مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 12-10-2006, 03:38 PM   #1
البارع
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2001
البلد: السرداب
المشاركات: 1,487
(( إلى كل شـــــاب عــــزم على الاعــتـــكاف ))

العنوان خروج المعتكف للضرورة
المجيب سلمان العودة
المشرف العام
التصنيف كتاب الصيام/أحكام الاعتكاف والعشر الأواخر
التاريخ 18/9/1423هـ


السؤال
لي عادة أن أعتكف في شهر رمضان ولكن قد أضطر للخروج أحياناً فما حكم ذلك ؟ وهل هناك من ضابط ؟ ولما سمي الاعتكاف اعتكافاً ؟ وما حد الخروج ؟ وهل الخروج إلى الفناء يعد خروجاً من المسجد ؟ وهل أشترط ؟ وما الحكمة من الاعتكاف ؟

****
الجواب
لا يخرج المعتكف من المسجد ؛ لأن الاعتكاف هو اللبث في المسجد ، والاعتكاف يدل على الملازمة ، والمواظبة ، والحبسُ , والمنع على الشيء , أو عن الشيء ، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ، يقول الله سبحانه وتعالى : " وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد"[البقرة:187] , ويقول تعالى : "يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ "[الأعراف:138] أي : يحبسون أنفسهم عليها .
ومادة " العكف " ، " والعكوف " تأتي في اللغة العربية بعدة صيغ ، فتأتي لازمة يقال: عكف في المكان أي : أقام فيه وأطال اللبث ، واعتكف في المسجد أي : لبث فيه وأطال البقاء ، وتأتي معداة بـ[ على ] يقال : عكف على الكتاب أي : أطال المكث في قراءته ، وتأتي معداة بـ[ الباء ] وبـ[ عن ] وبـ[ اللام ] يقال : عكف بالشيء وعكف عن الشيء أي: امتنع منه ، وتأتي متعدية بنفسها يقال : عكف الخيل أي : منعها ، ومنه قوله تعالى: "وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً "أي : ممنوعاً .
وحد الخروج هو خروج الإنسان ببدنه كله ، فلو خرج بيده أو برأسه لم يكن هذا خروجاً ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري عن عائشة - رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُخرج إليها رأسه وهو معتكف فترجله ، وكما في الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم : ( ناوليني الخمرة ) وهو في البخاري ، فهذا دليل على أن خروج اليد أو الرأس لا يُعد خروجاً ، وإنما المقصود بالخروج خروج البدن كله .
وحد المسجد يحتاج إلى بيان ، والأقرب أنه ما كان داخل السور الذي له باب فهو من المسجد سواء كان بناءً أو فناءً فهو من المسجد .
والخروج لغير حاجة مبطل للاعتكاف عند جميع الفقهاء ، كما أن الخروج لحاجة لا يبطل الاعتكاف عند جميع الفقهاء .
وهنا مسائل حول خروج المعتكف من المسجد:
الأولى: جواز الخروج لقضاء الحاجة للضرورة كالبول ونحوه ، وهذا بإجماع الفقهاء كما ذكر ابن المنذر وغيره .
الثانية : جواز الخروج للوضوء والاغتسال الواجب خصوصاً إذا لم يتمكن منه في المسجد من غير أذى ولا ضرر ، وهذا بإجماعهم - أيضاً- .
الثالثة: الخروج للأكل والشرب ؛ فإن كان يمكن إحضار الأكل والشرب لـه من غير ضرر وجب عليه المكث ، وحرم عليه الخروج ، أما إذا لم يجد من يأتيه بطعامه وشرابه فإنه يخرج ، ولا يُخل هذا باعتكافه .
الرابعة: الخروج لغسل الجمعة وغُسل العيد ونحوهما من الأغسال المستحبة ، فهذا جائز عند المالكية خلافاً للجمهور ، والأقرب أنه لا يخرج إلا على القول بوجوب الغُسل .
الخامسة الخروج لصلاة الجمعة ، وهذا واجب كما أسلفنا ، ويخرج حتى لو لم يشترطه .
