لـيل الشـتاء قـد أطـلَّ . . .
الليل نديم بني الإنسان منذ الأزل , فيه يناجي العابد ربه , يدعوه ويتوسل إليه بما يشاء أن يتوسل به , فقد كان معاذ بن جبل _ رضي الله عنه _ يبكي عند موته على قيام الليل , وكذا كان فعل كثير من الصحابة وسلفنا الصالح .
الليل سمير الشعراء , فيه يصدرون عتابهم ولومهم وعذابهم ومناجاتهم , أكثروا من ذكره كما لم يكثروا من شيء مثله , كان ديدن حديثهم منذ العصر الجاهلي حتى العصر الحديث , فيه السكون ولحظات التأمل ومراجعة النفس , فيه يفكر المرء بمصيره وبمستقبله وليس في وقت آخر غيره .
المغـنون تجدهم يكثرون من قولهم ( ياليل . . . يا عين ) , ففي الليل تسبل دموع المحبين على محبوباتهم , ويبوحون بجميل القول لهن , مصارحينهن , آخذين بمبدأ أن الصراحة صابونة القلوب كما يقال , بينما تجد المؤمن يناجي ربه , ويسرُّ إليه في الدعاء الملح , فشتان بين حب وحب .
وحين لا يكون هذا الليل طويلاً إلا في الشتاء ؛ فإن الأحداث التي تجري فيه تطول وتتمدد , فلكل وجهة هو موليها , فتزداد العذابات , وتزداد خلوات النفس إلى ذاتها , وتركن إلى ظلمته , فكأنه ليل سرمدي لا تنقطع ظلمته ولا تتبدد .
ليل الشتاء يحلو فيه للسمار أن يطيلوا حديثهم , تجد فيه أنفسهم داعي الأسمار يلح عليها بلا تؤدة , يتنقلون من حديث إلى أخيه , بل ربما إلى نقيضه , على أنه لا يعتد به إلا قليلاً , فقد قيل : حديث الليل يمحوه النهار ! !
ليل الشتاء ثقيل على المحب المكلوم , وعلى السجين المظلوم , وعلى المطالب بالدين الغارم في صبحه , وعلى المرأة الحامل أشد وأنكى , وليس بأقل منها من آلمه أحد أسنانه فهو يتلوى في فراشه , يرقب الصبح بين كل أنَّة وأنَّة .
على أن ليل الشتاء كنـز لمن فطن إلى استغلاله بالقراءة , فلست أجد في نفسي وقتًا ألذ منه وأنجع , لا أكل منه ولا أمل , أرقب شمس نهاره حين تتوشح بلثامها , وأهرع إلى كتاب كنت قد قطعت وعدًا على نفسي أن أستوفي شكله ومضمونه .
قال الشاعر علي بن الحصري القيرواني :
يا لـيلُ ! الـصَّبُ متى غده ؟ ========= أقيامُ السـاعة موعده ؟ ؟ ؟
محبكم / أحمد المهوس
آخر من قام بالتعديل الطالب للحق; بتاريخ 11-11-2006 الساعة 12:54 AM.
|