الحديث مع الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي بالقصيم، ورئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي والناقد السعودي المعروف، يذكرني بروادنا الكبار، فالهويمل فيه نفس الرواد كما قال أحد محبيه العارفين، كما أن الحديث معه يوحي لصاحبه بالثقة المطلقة، فهو ناقد أحب النقد وبذل في سبيله الكثير والكثير من العناء وخاض من أجله ولأجله العديد من المعارك النقدية التي بدأها قبل أربعين سنة مع الشاعر الكبير محمد السنوسي رحمه الله.
الدكتور حسن الهويمل بدأ من الكتاتيب إلى الابتدائية ومنها إلى مايليها في سلّم التعليم، غير أنه أكمل دراسته بالانتساب وارتبط بالقراءة غير الصفيّة، وكان الكتاب فقط عشقه الأول والأخير.
النشأة، الزواج، النقد، الجامعة، النادي الأدبي.. بعض المحطات سيتوقف عندها القارىء عبر هذا الحوار بالإضافة إلى هموم أخرى في المشهد الثقافي العربي بشكل عام والسعودي على وجه الخصوص.
\\ لك قصة عجيبة مع الدراسة والشهادات الدراسية، فأنت مثقف بنى نفسه ذاتياً، مدرسته الأولى «الكتّاب» وجامعته الكبرى «القراءة الجادة». فما قصة د. حسن مع الدراسة، وكيف حصل على شهاداته بدءاً من الدراسة الابتدائية وانتهاءً بالجامعة؟
\ قصتي مع الدراسة لا تختلف عن قصص لداتي ليس فيها ما يثير، وليس فيها ما يفيد، من الكتّاب إلى الابتدائية، ومن الابتدائية إلى ما يليها في سلّم التعليم. غير أنني عملت في التدريس منذ الابتدائية وأكملت دراستي بالانتساب وارتبطت بالقراءة (غير المنهجية) منذ الصغر، وكان الكتاب عشقي الأول والأخير، لا أرى الحياة إلا من خلاله، ولا أجد الراحة إلا في أفيائه، ومن ثم تحولت القراءة من الهواية إلى الإدمان، وتلك وصيتي لأبنائي وطلابي القراءة ليس غير.
\\ أيضاً لك فلسفة رائعة حول الزواج المبكر فهل حدثتنا عن حياتك الخاصة.. أبناؤك، بناتك، وحظهم من التعليم، وهل منهم من التقى بك اهتماماً وميولاً أدبياً وفكرياً؟
\ ما كانت لأحد من لداتي في زمننا الخيرة في أمورنا كافة، وفي أمر الزواج على وجه الخصوص، فالآباء لهم الكلمة الأولى والأخيرة، ومن ثم فقد نبئت برغبة الوالد في أن أتزوج في سن الثامنة عشرة وعلى ابنة صديقه التي لا أعرفها ولا تعرفني ولم أرها، ولم ترني، وتزوجت وكانت الخيرة فيما اختاره الله، فأبنائي وبناتي تطاولني هاماتهم والأحفاد والأسباط يملؤونني سعادة، والأصهار وزوجات الأبناء بمنزلة الأبناء والبنات، وحياة الإنسان حين تمتلىء بهذا الشكل لا تترك له فراغاً فهو يعيش سعادات متواصلة قد تعتريها بعض المنغصات ولكن الإنسان سعيد حين يرى له في كل بقعة ولد أو بنت أو حفيد أو سبط، هذا طبيب، وذلك مهندس، وهذا أستاذ، وذلك رجل أعمال، فالزواج المبكر نعمة لم يسعد بها جيل الطفرة التعليمية، فالبنت تود إكمال دراستها والابن يود تأمين مستقبله، وهكذا فوت الشباب والشابات على أنفسهم أسعد فترات حياتهم.
\\ عرفك القارىء من خلال آرائك الجريئة ومعاركك الهادفة إلى «الحق» كما عرفك صاحب مبدأ وموقف في زمن كثر فيه «التلون» وساد فيه نهج الثللية وليس (الشللية).. فما هي المعركة الأدبية الأولى في حياة ناقدنا الكبير الهويمل التي مازالت ذكراها ترن في ذاكرته، وما «أم المعارك» في حياتك الأدبية ـ إن صحّ التعبير؟
\ أحسبك بالغت كثيراً في الثناء ولك الأجر بإدخال السرور على نفسي، ولن تُصدِّق حين أقول لك إن المعركة الأولى كانت قبل أربعين سنة مع الشاعر الكبير محمد بن علي السنوسي، كنتُ يومها في عنفوان الشباب وفي بدايات القراءة ومن ثم قسوت عليه وقامت بيني وبين المرحوم عبدالقدوس الأنصاري جفوة بسبب الحدة في نقد السنوسي وكان ـ رحمه الله ـ قد أهداني ديوان (القلائد) لقراءته وكتابة دراسة عنه ولما لم ترق له اعتذر بلطف عن نشرها فبعثت بها لجريدة «الرائد» فنشرت بكل ما فيها من تحامل كان ذلك عام واحد وثمانين على ما أذكر.
