البــاب الأول
l كونية عمـر
l البرية .. والدولة .. والرعي
فـي وضـح البـريّة
دِرّة الإبـل وقـانون الســماء
جاذبية المعروض التاريخي
بين منثور العناوين وتشابك الأفكار، وانفلات السيطرة على حركة الوجدان وفي لحظة الانسجام مع جاذبية المعروض التاريخي في شخصية عمر وسياسته، تترابط برية النشوء ونشوء الدولة بنشوء الضمان القانوني للبشرية الإسلامية، محكومة بمصير إيديولوجي وروحي واحد، يتصل في نهايته العليا بالإرادة الإلهية وفي نهايته الأرضية بالذراع المحمدية، وتحت ظلالهما وبوحيٍّ منهما تفسح النشأة البرية لعمر أن يسوح بنفس تتطلع إلى حرية الخلق المطلق، وتشكل الدولة الجديدة منّظماً قانونياً لجموح البرية في نفسه، فيتحقق قدر من التوازن في شخصيته وسلوكه بين الحرية والقانون، وبالمجانسة بينهما يتحقق الاستجمام للمخلوق البشري في هدفه السامي. نظن أن هذا المزيج أنجز عصراً عربياً، هو زيت العصور الإسلامية.
وفي الطريق إلى هذه الكونية يتدفق ذهن عمر وتُعتصر أذهان الصحابة لانتاج علاقات نموذجية بين السلطة والناس، وقبل ذلك بين السلطة وذاتها.
وكان الإمام علي الشريك الأول، وليس المستشار الأول، في صياغة مشروع الدولة الناهضة وإدارتها، فيما منعت سياسة عمر، القائمة على التمثيل الموسّع للمجتمع الإسلامي الأول وتوزيع دقيق وذكي للمواقع الأساسية بما يشبه حكومات الوحدة الوطنية والجبهة الوطنية في أيامنا هذه، حصول توترات داخلية كالتي حصلت بعد رحيله المبكر، وقد ساعد على تجاوز ما لم يظهر من الإشكالات حق الاجتهاد في تدبير شؤون دولة ناشئة لم تقم على سابقة من النظم القديمة. وبانفتاح ثقافي على تجارب الشعوب، لم يجد رئيس الدولة الجديدة ما يمنعه من استعارة تجارب الأمم وتطويعها لصالح الإدارة الجديدة.
المكون البري
السماء فوقه ناعمة ممتدة إلى نهاية القدرة على النظر، والأرض تحته ناعمة منبسطة ممتدة إلى نهاية القدرة على البصر.
فإذا أخذته الرمال، وقد ضاعت الصوى شد حركة قدميه بمواقع النجوم، وأعاده السرى إلى ماء لبني عدي فيرتوي، ويرتوي القطيع الصغير الذي عهد الخطاب إلى صغيره رعيه ورعايته.
والأرض لا تستغني في مرابع الجزيرة عن السماء، وإلاّ ضاع القطيع، وانقطع السبيل ودخل الناس في التيه!.
أظنها ذاتها عناصر الجدلية في فكرة الوجود الإلهي عند العرب، الذي يهدي التائهين بضوء النجوم قبل أن يغمرهم نور الله.
فمن الصعوبة إذن، تنكر العربي في باديته للسماء، وصدوده عنها، فهل توصلنا إلى قاعدة لسنا حذرين في الإعلان عنها، وتقضي بصعوبة انتشار الإلحاد في الجزيرة العربية؟. وإن كان ذلك لا ينسينا برية الإنسان في الجزيرة وفهمه للمطلق، وحصره المطلق بالحرية والحركة والانتقال. والانطلاق بالقليل من الضوابط والأقل من القواعد القانونية العليا، فهو يؤمن بفكرة الله وينتفع بها، ولا يؤمن بما يترتب عليها من ضوابط في مجتمع غير ممتثل إلا لحاجاته القبلية والمعيشية. وعمر بن الخطاب من هذه البيئة، وعليها ربا ونما، وربت سريرته ونما وعيه، فوق برية ليس فيها حواجز وتضاريس، فنشأ مخلوقاً سهل النفس، منبسط السريرة، بعيد النظر. ولم تكن الحياة خاضعة لسلطان يتزلف إليه. ولا ذهبت به طبيعة العيش إلى المداورة والمداجاة. فانكشفت سايكولوجيته عن وحدة لا ازدواج فيها، مشرقة واضحة. وليس عنده لأحد حاجة. ومعه ضرع المعزى، وظهر الدابة، وشكيمة النفس فوق شكيمة المقادير.
لقد تعاشق عمر والبرية، بما لم يتوفر مثاله لرجال سينتمي لاحقاً إلى محيطهم.
فهو لا يشبه أبا بكر الذي تشايخ صبياً فثقلت حركة يديه ورجليه. وليس له مثله عشرةً سابقة مع محمد بن عبد الله بن عبد المطلب المهموم بمصير البشر قبل اتصال الوحي وبعده.
