مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 21-12-2006, 02:42 PM   #6
عباس محمود العقاد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
حواضن الأدب السعودي وملامحه في العشرينية..! ( 1 )
د.حسن بن فهد الهويمل


* أولاً - الحواضن:
1/1
عَهدَتْ مشاهدُ الأدب والنقد في كل العصور تناولَ الحركة الأدبية على مستوى الأشخاص أو القضايا أو الأقاليم أو الأزمنة، في سبيل الرصد التاريخي أو الفني أو الموضوعي. وممارسةُ الوصف أو التفكيك الجزئي أو المرحلي لقصد المعرفة أو التقويم تُمكّنُ من شد أواصر الأجزاء، والتوجه صوب تشكيل وحدة كلية، بعد استيعابها واحدة واحدة. وإذا كان بعض الدارسين يحبذ الشمولية، ويَحْذرُ التجزيئية، ويرى أن الأدب العربي لاتفرقه الأقاليم، ولا تشرذمه السياسة فإن البعض الآخر لايرى بأساً من الاتجاه صوب المقاطع الزمانية أو المكانية أو اللفظية أو الدلالية أو الفنية، لاستكناه جانب من جوانبه، متى كان السبرُ والجسُّ لتعميق المعرفة، والتخطي المرحلي إلى الشمولية، فدراسة المقاطع الأدبية على أي شكل، يكمل بعضها بعضا، ومن لم يستكنه الأجزاء لايتصور الكليات.
وحديثي عن مقطعِ زمني في سياق الأدب العربي في المملكة العربية السعودية، ومقطعِ مكاني في سياق الأدب العربي المعاصر كافة، يُقصد منه تعميق الرؤية لجانب من جوانب الأدب العربي، ولا تُراد من وراء ذلك المفاضلةُ، ولا المفاخرةُ، ولا التجزيئيةُ، ولا التصدير. ذلك أن الأدب العربي منظومة واحدة في لغته وهمِّه وأعماقه وثقافته. وهو في المملكة حلقةٌ في سلسلة الأدب العربي المعاصر، من المحيط إلى الخليج. لا نفرق بين أحدٍ من أجزائه، وهو في المملكة لا يختلف عن أدب الأقطار العربية إلا بقدر ما تختلف مسارحه في الأوضاع السياسية والاقتصادية والدينية، وهي مختلفة ولاشك، وليس الأدب في المملكة بمعزل عن بقية الأدب العربي، وإنما هو متواصل متفاعل، ينهض بمهمته المشتركة، ويقف على ثنيته بكل اقتدار، ولا تحول بعض سماته دون الاندماج والتعالق.
وحوافز هذا اللقاء ترتبط بمناسبة وطنية، أحياها الأدباء والعلماء والمفكرون في المملكة، فلقد مرَّ من عهد خادم الحرمين الشريفين عشرون عاما، حفلت بعدد من المنجزات، على مختلف الصعد، ولم يجد النخبويون من الأدباء بداً من مواكبتها بقراءة نقدية لأدب تلك الحقبة: للتصور والتقويم ورسم الخطط المستقبلية وبَعْد الفراغ من القراءة ورصد المعطيات الأدبية، ايصال النتائج إلى الإنسان العربي، ليكون على معرفة كافية بأدب جزء من الوطن العربي. و(الحركة الأدبية) في المملكة جزء من معطيات هذه الفترة. وتجسيدُ الحركة: كماً ونوعاً، ومعرفةُ توجهاتها وتحولاتها، ومدى تفاعلها مع المستجدات، لطرح ذلك كله في المشاهد العربية للتواصل والتفاعل مطلبٌ ملح. فالمشاهد العربية هي المجال الطبيعي لمنجز الأدباء. والتقدم بأدب الأقاليم يحفزه الحرص على تشكيل وحدة أدبية تجمع الشتات، وتوحد الهم، وتجانس بين الأنواع. فالوحدة المرتقبة لاتتم إلا بعد تهيئة الأجواء، وتجنيس الوحدات، لأن ذلك بعض ماتود المؤسسات السياسية تحقيقه. وأدباء العالم العربي بحاجة ماسة إلى التواصل والتعارف، وتبادل المعارف، لأن همهم مشترك، وقضيتهم