مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 04-12-2006, 12:27 AM   #240
عباس محمود العقاد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
الحازمي بين النقد السردي والرصد النقدي 2/2
د. حسن بن فهد الهويمل


أما حديثه عن «المعارك الأدبية» في المملكة فيأتي ثالث البحوث، ولا يختلف عن محاضرته الأولى «لمحات من أدبنا السعودي المعاصر» يستهل مقاله الذي نشره في مجلة المنهل عام 1996م بالحديث عن معركة «العواد» و«الأنصاري» حول الإبداع القصصي، وقد آخذَ العواد على سخريته وتهكمه وخلطه بين متطلبات القصة والرواية، وبين الواقعية والرمزية والفلسفية في العمل القصصي. واستطرد الى معارك «العطار» و«السباعي» ووصف هذه الحملات بالتطرف والإسعاف. وأبدى ارتياحه عند الحديث عن «المرصاد» للفلالي. وان قرر عدم اختلافه عن النمط السائد للمعارك النقدية السابقة، واصفاً دراساته بعجزها عن الرقي الى مستوى الدراسات الجادة المتأنية، إذ هي في نظره تعليقات سريعة وانطباعات عابرة تعتمد على الذوق الشخصي الممزوج بحدة الانفعال والسخرية.
والدارس تناول كتاب «الفلالي» «المرصاد» حين تحدث عن «حركات التجديد في الأدب السعودي الحديث». وتذبذب حديثه بين المؤاخذة والتأييد وهو قد بسط القول عن «المرصاد» في الموضعين، ولما يكن في ذلك ناقداً بقدر اهتمامه بالوصف والرصد، وإن أوما في سياقاته الى بعض ملاحظاته كقوله مثلاً «تنقصه الأدوات الأساسية للنقد» وجعل منها وفرة النصوص المدروسة، ولما يشر الى ما هو أهم، وهو آليات النقد ومنهجيته، وان مرت مقطعة الأوصال في اشارات عابرة في المقالين «حركات..» و«معاركنا النثرية». ولا تثريب في ذلك، فالدارس يتحدث عن كل موضوع في معزل عن الآخر، وهو في النهاية مؤرخ للحركة الأدبية والنقدية في المملكة، ولربما تأخذه طبيعة الأستاذ في القاعة وهمه في التوصيل والترسيخ. وقد ألمح الناقد «عابد خزندار» لذلك من تلك الزاوية، ولكننا لا نتفق مع «خزندار» في وصف عمله بالوهم، ولا نذهب معه في مطالبته للناقد بالتقاعد عن الكتابة مثلما تقاعد عن التعليم، فمثل هذا التجني وان كان ديدن «الخزندار» يحط من قدر المشهد النقدي، ويشوه صورة الحركة النقدية في البلاد، وبامكان «الخزندار» غير المتخصص ان يحدد نقاط الضعف والاخفاق عند «الحازمي» تاركا الحكم للقارئ الذي يستعرض الوثائق، ويقرر النتائج، والنقد لا يكون بالضرورة «نصوصياً» و«ابداعياً» كما يود «الخزندار» وإنما الحاجة تحدد المنهج. والدارس يود من دراسته تلك إعطاء تصور عن الحركة الأدبية والنقدية في المملكة، وهو في هذه الرغبة يحتاج الى «المنهج المدرسي» او ما يسمى ب«النقد التكويني». ومجمل الأعمال الدراسية التي اشتمل عليها كتابه «الوهم...» من هذا النوع التاريخي الوصفي المعلوماتي. والدارس حين يكون مستعرضا عارضا في هذا الكتاب يكون ناقدا في كتب أخرى. فالكتاب يمثل زاوية من مؤلفه، ولا يحتويه، وتأطير الحازمي في واحد من كتبه او في واحدة من محاضراته جناية متعمدة.
