مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 27-11-2006, 08:40 PM   #7
ابن الجهم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2006
المشاركات: 5
رد منقول من مكان آخر


تحية طيبة لإخوتي الأكارم جميعا هنا.

سبق في مداخلاتي السابقة الإشارة إلى دفع شبه تعلق بها بعض من لا زال يرسخ في قيود العصبية القبلية وسوف أواصل العرض للبعض الآخر منها لتعم الفائدة والله المسئول أن ينفعني وينفع بي.

شبهة اختلاف العادات والتقاليد:

هناك من الناس من يتذرع حين المنع من التزاوج بشبهة واهية إلا وهي شبهة اختلاف العادات والتقاليد بين القبليين وغير القبليين مما يؤثر سلبا على مستقبل هذه الزيجة وقد يدفع بالأسرة إلى التفكك نتيجة عدم الانسجام بين الزوجين فدفعا لهذا الاختلال يجب المنع من التزاوج حتى لا ينفرط نظام الأسرة وتختل معه أواصر المجتمع وليبق الزواج مقصورا على محله وهو حصر التزواج بين القبليين فحسب دون دخول غيرهم معهم.

وقبل الجواب فلا بد من تمهيد يسير:

لا شك ولا ريب أن العادات واختلافها تؤثر سلبا على الزيجات فهناك الكثير من الروابط الزوجية تفككت مع مرور الوقت نتيجة ظهور عادات وسلوكيات غير مرضية لدى أحد الزوجين مما كانت خافية قبل الزواج ومثل هذه الأمور قد لا تظهر قبلا وإنما تظهر مع مرور الوقت ولكل واحد من الزوجين أن يحتاط ويتثبت من عادات الطرف المقابل لأن هذه رابطة زوجية قد تستغرق العمر كلها فوجب البحث عن العادات والسلوكيات والسؤال عنها قبل الزواج.

كذلك من حق أولياء الأمور أن يرفضوا زواج مولياتهم إذا علموا بوجود عادات وسلوكيات تخالف ما نشئوا عليه أو تربوا عليه لأن ذلك في الغالب بريد الخلاف والشقاق وقد ذكر علماء الشريعة قاعدة شهيرة تقول " الغالب كالمتحقق " فإذا غلب على الظن أن هناك عادات لدى أحد الزوجين تخالف ما نشأ ودرج عليه زوجه الآخر فإن الزواج في الغالب قد يتعثر أو تكتنفه الكثير من المشاكل والخلافات التي تئول به إلى الفشل والتهاوي.

هذا تمهيد أظن أنه متفق عليه.

أما الجواب:

نحن في حديثنا هنا إنما نتحدث عن عوائل كثيرة نشأت وتربت وعاشت متجاورة مع عائلات أخرى ولمدة مئات السنين لا نكاد نلحظ بينهم فروقا في عادات أو تقاليد أو سلوكيات ولولا وجود التقسيمات الحديثة في التفرقة بين القبيليين وغيرهم وإلا لما ظهر أثر مطلقا لهذا الأمر فعادات القبيليين وغيرهم متداخلة في الغالب الأعم ويشتركون في الكثير من العادات الاجتماعية ونشاهدهم يجتمعون ويلتقون في جميع شئون الحياة ولا تجد شذوذا بينهم أو مظاهر تفرقة مطلقا.

ولدى علماء أصول الفقه قاعدة مشهورة يقولون فيها " دلالة الحس تعتبر عن التعارض " ونحن نحتكم مع المخالفين إلى الحس والواقع فهل يجدون في الواقع أن للقبيليين عادات وتقاليد تخالف غيرهم ممن ساكنوهم وجاوروهم ونشأوا معهم ودرجوا معهم على أرض واحدة؟ بل الواقع يؤكد عدم التمايز أو الخلاف بل هم على درجة واحدة من الاشتراك في العادات والتقاليد المشتركة لأهل تلك المنطقة.

