مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 04-12-2006, 12:21 AM   #234
عباس محمود العقاد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
الإبداع في الأدب:حدوده.. وآفاقه..! 2/2
د. حسن بن فهد الهويمل


1/2 و«الآفاق» واحدها«أفق»، وهو المجال الظرفي الذي تسبح فيه الأفعال والأقوال، ولكل فن مضاميره، فلا يجوز أن يدرج أي فن في عش غيره، فالفقهاء لهم مجالهم، كما أن للمحدثين والمفسرين والفلاسفة والمؤرخين آفاقهم، واتساع المجالات وتبادلها وتداخلها، واختلاف المفاهيم، وتباين التصورات لا يلغي الأفق الطبيعي للأشياء، ومن جهل ذلك أساء إلى نفسه وإلى فنه وإلى حضارته. والتداخل الدائري بين الآفاق لا يلغي تعدديتها وتمايزها، إذ ليس من شرط الأفق الانغلاق، بحيث لا يسبح فيه إلا نوعه، وبقدر اتساع الآفاق للتداخل تكون الخصوصية المرنة.
والمتذرعون بدعوى الحرية في إلغاء«الحد» وطمس«الأفق» أفسدوا الفن والقيم الأخلاقية، و«الحداثيون» هم الذين دمروا بنية المجتمع، وفجروا اللغة، وأوغلوا في الاغتراب والعدمية والفوضوية الجنسية. ولغط القول حول مفهوم الحرية في الفن لا يقل سوءاً عن اللغط حول«الحرية» و«السلطة» إذ إن السلطة المعيارية والسلطة الدينية والسلطة السياسية، تقمع المتمردين والمتهتكين، وتضيق الخناق عليهم، وتأطرهم على الحق، والذين يتمردون على السلطات مثلهم كمثل الذين يفهمونها على غير مراد المشرع، فالحرية غير الخنوع، والفوضى غير الحرية، والإشكالية في المفهوم والممارسة وأسلوب التبادل بين السلطة والمحكوم بها من الأناسي والأشياء. والدخول في تلك المهايع مضلة إفهام ومزلة أقدام، ولكن واجب تغيير المنكر يحمل المقتدر على أن يصدع بما يعتقد وبما يؤمر به. وكل من لم يسلم اقتناعاً وطواعية للسلطة التي يفرضها التجمع الإنساني يحس بالضوائق، وهو إحساس مرضي، إذ إن طبيعة الإنسان السوي الإذعان لمقتضيات العقود والعهود والضوابط والحدود، والحرية الحقيقية هي الالتزام بما تواضع عليه المجتمع، سواء استمد تواضعه من تشريع سماوي أو من قانون وضعي، والسلطة السياسية مفوضة لتفعيل الشرائع والقوانين، والسلطات القضائية والتشريعية تمثل الحدود والضوابط. والعلماء والأدباء والمفكرون لهم قسط من السلطة حين يصطلحون على شروط وضوابط ومعايير، وواجبهم أن يتعهدوها من حين لآخر، يضيفون، ويحذفون، ويعدلون. وعلى الكافة من مبدعين ونقاد أن يحترموا هذه المواضعات لأنها سبيل الحياة السوية. والمذاهب المعاصرة هي التي أخلت بمبدأ«الولاء والبراء» و«السمع والطاعة» وقوضت المواضعات الدينية والاجتماعية. فالحداثة وما نسل منها من«انطباعية»و«مستقبلية» وما واكبها من«دادية» و«سريالية»و«وجودية»و«رمزي ة» التقت على مبادىء ومواقف، تمثلت في اللاوعي والرفض والشذوذ والغموض والفوضى والتهكم والتهتك والقلق والاغتراب والعبث واللاشعور، وتفعيل الجنون والعرافة والحدس والأحلام والكهانة، واستعادة الخرافة والأسطورة، واتفقت على رفض العقل والمعرفة، وركزت على الشذوذ الفكري والاجتماعي والأخلاقي والصخب والإثارة والفوضى، والتعويل على المعرفة الحدسية والحلم والجنون، وكل ذلك قائم وموثق في كتبهم. ومن قال عن الحداثة غير ذلك، خذلته الوثائق والنصوص، ومن تداولها بوصفها مصطلحاً لمطلق التجديد وجب عليه أن يتصدى لمن يراها غير ذلك، ومن غالط وكابر ولم يحدد موقفه فهو من الحداثيين بالفعل أو بالموالاة.
