في هذه الحلقة الثانية من حوارنا الشامل مع د. حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي في القصيم والناقد المعروف، نواصل الغوص في أعماقه لاكتشاف الجديد من مواقفه وآرائه الجريئة في عدد من قضايا المشهد الثقافي في الوطن العربي.
\\ حمد الجاسر رائد من روادنا الكبار فقدته ساحتنا الثقافية، متى بدأت علاقتك به؟ وما موقفه من معاركك الأدبية؟
\ أما عن موقفه ـ رحمه الله ـ من معاركي فكان ينبغي أن يسأل عنها، غير أنني أسمع منه ثناءً عاطراً كلما زرته في بيته، وهو علم من أعلام الأدب والفكر في الوطن العربي، وعلاقتي به تتسم بالاحترام المتبادل وتلك سجيته، فهو دائماً هاش باش وبخاصة حين تقدمت به السن وكان أول لقاء معه حين عزمت على تحضير شهادة الماجستير، زرته في بيته واستفدت من آرائه وحين تلقيت منه خطاباً وقعه معه الشيخ عبدالله بن خميس لطلب الانضمام معهم في تأسيس نادٍ أدبي في الرياض، وكان هذا تكريماً منهما لشاب مبتدىء مثلي آنذاك، ومازلت أحتفظ بهذا الخطاب لما أحدثه في نفسي من ارتياح.
\\ في ظل ازدياد الندوات الأدبية الخاصة.. ألم يأن للدكتور حسن أن يفتتح ندوة أدبية بمنزله تأخذ من شخصه ونقده تميزها وتسد فراغاً كبيراً في منطقة القصيم، وتلبي حاجة الكثيرين من ناشئة الأدب ومحبي الثقافة الأصيلة؟
\ بعد انتقالي إلى المسكن الجديد سوف أجعل هناك ندوة وقد أقمت لها خيمة واسعة في ساحة البيت ومازلت في طور الإعداد لها بحيث تكون ـ إن شاء الله ـ ظهيراً لنشاطات النادي الأدبي الذي أرأسه.
\\ يتصدر مكتبك بالنادي الأدبي عبارة «خير جليس في الزمان كتاب» أما زلت تؤمن بدور الكتاب وأهميته في عصر «الإنترنت» وعولمة الفضاء؟
\ بالطبع، فالكتاب من أهم المصادر العلمية والثقافية ولن يزيحه عن أهميته ما جدّ من أوعية ثقافية متعددة وهي التي أطلق عليها نائب الرئيس الأمريكي (آل جور) (جادة المعلومات).
\\ لك تجربة مع شعر الدكتور إبراهيم العواجي ونقده، ماذا عن رؤيتك النقدية تجاهه شاعراً؟
\ الدكتور إبراهيم العواجي شاعر له نكهته الخاصة ولم أسعد بدراسة شعره ولكنني أشرت إليه في مواضع كثيرة في رسالتي للماجستير «اتجاهات الشعر المعاصر في نجد» وفي رسالتي للدكتوراه «النزعة الإسلامية في الشعر السعودي المعاصر» وقد أعود إليه بشكل أوسع وهو يستحق أن يخص بدراسات متعددة تتناول ظواهره الفنية والدلالية.
\\ د. أسامة عبدالرحمن تحترمه شاعراً وتقدره مثقفاً، هل تناولته نقداً؟
\ لديّ الآن دراسة من حلقتين عن آخر ديوان أصدره د. أسامة نشرتها في صحيفة الجزيرة، وسبق أن درست شعره، واستاء من دراستي ولم أشأ تصعيد الخلاف، فالدكتور أسامة يملؤني احتراماً وتقديراً ورأيي في شاعريته حق لي وليس نهائياً بالنسبة له فما لا أراه في شعره متميزاً يراه غيري متميزاً ومؤشراً لأهلية اختلاف الرأي.
\\ قلت الشعر وكتبته ـ أيضاً ـ ماذا عن الشاعر د. حسن الهويمل وما قصته مع الشعر؟ وهل ترى نفسك شاعراً كما أنت ناقد؟
\ أنا لست بشاعر، وإن قلت الشعر، فالشعر موهبة وليس كسباً، والذين يخادعون الناس باقتدارهم أناس مجازفون، هناك موهبة، وهناك اقتدار، والمقتدرون يقولون الشعر وينشرون القصائد ويصدرون الدواوين وكلهم ليسوا بشعراء. إذن فأنا لست بشاعر وأرجو ألا تزلقوني بادعائكم.
\\ مشهدنا الثقافي السعودي ما حظه من «النقد» وما حظ ذلك «النقد» من الحياة والتجدد؟
\ المشهد الثقافي في المملكة لا يختلف عن المشاهد العربية له وعليه، ولا يجوز أن نصفه بالضعف أو بالتميز إنه في سياقه العربي في مستوى أي مشهد إقليمي. لدينا النقاد المنظرون والنقاد المطبقون، ولدينا العلماء في فنون الأدب من أكاديميين وطلاب، وإذا كان لنا موقف من بعض النقاد فإن هذا لا يمتد إلى المشهد جملة ولا يمتد إلى جملة إمكاناتهم، هم نقاد وإن اختلفنا معهم.