أما أم المعارك وأسميها «أم الهزائم» فمع الذين يخرجون من الموضوعي إلى الشخصي، ومن الجدل إلى الهجاء، ومن الحكمة والموعظة الحسنة إلى الغضاضة والغلظة، وبإمكان القارىء معرفة تلك المعارك فهي من الشيوع بحيث لا تحتاج إلى ذكر، وما أعول عليه في مثل ذلك أن ما قلت وما قاله الآخرون محفوظ في مراكز المعلومات وسيأتي من يستعيد ذلك في غيابنا جميعاً ويقف على الحقائق والدراسات الأكاديمية كشفت عن تجاوزات من سبقنا من النقاد.
\\ هذه المعارك أثرت المشهد الثقافي السعودي بشهادة المنصفين، سؤالي عن هؤلاء الذين حاورتهم وحاوروك، وقدمتهم إلى الآخرين مَن أبرزهم؟ وماذا عساك قائل عنهم بعد أن هدأت تلك المعارك أو كادت؟
\ عشرات الأدباء والشعراء والمفكرين والعلماء، ولعل من أفضلهم وأكثرهم تسديداً الأستاذ الدكتور محمد محمد أبو شهبة ـ رحمه الله ـ حين دخلت معه جدلاً حول الإسرائيليات في التفسير في مجلة رابطة العالم الإسلامي. وآخرهم الأستاذ الدكتور سعيد ياقطين الناقد المغربي. وفيما بين هذا وذاك عشرات تعرف منهم وتنكر. ولأن المعارك لم تهدأ ولا أحسبها ستهدأ ولكن لا بأس أن نقول لكل الذين دخلت معهم في معارك: إن يدي مبسوطة، وقلبي مفتوح، والصفحات الجديدة جاهزة، والهدف من كل المعارك إحقاق الحق وإعلاء كلمة الله فقد أوفق في الهم وقد يعتريني التقصير، فما وفقت فيه فاذكروه وما أخفقت به فاعذروني فيه وأرشدوني إلى الصواب بالحكمة والموعظة الحسنة. وعفوّا عن الشخصي، واقتصروا على الموضوعي فما يحسم الأمر إتهامي بالجهل والسرقة وسوء الفهم وسوء الظن وضعف الملكة وما أشبه ذلك من الجنايات التي لا تخدم الأدب ولا تشرف الأدباء حتى لقد قال بعضهم إني من الأذى المأجور على إماطته!
\\ الجامعة.. النادي الأدبي.. المنزل، بين هذه الساحات، كيف يقضي الدكتور حسن يومه لكي يعطي أكاديمياً في الجامعة، ويلتزم أدبياً في النادي والكتابة والصحافة، وينضبط أسرياً في المنزل؟
\ أبنائي وأهل بيتي يعرفون التزاماتي ومشاغلي وعشقي للقراءة ومن ثم يتسابقون في توفير أقصى حد من الأجواء الملائمة، مع أن إمكاناتي المنزلية والمالية قادرة على تهيئة الأجواء الملائمة لاستغلال الدقائق والثواني لمواجهة متطلبات العمل الأكاديمي والعمل بالنادي والإسهامات المتعددة من مقالات ودراسات ومحاضرات ومناقشات وغيرها، والتغلب على المشاغل يتطلب تنظيم الوقت والإمكانات المتعددة وبخاصة توفر الكتب في حوزة الأديب وقدرته على الوصول إلى المعلومة بأقل جهد وأقل وقت.
\\ رابطة الأدب الإسلامي العالمية لك دور تجاهها التزمت به، حدثنا عن علاقتك بهذه الرابطة منهجاً وانتماءً؟
\ أستاذنا الدكتور عبدالقدوس أبوصالح توسم بي خيراً فألحقني بالعضوية ثم اختارني عضواً في مجلس الأمناء ثم عضواً في المكتب الإقليمي والآن رشحني رئيساً لهذا المكتب بالمملكة، ولا أحسبني قدمت للرابطة ما يتكافأ مع هذا التكريم، والإخوة في الرابطة يعرفون ذلك ويرضون مني باليسير فلهم مني الشكر والدعاء الخالص، والرابطة التي أفرزت أو أفرزها (الأدب الإسلامي) ضرورة ملحة في زمن أدلج فيه الأدب وسيس فيه الإبداع.
وواجب النخب المسلمة أن تقدم مشروعها الإسلامي في زمن لوثت فيه الكلمة، وأجهض الفن الرفيع، واجتاح العبث والمجون، وأدب الاعتراف كل فنون القول وتفشت العامية، وليس في الانضواء تحت مسمى الأدب الإسلامي ما يضير بالأدب العربي.
