..[( خربشات .. على جدار العيد !! )]..
بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع : خربشات .. على جدار العيد !!
التاريخ : 1/10/1427هـ
** الصورة مطبوعة في كل مكان ! **
- السلام عليكم ورحمة الله .. السلام عليكم ورحمة الله ..
هكذا ختم الإمام صلاة الفجر ..
أقبل الإمام علينا بوجهه ، ورفع صوته بالاستغفار ، وضجَّ المكان بالتكبير والتهليل والتسبيح .
كنت أرى الجميع يفعل ذلك ، إلا ذاك الصغير الذي كان أمامي !
لقد كان يلتفت يمنة ويسرة ، ويعدل ( شماغه ) تارة ، ويصلح وضع ( عقاله ) الكبير تارة أخرى ، يبدو أنه يشعر بالسعادة لأنه لبس شيئًا ثقيلاً فوق رأسه مثل والده ..
قلت في نفسي : ولكن العيد لم يبدأ بعد ، فما بالك يا صغيري مستعجلاً ؟!
ردت ملامح الصغير : إن لم يأتنا العيد ، فسنركض نحن إليه !
تنفس الصبح أول أنفاسه الحالمة ، وتململت أزهاره وهي تتفتح معلنةً بدء يوم جديد مميز .
دبَّت في الشوارع الحركة ، فأصبحت كخلية نحل . وإذا نظرتَ في الوجوه ، كلِّ الوجوه ، شاهدتَ صورةً كتلك التي رأيتُها في وجه صاحبي الصغير في المسجد فجرًا !
ازدحمت الطرق ، وتكاثر الناس على المساجد والمصليات ، فلصلاة العيد في النفوس نكهة رائعة ، لا تتكرر إلا مرتين كلَّ عام .
ترجلتُ من سيارتي الصغيرة ، ويممت نحو المصلَّى ، كنت أسترق النظر أحيانًا إلى من يشاركني الوجهة ، إلى الشرطي الواقف ، إلى الطفلة التي تحمل معها قطعة من الحلوى ، إلى الطفل الصغير الذي يتشبث ( بغترته ) البيضاء ، خوفًا من أن تطير ، وربما خوفًا من أن يطير هو !
كان الجميع منشرح الصدر ، باسم الثغر ، كانت أمارات الفرحة بادية على الوجوه ، وصورة السعادة والحبور منقوشة على كل شيء ، في كل مكان ..
﴿ قُل بِفَضلِ اللّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِّمَّا يَجمَعُون ﴾ .
* * *
** يعانق الشرطي مبتسمًا ** كان شابًّا ذكيًّا ألمعيًّا ، تبدو عليه علامات الخير والصلاح ، كنت أعرفه ، وهو من الفضلاء الكرام ، زاده الله خيرًا وتقوى .
قمت من مكاني في المصلَّى خارجًا ، وكان صاحبي ذاك أمامي ، كان بعيدًا عني ، لكنني كنتُ أراه ، إلا أنه لما خرج من الباب ، توارى خلف الجدار .
خرجتُ من الباب ، التفتُّ يمينًا ؛ فلم أره ، يسارًا ؛ لم أره ، ألقيت نظرة تلقاء وجهي ؛ فوجدتُه !
كان مشهدًا جميلاً جدًّا ، كم أنعشني في ذلك الصباح ، بعد أن كنت خاملاً . :o
كان - وفقه الله - يمر على رجال الشرطة المصطفين أمام الباب لتنظيم السير ، واحدًا واحدًا ، بعد أن رأى أنه لا يعيقهم عن
العمل ، فيعانقهم ، ويهنئهم بالعيد ، ويبارك لهم .
ياااااه ، ما أجمل هذا !
لقد تمنيت أن أكون في مكان هذا الشرطي ، لأفرح مقدار فرحته !
هؤلاء الجنود - يا أحبة - لا يلبسون ثيابهم الجديدة ، وغترهم المعطرة ، وأحذيتهم الملمعة ، ويأتون مثلنا لصلاة العيد . إنهم يلبسون لباس الجندية ، ويقفون من أول نسمة من نسمات الفجر ، إلى أن ينقضي المصلون في المصلَّى !
هل كانوا يَعُدُّون المصلين الذين يمرون عليهم بلا تهنئة ولا سلام ولا كلام ؟!
هل كانوا يرون الأخوين يتعانقان ، والصاحبين يهنئ أحدُهُما الآخر ، ويتمنون أنهم كانوا مثلهم ؟!
أرى أن من حق الجندي الذي سعى لخدمتك أن يحظى بكلمة جميلة ، وابتسامة ساحرة ، وتهنئة عذبة ، ومباركة بالعيد ( الذي هو عيدُهُ كما هو عيدك ! ) .
شكرًا لكم أيها المخلصون القائمون على خدمتنا ، وكل عام وأنتم بخير .
* * *
** ركب سيارته ولم يستطع أن يتحرك ! ** لم أصل بعدُ إلى سيارتي ، كنت أوقفتها في مكان بعيد ، لأني تأخرت بعض الشيء !
التفت ذات اليسار ، فإذا بمشهد آخر !
كان رجلاً في الأربعينات ، وبجواره فتى يبدو أنه ابنه .
كانا قابعين في سيارتهم ، لا يستطيعان حراكًا !
فقد كانت تحيط بهم من الجهات الثلاث ثلاث سيارات ، ومن الجهة الرابعة رصيف !