واحدة. والمخلصون منهم يلتمسون أدنى الأسباب لفتح القنوات وتجسير الفجوات. ولأن أيَّ مَشهد عربي يعد جماع المشاهد ومنطلقها وعمقها الثقافي، فقد رغبت في تصوري عن مقطع من الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية عبر عقدين من ذلك العهد، وهو حقيق بالقراءة الاستكناهية، لما توفر له من ظروف مواتية. فالأمن والاستقرار والإمكانيات الاقتصادية، والخطط التنموية، والتحولات المؤسساتية، والمبادرات الإيجابية، كل ذلك أسهم في تحقيق جانب من تطلعات الأمة في ظروف عالمية عصيبة، يمس عالمنا كلُّ دخنها. ويأتي الأدب بكل فنونه في الصدارة، فلقد استطاع الأدباء في المملكة تحقيق قفزة كميّة ونوعية.
1/2
وتناول الحركة الأدبية على مدى عشرين عاماً من 1402هـ - 1422هـ لا يتأتى إلا عبر تقص للظروف والبيئات التي توفرت لهذه الحركة، ومكنتها من الأداء المتعدد والمتنوع، وحواضن الأدب تشي بملامحه، وتقصي المكونات يُسّهل طريق التصورات السليمة عن أدب أية أُمّة.
والفترة المدروسة امتدادٌ لعهود سلفت، ولكل عهد سياقاته وأنساقه الخاصة التي فرضتها المتغيرات المحلية والعربية والعالمية. والأدب صدى للظروف المحيطة: محلياً وعربياً وعالمياً، والشعراء والروائيون والنقاد ضمير الأمة ولسانها ورائدها الذي لايكذب. ومع أنه من اليسير استبانة الحواضن فإنه من الصعوبة بمكان تلمس الملامح الخاصة في السياق المحلي، ومن الأصعب تلمُّسها في السياق العربي المعاصر. فالأدب العربي: زماناً ومكاناً ولغة وثقافة وحضارة من التجانس والتواشج والتداخل، بحيث يعسر تفكيك تماسكه، وأحسب أننا نبالغ لو قطعنا بإمكان الوقوف على الفوارق الجذرية، ولكننا مع هذا لا نعدم بعض الخصوصيات الحسية أو المعنوية، التي يتوفر عليها إقليمٌ دون إقليم، أو فترة دون فترة، أو مبدعٌ دون مبدع. فالخصوصيات لاتلغي وحدة الأدب العربي، كما أن الوحدة الشاملة لاتحول دون تداخل الألوان والأشكال المتناغمة، فالروضة المربعة الغنَّاء، تختلف فيها الأشكال والألوان والطعوم والروائح، وذلك سر جمالها، كما أن الإنسان القارئ يتغيربتغير المقروء، وأناسيُّ المنظومة الفكرية الواحدة يختلفون باختلاف مقروئهم، والظروف الخاصة لها دور الظروف العامة، والمتابع المدقق في حياة شاعر أو أديب، يجد أنه يتشكل من مراحل فيها بعض المتغيرات، وهذه المتغيرات لا تُخِلٌ بالوحدة الكلية لأدب الأمة، وليس من شك أن لكل مرحلة خطابها، فالمتغيرات السياسة، والتحولات الاجتماعية، والتنوعات المعرفية، تغير نبرة الخطاب واهتماماته وترتيب أولوياته. وليس هناك ثبات لازب في التناظر لا يريم، ولكن هناك أُطر عامة، وخصوصيات مندرجة تحت هذه الأطر. وتغير الاهتمامات، وتعدد الكيانات السياسية، وما تمر به الأقاليم من نجاحات أو إخفاقات، ينعكس أثر كلُ ذلك على آداب الأقاليم. والظروف الخاصة تفعل فعل الظروف العامة، ولكل أديب بيئات ثلاث: - عامة، وخاصة، وأخص، ولكل واحدة دورها الفاعل وقد يكون للبيئة الأممية الأعم دورها المضارع لما دونها من بيئات، والأمة تنتظمها بيئتان: عامة وأعم، وكلما دقت النظرة تبدت الخيوط الخفية، وهمُّنا مقتصر على الكشف والتوصيف والتعريف وقد يكون من نافلة القول الإيماء إلى بعض الملامح والخصوصيات.