ومصطلح الحداثة لا يكون قصراً على التجديد تعويلاً على الدلالة الوضعية فالمفهوم المصطلحي والاستفاضة القولية والفعلية تكذب المعذرين.
وفلاسفة الغرب ونقاده أطلقوا أحكاماً، وأنتجوا مصطلحات، ورسموا حدوداً وهيئوا آفاقاً، تقبَّلها البعض بالقبول الحسن، وسلموا لها، ونافحوا عنها، وسفهوا أحلام المترددين والمتحفظين، ولو أنهم إذ تقحمت مشاهدهم فيوض المذاهب ردوا ذلك إلى مقتضيات حضارتهم ومتطلبات واقعهم، وبرزوا للطوارئ بمعرفة عميقة، وإرادة قوية، وحوار حضاري، وتبادل متكافىء، ومواقف ندية لكانوا أعزة كما أراد الله لهم. والتهافت الذليل على فيوض الآخر لا يحقق الوجود الكريم.
2/2 وحين نتحدث عن حدود الأدب وآفاقه تمتد نظرتنا إلى فنون القول ومتطلباتها، فالنص الإبداعي له مكوناته التي أنتجته، وله فضاءاته التي استقبلته، وله تأثيره الذي يصطبغ به المتلقي من الأشياء والأناسي، وله قبل هذا وبعده لغته التي وسعته، وشروطه التي ميزته، وحده الذي جمع ومنع، وافقه الذي استوعب فيوضه، وكل هذه نجدها في«الحدود والآفاق»، ثم إن النص الإبداعي منتج حضارة، ومشكّل حضارة، فهو فعل حضاري، وفاعل حضاري، تنتجه الحضارة وينتجها كما«البيضة والدجاجة»، وتلك إشكالية معقدة، غفل عنها كثير من النقاد: المنظرين والمطبقين. فحين نشتبك مع النص في عملية تفكيكية أو تشريحية أو تقويضية، لا نقف حيث تتجلى لنا اللغة بنظامها وعلاماتها وعلائقها، وإنما نبحث عن بعد ثالث يضاف إلى بعدين هامين وهما:
البعد اللغوي.
والبعد الفني.
والنقاد الهاربون أزوروا عن«البعد الدلالي»، بوصفه الهدف الأسمى والغاية الأهم، بحيث وقعوا في ضوائق اللغة أو في محدودية الفن، مظاهرين«للبنيوية اللغوية» أو«الفن للفن»، ونسوا ما ذكروا به من أهمية المضمون وأثره في التصور والسلوك والموقف، ولأن الأبعاد الثلاثة«اللغة، والفن، والمضمون» متوازنة ومهمة، فإن الأهم التفريق بين الوسائل والغايات. فالنص رسالة، واللغة وسيلة، والفن إطار جمالي، والدلالة غاية، والمبدع المتمكن من يتقن عملية الأداء مستشعراً أهمية عناصر الرسالة، كما يراها«ياكبسون» قادراً على حفظ التوازن. والنقد الأخلاقي الذي نشأ مع مدائن الفلاسفة اليونانيين، وظل يتقلب على ألسنة النقاد عبر العصور، نفته مذاهب النقد الحديث متذرعة بمقولات التراث:«أعذب الشعر أكذبه»و«الشعر يغني عن صدقه كذبه»و«الشعر في معزل عن الدين». وفات المبررين والمعذرين أن تلك مقولات تعول على«المجاز»و«الخيال» و«الأفق» ولا تنظر إلى ما ينظر إليه المتهتكون والمنحرفون من شرعنة للفساد والرذيلة. وكيف يجد المؤول مبرراً لعزل الأدب عن سلطة الدين،«وخطبة الحاجة» التي كان يستهل بها رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله تتضمن آية {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا \تَّقٍوا پلَّهّ وقٍولٍوا قّوًلاْ سّدٌيدْا (70) يٍصًلٌحً لّكٍمً أّعًمّالّكٍمً ويّغًفٌرً لّكٍمً ذٍنٍوبّكٍمً } [الأحزاب: 71] وهل ما تشتمل عليه إبداعات بعض الشعراء والروائيين الحداثيين من القول السديد؟ وأين المعذرون من قوله تعالى: {مّا يّلًفٌظٍ مٌن قّوًلُ إلاَّ لّدّيًهٌ رّقٌيبِ عّتٌيدِ} [ق: 18] . ومقولة التراثيين تشير إلى أن للإبداع مجاله، بحيث لا يكون المبدع واعظاً ولا مفتياً ولكنه يكون مستقيماً كما أمر.