\\ ما جديدك القادم.. دراسة أو بحثاً أو إبداعاً؟
\ أنا أعيش مع الكلمة: تأليفاً، مقالة، ومحاضرة، ومناقشة رسائل، وإشراف، وتحكيم، ومن ثم فإن هناك كماً هائلاً من الأعمال التي لم أتمكن من تجهيزها للطباعة، ومع ذلك فقد طبع لي أكثر من ثلاثة كتب خلال العام المنصرم.
\\ لك علاقة بجائزة الملك فيصل العالمية، ماذا حققت هذه الجائزة العالمية العملاقة؟
\ علاقتي مع الجائزة كأي علاقة أديب مع مؤسسة أدبية عالمية، والعاملون فيها تربطني بهم زمالة وصداقة وأعرف ما تنطوي عليه من طموحات وتطلعات لخدمة الأدب والفكر والعقيدة والعلم في الوطن العربي والإسلامي والعالمي. وهي مؤشر حضاري وقيمة عالمية تحسب للمملكة العربية السعودية والمؤسف أنها لا تحتل في وسائلنا الإعلامية المكانة التي تستحقها وإن كان لي من كلمة فهي الدعاء الصادق لأبناء الملك فيصل ـ رحمه الله ـ الذين مكنوا لهذا الزعيم الإسلامي الكبير من أن يعيش حضوراً عالمياً مشرفاً.
\\ لك علاقة فاعلة بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة من خلال لجنة «المشورة»، ولك موقف واضح من الشعر العامي الذي فعّلته الجنادرية حضوراً ونقداً من خلال الأطروحات السنوية المتكررة.. هل هذا تنازل من د. حسن أم «تكتيك» أم ماذا؟
\ المهرجان الوطني للثقافة والتراث «الجنادرية» متعددة الاهتمامات، وأنا أعمل معهم بما أميل إليه، أشترك في اللجنة الفكرية والأدبية، وليس لي أدنى علاقة فيما تمارسه «الجنادرية» من أعمال شعبية، ومن حقها أن تعدد اهتماماتها وأن تبرز كل الجوانب الشعبية والأخوة في الجنادرية هم الذين يكرمونني بالاستشارة والإشراك وأنا سعيد بهذا التشريف وآخر إسهاماتي ما قدمته لهم من مشورة مطولة أرجو أن يكون لها نصيب من القبول.
\\ رحلتك الطويلة مع «الكلمة» الصادقة، وتجربتك الفكرية، والمراحل التي مررت بها. متى نراها مدونة على شكل «سيرة ذاتية» لتصبح مشعل هداية تنير الطريق لشداة الأدب ممن يدرس الأدب السعودي؟
\ مازلت متردداً في كتابة السيرة الذاتية وإن كنت حريصاً على قراءة السير الذاتية، وناقشت رسالة علمية أبرزت فنيات هذا الفن في الأدب السعودي المعاصر. ومع أنني مع هذا الفن إلا أنني أتحفظ على سخافات تجيء في بعض السير الذاتية وبخاصة الروايات التي يبدعها أصحابها بوصفها سيراً ذاتية.
\\ عباس محمود العقاد، ذلك العملاق والمفكر المعروف متهم أنت بحبه لدرجة «الإعجاب» لاشك أن لذلك أسباب فما هي؟ وما نصيبه من مؤلفاتك ومقالاتك ودراساتك؟
\ محمود عباس العقاد عملاق الفكر والأدب العربي المعاصر وإعجابي به مازال قائماً، وإن اختلفت معه في أمور كثيرة.
وقد عرفت العقاد ـ رحمه الله ـ في زمن مبكر وبالتحديد عام 1960م قبل وفاته بأربع سنوات وما كنت يومها أفهم كل كتاباته، وإن ادعيت ذلك، ومن ثم فقد توافرت على جميع مؤلفاته وأعماله الشعرية عدد كبير من الدراسات التي كتبت عنه. والعقاد مفكر متزن وذو حس إسلامي، ورؤيته عقلية متمكنة، وهو بلاشك مدرسة فكرية حرم من الاستفادة منها خلق كثير لما مُني به من تصديات جائرة من مصطفى صادق الرافعي ـ رحمه الله ـ، والغريب أن الذين يتصدون لفكر العقاد يقرأون عنه ولا يقرأونه ويعولون على ما يقوله خصومه ولو قرىء العقاد بتجرد لأخذ مكانته اللائقة به.
وقد كتبت عنه مقالات ودراسات ورددت على بعض الجنايات التي ارتكبها المنتفعون من إرثه العلمي والأدبي من مثل عامر أحمد العقاد الذي أساء إلى عمه حين كتب عن جوانب من حياته.
\\ قلت ذلك مرة، إننا بحاجة إلى موسوعة الأديب السعودي لتسد الحاجة القائمة وتعيد أدباءنا ومفكرينا إلى ذاكرة الناشئة وتعرِّف بهم أدباء العالم العربي الذين تنقصهم المعرفة الشاملة لحركتنا الأدبية في المملكة.
