قراءة نقدية لكتاب (دليل الناقد الأدبي) 2-2
د. حسن بن فهد الهويمل
ولأن الأدلاء إلى مواطن المصطلحات والظواهر الأدبية يختلفون في اهتماماتهم ومستوياتهم وقدراتهم الاستيعابية، وهم كذلك يختلفون في امتلاك ناصية اللغة المعجمية، وطرائق التعامل مع المذاهب والتيارات، وأساليب عرضها بين التاريخية والوصفية والتحليلية والتعريفية، وفي مواقفهم بين الحياد والانحياز، فإن الأفضل تقاسم العمل، وإضافة كل جهد لصاحبه، ومع أن عمل المؤلفين لم يكن مبادرة لا سابق لها، إلا أنهما بحق أعطيا عملهما شيئاً من الخصوصية، وكان بودي الاستفادة من المحاولات الرائدة، وسد الخلل الذي تركه السلف، ذلك أن التكرار لا يضيف جديداً، ومعاذ الله أن أصفهما بالتكرار.
وبين يدي الآن أعمال كثيرة، تلتقي مع مشروع المؤلفين في أمور كثيرة، ولم أشأ من الموازنة التوسع، بل اقتصرت على المتشابهات في العناوين، ومما حاولت النظر فيه لكي تتميز الأشباه والنظائر الكتب التالية:
1- دليل الناقد الأدبي: د. نبيل راغب ط 1981م.
2- دليل الناقد الأدبي: د. ميجان الرويلي ود. سعد البازعي ط 1995.
3- الدليل الأدبي: جان الديك وسامي خوري ط 1981م.
4- دليل القارئ إلى الأدب العالمي. ترجمة محمد الجوزا.
ويبدو لي أن المؤلف العربي أسرف في الثقة بالنفس والإعجاب بالعمل، حتى جعل كتابه دليلاً للناقد، وليس هادياً للقارئ. ولا أحسب أحداً من أولئك بقادر على إضافة شيء جديد يدل الناقد، وإنما هو جهد لتنوير القارئ، فإذا كان الدكتور (نبيل راغب)، قد عرّف بثلاثة وعشرين مصطلحاً، و(الرويلي والبازعي) قد عرفا بثلاثة وثلاثين مصطلحاً في الطبعة الأولى، وأضافا إليهما في الطبعة الثالثة ما تيسر جمعه، فإن المتلقي المستحق لصفة الناقد لا يحمل سمة النقد حتى يكون قد استوعب مئات المصطلحات. وإذا كان بحاجة إلى دليل لا يتجاوز محتواه الثلاثين أو السبعين مصطلحاً، فإن وصفه بالناقد من المبالغات المتجاوزة.
فالنقاد الغربيون الذين تواضعوا، وجعلوا عملهم دليلاً للقارئ، وليس للناقد تناولوا في موسوعاتهم مئات الأعلام، ومئات الأعمال الإبداعية والنقدية، ومئات الفنون والمذاهب، وجاء مؤلفهم في ستمائة وخمسين صفحة من القطع الكبير والحرف الصغير، ومع هذا فنحن لا نقلل من أهمية العمل، ولا نغمط المجتهدين جهدهم، ولا شك أن إسهام الأستاذين يلبي حاجة المخفين من القراء أما النقاد فلهم مصادر أوسع كمعاجم (جبور عبدالنور) و(مجدي وهبة) و(يوسف خياط) و(البوشيحي) و(عكاشة) و(لؤلؤه) و(الربداوي) و(مطلوب).
والمؤلفان عدّا عملهما إضاءة لبعض المصطلحات والتيارات النقدية المعاصرة، وذلك بحد ذاته إسهامٌ له قيمته، والاعتراض على وصف العمل بأنه دليل للناقد، وليس دليلاً للقارئ، فالناقد الذي تنقصه معرفة تلك المصطلحات ليس بناقد، وإنما هو مبتدئ يتهجى أبجديات الحركة النقدية المعاصرة، وأملي تحويل هذا الدليل إلى مشروع يغني ويقني، فالمشهد بحاجة إلى مثله، وإلى مثليهما في الجد والجلد.
والملفات الخفيفة واللقطات السريعة كثيرة ومتداولة إلى جانب الأمهات من الموسوعات والمعاجم التي تتسم بالمنهجية والدقة والشمول والتوفر على آلية المعجمة. وليس هنا من بأس في أن يحاول عدد من الكتاب المراوحة بين المعجمة القائمة على أخصر المختصرات، والموسوعية المتسعة للتاريخ والمفهوم والتعريف، وقد يجمع البعض بين الموسوعية والمعجمية، نجد ذلك عند الدكتور (محمد عناني) في كتابه (المصطلحات الأدبية الحديثة)، إذ جعل الكتاب في قسمين: قسم للدراسة الموسعة، وقسم للمعجمة المختصرة، حتى لقد اهتم البعض بمعجمة تبعات ظاهرة واحدة جديدة، مثلما فعل البعض في مصطلح (النص) وتحولاته وتداعياته.