ثم إذا كان الحديث عن الخلاف في العادات والتقاليد فإن هذا أمر لا يختص به غير القبليين - فيما لو كان لهم عادات وتقاليد مخالفة مثلا - بل إن القبائل المتفرقة فيما بينهم يختلفون خلافات كثيرة حتى إننا نجد في الفرع الواحد من القبيلة خلافات كثيرة بل وحتى على مستوى الأسرة الواحدة لكن مثل هذه الخلافات اليسيرة لا تؤثر على موضوع التزواج بينهم فلماذا صارت العادات في غير القبيليين توجب عدم فتح باب الزواج منهم بينما غيرهم من القبائل يزوجون ويتزوجون حتى لو كان هناك فرق كبير في العادات والتقاليد؟.

إن الحديث هنا منحصر في غير القبيليين ممن نشأوا وعاشوا مئات السنين في بلادهم متجاورين مع إخوانهم من القبيليين ولربما كانوا من القبائل الكبيرة ولكن لسبب وآخر فقدوا اتصال نسبهم بأصولهم كما مر معنا ذلك في كلام العلامة حمد الجاسر فمثل هؤلاء لا يكاد يجد الناظر المنصف بونا كبيرا في العادات والتقاليد بينهم وبين من اشتهر بانتسابه إلى قبيلة معروفة فهم جميعا ينهلون من معين واحد ويتخلقون بأخلاق واحدة في الغالب.



ولعلي أعيد نقل كلام العلامة حمد الجاسر مرة أخرى وهو في هذا حجة ثبت يقول:



" إنني أعتقد جازمًا أن كل أسرة نجدية، كانت تقيم في هذه البلاد قبل أن يتم الاتصال بالعالم الخارجي بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري، كل أسرة هي ذات أصل عربي صحيح، إما بصلة نسب أو بحِلْف أو ولاء، وكل هذه الأمور تبنى عليها صحة النسب منذ أقدم العصور.

لكن كثيرًا من تلك الأسر جهلت أصولها لأسباب كثيرة:

منها: النسيان والجهل؛ متى ما أوغل المرء في التحضر، وارتبط بالأرض، وانعزل عن القبيلة التي تقوم حياتها على العصبية التي تستلزم حفظ النسب، لتتخذ من القرابة وسيلة لحمايتها وبقائها.

ومنها: الخوف مما قد يجره الانتساب إلى قبيلة ما من الضرر؛ كأن يجني أحد أفرادها جناية، أو يرتكب جريمة، أو يختلف مع قبيلته؛ فيأتي إلى إحدى القرى ليعيش فيها متخفيًا، فلا يخبر بنسبه، فيُجهل أصلُه حتى بين ذريته.

ومنها: الفقر الذي يُلجئ المرء إلى كثير من الأمور المذمومة من الناحية الاجتماعية؛ فقد يدفع الإنسان إلى ممارسة مهنة يترفع عنها ذوو النسب فيضطر إلى إخفاء نسبه، أو تضطره الحاجة إلى مصاهرة من هو أقل منه حسبًا؛ فيُخفي أصله خوفًا من أن يُلام أو يؤذى من القبيلة التي هو منها.

ومنها: الهجرة إلى خارج الجزيرة لسبب من الأسباب، فيضطر المرء للاندماج في المجتمع الذي انتقل إليه.

إلى غير ذلك من الأسباب التي دفعت بكثير من الأسر القديمة في هذه البلاد إلى نسيان أصولها، وهو نسيان ينبغي ألا يكون ذا أثر في حياتنا الاجتماعية ". "جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد" لحمد الجاسر، القسم الأول، (ص4-5).

بل حتى على مستوى المظهر والشكل الخارجي لا تكاد تجد تمييزا بينهم ولولا ذكر الأصول التي ينتسبون إليها لما استطاع المرء التفريق بينهم وكما في رسالة الأخ الذي من المجمعة فإن التمييز صعب بل متعذر بين القبيليين وغير القبيليين من ناحية العادات المستحكمة أو المظهر الخارجي بل هم متداخلين بطريقة معقدة في التركيبة الاجتماعية لبلاد نجد وغيرها.

