مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 21-12-2006, 02:44 PM   #280
عباس محمود العقاد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 355
حواضن الأدب السعودي وملامحه في العشرينية..!
د. حسن بن فهد الهويمل


2/2 الملامح:
1/3 أوجزنا الحديث عن «الحواضن» بوصفها مؤشرات ايجابية، على المستويين الكمي والكيفي، وعلى التحول المستمر، اما عن «الملامح» فإن شأن الأدب العربي كشأن الآداب العالمية، لا يستقر شيء منها على حال، ولا يمتلك لون من ألوان الأدب مكان الصدارة، بحيث يبقى في مركز الأهمية، ثم لا يبادله مكانه لون آخر، وتحولات الادب العربي الحديث: محلياً وعربياً كسرت كل الضوابط، وغيرت كل المعايير، ولما تكن تحولاته في العصر العباسي على يد «بشار» و«أبي نواس» و«أبي تمام» مثل تحولاته على يد «أدونيس» و«أمل دنقل» و«أنس الحاج»، ذلك أن التحولات العباسية لا يستبينها الا الخبراء المتمرسون، وتحولات الابداع السردي والرؤى النقدية، ليست بأقل من التحولات الشعرية، حتى لقد بلغ الأدب بسائر فنونه حد الانقطاع او كاد، وهو ما يدعو له نقاد الحداثة ومبدعوها، ثم ان الابداع القولي في العصر الحديث لم يكن خالصا للشعر، وانما كان مجاله: السردية والشعرية. وسرديات العصر الحديث تختلف عن سرديات ما سلف، ولما كانت الصدارة منذ القرون الأولى حتى العصر الحديث للشعر، فقد همش سلطانه كل فنون القول، وبطأ بها، وبقي على ما كان عليه من «بناء» و«شكل» و«صور» و«أغراض» منذ «امرىء القيس» ومن لحق به الى العصر الحديث، مما استطاع معه الراصدون والمنظرون ضبط ايقاعه، فكان اكتشاف بحوره ومعياره وعموديته دليلاً على الثبات والنمطية. ولما ان جاء البشير بطلائع الاستغراب، وسع العصر الحديث كل الخطابات، واتصل العالم العربي بحضارة الغرب، ينهل ويعل من رفدها المحمول على أجنحة الاستعمار ومناديبه، والمستشرقين وعضدهم، والمبشرين والمبتعثين والمترجمين. وبلغت الهيمنة والاستغواء بين المستغربين حد التدافع والاستماتة، حتى لقد نهضوا بالنيابة عن كل أولئك في «غربنة» الآداب: القولية والسلوكية وظلت بقية من خيرة القوم، تتفاعل مع المستجدات بندية، تأخذ ما يفيد، وتنفي ما لا يستجيب للحاجة، ومالا ينسجم مع الذائقة، وما لا يوائم فطرة الأمة التي فطرها الله عليها، ووقعت طائفة من ناشئة الفتيان والفتيات في النثرية والغموض والانقطاع، باسم التجديد وحرية التعبير، وبقيت طوائف اخرى على ما كان عودهم السلف: مقلدين او محافظين، واوغل فئام من المتعلمنين في بوادر المدنية الغربية والشرقية من دون رفق، ولم يمن الأدب في مرحلة الانطلاق في معزل عن دخن ذلك. وعلى كل مستويات التلقي تغيرت دولة الشعر، وقامت دولة السرد، تقرض سلطان الشعر، ونهضت الى جانب السرديات المستجدات: الشكلية والدلالية واللغوية، تبدل لحمة الشعر، حتى لكأنه غير الشعر الذي عرفه الأقدمون، والتحولات: الفنية والدلالية واللغوية، ومجيء الابداع السردي بهذه القوة، كاد ذلك كله يفصل الادب العربي عن جذوره، وبخاصة حين علا كعب السرديات، الى الحد الذي أطلقت معه مقولة: «زمن الرواية» وتحول نقاد الشعر الى النثر، فكان الزمن: زمن الناقد الروائي، والمبدع الروائي، والقارىء السردي، وفوق ذلك كله جاء «الابداع الأمي» يسد خلالا كان يسدها الشعر الفصيح، ولو كانت المنافسة للشعر قصرا على الرواية لقاسمها المواقع، وشاطرها الاهمية، ولكنها منافسات متعددة، قلبت موازين الشكل الشعري، وأحلت السرديات والعاميات محله، ونهضت وسائل الاعلام بما كان ينهض به الشعر. هذه البدائل والمتغيرات طالت الظاعن والمقيم من أدباء العالم العربي وآدابه، واعادت رسم ملامح الأدب العربي في كل بقاعه، بما فيه الأدب العربي في المملكة، وبخاصة في «مرحلة الانطلاق» التي وسعتها «العشرينية» بوصفها ناتج التجارب السابقة، ومثلما فعلت المستجدات فعلها في سائر الآداب العربية من متغيرات في: اللغة والشكل والدلالة والانواع، هبت رياحها على شعراء المملكة وروائييها ونقادها، فكانت لهم اشكالياتهم ومشاكلهم واهتماماتهم، وتحولت معاركهم من سوح القديم والجديد الى مسارح المعاصرة والحداثة. وإذا كانت الخصوصية من قبل تُلتمس في الفن والشكل واللغة والدلالة وسائر الأنواع فإنها الآن لا تكاد ترى الا في بعض الجوانب الدلالية. ذلك ان الخلطة والمرجعية الغربية وتعدد قنوات الاتصال جعلت الأدب العربي ذا لحمة متشابهة، وما نريد الحديث عنه مجرد التعريف الكمي والكيفي والنوعي غير مفصولة عن السياقات والانساق العربية، وحين نستذكر ما اشرنا اليه في شأن الحواضن تتبدى لنا الملامح والسمات التي تتشكل في ظل الخصوصيات السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية، وهي خصوصيات مخترقة بعامل الانفتاح.
