( 5 )
في 18 / 2 / 1974 م ، وقبل بداية الحرب الأهلية اللبنانية بعام تقريباً ، وقبل اندلاع الثورة المجوسية الرافضية الإيرانية بسنوات قليلة ، وقف موسى الصدر أمام حشد كبير من شيعته ليقول : ( إن اسمنا ليس المتاولة ، إننا جماعة الانتقام ، أي هؤلاء الذين يتمردون على كل استبداد ، حتى إذا كان ذلك سيكلفنا دمنا وحياتنا ، إننا لم نعد نريد العواطف ، ولكن نريد الأفعال ، نحن تعبون من الكلمات والخطابات ، لقد خطبت أكثر من أي إنسان آخر ، وأنا الذي دعا أكثر من الجميع إلى الهدوء ، ولقد دعوت إلى الهدوء بالمقدار الذي يكفي ، ومنذ اليوم لن أسكت أبداً ، وإذا بقيتم خاملين ، فأنا لست كذلك ) . انظر / الإمام المستتر ، فؤاد عجمي ، ص 155 .
وبهذا الإعلان الثوري كانت بداية جديدة للحركة السياسية الرافضية في لبنان ، وكانت نقطة الانطلاق التي اتفق فيها الصدر مع الرجل الزئبقي ( محمد حسين فضل الله ) .
بعد حرب العام 1948 م لجأ إلى لبنان أكثر من ( 150 ) ألف فلسطيني ، وفي منتصف السبعينيات من القرن العشرين وصل هذا العدد إلى أكثر من ( 400 ) ألف فلسطيني .
وفي أعقاب الصدام العنيف في " ايلول الأسود " من عامي 1970 م ، 1971 م ، بين المنظمات الفلسطينية والسلطات الأردنية ، لجأ كثير من هذه المنظمات إلى لبنان ، وبطبيعة الحال فإن هذه المنظمات كانت أفضل تسليحاً وتنظيماً من أي قوة أخرى في الجنوب .
وفي ذلك الوقت كان المجتمع الرافضي في حالة صحوة ، واجتمع للرافضة عدة عوامل تزيد من عدم رغبتهم في هذا الوجود الفلسطيني ومنها :
ـــ عامل التاريخ : وهو ذلك العداء القديم لأهل الســـــنة ، فهاهم الآن في معقل من معاقلهم ( جبل عامل ) وبقوة مسلحة تستطيع تهديدهم بشكل مباشر ،
ولهذا كان الشيعة أول من سارع لمساندة الجيش اللبناني " الموارنة " في الاشتباكات التي جرت مع المنظمات الفلسطينية ،
وبل ومساعدة اليهود في ذلك أيضا ،
فالموارنة لا يريدون تكثير " السنة " لأجل إنشاء دولتهم النصرانية ،
واليهود لا يريدون الفلسطينيين في لبنان لئلا يتهدد أمنهم من الشمال ،
والشيعة لا يريدونهم كذلك ، لأنهم يمثلون عائقاً أمام تحقيق وجودهم وكيانهم الذي يسعون من أجله .
ـــ عامل الجغرافيا : وهو الرغبة في عدم إثارة الكيان الصهيوني " الجارة " وهذه الإثارة تنتج عن مهاجمة المنظمات الفلسطينية لأي أهداف صهيونية سواء من داخل لبنان أم خارجها ، وذلك ان الكيان الصهيوني دأبت على تأديب سكان الجنوب كلما حدث ذلك لتزيد من النقمة الرافضية على الفلسطينيين ، وعند الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 م ، استقبل سكان الجنوب من الرافضة القوات الصهيونية بالورد والأرز لفرحتهم بأنهم سوف يخلصونهم من الفلسطينيين .
ـــ عامل الأيديولوجيات الثورية : حيث إن الشيعة في حال جديدة ، رغبة في التطلع لوضع سياسي واجتماعي يدفعهم نحو الدولة الحلم في لبنان ، والتمكين للطائفة في الواقع اللبناني ، وحيث إن الجنوب هو معقلهم التاريخي ، فلا مناص إذاً من التخلص من هذا العائق الكبير الذي يقف أمام هذا الحلم .
التعـاون اليهـــودي الرافضـــــــــي :
تعاون الرافضة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان ثابتة وليس أسطورة اخترعها خصوم الرافضة .
لقد تحدثت الصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية عن التعاون ، ولمسه المسلمون والنصارى في الجنوب لمس اليد ، واعترف به الطرفان : الرافضي والصهيوني ، اعترف به اليهود عبر أجهزة إعلامهم ، واعترف به الرافضة من خلال تبادل الاتهامات فيما بينهم .
ــــ فزعيم منظمة أمل الإسلامية حسين الموسوي اتهم حركة أمل ـ بري ـ بالتعاون مع العدو الصهيوني ، في خطاب ألقاه في يوم القدس في بعلبك يوم 19 / 7 / 1982 م .
ــــ سئل بري عن الجيش الشيعي الذي أنشاه اليهود في الجنوب فأجاب : ( محاولات إنشاء جيوش ، وخاصة ( الجيش الشيعي ) الذي هو أبعد ما يكون عن الإسلام والشيعة تحت ذريعة وجود القوات اللبنانية ) .
وسئل عن موقف حركته من هذا الجيش فأجاب : ( سنقاوم ما يسمى بالجيش الشيعي وسنقاوم كل محاولة لإقامة كانتونات طائفية أو دويلات ) .
أدلى نبيه بري بهذا التصريح لصحيفة ( ليبراسيون ) الفرنسية في 30 / 6 / 1982 م ، والصحيفة التي أجرت اللقاء مع بري كانت تعلم بأن الجيش الشــــــيعي الجنوبي فصيلة من ( فصـائل أمـــل ) كما صرح بذلك حسـين الموســوي
وما كانت الصحيفة تنتظر من بري الاعتراف بتعاون حركته مع العدو الصهيوني ، ولكنها أرادت تسليط الأضواء على المشكلة من كافة جوانبها ..
وحسبنا هنا أن نبيه بري وحســين الموسوي لـم ينكرا تعاون العدو الصهيوني مع الرافضة في الجنوب ..
وإذا كان هذا التعاون قديماً فسوف نذكر فيما يلي شواهد جرت بعد الاجتياح الصهيوني سنة 1982م .
|