... بل هو خيرٌ لكم..!
د. حسن بن فهد الهويمل
طُعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الصميم، حين اتهمت أحبّ النساء إليه، ولما سُئِلتْ كان جوابها: (فصبر جميل...). ولما كان الله المستعان على ما يصفون فوجئ الكون الإنساني بما لم يكن في حسبان الجميع: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}وقبل هذا وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنون والسحر والشاعرية، وأدمي عقبه، ووضعت القاذورات على ظهره، وشنأه الأبتر، وكسرت ثنيته، وسُحر، ووصفه رأس المنافقين بالأذل، ولمَّا تزل فوهات المدافع تقذف الحمم، وأفواه المنافقين تفيض بالبهتان الذي يحير سامعيه لفظاعته. ولما كان التاريخ يكرر نفسه، فقد انبعث أشقاها، ليؤذي الحبيب الأحبّ من النفس والمال والأهل على مسمع ومرأى من مليار ونيف من المسلمين. وحين لا يبادر القادرون بردّ فعل رادع، كلٌ حسب طاقته، لكي يحفظ جنابه، ويسعد أحبابه، تبلغ الأمة درك الذلة والمهانة، وتستفحل فيها الغثائية، وتكون عرضة لمزيد من الإيذاء في الدين، ومن الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، ثم لا تقدر على ردّ يد لامس. والتعدي على جنابه الطاهر أثار مشاعر المسلمين على مختلف المستويات، وأثبت للعالم أجمع أن الأمة الإسلامية، وإن وهنت وحزنت ستظل دون ثوابتها ومقدساتها.
وواجب صفوة الصفوة من علماء ومفكرين وساسة وإعلاميين عند مثل هذه النوازل التدبر والتفكر، ووضع الأمور حيث يجب أن توضع؛ إذ المواجهة ستطول وتمتد، وقد يمكر الشانئون بجرّ المنافحين إلى مواجهات غير متكافئة، ليستفيد مَن لا يقاتلون إلا من وراء جدر. وعلينا أمام هذه التحديات الممسك بعضها برقاب بعض ألا نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، بحيث تكون المحاسبة مقدَّرة بقدرها، لا يكون فيها تعدّ ولا ظلم ولا مجازفات خاسرة، كما يجب ألا تكون الغيرة والتصدي والصمود سحابة صيف، تعصف، ثم تخبو؛ إذ كل اهتياج غير موزون يحور رماداً بعد إذ هو ساطع.
وأخوف ما أخاف على أمتنا ذاكرتها المخروقة، ونسيانها المعتق، فما تواجهه من تعديات متلاحقة ينسي بعضها بعضاً؛ فأين نحن من آلاف المقترفات السافرة، والانتهاكات المتواصلة عبر التاريخ؟ وتفادياً لأيّ مواجهة غير محسوبة علينا أن نتساءل: هل جاء المساس في سياق الحرب النفسية، أم جاء بادرة شخصية، تجهل مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في نفوس المسلمين، أم أن ذلك في سياق الصدام الحضاري؟ فلكل دافع أسلوب في المواجهة، ونحن أحوج ما نكون إلى (استراتيجية) محكمة؛ لمواجهة مثل هذه النوازل؛ فالحرب الفكرية ليست بأقل شأناً من الحرب العسكرية، وقضايا المسلمين العامة لا بدّ لها من مؤسسات ترصد وتحلل وتحكم المواجهة.
وطبعي أننا لا نملك القدرة على المواجهة العسكرية، ولا نميل إليها لو توفرت إمكانياتها، وعندئذ فإن المواجهة الفكرية والاقتصادية والسياسية أجدى وأهدى وأعمق تأثيراً. وبرهان ذلك تراجعات المؤسسات (الدانمركية) واستباقها لمحاصرة القضية، والحيلولة دون امتدادها، بيد أن لملمة ذيولها جاء في غير وقته. ولو أن عقلاء القوم إذ أحسوا بفداحة الخطيئة تداركوا الأمر، وقدموا اعتذارهم، لما بلغت الأمور ما بلغت. وتبرير الفعلة النكرى بحق التفكير والتعبير مجانب للصواب؛ فالحرية الإنسانية لا بدّ أن تكون منضبطة، وكرامات الشعوب لا بدّ أن تكون مستحضرة مصونة، وبقدر محافظة الإنسان على قيمه المادية تكون محافظته على قيمه المعنوية. والمؤسسة السياسية في (الدانمرك) ارتكبت خطأً فادحاً بتعويلها على (حرية الصحافة) و(حرية الكلمة)؛ فذلك تعويل لا تعضده الأعراف السياسية، فضلاً عن حدود الحريات الأخرى. ولقد أشار (الأمين العام) (كوفي أنان) إلى خطأ الفهم، وحث على تجنب بؤر التوتر، ومن بعد ذلك تلاحقت التصريحات التنصلية من بعض زعماء العالم، وكان حقاً على الدول الأوربية التي عاضدت بعضُ صحفها (الدانمرك) أن تعينها بردّها عن الظلم، على حدّ (أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً)؛ فالمملكة العربية السعودية التي قادت حملة الاستياء، حالت دون تصرفات غاضبة، يقودها الشارع الإسلامي، ثم تكون فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا خاصة.