ويمتد رصده للمعارك بين البسط والإيجاز والإشارة والاستدعاء، ويختم حديثه عن المعارك الأدبية بالحديث عن «عبدالفتاح أبي مدين» وكتابه «أمواج وأثباج». وقد ساق أطرافاً من أحكام أبي مدين الجائرة على طائفة من الشعراء الذين أرخ لهم «عبدالسلام الساسي» في موسوعته وفي كتابه «شعراء الحجاز..» ولكنه استدرك قائلاً: إن آراء أبي مدين في «أمواج وأثباج» خلال الخمسينيات لا تمثله في فترة لاحقة، ولا سيما بعد تبلور الكثير من الحركات والتيارات الأدبية، وبعد اتصاله الوثيق بممثلي النقد الجديد.
أما بحثه الرابع «مكة المكرمة في قصص أبنائها المبدعين» فمحاضرة ألقيت في نادي مكة الثقافي عام 1996م. ونشرت في ملحق الرياض الأدبي. وفيها تناول بعض الأعمال الإبداعية الروائية، وما هي عليه الحياة في مكة من حيث البيئة والموقع والمكان بوصف مكة مهاداً طبيعياً للفكر والأدب، وهو قد كتب أو حاضر عن شيء من ذلك. حين أنجز دراسته «البيئة المحلية في قصص أحمد السباعي». والدارس لا يود أن يفرق بين مصطلحي «القصة» و«الرواية» فهو يعنون «بالقصص» ويتناول الروايات، ثم هو يؤاخي بين المناهج بحيث يوازن تارة، ويحاول استبانة الحديث عن مكة تارة أخرى. وقد اختار خمس روايات من بين ستين رواية أشار إليها «الشنطي» في دراسته للرواية العربية: هذه الروايات هي:
«أبو زامل » للسباعي 1374ه.
«ثمن التضحية» للدمنهوري 1378ه.
«لا ظل تحت الجبل» للعنقاوي 1399ه.
«لا تقل وداعاً» لعاشور 1400ه.
«سقيفة الصفا» لبوقري 1404ه.
وقد ركز في دراسته على «النماذج البشرية» وقد يكون استوحى هذا العنوان من كتاب «محمد مندور» عن النماذج البشرية في الروايات العالمية، وهو من أهم الكتب وأجدرها بالقراءة، مع أنه كتاب لا يعرفه إلا الأقلون.
والمحاضرة التي أعدها عن مكة في قصص أبنائها مختصرة إلى حد الاعتصار، واشاراته لا تفي بالغرض، والموضوع عميق ودقيق، ويحتاج الى جهد ووقت لم يتوفر عليها الدارس، ودراسته البعد البيئي والشخصي في روايات خمس لا يمكن أن يؤتى عليه بصفحات قليلة وجهد متخفف. ولا سيما ان الدارس متخصص في النقد الروائي. وهو بهذه الصفة يتوقع منه العمق والتركيز والغوص في البُنى التحتية للأعمال واكتشاف الأهم في هذا البعد الذي اختاره لأهميته، وهو محور العمل الإبداعي، والحديث فيه من متطلبات النقد الحديث، ويرتبط به موضوعان «أضواء على تصور القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» و«البيئة المحلية في قصة أحمد السباعي»، وقد أعد لطرحهما في ملتقى القصة القصيرة في الكويت وفي المهرجان الوطني. والبحثان يتسمان بالعمق ومباشرة النقد النصوصي الذي تجاهله «الخزندار» في مؤاخذته للناقد، وان كان دون ما نؤمله من مثله، إذ يبدو تخففه في كثير من أعماله، وهو الأقدر لو أراد ذلك.
وقد عول في بحثه عن تطور القصة القصيرة على مجموعة من الدراسات التاريخية والنقدية، وكان اتكاؤه الأقوى على أطروحة «سحمي الهاجري» عن القصة القصيرة في المملكة، والدراسة التاريخية للدكتور «محمد الشامخ»، والدراسة التاريخية الوصفية للدكتور «محمد بن صالح الشنطي»، وما كتبه كل من : «البازعي» و«سعيد السريحي» و«شاكر النابلسي».