وللدارسين مواقف تدق فيها نظراتهم إلى تحولات المصطلح من الديني إلى الفلسفي، ومنه إلى الأدبي، وحديثهما عن (الغنوصية) ص 196، مؤشر اقتدار على تعقب المصطلح عبر مساره التاريخي، وتحولاته الأيديولوجية، وتجسيد لحظة التحول، وتحديد أمدائه الاستيعابية، على أن المفاهيم التي تناولت المصطلح لم تفض بحديثها إلى تحولاته الأدبية. فقد تناوله الدكتور (عبدالمنعم الحفني) في (الموسوعة الفلسفية) ص 296، وكذلك المجمع اللغوي في (المعجم الفلسفي) ص 133، على أنه كان بودي لو اتخذ طريق التعريف الوضعي للكلمة، إذا كان لها جذر عربي، أو الرجوع إلى جذرها الأجنبي، إذا كانت معربة، وإذا تعذرت الترجمة الحرفية، ولم يمكن النص على دلالتها كما هي في أصولها الأجنبية حسنت الإشارة إلى ذلك.
ولو أخذنا جذر (غ.ن.ص) لوجدناها عربية الجذر، وهي في اليونانية (جنوسيس) فكأنها معربة، مع أنها في اليونانية تعني (المعرفة)، وعند أرسطو تشمل الإدراك الحسي، فيما تفيد (العلم بلا واسطة).
والسمة البارزة في هذا الدليل محاولة ربط كل مصطلح بمنشئيه والمتبنين له، واستعراض تطور مفاهيمه من خلال الوقوف على وجهات النظر المتباينة، وكذلك الإشارة إلى تداخل الحقول، وتنازع المصطلح ومفاهيمه في كل حقل، ولكنهما ينهمكان في (التاريخية) و(التحولية)، دون تحرير الدلالة، وتحديد المفهوم الألصق. وحين لا يريدان أو لا يملكان القدرة على التعبير عن المفهوم فإن ذلك يحملهما على تكرير مقولات لا تقرب المصطلح. نجد ذلك في حديثهما عن المصطلح (الذرائعية الجديدة) ص 167.
والمؤلفان لا يلتزمان علامات الترقيم، وحين ينقلان نصاً لا يحصرانه بالأقواس، وقد لا يحيلان إلى مصدره، وإن كانت طبيعة المعاجم الاختصار والتركيز، مما يستدعي الاستغناء عن الإحالة، غير أنهما فيما يكتبان يتسمان بالترهل والاستطراد في كثير من الأحوال، ولو أنهما اعتمدا التكثيف والتركيز لكنا تجاوزنا عدم استكمال متطلبات التأليف المنهجي، وبخاصة أن المؤلفين أكاديميان يعرفان حق الشكل الكتابي، وما تستدعيه صناعة الكتاب الحديث، وهذه الملاحظات تبدو في أماكن كثيرة، ولك أنا تراها في حديثهما عن (النقد الماركسي) ص 323.
ويبدو لي أن المؤلفين يحرصان على تغييب الذات، معتمدين على المرجعيات في تحرير المسائل، وكنت أود لو استوعبا الظاهرة، وقدماها وفق رؤيتهما، وبخاصة أنهما قدما دراسات، ولم يقدما تعاريف، فالدليل ليس معجماً، وليس موسوعة، إنه مجموعة مقالات ذات عناوين، خذ على ذلك حديثهما عن (موت المؤلف) و(موت المؤلف: محاذير)، لقد جاء ما كتباه على شكل مقالة مكثفة غير منهجية.
ولأن المفترض أن تكون المعاجم والموسوعات تعليمية توصيلية فإن المؤلفين لم يتوفرا على هذه اللغة، ذلك أن القارئ الباحث عن الخلاصات والنتائج يواجه بلغة عصية، لا في مفرداتها، ولا في تراكيبها، ولكن في التوائها، وطول جملها، واستهلالاتها التي قد تشتغل ب(التاريخية) أو ب(التحولية)، وقد يكون الاستطراد والترهل من أسباب الإبطاء في العملية التوصيلية. ولهذا فالكتاب عمل معرفي متعال، لا يضع في حسابه مهمة التوصيل، بقدر ما يضع في حسابه الاستقصاء الذي قد لا يتطلبه الموقف. والعيب اللغوي مرتبط بالمهمة التي ينهض بها المؤلفان، ولو أن الكتاب عمل لا يحمل مهمة التوصيل لما كان على لغته أي مأخذ.
والمؤلفان تحدثا عما يمكن تسميته بقضايا الأدب الحديث، وهناك من تحدث عن القضايا الأكثر حضوراً، ومنهم من توسع في ذلك، نجد ذلك عند الدكتور (نبيل راغب) في كتابه (موسوعة الإبداع الأدبي). ولست أشك أنهما بذلا جهوداً مضنية، ورجعا إلى كتب عربية، وأخرى أجنبية، واجتهدا في تنقيح المعلومات واستكمال متطلبات كل مصطلح، ولو أنهما أوجزا المعلومة، وركزا على تحرير المصطلح بتعريف قواعدي موجز، ثم مضيا للرصد التاريخي واستعراض وجهات النظر المثرية للموضوع لكنا أضفنا إلى المكتبة العربية معجماً متميزاً. ولعل الطريق أمامهما للإيجاز والإضافة. وكتابهما في طبعته الثالثة يسبق زمنه، إذا قيس بالطبعة الأولى.
وخلاصة القول إن المؤلفين يمتلكان ثقافة واسعة وعمقاً معرفياً، و(دليل الناقد الأدبي) مهما قصر عن تطلعاتنا فإنه عمل متميز نفر إليه كلما حزبنا أمر، وقدرهما أن (زامر الحي لا يطرب)، فلهما من كل منصف معترف بالفضل لأهله الشكر على هذه الإضافة التي ترقب المزيد.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
|