ومثل هذا التصعيد العاطفي لن يكون في صالح العالم بأسره، ومشاعر الشعوب لا يمكن حسمها بقرار سياسيّ، إنها كالطوفان تدمّر كل شيء أتت عليه، وما كان من أهداف المؤسسات الإسلامية زجّ العالم في بؤر التوتر؛ إن موقفهم غيرة على سمعة رسولهم وطهره، ومحاولة لتراجع المعتدي عن اعتدائه، وما كان ضرّ الصحيفة لو اعتذرت عما بدر منها، وحمَّلت الخطأ رسَّامها (الكاريكاتيري).
والإسلام الذي قطع بكفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وإن يد الله مغلولة، ولقي منهم أذىً كبيراً، لا يودّ من المسلمين تصعيد الخلاف، ومن ثم نهاهم عن سبّ معبودات المشركين، ونهى عن قطيعة المخالف في الدين، وحصر المواجهة مع الذين يقاتلون على الدين، ويخرجون من الديار، والذين اقترفوا خطيئة النيل من الرسول لم يعرفوا أن إيمان المؤمن لا يتم حتى يكون الرسول أحبّ إليه من كل شيء حتى من نفسه. ولم يتحقق إيمان (عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - حتى كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحبّ إليه من كل شيء، حتى في نفسه، وحين قالها، قال له رسول الله: (الآن يا عمر)؛ أي الآن تحقق الإيمان. وكيف يكون اعتداء على رسول الرحمة والسلام، والمسلمون لا يفرقون بين أحد من رسله؟ ألا يكفي الغرب أن يعاملنا بالمثل، أو يكف عن تعمد الإهانة لمشاعر المسلمين؟
وما فعلته الصحافة (الدانمركية) وباركته المؤسسة السياسية يعدّ من نقض العهد والتعدي السافر؛ ذلك أن العهود والمواثيق تتطلب احترام مقدسات الآخر، أو الكف عنها على الأقل؛ فنحن نعرف أن (اليهود) و(النصارى) لا يؤمنون برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا يرون القرآن كلام الله، وتلك من عقائدهم، ومع ذلك فإنها لم تؤثر في العهود والمواثيق المبرمة بين الدول المختلفة في عقائدها، متى لم ينقض المخالف الميثاق. ومع ما يتجرعه العالم الإسلامي من ويلات فإنه مستعد لنسيان ما فات، وفتح صفحة جديدة، وما على المؤسسة السياسية في (الدانمرك) إلا أن تبدي أسفها واعتذارها، وتؤكد لصحافتها أن من مستلزمات التبادل التجاري، وهو جزء من العهود والمواثيق الكف عن إيذاء مشاعر المسلمين، وعندئذ لا يكون هناك ما يمنع من عودة المياه إلى مجاريها على المستوى السياسي على الأقل، أما المقاطعة الشعبية فتلك إرادة لا يقدر عليها إلا من بيده مقاليد كل شيء. وإذا كان الإعلام الغربي قد أضل قومه بتحميل الإسلام معرة الإرهاب فإن من واجب قادة العالم تصحيح المفاهيم؛ ليعيش العالم بسلام.
ومن المؤسف أن تُمِدَّ بعض الصحف الغربية صحف الدانمرك بالغيّ، وتلك الحيل (التكتيكية) قامت بها بعض الدول الأوربية لفك الاختناق عن (الدانمرك)، وتخفيف حدة المواجهة، بحيث أعادت نشر الصور، تمشياً مع سياسة ضياع الدم بين القبائل، ووضع الأمة الإسلامية والمملكة العربية السعودية بالذات في موقف حرج، وتلك محاولة غبية، متى استطاع العالم الإسلامي التعامل معها بحكمة وروية، فالبادئ مقترف، والمساير مؤيِّد، وعلى الأمة الإسلامية أن تظل في مواجهة المقترف، وأن تدع المساندين لها، محتفظة بحقها، حين تحتاج تلك الدول إلى مساندة أو تأييد في المحافل الدولية.