ولعل القارئ الكريم يعذرني في ذكر أسماء بعض العوائل التي اشتهرت في عدم الانتساب مع كونها من الأسر العريقة والتي خرجت كبار العلماء والأعيان والوجهاء والمسئولين في المجتمع وعرف لهم الناس قدرهم ومكانتهم من أمثال عوائل : الخريصي والمشيقح والخليفي والعثيم والجريسي والباز والقعود والقصيبي والصانع وغيرهم.

أليس من الغريب يا أخوتي الأكارم أن يقوم العالم الرباني الذي لا يعرف بالانتساب إلى قبيلة بالحكم في الدماء والفروج والأموال ثم لا يكون كفؤا للزواج من امرأة تنتسب إلى قبيلة معروفة بسبب أن عادات ذلك العالم تخالف عادات تلك المرأة؟.

أليس من الغريب أن يكون القاضي الذي يفرق بين المرء وزوجه بحكم الطلاق والطبيب الذي يكشف العورات للعلاج وإصلاح الخلل الوظيفي للجسم والمصلح الاجتماعي الذي تظهر له خبايا الأسرة وحقائق حالها أليس غريبا أن يكون هؤلاء كلهم بهذه المثابة والمكانة والمنزلة مع القرب التام في العادات والتلاحم الشديد في نسيج الوطن والمجتمع والديانة أولا وآخرا ثم بعد ذلك لا يقبل زوجا!.

لقد كان الشيخ عبدالعزيز بن باز إمام الدنيا في زمانه وعالم أوانه وكذلك كان الشيخ عبدالله بن قعود ومثلهم الشيخ عبدالله الخليفي إمام الحرم المكي رحمهم الله أجمعين كانوا أهلا للفتوى ولنقل العلم ومنبعا للأخلاق الكريمة الحميدة ومدرسة لكل من يريد أن يتعلم منهم أصول العادات والتقاليد المستقاة من الكتاب والسنة فهل لدى من يمنع من التزواج بين القبيليين وغيرهم مبرر واحد في رفض تزويج هؤلاء من قبيليات معروفة بالانتساب؟.

إن القول بأن العادات والتقاليد تختلف بين من ينتسب للقبيلة وبين من لا ينتسب لها مما يوجب منع التزواج بينهم لهي حجة من لا يمتلك برهانا صحيحا بل يمشي وراء العصبية القبلية دون بينة أو رأي موافق للشرع وإنما تمشيا مع موروثه من كلام الآباء والأجداد.

فإن قال قائل:

إن العادات والتقاليد واحدة لكننا نريد الحفاظ على أنسابنا ولا نرضى باختلاطها حتى لا تضيع لاحقا وفتح باب التزواج بين القبيليين وغيرهم يؤدي إلى ضياع الأنساب لاحقا.

وهذه شبهة ثانية يتمسك بها أغلب من يتعصب لقضية التزواج بين القبيليين وغيرهم.

وقبل الدخول إلى صلب هذه الشبهة والرد عليها لا بد من تقرير ميزان الشريعة في الحكم على الناس وتقسيمهم والتفريق بينهم فقد جاءت الشريعة إلى مجتمع جاهلي يعيش على عصبية قبلية مقيتة جدا ويقسم الناس إلى طبقات عدة بحسب جنسه وعرقه ولونه وقبيلته فهدم ذلك كله وسوى بينهم وجعل أكرمهم أتقاهم ولم يميز أحدا عن أحد إلا بميزان التقوى الذي جعله الله أساسا لرفعة المرء أو ضعته عنده جل وعلا فقال تعالى :" إن أكرمكم عند الله أتقاكم "، وثبت بالتواتر في الشريعة أن أساس التفضيل في الدنيا والآخرة هو العمل الصالح فقط لا غير وهذا من المعلوم بالدين ضرورة ولا يجهله أحد ومن شكك في ذلك أو أنكره أو جحده فقد كفر ويجب استتابته وإلا قتل على الردة لأنه معلوم بالضرورة.