السادسة: الخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة ، فعند الجمهور أنه لا يخرج لذلك إلا إذا اشترطه ، وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها- أنها كانت تقول: " إن كنت لأدخل البيت والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارّة " فهذا دليل على أنه لا يخرج لعيادة المريض ، ولا لاتباع الجنائز .
السابعة: الخروج نسياناً فلو أنه نسي وخرج من معتكفه فإنه لا يبطل اعتكافه بذلك عند الجمهور ، وهو الصحيح وهو مذهب الحنابلة والشافعية لقول الله تعالى : " رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا"[البقرة:286] ولحديث ( عفي عن أمتي الخطأ والنسيان ) وله طرق ، ولأن النسيان في الصوم لا يُفسده ، فكذلك في الاعتكاف .
الثامنة: الخروج للمرض ، والمرض نوعان : مرض يسير مثل الصداع اليسير أو الحُمى اليسيرة ، فهذا لا يخرج بالاتفاق ، أما المرض الشديد الذي يحتاج الإنسان معه إلى الخروج فإنه لا يُبطل الاعتكاف على الصحيح ، ومعنى هذا أنه يستمر في اعتكافه حتى مع خروجه ويبني على ما مضى ، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة الحنابلة والشافعية والمالكية ، كأن يذهب إلى المستشفى ، وقد ينام فيه بعض الوقت ، أو يتناول مغذياً أو غيره ، ثم يعود إلى معتكفه ويبني على ما مضى .
ومسألة الاشتراط فيها كلام كثير ، بعضهم ناقش هل للاشتراط في الاعتكاف أصل أو ليس له أصل ، ولم يرد شيء مرفوع في ذلك إلا أنه ورد في الحج ( إن لكِ على ربكِ ما استثنيت ) ، ولذلك يقول بعضهم : إن الاشتراط في الاعتكاف لا أصل لـه ، وإن كان جمهور الفقهاء يذكرونه ، ويذكرون أنه إذا اشترط شيئاً جاز له ذلك .
وشرع الاعتكاف لحكم منها القرب إلى الله سبحانه وتعالى والانقطاع عن الناس ، والتفرغ للعبادة والقربة المحضة , وتكون في أوقات معينة يصفو فيها قلب العبد ، ويقبل على ربه ، ويتخفف من الشواغل , حتى ما كان منها واجباً كحقوق الأهل وحقوق الأولاد ، وغير ذلك .
فبالاعتكاف يمتنع عن هذا كلّه ويتخلص منه ، ويتفرع لعبادة الله سبحانه وتعالى وذكره وتسبيحه واستغفاره وقراءة القرآن ، وفي هذا تصفية للقلب .
وقد قيَّض الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم لشيء من ذلك حتى في الجاهلية ، فكان يجلس في غار حراء الليالي ذوات العدد يتعبد و يتحنث ، ثم يعود إلى أهله فيتزود لمثلها ، فكان هذا إرهاصاً وتهيئةً للنبي صلى الله عليه وسلم لتحمل تبعات الوحي والرسالة ، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً "[المزمل:5] فتبعة حمل الرسالة وأداء الأمانة ومواجهة المشقّات وتحمل أذى الناس وتحمل ردهم للدعوة واعتراضهم عليها وتحمل التبعات الناجمة عمن قبلوا الدعوة بما يواجهونه وما يعانونه و الصعوبات النفسية والاجتماعية التي تلقاهم ، كل هذا يتطلب قدراً ووقتاً يتفرغ فيه الإنسان من الصوارف ، ويقبل على ربه عز وجل .
فكان الاعتكاف إرشاداً لمثل هذا المعنى ، وفيه إيحاء وإيماء إلى المعنى الآخر ، وهو التفرغ للعبادة وذكر الله سبحانه وتعالى واستغفاره وتسبيحه وقراءة القرآن والانقطاع عن الناس ، وذلك أن المسلم في بقية وقته منشغل بالاختلاط بالناس ، وتوجيههم وإرشادهم ، وإفادتهم والاستفادة منهم ، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً"[المزمل:7] ؛ فالإنسان مأمور بهذا ومأمور بذاك ، ولابد له من كلٍ منهما ؛ فهذا من معنى الاعتكاف ومن حكمته .



هـــنـــا
البارع غير متصل