رفقاً بجامعاتنا.. فالتصنيف غير تعليمي
د. محمد بن عطية الحارثي - جامعة الملك سعود 21/10/1427هـ
dr.alharthi@gmail.com
ثارت خلال الأيام الماضية عاصفة شديدة على الجامعات السعودية جراء ظهور أحد التصنيفات العالمية التي أظهرت قائمة بتصنيف ثلاثة آلاف جامعة في العالم احتلت فيه الجامعات السعودية مواقع متأخرة جداً حيث حصلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن على المرتبة 1681، وجامعة الملك عبد العزيز على المرتبة 2785، وجامعة الملك سعود على المرتبة 2910. وقد طار مع هذه (العجة) مجموعة غير قليلة من الناس والمثقفين، وسار بها الركبان في عدد من المجالس المتخصصة والعامة، ونوقشت على شاشات التلفاز، واحتلت مكانة على صدر صحفنا المحلية. وبدأ الجميع بجلد كبير للذات الجامعية في بلادنا، وباتت جميع أطياف المجتمع تتحدث عن خيبة أملها في الجامعات السعودية، وتشكك في برامجها ومخرجاتها التعليمية.
والصحيح أيها السادة أن التصنيف الذي سبب تلك العاصفة هو تصنيف غير تعليمي ولا يستهدف جودة الجامعات المصنفة، وذلك حسب اعتراف الجهة التي قامت بالتصنيف في موقعها على الإنترنت http://www.webometrics.info. فتصنيف Webometrics الذي أثار كل ذلك الجدل هو تصنيف جديد يعتمد على معايير النشر عبر الإنترنت Web Publication فقط، وذلك يعني مقدار ما تنشره الجامعات من بحوث ومطبوعات عبر الإنترنت، وإمكانية وسهولة الوصول إلى بحوث الجامعات على شبكة الإنترنت، ومدى قيام الجامعات بتوفير معلوماتها على الإنترنت. إذن فالتصنيف ليس له علاقة بالجودة التعليمية للجامعات. وفي اعتقادي أن دخول جامعاتنا في هذا التصنيف بالذات ليس بالأمر الصعب، وهو بحاجة فقط إلى مشروع تتبناه الجامعات السعودية أو وزارة التعليم العالي لوضع أبحاث الجامعات على شبكة الإنترنت، ومن ثم ستحتل جامعاتنا مكانة مناسبة في هذا التصنيف خلال عام أو اثنين فقط.
في الحقيقية، إن التصنيف العلمي للجامعات العالمية يتم عادة من خلال معايير تعكس جودة وأداء الجامعات، ونسبة الأستاذ للطالب، وعدد البحوث التي يقدمها أعضاء هيئة التدريس في المجلات العلمية المحكمة والمؤتمرات، ودعم الجامعات للبحث العلمي، وشروط القبول، وغيرها من المعايير التي تعتمد على النواحي الأكاديمية، والتعليمية، والبحثية.
وعلى الرغم من عدم وجود جامعاتنا ضمن قوائم التصنيف العالمية المشهورة التي تعتمد على جودة التعليم الجامعي مثل التصنيف الصادر من جامعة شنغهاي الصينية والذي يقدم تصنيفاً لأفضل 500 جامعة في العالم، إلا أن الجامعات السعودية ـ في رأيي الشخصي - هي جامعات لا تقل في مستواها عن الجامعات الموجودة في تلك القوائم، ولم تحتل مراتب جيدة في قوائم التصنيف العالمية لسبب بسيط جداً وهو أنه لم يتم تصنيف جامعاتنا حتى الآن بطريقة علمية صحيحة يمكن الاعتماد عليها، حيث لا توجد معايير محلية تم تطبيقها على الجامعات السعودية لمعرفة مطابقتها معايير الجودة العالمية، ولم يحدث أن جاءت جهات أجنبية ـ على حد علمي - لتقوم بدراسة وتقويم الجامعات السعودية بشكل كامل، مع العلم أن هناك بعض الكليات (وليس الجامعات) التي تم تقويمها ودراستها بشكل مستقل للحصول على الاعتماد الخاص في التخصص مثل كليتي الهندسة في جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والتي تمت دراستهما من قبل ABET وهي جهة اعتماد أمريكية في التخصصات الهندسية والتقنية.
وفي الواقع، فإننا نعول كثيراً على الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي التابعة لوزارة التعليم العالي والتي يعمل القائمون عليها على قدم وساق للانتهاء من المعايير الخاصة بجودة الجامعات السعودية، وقد قامت الهيئة بعقد عدد من ورش العمل الخاصة بالجودة، كما أنها استضافت خبراء عالميين في هذا الجانب، وقام أعضاؤها بزيارة العديد من الدول العالمية الرائدة في هذا المجال. من جانب آخر قامت معظم الجامعات السعودية بإنشاء مراكز أو وحدات للجودة، وتوجد كذلك لجان في معظم كليات الجامعات لدراسة احتياجات الجودة، ومتطلبات الاعتماد الأكاديمي لكلياتهم.
إن جامعاتنا الآن في مرحلة تحد حقيقي لإثبات الذات وتطبيق معايير الجودة ليتم تقويمها بشكل علمي دقيق يعزز الثقة بمكانتها العلمية. وهي بحاجة فقط إلى وقت لتطبيق تلك المعايير ومراجعة وتطوير بعض جوانب النقص التي لا يخلو منها أحد، فرفقاً بجامعاتنا أيها الغيورون.
__________________
في مجالسنا قد نغلط ونغلط ونقسوا ولا نعلم الا بعد أن تهدأ النفس فليس هناك شيئ أسهل من التلفظ بما تمليه النفس الأمارة بالسوء , خصوصاً حال الغضب .
ولكن هنا ... في المنتدى
تنفعل .. ثم تكتب وتكتب فتفكر, ثم تضحك على نفسك بعد أن تقرأ الرد قبل اعتماده فتقول هل هذا حقاً كلامي , فتلجأ إلى القص والتعديل وفي بعض الأحيان الحذف الكامل .
:)
abufahd@hotmail.com