مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 07-11-2006, 09:19 PM   #83
أديب الواصل
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
عالم بنات ... بنات

= 6 =


ثمة خوف يحيط بنا ويتنامى مع كل نذير أو أوامر احتياط نتلقاها من هنا وهناك ... النوافذ أغلقت ... والأنوار أطفئت ..... والأطفال يتراكضون دون وعي بما يدور ... والتاريخ يقيد ... وجيل قادم سيسألنا عما رأينا وهم يصيخون السمع ... وليس راء كمن سمع

لم يكن الخوف من الحرب يمنعنا وبشجاعة من إقامة الفرح في دواخلنا ... فلينفخ صدام في نار الحرب ... ولتلتهب ألسنتها عاليا .. ولتصمد الكويت .... فهو من سيكون وقودها .... ولن تنتهي الدنيا ..... وإذا قامت القيامة ... القيامة! ... وليست الحرب ... وفي يد أحدنا فسيلة فليغرسها ... لن تنتهي الدنيا دون أن يستكمل الإنسان رزقه وأجله...

كان قدري وقدر مريم أن نتزوج في مثل هذه الظروف .... ولئن أطفئت أنوار قصر المنتزة ..... فالأنوار تشع من قلوبنا وما هذه المظاهر إلا فيض يعبر عما في دواخلنا ..

وأما قدرنا الذي رسمناه .. بتوفيق الله ... هو أن نعيش للآخرين ولأنفسنا
... فقررت بعد رأي من مريم أن أبقى في الشمال الشرقي للمملكة ... معلما ... مغيثا ... مضمدا للجراح ... وكذلك كانت ... فأمضينا أجمل ثلاث سنوات هناك على الحدود ....

رجعت بعدها إلى منزلي ... وحنين الفتى مهما ذرع الديار لأول المنازل ... فهنا خطوت ... وهنا مشيت ... وهنا ركضت ... وهنا بكيت وضحكت ... وهنا الأهل والأصحاب

....... وكيف يطيب العيش بعيدا وأنا أرى والدي يذوي ... ويقترب من حتفه ...
وفهد يندر أن يجلس في البيت رغم وجود زوجته التي كانت كثيرا ما تذهب إلى أهلها ...

وصالح منهمك في تجارته ... وأما أكبر إخوتي حمد فهو في الوجود وخارجه ... لا يمكن أن يقوم بأي مهمة مهما كانت ... ومع ذلك فوالدي يفضله علينا جميعا...

... وبعد زواج شريفة وهند لم يتبق من أخواتي سوى الجوهرة ولا تستطيع خدمة والدي لإصابتها بالشلل منذ صغرها ... تمشي لكن بعرج شديد ... ويدها اليسرى ضامرة كيد طفل ..

كنت أشاهد ذلك في الزيارات الطفيفة التي أزور فيها أهلي يومي الخميس والجمعة ....

فقررت أن أنتقل بعملي إلى هنا ..... فكانت مريم خير المشجع والمعين ........ لملم فهد وزوجته أشياءهم وخرجوا من البيت ... وبقيت مريم تخدم والدي وأمي دون تذمر ...

... بعد مرور ما يزيد عن العام من مجيئنا ... وفي صبيحة يوم لا يشي بأي جديد ... لكنه لم يكن كذلك ... كنت أنقل خطوي من على الدرج ... سمعت والدتي وقع أقدامي ... فنادتتني بصوت هادئ متحشرج
ــ محمد .... محمد
فزعت من هذا الصوت الغريب ...
دخلت فإذا والدتي ممسكة بعلبة الزبادي ... والملعقة في يدها الأخرى ... ودمعة مختنقة... تبحث عن أي قادم لتنز من محاجرها لتخنق فرح ذلك القادم ..... كان والدي بجسمه منطرح على الفراش الأرضي الذي لم يغادره منذ أشهر ..... بلحيته البيضاء الكثة ... ووجهه الجميل الذي عبثت به السنون كما تعبث بأي جميل في الدنيا ... وسائل زبادي يحيط بفمه .... قمت بمسحه وانا أنشج ... ثم ألقيت برأسي على صدره ... ولا أدري كم بقيت على تلك الحالة

مرت أيام .... وجوه تدخل ..... ووجوه تخرج ... نسيت بعضها ... لكنني لم ولن أنس كيف كانت مريم تبكي كأحد بناته أو أشد ....

إنها مريم صاحبة القلب الكبير ...

إنها مريم ... القيت نفسي عجينة بين يديها فشكلتني على مراد الله ... لم تترفع يوما ... لم تغضب ... لم تصرخ ... لم تقل لي .. لا.. أبدا إلا فيما يغضب الله ....

... إنني لا الومهم عندما يلحون علي أن أتزوج ... فهم لا يعرفونها كمعرفتي إياها ..



كما هي عادتي ..... قمت بإيصال مريم إلى المستشفى ...... لكنني هذه المرة ليس لدي ولو كوة صغيرة نحو الامل ... كان التشاؤم قد أخذ مني كل مأخذ..

بعد مرور وقت ليس بالقصير ... رفعت سماعة الهاتف بتثاقل ... وأنا منطرح على الفراش في البيت ... جاءتني المفاجأة التي لم أتوقعها على الإطلاق
ــ ولد ؟ ماذا تقول ؟ ولد ... لا أصدق ! ...
القيت سماعة الهاتف كيفما اتفق..
الحمدلله .. لن أتزوج ... سأعيش لك وحدك يامريم

نزلت مسرعا وقد أختصرت الكون كله بهذا المولود .....
وأنا أصرخ بأعلى صوتي .....
ــ أمي ... ولد ..ولد .... مزنة ... أروى ... ماريا .... ميسون ... أسيل ... ولد ... ولد ... أمكن أنجبت ولدا

... قامت أروى وماريا يتراقصن وقد أمسكت كل منهما بيدي الأخرى... وأمي لم تستطع الكلام ... أشارت إلي بيدها أن أقترب فاقتربت منها فقبلتني وضمتني وهي تبكي ........


البقية تأتي ..
..
أديب الواصل غير متصل