وفي حديثه عن القاص «حسين علي حسين» عول على دراسة للدكتورة «فاطمة موسى» عبر مقالين: «تطورات جديدة في القصة القصيرة العربية» و«الرحيل بين الأنموذج والواقع». وفي البحث اعتمد على المرحلية الزمنية، فهناك رواد ك«أحمد رضا حوحو» بوصفه مارس الإبداع والترجمة والنقد في المملكة، وإن كان جزائرياً بارح الديار المقدسة، واستشهد في حرب التحرير الجزائرية، ومن بعده «حمزة بوقري» و«إبراهيم الناصر» و«محمود المشهدي» ولم يسلم أحد منهم من التأثر المباشر عن طريق القراءة أو المعايشة. ف«البوقري» أقام في مصر. و«الناصر» أقام في العراق، وكل واحد منهم استفاد من إقامته التي لم تطل، واتخذ إمامه من مشاهير المبدعين القصصيين في مصر والعراق، ويبدو لي أن الإشكالية تكمن في «الموهبة» و«الموقف» و«الثقافة». والنظر الى ابداعات الآخرين لا يشكل أهمية قصوى.
والثلاثة الذين اختارهم الدارس من السعوديين بالأصالة او بالإقامة وعدهم من رواد القصة القصيرة يأتي الى جانبهم آخرون ليسوا بأقل منهم، ولكن المرجعيات التي عول عليها ركزت على أولئك، فلم يكن بد من التعويل عليهم. حتى لقد أطال الحديث عن «حسين علي حسين» بشكل ملفت للنظر لا لشيء أكثر من أن المادة توفرت للدارس من النقد التطبيقي لأعماله لدى الدكتورة «فاطمة موسى». وهو في تناوله لتطور القصة قسم المراحل الى ثلاث: «الرواد» و«الشباب» و«الحداثيين» أو المتأثرين بالحداثة، ولشح المرجعيات فقد شار الى «المشري» و«محمد علوان» ولم يشر الى مبدعين قصصين لا يقلون عمن تحدث عنهم، ويبدو لي ان المرجعيات التي عول عليها لم تشر الى احد منهم من مثل: «باخشوين» و«الشقحاء» و«عبده خال» وغيرهم، وليس بضائر فيما أرى العدول عن الاستقصاء إلى الانتقاء، متى استطاع المنتقي إغناء البحث عمن صرف النظر عنه.
وفي حديثه عن «السباعي» وتجلي البيئة المحلية في قصصه حاول ان يلملم نثاره من مواقع كثيرة، ولما ينج من الاستهلال التاريخي والاستطراد على حساب القضية الرئيسية، بحيث تقصى أشياء كثيرة عن السباعي، ليست في خدمة الموضوع الرئيس، وحديثه عن البيئة حمله على افتراض البعد التاريخي في الإبداع القصصي، مما حفزه على استدعاء «جرجي زيدان» و«أبي حديد» و«محفوظ» و«باكثير» للموازنة بين فنيات الاستخدام التاريخي، وكل ذلك استطراد أثقل البحث، والسباعي يقصر باعه عن أولئك في أمرين:
الأمر الأول: حجم البعد التاريخي في قصصه.
الأمر الثاني: حجم البعد الفني إزاء من ضرب بهم الأمثال.
وما أظن هذا الاستدعاء إلا نتيجة التشجيع والاستحضار، فالدارس ملم بالرواية التاريخية، وله فيها أطروحة علمية ودراسات أخرى، وتوارد هذه الشخصيات لم تثره مقتضيات الدراسة، وإنما أثارته معارفه الوفيرة في هذا المجال، وما كان له أن يخل بمنهج البحث، وهو الأقدر على استبعاد ما يتداعى من معلومات لا يقتضيها المقام. وهو حين يطلق على بعض مراحل حياة السباعي «المرحلة الفلسفية العاطفية» يكون أكثر تزايداً، فالعاطفية الرومانسية عنده لا ترقى الى التصور الفلسفي، وكيف يستوحي السباعي بطلته كما يشير الدارس من قراءاته الرومانسية، ثم لا يكون في أدائه فيلسوفاً، وبودي لو أن الدارس فرق بين الاستغراق التخيلي، والاستغراق التأملي، فالفلسفة العاطفية ربما تكون نتيجة الاستغراق التأملي، ولا تكون نتيجة مستغرق في الخيال، والسباعي في روايته «فكرة» مستغرق في الخيال الى حد الخرافة، ولكي يؤكد رؤيته في ذلك فقد تعمد الربط بين «السباعي» و«جبران» وشتان بين الرجلين، والربط التعسفي لا يسوِّغ التصور الفلسفي عنده، ووصفه لحديث «فكرة» بطلة الرواية بأنه حديث العالم الفيلسوف الشاعر المتصوف فيه شيء كثير من المبالغة.