2/3 والأدب العربي في المملكة مر بثلاث مراحل، لا احسبها قسمة رياضية لا تُخلِفُ التوقع، ولكنها فرضية بادية للعيان: «ريادة» و«تأسيس« و«انطلاق». وتأتي «العشرينية» ضمن «مرحلة الانطلاق»، وأهم التجليات تتمثل بانطلاقة السرديات: القصة، والرواية، والسيرة الذاتية، وأدب الرحلات وب«النقد» بمذاهبه وآلياته واهتماماته وتحولاته السريعة التي كادت تقلب موازينه وبخاصة النقد اللغوي على ضوء المناهج الحديثة. وبالتحولات الفنية للشعر متمثلة في «الثنائيات» و«الرباعيات» و«مجمع البحور» وفي «شعر التفعيلة» و«قصيدة النثر» و«الصورة الحديثة» و«النص المفتوح»، وفي «الاغراض الشعرية»: «ميتافيزيقيا» و«صوفيا» و«تأمليا» و«أسطوريا» و«خرافيا» حتى لقد زهد الشعراء والنقاد على حد سواء بشعر «المناسبات» و«المديح»، والخطابية و«المباشرة»، ولما أن جاءت الحداثة المراوحة بين الفنيات والدلاليات والشكليات واللغويات، تغير كل شيء أتت عليه، وواكبت ذلك كله حركة نقدية يتنازعها: «النقاد المذهبيون» و«النقاد الاكاديميون» و«النقاد الصحفيون»، وكان الخلاف على اشده بين الفئات الثلاث، وبين افراد كل فئة، ووسعت «العشرينية» هذه التحولات وتلك الصراعات التي لم تكن على شاكلة ما سبق، ولو نظرنا الى سائر المتغيرات، والى تبادل المواقع بين السردية والشعرية في «مرحلة الانطلاق» لكدنا نتصور حالة من المتغيرات الجذرية ولو ألحقنا «الحركة النقدية» بالحركتين الابداعيتين: الشعرية والسردية لاتضحت لنا حالة الأدب في تلك الفترة الاستثنائية وهي حالة تنبىء عن تواصل مع القديم والحديث والأحداث، فالشعراء والنقاد المحافظون على أشدهم، ونظراؤهم من المجددين والمتحدثين على قدم وساق، وكل فئة تظن كل الظن انها المسيطرة على المشهد، وانها القادمة اليه على قدر، وما من شك ان «مرحلة الانطلاق» التي وسعتها «العشرينية» من اخضب المراحل، واكثرها فعلا وتفاعلا واذ تكون المملكة في دورها الثالث على يد المؤسس قد مرت بمعركتين مهمتين:
«معركة التكوين» و«معركة البناء» بحيث امتدت «معركة التكوين» قرابة الثلاثين عاماً من عام 1319هـ حتى 1351هـ ثم تلتها «معركة البناء» من لحظة الاعلان عن اسم «المملكة العربية السعودية» فإن المعركتين أرهصتا لنهضة ادبية ذات صبغة مغايرة لما سلف، فالمملكة تشكلت من اربعة اقاليم، لكل اقليم ظروفه وخصوصياته. يقدم الجميع علما وأدبا وثقافة «اقليم الحجاز»، لأنه الامكن علما وتحضراً، والأقوى تواصلاً مع أدباء مصر والشام، وبخاصة مع جيل العمالقة. وامكانية الدمج الفوري مع هذه الفوارق لا تتم بجرة قلم، بل لابد من رحلة مرحلية شاقة، توظف لها كل الامكانيات، لتكون المملكة الموحدة اقليمياً متوحدة علمياً وادبياً واجتماعياً وذلك ما أراده المؤسس، يوم ان اعلن قيام المملكة، فلقد وحد المناهج والمؤسسات: الدستورية والتشريعية والقضائية والتنفيذية واهتم بالتوطين والتحول من الرعوية الى الزراعة والصناعة والمدنية وسائر متطلبات الاندماج. وبتجاوز هذه الصعوبات ونجاح الملك عبد العزيز في اقامة وحدة شاملة اقتربت من اذابة كل الفوارق، توافر ابناؤه من بعده على اجواء ملائمة لمواصلة الانطلاقة التعليمية والادبية، وهو الذي يعنينا في هذا الحديث. واتساع الحركة الأدبية: الشعرية والسردية بشقيها: الابداعي والنقدي، زاد من الاهتمام بالنقد، وبالذات الجانب التنظيري، وكان هَمُّ التوفيقيين منصباً على تسوية النزاع بين المجددين والمحافظين، والمجددين والحداثيين، وتسوية الخلاف مع نفسه في سرعة التبادل بين مراكز الاهتمام بين: اللغويات والفنيات والدلاليات. واشتعال الصراع بين الفرقاء وسائر التحولات منحت الحركة الأدبية حيوية لم تكن لها من قبل ومع استياء المحافظين وتذمر المجددين فإن العاقبة ايجابية لأن كل طائفة عرفت المسيء من المحسن، وان التبس الامر على البعض، مع انه لا يخلو تيار من فائدة.
__________________
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم × ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم × ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً × ولكنني أرضى به حين أحرج
عباس محمود العقاد غير متصل