وظاهرة المساندة الأوربية دليل على نجاح ردود الفعل الإسلامي، ودليل على أن الفكر الأوربي في الهمِّ غرب، وأنهم في الهوى سواء. إن مواجهة أوربا كلها في الأمور المتعذرة، والصحافة الأوربية التي شاطرت (الدانمرك) تريد أن تخفف من وطأة المقاطعة، وأن تربك المواجهة الإسلامية. وما تلاقيه المملكة من نقد إن هو إلا ابتلاء وامتحان، وعليها أن تصبر وتصابر وترابط، والاحتجاج بأنها عضوٌ في (منظمة التجارة العالمية)، وأن العضوية لا تخولها مقاطعة الدانمرك اقتصادياً احتجاج مرجوح؛ فالتعدي على مشاعر المسلمين وإثارتهم يحمِّلان الدولة؛ بوصفها قبلة المسلمين وفي أرضها يرقد الجسد الطاهر، مسؤولية الاستجابة لمشاعر الشعوب الإسلامية، ثم إن مبادرة المقاطعة ليست سياسية، وإنما هي شعبية، وحتى لو فتحت المملكة أسواقها للمنتجات (الدانمركية) فإن الرأي العام الإسلامي سيتمسك بالمقاطعة؛ مما يعرض البضائع الدانمركية للكساد، وتلك مقاومة سلمية مشروعة، استطاع بها (غاندي) إخراج (الإنجليز) من الهند. وإذا كان الغرب جاداً في مواجهة الإرهاب، فعليه أن يجتهد في تجفيف مستنقعاته، وقطع دابر مثيراته. وإثارة مشاعر المسلمين ورقة رابحة في يد الإرهابيين، والدول الإسلامية جادة من جانبها في مطاردة فلول الإرهاب، ولا أحسب الدول الغربية واعية للأسباب، ولا محسنة لأسلوب المواجهة.
ومع كل التداعيات السلبية والإيجابية فإن هذا الإيذاء ترك آثاراً إيجابية ما كان لها أن تكون لولا التعدي الآثم على حرمات المسلمين، وهذا يستدعي قصة (الإفك) وتطمين الله للمؤمنين حين حسبوه شراً لهم، وهو في النهاية خير؛ فالذين يركنون إلى الغرب من أبناء المسلمين، ويدَّعون رغبته في التعايش السلمي والحوار الحضاري، ويلومون أهلهم على سوء التعامل معه، وسوء الظن به، تبدت لهم منطوياته؛ فلقد كشف الحدث عن خبيئة الأعداء ومساندة بعضهم بعضاً. وحين يتلقى الذين في قلوبهم مرض درساً عملياً، يكون ذلك أدعى لوعيهم بالذي يبيته المناوئون، وأخذ الحذر من الأعداء الذين يبيتون ما لا يرضى الله في القول والفعل.
ومشروعية الحوار وتبادل المعارف والخبرات، لا تقتضي الغفلة، ولا الركون إلى الذين ظلموا، ولا المداهنة. وأخذ الحذر لا يتعارض مع الجنوح للسلام والمصالحة والتعايش وتبادل المنافع؛ فنحن هنا لا نريد قطع السبيل، ولا المقاطعة، ولا المواجهة، وإنما نريد الوعي بما ينطوي عليه الآخر، وترتيب الأمور بحيث تكون المواجهة حضارية، وما منعت المواجهة العسكرية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مقايضة الأسرى المشركين بتعليم أبناء المسلمين.
وإيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأتي حلقة في سلسلة محاولات يائسة للنيل من مقدسات المسلمين. وإذ تكون المحاولة اليائسة البائسة بحق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فإن استعراض سيرته وموقف الآخر منها يتوفر على شواهد كافية. وشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظلت، ولما تزل مجال حديث منكر يتداوله المستشرقون والمبشرون والمستغربون من أبناء المسلمين الذين ران على قلوبهم ما كانوا يقرؤون. وما تتلقفه الصحافة العالمية إن هو إلا ناتج طبعي لهذه الحملة المتواصلة على قيم الأمة الإسلامية؛ فالمستشرقون والمبشرون والمناديب ومَن اتخذهم دليلاً من مستغربي المسلمين، ولغوا في قضايا الأمة ومسلماتها، ولما تعدم الأمة من علمائها الأوفياء مَن تصدى لأولئك، وفند أقوالهم، وأجهض حملاتهم الفكرية، مثلما أجهضت جيوش المسلمين حملاتهم الصليبية.
وإذا كانت أذية الكلمة حكراً على المفكرين الذين شُغلوا بمقارنة الأديان، وتولوا كبر الغزو الفكري، فقد امتدت الأذية من الكلمة العلمية إلى الكلمة الإبداعية، وإلى سائر الفنون: الفعلية والشكلية؛ فكان أن تولى كبر الأذية الروائيون والممثلون والرسامون، وهؤلاء أكثر ارتباطاً وتأثيراً في الرأي العام، ولعلنا نذكر رواية (الآيات...) و(العار) و(الوليمة).