3/2 والنقاد الذين ظاهروا المنحرفين عن جادة الصواب الفني واللغوي والدلالي، وتفانوا في ترويض المتلقي للقبول بهذا الانحراف والقول بمشروعيته تعويلاً على الحرية وعلى خصوصية الفن، وظاهروا الخارجين على نظام اللغة وضوابط الفن ومقتضيات القيم الأخلاقية، يتولون كبر الخطيئة، ذلك أن المبدع المنحرف حين تزور عنه المشاهد وتزلقه الأبصار وتسلقه الألسن يتحول عن غيه، أما حين تحتفي المشاهد بتردياته الفنية والأخلاقية ويمارس مع غيره التشايل والتنافخ والتقارظ، فإنه يوغل في ذلك، ولا يجد المتلقي بداً من القبول بالمنكر وإنكار المعروف، والإسلام حث على الاستتار وعدم المجاهرة بالقاذورات لحماية المجتمع، فإشاعة الفواحش يطرد غربتها، ويخفي نكارتها. والمتعقبون للمنظرين من نقاد الغرب الذين خلطوا سائر العلوم مع بعضها لينتهوا بالفن إلى فوضوية مستحكمة يقفون على مقولات مستمدة من علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الجمال وعلم اللغة وعلم الأخلاق ومن الفلسفة والأساطير والأيديولوجيات، وكلها قبضة من أثر الغرب تجتال مشاهد الإبداع الأدبي، لتقضي على خصوصيته وتميزه وضوابطه، والقائلون عن علاقات المبدعين ب«الجنون»و«العناد» يتقحمون آفاق علم النفس، ليشرعنوا الفجور في القول والشذوذ في الفعل، ولهذا فلسنا مع من يربط الإبداع بحالات التوتر والقلق والغثائية والمرض والجنون، وإن تعرض لذلك غير واحد من عمالقة الإبداع الغربي من أمثال«شكسبير»و«هولدرلن»و« نيتشه»و«فان خوخ»و«تشومان»، ولسنا مع من يقول باستواء«العقل»و«الجنون» في حالة التلبس بالعملية الإبداعية. ولقد ثبت هبوط مستويات المبدعين بعد تأزم حالاتهم النفسية. والقول التراثي عن«شياطين الشعر» والتباهي بذكوريتهم وأنثويتهم في الشعر قول أسطوري، لا يعول عليه، وتنزل الشياطين على الشعراء كما في الذكر الحكيم إشارة إلى إغوائهم وعالم الجن والشياطين عالم غيبي، مصدر معرفته النص الشرعي القطعي الدلالة والثبوت، وقد تعقب ظاهرة شياطين الشعر غير واحد من الدارسين.
والتعويل على«المعاندة» في الإبداع لتبرير المغايرة تعويل يحتاج إلى ضوابط، فحين لا نجد مبرراً لاستمرار المجاراة، نرى أن المخالفة يجب أن تكون في إطار المقبول عقلاً على الأقل. وإلى جانب القائلين بالجنون والعناد نجد أن طائفة من الماديين قد ناضلوا ضد الآراء«اللاهوتية» في علم الأخلاق، وانتقدوا التفسير اللاهوتي القائم على الثواب والعقاب المادي، وتشعبت نظريات علم الأخلاق بين: المادية والمثالية، ومن المؤسف القول: إن الحضارة الإسلامية لا تسر«نظرية أخلاقية»، وتلك مقولة في مشروع الجابري حول«العقل العربي» في جزئه الرابع والأخير، وهو قول يتساوق مع القول بخلو الحضارة الإسلامية من نظريات سياسية واقتصادية وتربوية، والمؤذي اندفاع المفكرين وراء افتراءات المستشرقين، وكيف لا تكون نظرية أخلاقية والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وكيف يقال بنظرية غربية ونهاية الحضارة الغربية ناتج انحطاطها الأخلاقي. والانحطاط الأخلاقي في الحضارة المادية أدى إلى الانحلال في القيم الأخلاقية والفنية معاً، وهذا الانحطاط والانحلال لفتا نظر الفلسفة«الهيغلية» إلى تبني نظرية«موت الفن» بحيث انفصل الفن عن الحياة الجادة، ليكون أداة تسلية ولهو وترف ووهم.