يا إلهي ! هذا مشهد مؤذٍ !
هممت أن أذهب لمساعدتهما ، لكن ما حيلتي في هذا الموقف ؟!!
لكن ربما لو كنت واسيتهما أفضل من تركي لهما هكذا ، هل ترون هذا صحيحًا ؟!
وهذا المشهد يتكرر كثيرًا ، في غيرما مكان ، وألحقه الشيخ الفاضل أبو بدر ناصر العمر بـ "الاستغراق في اللحظة الحاضرة" ، لأن صاحب السيارة الثالثة جاء متأخرًا مستعجلاً ، يريد أن يلحق بالصلاة أو بالخطبة ، كان كلُّ همه في تلك اللحظة : أن يلحق بالصلاة أو بالخطبة ، استغرق في هذا الأمر ، حتى نسي كلَّ شيء ! نسي أن سيارته أقرب إلى الطريق ، فهي في موضع خطر ، نسي أنه قد يضيق الطريق على السيارات العابرة ، نسي أنه سيوصد المداخل والمخارج أمام هذه السيارة الواقفة !
نسي كل ذلك ، وتوقف ، ونزل ، مع المكبرين المسبحين المهللين !
ربما هان مثل ذلك ، إلا أنه لا يهون إذا كان في مثل ما حكاه الشيخ ناصر في تلك المحاضرة القيمة ، من أن أحدهم تأخر عن درسٍ في المسجد ، فجاء مسرعًا ، ولم يجد مكانًا إلا أمام باب السيارة ( الكراج ) في أحد البيوت ، فأوقف سيارته ، ونزل مستعينًا بالله !
وقدر الله أن حصلت حالة طارئة في ذلك البيت ، ولما أرادوا الخروج ، إذا بالطريق مسدود موصد ، ولا سبيل إلى الفكاك !
هنا يكمن الخطر ، فلو تضاعفت الحالة ، أو ازداد الخطر ، فالمسؤولية الأولى على ذلك الأخ الحبيب الذي جاء ليحضر درسًا علميًّا .
وأذكر نحو هذا موقفًا عن الشيخ العلامة محمد بن عثيمين - رحمه الله رحمةً واسعة - ، وهي المرة الوحيدة التي رأيتُ فيها الشيخ - رحمه الله - .
كانت خطبة جمعة في جمادى سنة 1421 ، قبل وفاته - رحمه الله - بنحو خمسة أشهر .
في نهاية خطبته الثانية ، قال : إنني وأنا قادمٌ إلى المسجد ، رأيت سيارة ، أوقفها صاحبها على الرصيف ، والرصيف حقٌّ للمشاة ، ولا حق للسيارات فيه ، وأنا أعرف رقم لوحة السيارة ونوعها ، لكني لا أريد أن أذكر شيئًا من ذلك ، لعل صاحبها يعرف نفسه ، ولا يعود لمثلها !
رحمك الله أيها العلامة ، كم كنت مدرسة !
أطلتُ ، لكنها فكرةٌ أودُّ أن تصل سليمة : ليس الدرس أو الصف الأول بأهم من الحفاظ على خصوصيات الآخرين وعدم إيذائهم ، فلا الدرس بواجب ، ولا الصف الأول ، أما إيذاء المسلمين ؛ فحرامٌ حرام .
* * *
** خطاب ثقافي عالمي فذ ** أنا الآن في سيارتي ، أدرت محركها ، وشغلت ( مكيفها ) ، وشغلت مع ذلك المذياع الملحق بها .
ببحث سريع ، أوقفت الموجة على خطبة فضيلة الشيخ د. صالح بن عبد الله بن حميد من على منبر المسجد الحرام .
كانت خطبة رائعة ، فائقة الروعة ، وإن كانت لم تعجب بعض الناس !
كان استغلالاً حميدًا لهذا المنبر العالمي ، في توجيه رسالة سامية ، وتوضيح صورة طالما شوِّهت عن الإسلام ونبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - .
بيّن هديَهُ - صلى الله عليه وسلم - في العيد ، وكيف كانت فرحته ، وإقراره من فرح بالعيد ، ووجه الأمة إلى الفرح بما في واقعها من مفرحات ، وبما في مستقبلها المشرق من بشائر وتطلعات ، وأن لا تثنيها آلامها وجراحها عن الفرح بالعيد ، اقتداءً بنبيها - صلى الله عليه وسلم - .
وذكر مواقف ، وأحداثًا ، وأقوالاً ، وأفعالاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، تدل على أن دينه دين المرحمة ، وأن من اعتدى علينا فسنعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا ، وأن من كسر مصباحنا كسرنا مصباحه .
والشيخ صالح من فرسان المنبر الذين لا يشق لهم غبار ، نفع الله به ووفقه .
[ يمكنك استماع هذه الخطبة الرائعة من هنـا ]
لعلي أكمل بقية الخربشات لاحقًا - إن شاء الله تعالى - .
في الخربشات القادمة :
** هل الملائكة هنا الآن ؟! **
** عيد عند الغيوم **
** شابٌّ شاركتُ في بنائه **
** هل تصلك رسالتي ؟؟ **
__________________
كثرت ذنوبي ، فلذا أنا نادم .
أسأل الله أن يتوبَ عليَّ ، ويهديَني سبيل الرشاد .
وما أملي إلا ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾ .
أبو عبد الله
|