وقدر العالم العربي أنه كيانات سياسية، لكل كيان همومه وخياراته ومشاكله وإمكانياته وتركيبته السكانية، وله تحولاته وظروفه الخاصة والعامة، والراصدون لتحولاته سيجدون مادتهم في الإبداع القولي، فهو صدى الأحداث، يعطي أدق الملامح، ويشكل جزئيات التصور. ولما لم يكن التواصل بين أدباء العالم العربي، ولا بين آداب الأقاليم العربية قائماً على المستوى المطلوب، فإننا أحوج ما نكون إلى من يجدد هذا التواصل على أي شكل، ويلتمس الأسباب الداعية له. ومناسبات التواصل ترسخ العلاقات، وتنمي المعلومات، وتصحح المفاهيم الناقصة أو الخاطئة، وتلك بعض الحوافز التي حدت بنا إلى استغلال هذه المناسبة.
1/3
والظروف السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في المملكة هي التي رسمت مسار الأدب، وحددت مطارح الأدباء، واستقبلت فيوض الأدب العربي والعالمي، وتفاعلت معها، واستفادت منها، واصطبغت ببعض صبغتها، ولما تكن سائر الأوضاع في معزل عن رياح التغيير العالمي، وبخاصة في الفنون والآداب. والأدب العربي في المملكة مع هذا الانفتاح والاستقبال يملك القدرة الكافية للتحكم. فالضوابط العامة قادرة على الاستقبال الواعي والانتخاب المحسوب، ولا عبرة بمن جرفته تيارات التغيير، فانسلخ من حضارته، ولا بمن غَلَّ يده، وغض بصره عن استشراف الآتي، وانكفأ على نفسه، وصار ابن تاريخه لا ابن حاضره، ذلك أن لكل وضع طرفين ووسطاً، ومع هذا لم تكن الغلبة للأطراف وإنما هي للوسطية الواعية، فالضوابط الدينيةُ والسياسيةُ والاجتماعيةُ تحول دون الاندفاع غير المحسوب، ولكنها لاتعيد القاصية إلى الجماعة، ومع الضوابط فإن الإمكانيات التواصلية قادرة على تجسير الفجوات، وتوسيع القنوات، واستدعاء المستجدات على كل الصعد العربية والعالمية. فالمشهد الثقافي في المملكة يعج بمختلف التيارات، الأمر الذي عدد الخطابات، ولأن سياسة المملكة ذات عمق تاريخي، فإن نظامها السياسي يتوارثُ ضوابطه وسماته وخصائصَه منذ الدور الأول على يد (محمد بن سعود) قبل ثلاثة قرون. وأدوار الحكم السعودي، وإن واكبت متغيرات محلية وعالمية تصطحب ذات الضوابط المستمدة من الشريعة الإسلامية والقيم العربية: تحكيماً وامتثالاً وإظهاراً. والأدب العربي في المملكة في ظل هذه الظروف، نشأ نشأة عربية خالصة، إذ لم يتواصل في بدايات تشكله بالآداب العربية، ولم ينفتح على الآداب الغربية، لعدم وجود الاستعمار التقليدي، فالظروف الدينية المعززة بالمقدسات، وبضوابط الدعوة الإصلاحية، والوضع الاقتصادي الضعيف، والموانع الجغرافية المتمثلة بالتصحر والجفاف، وتقلبات الأحوال، وتموجات التركيبة السكانية القائمة على التبدَّي والقبليةَ والترحُّل، والإمارات الإقليمية والعشائرية، كل ذلك مكَّن الأدب العربي في المملكة إبَّان بداياته من التشكل العربي التقليدي الخالص. وظل عربياً خالص العروبة، وسلفياً خالص السلفية، وضعيفاً بيّن الضعف وملتفا حول نفسه، حتى جاء الدور الثالث من أدوار الحكم السعودي على يد المغفور له (الملك عبدالعزيز) الذي أخذ بأسباب الحضارة، فكان أن مكَّن للأدب من الانفتاح.
