
فمن منكم يقولُ أنا لها فيُعيدُ لنا الفارسَ ويُطلقَ الفرس ؟! .
من منكم يقولُ أنا لها ! فيذهبُ إلى أهلِ الحلِّ والعقدِ ويُذكرَهم بالسعيِ في قضيتِه ليَخرجَ السيفَ من غمدِه ، وليعودَ السَّنا كما كان .
وقصارى القولِ ومدارُ الحديثِ ونكتةُ المسألةِ :
أنَّ الشيخَ أوقفَ فلم نسعى له ! ونسينا أياديه البيضاءَ مع أنَّ صحفتَه لم تنكسر ! وصدى نغمتِه مازالَ في الخاطرِ يتردَّد ! .
فمن ذا يُعيدُ لنا الجبلَ الأشَمّ ؟! .
...........