فإذا علم ذلك فإن ما جعله الله أصلا وأساسا لنيل جنته والفوز برضوانه يجب أن يكون هو كذلك أصلا للمعاملة في الدنيا فإنه من غير المعقول أن يكون الرجل صالحا تقيا نقيا ورعا عابدا ثم إذا جئنا لأمور الدنيا جعلناه غير صالح لها اللهم إلا إذا تخلف فيه شرط من شروط ذلك الأمر الدنيوي أما ما عدا ذلك فإن من رضيه الله لنيل رضاه وظهر لنا من حاله الخير والصلاح فإنه يكون مقدما على غيره.

يستوي في ذلك أمور الدين والدنيا وعلى رأس أمور الدنيا التي يقدم فيها على غيره هو الزواج وهذا قد ثبت في الأحاديث الصحيحة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أساس القبول والرفض في أمور الزواج هو الصلاح والتقوى ولا شيء غيره.

فإذا جاء الرجل الصالح الكفء من جهة دينه وخلقه ومعاملته فهل يليق رده ورفضه بحجة المحافظة على النسب؟.

أولا:

المحافظة على النسب مع كونها مطلبا للناس إلا أنها لا تقدم على شريعة الله الآمرة بحفظ الأسرة باختيار الزوج الصالح ذي الدين والتقوى ومع تتبع الأحاديث والآثار وعمل السلف الصالح في قضية الاختيار في الزواج لم نجد دليلا واحدا يفيد بأن اختيار الحسيبة النسيبة مطلب شرعي يقدم على أمر الخلق والدين.

نعم لو كان الحسيب والنسيب ذا دين وخلق وصلاح وتقى فلا إشكال ولا خلاف وإنا القول في رفض ذي الدين والخلق بحجة عدم الانتساب.

ثانيا:

أن الدعوى بالمحافظة على النسب قابلها دعوات كثيرة إلى قطيعة الرحم والخروج على حد الشريعة ونظامها في الاعتداء على الناس واستباحة العرض والدم بحجة حفظ النسب وعدم التزوج من من غير القبيليين.

والحس والواقع شاهدان على ما نقول.

فإننا نرى الرجل يختار لابنه المرأة الكفء ولا تكون قبيلية أو يختار الزوج الصالح الكفء لابنته ولا يكون قبيليا وذلك استهداء منه بأمر الشريعة وسلوكا على نظامها فيقابل من أقرباءه وجماعته بالنكير والقطيعة والهجران وذلك لأنه خرج عن عرفهم ونظامهم الذي لم يبنوه على دليل صحيح أو نظر صريح وإنما بنوه على العصبية القبلية فتقطع الأرحام ويحصل التهاجر والتدابر والتقاتل كل ذلك لأن الرجل اختار لأبنائه الصالح الكفء.

فانظر كيف لبس الشيطان عليهم وفتح باب القطيعة والهجران موهما إياهم بالمحافظة على النسب ونقاءه في مقابل وقوعهم في الحرام الصريح والمنكر الواضح بقطع الرحم والدعوة إلى هجران القريب وربما وصل الحال إلى التهديد بالقتل واستباحة الدماء.

فهل المحافظة على صريح النسب وخالصه يوجب هذه الحرب الشعواء على الرجل الذي يريد اختيار الزوج الصالح الكفء والذي مشى على طريقة الشريعة ونظامها وأما أولئك فقد مشوا على طريقة الهوى والتعصب المقيت مما أوقعهم في المعصية بل في الكبيرة؟.

إن هناك قصصا كثيرة جدا فيها ما يندى له الجبين من أخبار القطيعة والهجران بل والتهديد بالقتل بل والله وصلت للقتل واستباحة الدم والوقوع في الحرام كل ذلك لأن الرجل قرر الخروج عن عرف القبيلة واختار الزواج الصالح ومثل هذه الأمور لم تنقرض بعد بل لا زالت تزداد ضراوة وقسوة ونسمع بين الحين والآخر أن القبيلة الفلانية بعثت وفدا إلى أحدهم لتحذيره من تزويج بنته أو ولده إلى غير قبيلي وقد يصل الحال إلى التهديد المباشر ومقاطعته فيما لو أتم أمر الزواج.