وبعد توحيد البلاد، وما تبع ذلك من استقرار سياسي، وثراء اقتصادي، وتوطين إلزامي للبادية، وتحول مؤسساتي ألغى الولاءات القبلية والإقليمية، بدأ التواصل بين الأقاليم ومع الأقطار العربية، وأسهمت الكفاءات العربية في صناعة الأدب العربي في المملكة، الأمر الذي هيأ للتلاحم الأدبي والتفاعل الايجابي في وقت مبكر. ولقد عزز الاندماج الإقليمي ومشروع التوحيد الشامل الإسراع في تعميم التعليم النظامي والتوسعُ في عمليات الابتعاث إلى مصر، واستقدام المدرسين، والعلماء والكفاءات: الإعلامية والصحفية والسياسية، وسد الحاجة من المقتدرين من أبناء مصر والشام والعراق، وفي ظل هذه الظروف أعاد الأدب تشكيل نفسه مصطحباً ضوابطه العربية والإسلامية. وفي العشرينية كانت المؤسسات العلمية والأدبية والإعلامية في أوج نضجها وأدائها واستكمال آلياتها، فكانت تلك الفترة بما هيئ لها من ظروف مواتية فترة استثنائية على كل المستويات. ولعل الأحداث الجسام التي مرت بالوطن العربي أسهمت في تنوع الأداء وأصالته، فالمواقف الحساسة الضاغطة، والأحداث المصيرية، تفجر المواهب، وتهيئ المتلقي للتفاعل الإيجابي. والأدب العربي في المملكة لم يكن في معزل عن المشاهد العربية، منذ التوحيد إلى الانطلاق، ولكن تواصله عفوي غير منتظم وغير متصل. وإذا كان عمر الأدب العربي في المملكة قصيراً إلى جانب أعمار الآداب العربية المعاصرة في حواضر العالم الإسلامي: دمشق والقاهرة وبغداد فإن إمكانياته في إقليم الحجاز وظروفه المواتية فيما بعد مكنته من اللحاق بتلك الآداب، والوقوف إلى جانبها، والنهوض بما نهضت به، من إمتاع واستمالة وإقناع وإفادة ودفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية، مع استكمال واع لمقومات الآداب الحية. وهذا التميز والحضور الفاعل، والتنوع، والأخذ بالمستجدات، حفز كبار الأدباء والنقاد في الوطن العربي على استدعائه والحديث عنه، في وقت مبكر، يقدم هؤلاء عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين)، ومن بعده (محمد حسين هيكل)، و(العقاد) و(مندور) وسائرُ الدارسين الأكاديميين، الذين موضعوا مفرداته وشخصياته، لتكون مادة ثرة للرسائل العلمية وبحوث الترقية. ولقد نفله الأدباء والنقاد من كافة أرجاء الوطن العربي بكتب وبحوث ومقالات، تقصَّيْتُ عناوينها ومسمياتها مع اثنين من زملائي في كتاب (الأدب السعودي بأقلام الدارسين العرب).
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
عباس محمود العقاد غير متصل