بمناسبة العيد ( كل عام وأنتم بخير) تحليل نحوي بلاغي .
التحليل النحوي لجملة ( كل عام وأنتم بخير )
يتساءل بعض الإخوة عن كلمة ( كل عام وأنتم بخير ) عن مدى صحتها , وهل هي برفع ( كل ) أو بنصبها ؟ وعن معنى الواو هنا : هل هي مناسبة أم لا , وما موقعها الإعرابي ؟ فأقول مستعيناً بالله :
لك _ أخي الحبيب - في نطق هذه الجملة ثلاثةُ خيارات :
الخيار الأول : أن ترفع لفظ ( كل ) وتبقي الواو . ( كلُّ عام وأنتم بخير ) .
وإعرابها في هذه الحالة : كل : مبتدأ مرفوع وخبره محذوف تقديره ( يمر أو يأتي أو نحوه ) , والواو حالية , والجملة التي بعده في محل نصب على الحال , والرابط محذوف تقديره ( فيه ), والمعنى : كل عام يمر وحالتكم بخير فيه .
ويجوز أن تجعل ( كل ) فاعلاً لفعل محذوف تقديره ( يمر كل عام ) .
والفرق بين التقديرين أنك جعلت الجملة في التقدير الأول جملة اسمية مبناها على الثبوت والدوام , أما في التقدير الثاني فتكون جملة فعلية وهي قائمة على التجدد والحدوث .
الخيار الثاني : أن ترفع لفظ ( كل ) على الابتداء , ثم تحذف الواو ( كلُّ عام أنتم بخير ) وتكون جملة ( أنتم بخير ) في محل رفع خبراً عن المبتدأ , والرابط محذوف تقديره : أنتم بخير فيه .
ونلحظ في هذين الخيارين أننا احتجنا إلى تقدير أكثر من محذوف .
الخيار الثالث : أن تنصب لفظ ( كل ) وتحذفَ الواو ( كلَّ عام أنتم بخير ) وتكون ( كل ) ظرفاً زمانياً منصوباً والعامل فيه العامل في الجار والمجرور الذي بعده , وهو الاستقرار , وجملة ( أنتم بخير ) مبتدأ وخبر .والمعنى : أنتم بخير كلَّ عام .
والذي يظهر لي من هذه الخيارات أن الخيار الثالث أصوب وأبلغ وأفصح :
فهو أصوب : لأنه يخلو من الحذف والتقدير الذي يضعف التوجيه النحوي .
وهو أفصح : لأنه يوافق الآية الكريمة التي في سورة الرحمن ( كلَّ يوم هو في شأن ) فتركيب هذه الآية مطابق تماماً لتركيب الجملة التي معنا : ف( كل عام ) = ( كل يوم ) , و( أنتم ) = ( هو ) , ( في عام ) = ( في شأن ) , ف( كل ) في الجملتين أضيفت إلى ظرف زماني ( عام , يوم ) , ثم أتى بعد الظرف ضميرُ رفعٍ منفصلٌ ( أنتم , هو ) ثم أتى بعده جار ومجرور ( بخير , في شأن ) .
فتكون الجملة ( كلَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ عام أنتم بخير ) بهذا اللفظ والإعراب جاءت على أفصح كلام ؛ لأنها شابهت الآية الكريمة .
وهي أبلغ : لثلاثة أمور :
الأول : أنها أصبحت جملة اسمية قطعاً , وتكون بهذا دالة على الثبوت والدوام , وهو أمر مستحسن في التحايا أن تكون دالة على الثبوت والدوام كما جاءت تحية إبراهيم عليه السلام للملائكة بالجملة الاسمية بعدما حيوه بالجملة الفعلية , فكان رده أبلغ ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى فقالوا سلاماً قال سلامٌ ).
الثاني : أن الجملة تأتي في مقام التهنئة والتحية فكان من المناسب أن يؤتى بها كاملة دون حذف تيمناً بكمال الخير والبركة في عمر المهنأ وحياته ., وعدم نقصان شيء منه .
ومما سبق تبين لنا أن اللفظ الذي يخلو من الحذف والتقدير هو ما جاء بالنصب وحذف الواو : ( كلَّ عام أنتم بخير ) .
الثالث : أن وجود الواو في الجملة يشكل عائقاً لفظياً ونفسياً بين العام والخيرية , وحذفها يجعل الجملة مترابطة وكتلة واحدة كترابط المجتمع المسلم في أيام سروره وأعياده .
أرجو أن أكون قد وصلت إلى القول الصحيح في هذه الجملة التي تتردد على الألسن كثيراً , ولا يسعني إلا أن أقول في نهاية الأمر إلا : كلَّ عام أنتم بخير , وتقبّل الله منا ومنكم صالح الأعمال .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]
|