ويمتد الأمر سوءا إلى الحد الذي يصبح فيه أبناء ذلك الذي خرج عن العرف والعادة وزوج أبناءه من غير قبيليين يصبحون منبوذين ولا يزوجون ولربما عير أحفاده بأن أحد أبويه غير قبيلي.

فهل هذه الآثار المحرمة بالإجماع في جميع الشرائع والملل والأعراف أهون من قضية منع التزاوج بين قبيلي وغير قبيلي تحت ذريعة وستار المحافظة على النسب؟.

إننا عندما نشاهد ونرى مثل هذه الآثار التي تزداد صلابة وتجذرا في المجتمع مع مرور الوقت لنستيقن أن التمسك بالمنع من التزواج إنما مرده العصبية الجاهلية المقيتة لا شيء آخر وإلا فكيف يرضى المرء العاقل في نفسه أن يرتكب المحرم الصريح الواضح الظاهر من أجل المحافظة على نسب لم يرد في أصول الشريعة ما يشهد باعتباره وتقديمه على الحلال والحرام؟.

ثالثا:

لماذا التفريق بين غير القبيلية التي نشأت وترعرعت على الأخلاق والدين والعادات الحميدة وبين تلك التي تأتي من خارج البلاد فالأولى لا يسمح للقبيلي بأن يتزوجها بحجة المحافظة على النسب ونقاءه والثانية يباح له ولغيره أن يتزوجها بلا شرط ولا قيد بل ولا تجد من ينكر على القبيلي أن يتزوج امرأة من مصر أو الشام أو حتى من الغرب الكافر لا يعرف شيئا عنها ولا عن عاداتها ولا تقاليدها بل والله لا يعرف شيئا عن نسبها وحسبها لكنه يجد حشدا من وجهاء القبيلة وأعيان الناس ينكرون عليه أن يتزوج امرأة غير قبيلية.

أليست المرأة المجاورة في الدار والمماثلة في الخلق والعادات أولى بالسماح من الزواج منها من تلك القاطنة أقاصي الديار والتي لا تعرف لها عادات ولا تقاليد ولا حتى سلوكيات؟.

وهذا أيضا صالح في الرد على أولئك الذين يزعمون أن سبب المنع من التزواج هو اختلاف العادات والتقاليد فأين هم عن السماح بالزواج من الخارج مع وجود التباين الشديد والتنافر التام في العادات والتقاليد ويغلب على الزواج من تلك المناطق الفشل وعدم استمرار الرابطة الأسرية بسبب اختلاف العادات؟.

رابعا:

في سير العلماء والصالحين والملوك والنابهين أن أمهاتهم كن إماءا وجواري وأمهات ولد وذلك لم يؤثر فيهم أو في تبوأهم أماكن ومناصب رفيعة ولم يكن أولئك المذكورون يمتنعون من الاقتران بمن هم أقل منهم شأنا أو نسبا أو حسبا ولم يؤثر ذلك كذلك على أبنائهم فخرجوا وفيهم من النباهة وعلو القدر ما فيهم.

وهؤلاء أيضا كان نسبهم خالصا صالحا لم يؤثر فيه كون أمهاتهم أمهات ولد أو جواري وأيضا لم تتأثر أخلاق وعادات أبنائهم بدخول أنساب أخرى فيهم أو مخالطتهم لمن يرونهم هم أقل حظا من غيرهم في النسب والحسب.