\\ مجمع اللغة العربية المزمع إقامته في بلادنا ـ إن شاء الله ـ كيف تستشرف مهامه ودوره في حياتنا الثقافية، وهل ترسم ملامحه للقارىء كما تود أن يكون؟
\ المملكة العربية السعودية بلد المبادرات الإيجابية والحمّالة وهي حكومة وشعباً تشعر بمسؤوليتها الإسلامية والعربية وتؤدي دورها بكل صدق
وخدمة اللغة من أوجب الواجبات فهي وعاء الدين وسعت كتاب الله لفظاً وغاية. والمملكة التي نهضت بخدمة كتاب الله تعليماً وطباعة تشعر أنها مسؤولة عن خدمة اللغة، ومن ثم فإن مجمع اللغة العربية من أولى مهمات الدولة، وأملي أن يولد ذلك المشروع سوياً مكتملاً متلافياً لكل ما ينقص المجامع السابقة، وأنا متفائل بنجاح المشروع وسده للثغرات المهمة. وأحسب أن ملامحه ستكون سوية لأن المملكة لم تجازف ولم ترتجل، وتداوله في مجلس الشورى من بوادر النجاح إن شاء الله.
\\ التزمت مؤخراً بالكتابة بصحيفة «الجزيرة» كيف تنظر إلى الكتابة الصحفية كوسيلة عطاء للمثقف، وماذا عن الكاتب حسن الهويمل، هل سنجد فيه الكاتب الشمولي.. أم لا؟
\ اسألوا أبا بشار، فهو الآمر الذي لا أعصي له طلباً. والجزيرة هي الصحيفة التي أجدني من كتابها. والكتابة الصحفية مهمة شاقة ورسالة خطيرة، ومن لم يحسب لها حساباً يسقط في نظر القراء. وعما إذا كنت شمولياً أو تخصصياً في كتاباتي أحسب أنني سأكون شمولياً إن شاء الله.
\\ أيضاً في مجال الكتابة الصحفية لك علاقة مميزة بـ«ملحق الأربعاء» الأدبي، لماذا هذا الملحق بالذات؟
\ جريدة المدينة وملاحقها صحيفة رزينة وموضوعية، وتقدر كتابها وتتابعهم وتهتم بهم، ومن ثم وجدت الملحق من أفضل المجالات. والأمور غالباً ترتبط بطلب الكتابة من القائمين وإلحاحهم وتقديرهم للكاتب والمشرف الأخ فهد الشريف شاب لطيف ومتابع ولديه حس إسلامي وإمكانات صحفية، ومن ثم استطاع أن يغريني بالكتابة في ملحقه. غير أن الجزيرة خطفتني من الكل وهي جديرة، وأرجو أن أكون عند حسن ظن الجميع.
\\ لك مكتبة كبيرة تربو على عشرين ألف كتاب أو يزيد.. حدثنا عن علاقتك المبكرة بالكتاب قراءة واقتناء، وكيف جمعت هذه الثروة الفكرية؟
\ منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية قبل خمسين عاماً وأنا أحس بميل للكتاب ورغبة ملحة في اقتنائه حتى ولو لم أقرؤه، ومنذ ذلك الوقت وأنا أتابع الكتب.. أشتري وأستهدي وأستعير وحين وسّع الله عليّ وتمكنت من تواصل الأسفار لتمثيل بلادي وحضور المؤتمرات كان شغلي الشاغل المكتبات ودور النشر.. أشتري وأصوّر وأتابع ولديّ علاقات شخصية مع أهم دور النشر في الوطن العربي من المغرب إلى العراق.. ومازلت أحس بنهم ورغبة في المتابعة والكتاب الذي لا أحصل عليه أقوم بتصويره. وهكذا تكونت عندي مكتبة متنوعة في الدين والفلسفة والآداب وسائر المعارف وفي سكني الجديد هيأت موقعاً مناسباً، وقد لقيت العنت في سبيل تكوينها ولكنني أنسى كل شيء حين تضطرني المعارك الأدبية استكمال موضوع فأجده عندي وفي متناول يدي.
\\ سور الأزبكية في مصر لك قصة معه سطرتها في إحدى مقالاتك الرائعة، ماذا عن ذلك المكان وما بقي من أريجه الثقافي في ذاكرتك؟
\ «سور الأزبكية» تتكىء عليه «أكشاك» لباعة الكتب القديمة وكنا نمر به مصبحين حين نذهب إلى الأزهر، وممسين حين نعود منه، وحين نجد الوقت ننقب عن كتب قديمة باعها الوارثون لهؤلاء ونشتريها بثمن بخس، ثم نرحل بها إلى المملكة، وفيما بعد كتبت مقالاً عن ذكرياتي مع هذا «السور» الذي لم يعد بضخامة ما كان عليه قبل ثلاثين عاماً أو تزيد، وقد أثار هذا المقال كوامن العلامة المرحوم أحمد عبدالغفور عطار فكتب عن ذكرياته مع هذا «السور» وما اشتراه من كتب نادرة، ومما حصلت عليه من هذا السور كتب طبعت قبل مئة وخمسين سنة وقبل مئة سنة، ومازالت مصدر اعتزاز في مكتبتي.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
آخر من قام بالتعديل عباس محمود العقاد; بتاريخ 23-11-2006 الساعة 03:12 PM.
|