ماذا عن هذه الموسوعة؟ وماذا تم بخصوصها؟
\ نوقش هذا الموضوع في أحد المؤتمرات التي يعقدها رؤساء الأندية الأدبية، ووضعت توصية بأن يقوم كل نادٍ بوضع تراجم مفصلة لأدباء المنطقة التابع لها النادي وبادر بعضهم وتردد آخرون ولكن المنجز لم يكن على ما يرام ومازالت الرغبة قائمة والحاجة ملحة، فالمملكة بحاجة ماسة لتقديم نفسها إلى المشاهد الأدبية من خلال التعريف بأدبائها ومبدعيها.
\\ تلاميذ الدكتور حسن متميزون في تعاملهم مع منجزه الفكري وحواراته الأدبية، كيف استطعت أن تطبعهم بهذا «التميّز» وماذا قدم لك هؤلاء التلاميذ؟
\ لا أستطيع أن أسايرك فيما تذهب إليه، تلاميذي في الجامعة هم الذين أقبل تسميتهم بالتلاميذ، أما القراء فزملاء يغمرونني بالتقدير وتواضعهم يصفني بالأستاذية، وما أفعله من قول أو كتابة إنما هو جهد مقل يود أن يقول رأيه مع ما فيه من هنات.
\\ مهتم أنت بالشاعر الكبير محمد حسن فقي، ماذا عن تناولك لهذا الشاعر نقداً ودراسة، ولماذا هذا الشاعر بالذات. وما موقفه من تلك الدراسات التي كتبتها منه؟
\ قصتي مع الشاعر الكبير محمد حسن فقي طويلة وممتعة، فلقد أراد نادي جدة الثقافي تكريمه، فاختارني للحديث عنه في يوم التكريم، وحين علم الفقي لم يرُقه هذا الاختيار واعتذر عن التكريم، فما كان مني إلا أن عزمت على دراسة شعره على أي وجه ومن خلال أي وسيلة إعلانية وأعلنت ذلك.
ولأن الفقي رجل لطيف المعشر، طيب القلب، فقد أسف على اعتذاره، وقبل دراستي، وقبل التكريم، وزودني بمجموعته الشعرية، وبما يتوافر لديه من الدراسات، وتم التكريم في نادي جدة، وألقيت الدراسة فأعجب بها وأثنى عليها وعدها الدراسة المنصفة له. ثم أضفت إليها وعدلت فيها وألقيتها في دار الأوبرا في القاهرة في ندوة نقدية حول شاعريته، وطبعت الدراسة في ملف المؤتمر. وبعد سنواتأكرمته الجنادرية وكنت المتحدث الرسمي في هذا التكريم فأعددت قراءته وأضفت ما أراه مناسباً فكانت الدراسة بصيغتها النهائية.
تلك هي قصة دراستي للفقي أمد الله في عمره.
\\ ألا تعتقد أن واقعنا الأدبي والنقدي السعودي بحاجة إلى مجلة نقدية علمية ليست لسان حال نادي واحد وإنما تجمع الأندية الأدبية وتخدم الأدب والنقد السعودي؟
\ نحن بحاجة ماسة إلى جمع الشتات فهناك مجلات كثيرة وعلى مستوى من الجودة والموضوعية، مجلات علمية وأخرى أدبية ولكنها جميعاً لا تملك الانتشار المناسب وليست لها الخطة والمنهج المرسومان بإتقان. وفي الوطن العربي مجلات لها سمعة وانتشار وما لدينا ليس بأقل قيمة ولكننا لا نحسن التسويق واحتراق مشاهد الآخرين.. لهذا فالحركة الأدبية في المملكة بحاجة إلى مؤسسة أدبية تصدر مجلة محكمة وقوية وواسعة الانتشار والمؤسف أننا نمتلك الإمكانات ولكننا لم نفعل بعد.
\\ ماذا تقول لهؤلاء؟
عبدالعزيز السالم، محمد عبدالله المليباري، عبدالله الصالح العثيمين، د. أحمد الضبيب، د. محمد الربيع.
\ عبدالعزيز السالم: أود لو جمع مقالاته في كتاب بعد صدور المجموعة الأولى ضمن كتاب (الرياض).
ــ محمد عبدالله المليباري: مازال ورثته مقصرين في حق المشهد الثقافي بعدم جمعهم لمعاركه الفكرية والأدبية وإصدارها في كتاب.
ــ عبدالله الصالح العثيمين: إذا قال في تاريخ المملكة فصدقوه فإنه حذامه.
ــ د. أحمد الضبيب: التراثي المتعصرن.
ــ د. محمد الربيع: العلم والإدارة.
\\ المعارك الحادة بينك وبين الدكتور الغذامي لم تنته إلى حل وسط، فكلا موقفيكما متباعدان، فما السبب وراء ذلك؟ وإلى متى تبقيان على هذه الحال، أليس هناك مجالاً للتواصل البناء؟
\ ليس من مصلحة المشهد الثقافي أن تصفى الخلافات بالتنازلات، بل باستبانة الحق والرجوع إليه
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
آخر من قام بالتعديل عباس محمود العقاد; بتاريخ 23-11-2006 الساعة 03:09 PM.
|