هذا المأمون الخليفة العباسي كانت أمه أم ولد جارية طباخة اسمها مراجل وهو من هو في مكانته وسلطانه وهذا عبدالله بن عمر يتسرى ويأتيه من سريته أبناء أحدهم زيد بن عبدالله بن عمر من التابعين المشاهير وكان من أحب أبناءه إليه سالم بن عبدالله بن عمر وأمه أم ولد جارية معروفة وكان ابن عمر يحب ابنه سالم حبا جما وفيه يقول شعره الشهير:

يديرونني عن سالم وأديرهم ...... وجلدة ما بين العين والأنف سالم

وهذا سعد بن وقاص ابنه عامر بن سعد أمه أم ولد ومصعب بن عبدالرحمن بن عوف كان قاضيا على مكة ومن أهل الصلاح والورع المعروفين وأمه جارية والعباس بن عبدالمطلب له ابن اسمه تمام أمه جارية رومية وكذلك ابنه كثير كانت أمه أم ولد وهشام بن عروة بن الزبير من عوام من كبار أهل العلم أمه أم ولد وهذا إمام التابعين محمد بن المنكدر الصالح الورع أمه أم ولد هذا فضلا عن العديد من الملوك الذين حكموا في دولة بني عباس وغيرها كل ذلك لم يؤثر على سيرهم ومكانتهم وفضلهم وشرفهم بل ولم يؤثر حتى على صفاء نسبهم.

كل هذه الأسماء وغيرها ممن فتحوا باب الزواج من غير قبيلتهم أنجبوا أبناء صالحين ومشاهير وعلى قدر عظيم جدا من الخلق والدين والكفاءة ولم يؤثر اختلاف النسب بين والديهم شيئا على مستقبلهم وسيرهم في الحياة فلو كان انسب والحسب مؤثرا لكان الولد المولود لأبوين خالصين في النسب أكثر حظا وقدرا ومكانة من المولود لنسيب واحد منهما فالواقع يؤكد عم تأثير ذلك مطلقا على قدرات الولد أو نجابته أو تفوقه.

خامسا:

أن الزواج من غير القبيلية لا يؤثر مطلقا على النسب بخلاف ما يدعيه من يتعصب تعصب الجاهلية الأولى وذلك أن الرجل إنما ينتسب لوالده والمرأة وعاء فحسب.

قال ابن حيان في البحر المحيط: " ولذلك يتصرف الوالد في ولده بما يختار وتجد الولد في الغالب مطيعاً لأبيه ممتثلاً ما أمر به منفذاً ما أوصى به فالأولاد في الحقيقة هم للآباء وينتسبون إليهم لا إلى أمهاتهم كما أنشد المأمون بن الرشيد وكانت أمه جارية طباخة تدعى مراجل قال:


فإنما أمهات الناس أوعية ........ مستودعات وللابناء آباء "

انتهى كلامه.

وقال الجصاص في أحكام القرآن: " ألا ترى أن الهاشمي إذا استولد جارية رومية أو حبشية أن ابنه يكون هاشميا منسوبا إلى قوم أبيه دون أمه وكذلك قال الشاعر:

بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا ......... بنوهن أبناء الرجال الأباعد "

انتهى كلامه.

ولهذا لا يدخل أبناء البنت في صلب الرجل ولا في ميراثه فهن في حكم أبيهن لانتسابهن إليه.

والمقصود مما سبق ذكره أن المحافظة على نقاء النسب وصفاءه إنما هي حجة واهية ضعيفة للاستمرار في باب التعصب وإلا فلماذا يصل الأمر إلى المنكر الأعظم بالتقاطع والتدابر وربما استباحة الدماء من أجل منع التزاوج بين قبيلي وغير قبيلي فأيهما أولى بالمحافظة نسب وحسب لم يأت في الشريعة ما يجعله أصلا يعتمد عليه؟ أم صلة الرحم والمحافظة على أواصر القرابة ووشائج العلاقة؟.

ولعلي في ردي اللاحق أستعرض بعضا من القصص الأليمة التي حصلت نتيجة التعصب في قضية التزواج بين القبليين وغيرهم.

والله الهادي إلى سواء السبيل.
ابن الجهم غير متصل