و«السباعي» الذي خلق شخوصه، ولم يلتقطها من المجتمع، أراد أن يحقق من وراء هذا الخلق الممعن في التخيل أقصى حد من النقد لبعض الأوضاع السائدة، مما له علاقة بالمرأة في سائر وجوه الحياة عنده، وفي مجال التعليم بالذات، وهو بهذا الإغراق يمارس القناع بطريقة مغايرة لتقنع المبدع، وإنما هو تقنع القضية، والتماس البيئة المحلية في رواية مغرقة في الخيال مثل «فكرة» يلجئ الى التمحل، وقد اشار اليه الكاتب الذي لم يُكرهه أحد على تناول رواية خيالية رومانسية بآليات مغايرة.
ويأتي الموضوعان الأخيران:
«أدبنا السعودي في عيون الآخرين» الذي تحول فيما بعد الى كتاب.
و«واقع الثقافة العربية بين الإيجابيات والسلبيات».
وهما محاضرتان ألقيتا في المهرجان الوطني للثقافة والفنون عامي 1412ه و1418ه. استعرض في البحث الأول رؤية السائحين لهذا الأدب ورؤية الباحثين ورؤية المتعاطفين المجاملين، وحديثه عبر كل الرؤى استعراضي انطباعي وقليل من الجدل المخنوق بحجم البحث. وحديثه عن واقع الثقافة لا يتجاوز التمهيد أو المدخل. لقد أعطى إشارات رقمية، ولما يعط تصوراً شاملاً، فالحديث عن قضية كتلك يتطلب فضاءً واسعاً وإمكانيات استثنائية لا تنقص الحازمي، ولكنه لم يشأ استخدامها لمحدودية الوقت المتاح لمثله في لقاء عام.
وكتابه «سالف الأوان» يتساوق مع كتب أخرى وهو مجموعة مقالات قصيرة جمع شتيتها وصنفها موضوعياً وفنياً، وجاءت في خمسة حقول «في الأدب السردي» و«من أدب السيرة الذاتية» و«شخصيات» و«نفحات من الشرق الأقصى» و«أصداء وتأملات» وأدرج تحت كل عنوان ما يناسبه من المقالات المقتضبة، ولم تكن تناولاته قصراً على الأدباء السعوديين، ولم تكن مقالاته عازمة بل جاءت على شكل خطرات وخواطر، ويبدو في مقالاته تلك متابعاً للمشهد الأدبي، حفياً بإبداعات الشباب، ولم يشأ إضافة أي دراسة منهجية جادة كما هو في كتابه «الوهم ومحاور الرؤيا».
لقد صرفت النظر عن سائر كتبه التي تضمنت مقالاته الأدبية لأنها تناولت إبداعات شعرية ولَّما يكن الحازمي فيها معلوماتياً وإنما كان انطباعياً، وإلماحاته المعرفية فصل القول عنها في محاضراته الموسعة والممنهجة، ولم أشأ الحديث عن الحازمي الشاعر لخروج ذلك عن مجال بحثي، ويبقى الحازمي علماً من أعلام الأدب السعودي في انتظار أقلام شابة تنقب في عالمه وتوفيه حقه الممطول، وما كنا لنفي بحق أعلامنا حتى يتواروا في التراب.
* تنويه: ملخص الورقة التي القيت في ندوة «الأدب السعودي خلال عقدين» وستطبع الورقة بكاملها مع كامل الأعمال..
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
عباس محمود العقاد غير متصل