والحضارة الإسلامية ذات خصوصية في فكرها وفنها ولغتها وسائر شؤونها، ولا يجوز لنخبها الخروج من فلكها الذي تسبح به كل المعارف والفنون، لأن الخروج مؤذن بالتشظي والاحتراق كما الكواكب حين تنفلت من أفلاكها، والتعالق مع المستجد دون وعي بمتطلبات الحضارة الاسلامية ومقتضياتها، ودون احترام لضوابطها، ودون اجتناب لمحظوراتها يعني الدخول مع الآخر في جحور الضباب. وحين لا يجد الفلاسفة والمفكرون والأدباء بداً من التواصل مع علوم اللغة والنفس والاجتماع والأخلاق والجمال فإن التواصل المشروع لا يكون على إطلاقه، فمثلما أن الحضارات الأخرى لا تسلم لنا بما نريد فإن من حقنا ألا نسلم لها بما تريد، وفضاءات الحضارة الإسلامية استيعابية، فنحن الأعلم بأمور دنيانا وعلينا لكي نحفظ حقنا أسلمة العلوم والآداب، والتحفظ لا يمنع من التفاوض والتقارض والتفاعل، والحضارة الإسلامية ورثت حضارات كثيرة واستوعبتها، ولم تتخل عن خصوصيتها، وإن شابتها شوائب انعكس أثرها على مناهج البحث العلمي وآلياته، وعكر صفو النقاء النصي، وحمل طائفة من العلماء على التأويل البعيد، وتحميل النصوص ما لاتحتمل، مما نتج عنه تعدد الملل والنحل والطوائف والمذاهب والاتجاهات. والدخول في عوالم الآخر دون استعداد معرفي وتحصين أخلاقي وتأصيل فكري وعقدي مؤذن بفساد كبير، وذلك ما تعانيه الأمة، وما تجره النخب المتبعة لسنن اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة.
4/2 وإذ تكون«الحدود»و«الآفاق» مجال الحديث مرتبطة بالإبداع الأدبي فإن علينا أن نشير إلى تجاوزات مدانة كسرت الحدود، ولوثت الآفاق، تولى كبرها«روائيون» ينتمون إلى الحضارة الإسلامية، ومنهم من يحتل سدة الفن الروائي، وهؤلاء المتمردون يجدون من المعذرين من يدفع عنهم التهم، ويشرعن مقترفاتهم باسم الحرية. ولن نطيل القول فيما نشير إليه، فالروايات التي صدعت وحدة المشاهد مستفيضة ومتداولة، والدراسات المؤيدة والمعارضة لما تزل في جدل صاخب، ومازاد مشاهدنا إلا خبالاً. ورائدة هذه الروايات رواية«أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، وخلاصتها أن الحارة كانت ملكاً«للجبلاوي» الذي اختفى ليخلفه أولاده الثلاثة:«جبل» و«رفاعة»و«قاسم» عبر مراحل زمنية لتحقيق العدل، وبعد وفاتهم جاء«عرفة» الذي يمثل«العلم» لتحقيق العدل، ويبقى الأمل معلقاً عليه لصناعة المستقبل. والرواية تحكي قصة الكون، وهي مدانة عقدياً، وإن كانت رواية رمزية تحتمل أكثر من تفسير، وقد تناولها مؤيدون ومعارضون، منهم غالي شكري، ومحمد حسن عبدالله، والعالم، ومحمد العزب، ونبيل فرج، ومحمد أحمد مخلوف، وآخرون.