وما فعلته الصحافة (الدانمركية) محاولة بذيئة جنت من ورائها خيبة الأمل؛ فالمسلمون توحدت مشاعرهم، وقد تتوحد صفوفهم وأهدافهم، والرأي العام (الدانمركي) انشق على نفسه، واختلفت صفوفه. وما كانت الفعلة النكراء في الصحافة الدانمركية من بوادر العصر؛ إنها خليقة الأعداء، ومَن تصوّر أن ذلك عارض زائل فقد وهم. وكيف لا نعي قول الباري: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وتحذير الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لتتبعن سنن من كان قبلكم). والغرب لن ينفك عن الغزو والتآمر، وواجبنا إتقان لعبة التواصل معه.
لقد اهتمّ المستشرقون بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخذوها من أطرافها قدحاً أو مدحاً، وكان منهم المنصفون، ومنهم دون ذلك، ومنهم المتحاملون، وقليل منهم مَن أثرت فيه السيرة العطرة بكل طهرها ونصاعتها فأسلم. ومن المستشرقين (الدانمركيين) بالذات الذين تناولوا سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - المستشرق (يوهل فرنفز ت 1932م) الذي ألف كتاب (حياة محمد) و(تعاليم محمد طبقاً للقرآن)، وآخرون من (الدانمركيين) كتبوا في التاريخ الإسلامي من مثل (أوليسترب ت 1938م) و(جودي بيتر ت 1945م) و(بدرسن). ولم تكن المشاهد الفكرية في الدانمرك جاهلةً مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند المسلمين، ولا جاهلةً ما عرفه العالم عن أخلاقه المتميزة. ولا شك أن مثل هذه المحاولة لها أهداف خفية، قد لا نعرفها في القريب العاجل، ولكنها ستبدو في أذيال اللعبة، حين يفرج عن الوثائق، أو حين ينفضّ سامر المأجورين: (ويأتيك بالأخبار مَن لم تزود). وفي غمرة الحملة ضدّ مَن كان خلقه القرآن، ومن زكاه ربه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، نجد مَن أنصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المستشرقين. وممن أنصفه وأسلم عدد كبير، من بينهم (آتيين دينيه) الفرنسي، وقد سمّى نفسه (ناصر الدين)، و(يوزورث سمث) و(ج. ولينز) و(أنسو بروكس) و(بارنت) الألمانيون، و(أرثر كين) الأمريكي، وآخرون لا حصر لهم. وكتابات المجحفين منهم مرتبطة بخلفياتهم الدينية والفكرية وأنساقهم الثقافية، ومنطلقة من رؤيتهم الوضعية ولصوقهم الماديّ، وأكثرهم أجيرٌ جنّدته المنظمات المعادية للإسلام، والمقتفون أثرهم من المفكرين العرب تتشابه الأفكار عندهم كما تشابهت البقر عند بني إسرائيل، وتتداخل الآراء في كتاباتهم حتى تكون كما طيلسان (ابن حرب).
وإذا أساء المستشرقون لكل مفردات الحضارة الإسلامية، فإن لهم مواقف عدائية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحيث أنكروا الوحي والإسراء والمعراج، واتهموا الرسول بأنه مؤلف للقرآن، وصانع للإسلام، ووصفوه بأنه ناثر مبدع، وثائر عربي خدم قوميته. وحتى الذين ذكروه على رأس الأبطال، نظروا إليه بوصفه عبقريا إنسانيا، وليس مرسلا من عند ربه. والمؤسف أن هذه الرؤى التقطها بعض مرضى القلوب من المسلمين، فلقد سايرهم على سبيل المثال (محمود أبو رية) في قضية الإسراء والمعراج، وسايرهم (طه حسين) في تاريخ إبراهيم وإسماعيل، والتقط بعض المفكرين أطرافاً من دعاويهم دون وعي منهم بخطورة تبني مثل هذه الأفكار المادية الإلحادية. وفقهاء الأمة ناقشوا مثل هذه التعديات، وأقروا عقوبة المستهزئين، وخير من تناول ذلك شيخ الإسلام (ابن تيمية) في كتابه الموسوعي (الصارم المسلول على شاتم الرسول).
ولعل هذا الحدث المنكر يهدي أفكاراً ضالة، ويشفي نفوساً مريضة، ويردها إلى جادة الصواب؛ فالمفكرون من أبناء المسلمين يتلقون مثل هذه المقولات ويتقبلونها بقبول حسن، ويشيعونها: إما جهلاً منهم بنواقض الإيمان، وإما إعجاباً منهم برؤية المستشرقين ومناهجهم. وإذا كانت تصديات الغيورين بهذا المستوى المشرف لما روّجته صحف الغرب فإن الواجب أن تمتد الغيرة إلى لغط عربي، يمسّ ثوابت الأمة، باسم الاجتهاد والتأويل وحرية الفكر، وما شيء من ذلك له ما يبرره، وبخاصة أن الإسلام مستهدف، وأن المسلمين مضللون.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
|