السلام عليكم أحبتي في الله :
أرى أن ما كتبه أخي فهد فيه كثير من المصداقية والصحة , وأرى أن كثيراً من الردود التي مرت كانت تنطلق من منطلق إقليمي بحت ( يعني ليش تخص بريدة بالاسم ) , يا جماعة الرجل خص بريدة بالاسم لما عرف عن المدينة من صلاح أهلها وكثرة الاستقامة فيهم , فهي محط الأنظار دائماً , ولكن لي تعليق على ما ذكره أخونا فهد - جزاه الله خيراً - فأقول :
علينا أولاً أن نعرف من هو الملتزم ؟
أعتقد أن هذا المصطلح انتشر وفهم خطا وأصبح الالتزام ظاهرياً فقط دون الاهتمام بالالتزام الباطني الحقيقي بمعنى أن من قصر ثوبه أو لحيته ولم يسمع الغناء ولم يدخن فهو الملتزم الحقيقي في نظر الناس , ولذا تجده يقدم للصلاة في بعض الأحيان , ويستفتى ولو كان أضل من حمار أهله , ونشأ شبابنا على هذا المعنى , وانتشر ذلك السلوك بين طلاب الحلق وكان ذلك عن قصد شريف واجتهاد حسن من القائمين على الحلق , حتى أصبح هم الشاب هو كيف يرضي مدرس الحلقة ويرضي زملاءه فيها وذلك بتقصير الثوب وإعفاء اللحية والبعد عن الحديث في الرياضة نهائياً وعدم سماع الأغاني , وحين تطبق هذه المواصفات تصبح من الذين رضي الله عنهم ومن الصالحين الذين يقدرون ويبجلون , أما التقوى الحقيقة والإخلاص وبر الوالدين وترك قول الزور والحرص على المال الحلال , وطلب العلم الحقيقي من مظانه , ومحبة المسلمين , فهذه المعاني العظيمة آخر ما نربي شبابنا عليها , فإذا رأينا شاباً أو ملتزما بالمواصفات السابقة ( يعني قصير الثوب وطويل اللحية ) ينظر إلى النساء أو ييدخل بنكاً مشبوها أو يتكلم بالكورة غسلنا أيدينا منه , وقلنا ( الله المستعان ) انحرف الرجل . ياجماعة هل الملتزم لا يمكن أن يقع في معصية ؟, هل الملتزم لا يمكن أن تزل عينه بنظره؟ , هل جعلتم قلبه حديداً ليس فيه شهوة ؟؟؟
من كان محافظاً على أركان الإسلام العظام , وباراً بوالديه قدر المستطاع , ومجتنبا كبائر الذنوب وخاصة الموبقات السبع فهو ملتزم مهما يكن مظهره , شاء من شاء وأبى من أبى .
لماذا جعلنا الدين حكراً علينا ندخل في باب الصالحين من نشاء ونخرج منه من نشاء ؟؟؟؟ ألم يقل ربنا تبارك وتعالى : [ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ذلك هو الفضل المبين , جنات عدن يدخلونها ... الآية ] فلو تأملنا الآية جيداً لوجدنا ربنا تبارك وتعالى جعل المصطفَين من عباده ( وتأمل كلمة المصطفين ) جعلهم ثلاث درجات : ظالم لنفسه بالذنوب ومسرف على نفسه بالمعاصي , ومقتصد يفعل الواجبات ويجتهد في ترك المحرمات قدر المستطاع , وسابق بالخيرات من عباد الله الصالحين الذين بلغوا مرتبة عظيمة في الصلاح والتقى , هؤلاء جميعا دخلوا في الحكم الألهي بأن عملهم هذا فضل مبين من الله عليهم , وأنهم يدخلون الجنة .
إخواني : هل خلقنا ربنا لكي لا نعصيه ؟؟؟؟؟؟
أبداً فالعصيان من طبع بني آدم , ولهذا شرع الاستغفار والتوبة , أما الذين لا يعصون الله أبدا فهم الملائكة ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) , هل نريد من المطاوعة كما يقال أن يصيروا ملائكة يمشون على الأرض لايعصون الله أبداً , وإذا رأينا أحداً منهم على معصية حكمنا بانحرافه وضلاله وترديد ( الله المستعان ) ما هذا المنطق الأعوج ؟؟؟
اتحدى أي واحد منكم أن يأتي لي بآية تقول ( لا تعصوا الله ) أو نحواً من هذا , ربنا جل وعلا أمرنا بالتقوى والاستقامة , وهاتان الكلمتان العظيمتان تعنيان المجاهدة والصبر على فعل الطاعات , واجتناب المحرمات , وإن حصل تقصير فليبادر المؤمن إلى الاستغفار والتوبة ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفرالذنوب الا الله )
ثم هناك مسألة أخرى وهي : ليس بالضرورة أن ما تراه أنت محرما يكون محرما عندي فقد أراه مباحا , وحينئذ فلا لوم لك عليّ بفعله , لأن لي دليلي ولك دليلك , ولست ملزما باتباع وجهة نظر أحد ما ما خلا محمدا صلى الله عليه وسلم .
وحينئذ فقد يكون الاستغراب من فعل هذا المطوّع في غير محله والله أعلم .
وآسف على الإطالة وشكرا لكم .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ
[ محمود سامي البارودي ]
|