المبدأ والمؤسسة
وحول ذلك يقول الكاتب السعودي عبدالله بن بجاد العتيبي في مقال نشرته صحيفة الإتحاد الأماراتية: ''هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر'' في المملكة العربية السعودية مؤسسة حكومية -كغيرها من المؤسسات المشابهة- تقوم بمهمة خاصة في ضبط نوع خاص من التعديات الاجتماعية أو الإخلال بالنظام العام والقيم الأساسية للمجتمع وتحديدا في الجانب الأخلاقي. في الدين الإسلامي يعتبر مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ إسلاميا كبيرا وحيويا، كان ولازال وسيظل من مميزات هذه الأمة ومن شعائرها التعبدية الموصلة للرقي الحضاري والمحافظة على توازن المجتمع في شتى المناحي، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصيغتها السعودية هي مؤسسة مدنية بشرية تحاول تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع السعودي باجتهاد خاص، مع التنبيه إلى أن هذا المبدأ الكبير قد خضع لاختطاف من قبل جماعات الإسلام السياسي وتلك قصة أخرى".
ويضيف:"أحسب أن التفريق بين الأمرين ''المبدأ والمؤسسة'' ضروري وملح، فإنكار الأول إنكار لجزء من الشرع جاءت به النصوص الشرعية بوضوح، وإنكار الثاني أو انتقاده ليس كذلك بحال فهو انتقاد لجهد واجتهاد بشري على مستوى الفكر المنظم للتطبيق والبناء الهرمي الإداري والتخصصات المنوطة بهذه المؤسسة المدنية وآلياتها في التطبيق والحركة. بالإضافة إلى هذا فإن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اسم مؤسسة مدنية يحمل مبدأً دينيا وقد كان للتسمية دور في التأثير على صورة المبدأ من نواح متعددة منها أن المبدأ كان عاما في الاحتساب على كل خلل في المجتمع من الدولة ومؤسساتها إلى التجار في أسواقهم والصناع في مصانعهم والنظر في المظالم ونحو ذلك كثير، بمعنى أنه يدخل فيه بالصيغ المعاصرة شؤون البلديات والرقابة على المال العام ونحو ذلك من المؤسسات الرقابية، والمؤسسات الأمنية وغير هذا من المؤسسات ذات العلاقة".
ويمضي قائلاً:"الهيئة تعاني كثيرا من أخطاء أفرادها، وأخطاء الأفراد لها صور وأسباب ونتائج، لن نسردها لكن يكفي أن نعرف أنهم بشر يخطئون في أداء واجبهم كما يخطئ غيرهم في الأمن والشرطة والمباحث وغيرها ولذلك يجب أن يحمل خطأ الفرد الشخصي عليه، لكن في أحيان كثيرة يكون الفرد لا ذنب له إلا أنه ترسٌ في مكينة، لا يملك إلا أن يكون هكذا، مع حرصه وإخلاصه وصدقه فالخلل ليس فيه بل في نظام المؤسسة كله وهنا يجب أن تتحمل المؤسسة أخطاءها.
إن ما نقرؤه هذه الأيام رغم ما فيه من تجاوزات أحيانا على الهيئة ودورها يمثل جزءا من نقد المؤسسات المدنية علنا وبكل شفافية وعلى صفحات الجرائد الحكومية وهو ما لم يكن ممكنا قبل سنوات معدودة وكذلك نقد المسؤولين عن تلك المؤسسات وإن كانوا بمرتبة وزير، وهي خطوة بالاتجاه الصحيح نحو محاسبة كل مسؤول على أخطائه بحسب صلاحياته وإمكانياته ومسؤولياته وهو فعل حضاري نرجو تطويره ورعايته حتى يشمل الجميع. وتخطئ الهيئة أو القائمون عليها حين يحسبون أنهم الجهاز الوحيد في العالم الذي يعتني بمثل هذا الاهتمام والتخصص، فالتجارب العالمية في هذا المجال متطورة ومتقدمة ومنظّمة، ويمكن بشيء من الاطلاع عليها وعلى قوانينها وآلياتها أن نكتسب خبرة كبيرة في هذا المجال وأن نطوي المراحل في اتجاه تصحيح الخطأ وترشيد العمل".
وعن وسائل إصلاح الهيئة يقول العتيبي:" من وسائل إصلاح الخلل في هذه المؤسسة إصدار نظام معلن لهذه المؤسسة يوضح تخصصها وواجباتها ومسؤولياتها وإعلان هذا النظام للكافة. ومن وسائل الإصلاح كذلك أن تكون ثمة شروط علمية لمن يريد الانضمام لهذه المؤسسة المدنية بحيث يكون مستواه العلمي مناسبا لمهمته الحساسة، كما أن من وسائل الإصلاح أن يخضع أفراد الهيئة لدورات علمية وتدريبية حول طريقة التعامل مع الأخطاء والمخالفات التي تقع ضمن تخصص الهيئة. الدورات العلمية لتعليم الأفكار الأساسية التي تسعى لها الهيئة من نشر العدل والستر والتعامل بالرفق واللين والأدب، والدورات التدريبية لإكساب أفراد الهيئة مهارات التعامل مع الأفراد والوقائع الواقعة ضمن تخصصهم. ومن وسائل الإصلاح كذلك أن يتمّ وضع زيّ خاص برجال الهيئة، وأن يوضع اسم كل فرد في بطاقة صغيرة على الزي -كما في لباس رجال الشرطة-، وذلك لأن الزي يحدّ من انتحال الأفراد العاديين لدور رجال الهيئة، والاسم يجعل أفراد الهيئة أمام مسؤولية أخلاقية ونظامية أكبر".
|