وتليها في السوء والتجني رواية«سلمان رشدي»«آيات شيطانية» ولما تكن كما«أولاد حارتنا» رمزية، بل كانت صريحة في مواجهتها للفكر والعقيدة الإسلامية، وقد تعقبها مجموعة من الدارسين والنقاد، من مثل«سيد حافظ أبو الفتوح» في كتابه«رسائل إلى سلمان رشدي»، و«صلاح الصاوي» في كتابه«مؤامرة الآيات الشيطانية».
وتتواكب مع هذه الرواية المثيرة المشبوهة«تسليمه نسرين» في روايتها«العار» التي تدين المسلمين في عنفهم وتعديهم على «الهندوس»، وهي من الروايات التسجيلية، وقد درسها موضوعياً وفنياً الدكتور«إبراهيم عوض» تحت عنوان«افتراءات الكاتبة البنجلاديشية تسليمه نسرين»، وتصدى لها آخرون، وترجمت الرواية بقلم«عصام زكريا». وجاءت فيما بين هذه الروايات أعمال روائية موغلة في التهتك الأخلاقي والإلحاد العقدي، لكتاب مغمورين، وعبر كتابات تفتقر لأبسط مقومات الفن مثل«مسافة في عقل رجل».
أما عن التهتك الأخلاقي، والانتهاكات الفنية فقد استفاض في كثير من الأعمال الروائية بحيث لا يحتاج إلى تذكير، وآخر الأعمال المثيرة«وليمة لأعشاب البحر» للروائي السوري«حيدر حيدر» والتي عصفت بالمشهد الأدبي المصري، وتصدى لها طائفة من الكتاب والدارسين من مثل«أحمد فؤاد عبدالعزيز» في كتابه«وليمة لأعشاب البحر: الإلحاد يخلع أقنعته». ولما تزل المشاهد الأدبية تدفع بالأعمال النقدية والإبداعية: الشعرية والسردية التي تتجاوز الحدود والآفاق حدود الدين واللغة والفن وآفاق الفن الدلالية، وتلك ممارسات جنائية تصدّع تلاحم الأمة، وتمس ثوابتها، وتدنس مقدساتها، وتشيع الفواحش في أوساطها، والنقد من وراء أولئك يلتمس لهم العذر تارة بدعوى الحرية وأخرى بالإحالة على الرمز والصراع الحضاري، وليست الأعمال الفكرية والاجتماعية والنفسية بأقل ضرراً من الأعمال الإبداعية، ولعلنا نذكر«نصر حامد أبو زيد» و«نوال السعداوي» وطائفة من أصحاب المشاريع الفكرية والنقدية.
وليس من مصلحة الأمة أن يتفلت أدباؤها ومفكروها من ضوابط الإسلام وحدوده وآفاقه، فالحضارة الإسلامية قائمة ما قامت السماوات والأرض، ومن الخير للمنتسبين للإسلام عقيدة أو مولداً أن يعرفوا أن الغرب الذي يستزلهم إنما يريد استذلالهم والقضاء على عزتهم، ومن شايعه فهو منهم، ولكنه سيتجرع مرارة النيل من أمته، والغرب الذي يتخذ العملاء حتى إذا قضى منهم وطره، نبذهم كما تنبذ العلب الفارغة، فمن خان أمته وعقيدته فهو لما سواها أخون، ولن يستقيم أمر الأمة إلا إذا كان الأدب في خدمة الحياة والعقيدة، وإلا إذا استقام الجميع كما أمروا. والإبداع الأدبي يقوم على الإمتاع والاستمالة والإقناع، وتحقق ذلك في الفن الرفيع لفظاً ومعنى، وحين لا يحمل الأدباء والنقاد مهمة الإصلاح تفقد الأمة مصدراً هاماً من مصادر التربية الأخلاقية والذوقية، وإضاعة الحدود مؤذن بضياع الذوات، والوضع الإسلامي بلغ حداً من الترديات التي لا تحمل المزيد، ولما تزل الأمة ترقب المجددين لأمر دينهم كما بشر الصادق الأمين.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
عباس محمود العقاد غير متصل