ولم يكن كعثمان ابن المدينة وسليل الإمارة، المجرب العارف بحياة الشعوب وأنظمة الدول في تجارته مابين الجزيرة والحبشة وبلاد الشام.
ولا كان عمر كعلي بن أبي طالب، وارث النبالة الهاشمية في بيت قضت الإرادة الإلهية أن يقام فيه بيت النبوة. كان عمر في حي متواضع من أحياء قريش، ليس له تاريخ من الحروب، ولا أساطير يرددها الشعراء، ولا أطلال يمر عليها أصحاب المعلقات. لكنه خرج إلى ما وراء الخيمة بعيداً في عمق الحياة، وإلى ما وراء الديار المحصنة قريباً إلى الأسواق كاسباً لا تاجراً، خابراً نوايا الناس، عاركاً دروبهم، فارتبطت برية الطفولة في ضنك العيش. عاش عمر بريته الجاهلية على فرس اجرد، وترك للطبيعة الحرة أن تطبع اتجاهاته نحو الحرية في مفهومها الجاهلي المطلق، قبل أن يتداركها في إطارها الإسلامي المنظم.
والبرية تنتج إنساناً طبيعياً، خلواً من شائبة المداراة صفواً من كدر النفاق.
ولم يكن يوم إسلامه آخر عهد له مع البرية. وسلوكه مع أخته وزوجها كان برياً خالصاً في لحظة إسلامه. فصرع ابن أخيه سعيد كما لو كان في حلبة عكاظ. وأدمى وجه أخته كما اعتاد في بريته. ثم عاد إلى صفاء النفس. وعادت رجولته البرية في هاتف من الضمير.
واستمر الرجل بعد إسلامه على برية واضحة في سلامة القصد وسهولة الحياة، ومزاجية شفيفة لا تثقل على الآخر وقع كلامه. وكانت من آثار البرية عليه معترضاته الشهيرة التي في أعلى مراحلها موقفه من نص في صلح الحديبية.
وكان عمر بري الحياة، وهو رئيس أكبر دولة في الشرق القديم، في هزئه بالترف، وافتراشه الأرض، وزهد عيشه، وبساطة لباسه. وفي مهابة التباسط بعض منعكسات حياته البرية الأولى.
ولا أجد تفسيراً لعلاقة عمر بالبّرية دون غيره من الخلفاء سوى الدرة من صلة مع بريته الأولى يوم كان مسؤولاً عن رعي إبل وأغنام، وقد تحول إلى مسؤول عن رعية، محتفظاً بدور الراعي وهو يردد: لو أن جدياً مات بطفّ الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر. وقيل في الرواية صيغة: لو أن عناقاً \"أنثى المعزى\" أخذت لأخذ بها عمر.
ويلاحق بعيراً ندّ \"أي هرب\" من إبل الصدقة وهو على قتب يعدو، ويسأله الإمام علي ولمّا عرف سره، قال لقد اذللت الخلفاء من بعدك. وكان متيسراً لعمر أن يكلف أحداً غيره بالبحث عن ذلك البعير، لكنها مسؤولية الراعي وحده، وحيداً في البرية، وكأن الحياة لم تتغير، ولم يكن عمر ساعتها أميراً يحكم أعظم دولة ناشئة في الشرق. فلعل في قولنا هذا ماتلين له قلوب بعض الكتاب في العلمانية ومن أهل القطيعة، المتسائلين باستهجان: عن سبب ملاحقة عمر بنفسه لكثير من القضايا الصغيرة، وتحت سلطته ملايين الاتباع. وعدّوا ذلك من الغلو والمبالغة في تعظيم عمر.
وفي ظننا أن الأستاذ عباس محمود العقاد لم يرسم شخصية عمر بدقة في منهج استقراه واستقاه من حياة الجندية.
إن عمر ليس نتاج مكوّن وحيد، وإذا كانت البرية من بعض صغرى مكوناته. فلم تكن جندية العقاد ذات صلة بتلك الشخصية.
إن البرية، ولا بأس أن يحدد مصطلحها العلمي الحديث، أي الطبيعة، تعطي إحساساً فطرياًً بالولادة الحرة لإرادة الكائن البشري محضونها الأكرم المتجول في جغرافيا اللامحدود، وتحت سيادة شبه مطلقة لمطلق الحرية، على حساب القانون الذي يتنحى في البرية إلى المراتب الدنيا، أعرافاً وتقاليد، لا تؤسس قواعد قانونية عامة. وما هو قانوني في العرف القبلي قد لا يكون كذلك في مفهوم دستوري واسع، والطبيعة سعة إلى ما وراء الممكن للحرية، وضيق إلى حد قطع النفس في المساحات المخصصة للقانون.
وفيما يقترب من الحاجة المادية في التطور البشري لقانون ينظم الحياة وعلاقات الإنسان مع بعضهم ومع الكائنات العليا، كان ظهور الإسلام في الجزيرة العربية استجابة متوقعة لتحقيق التوازن بين الحرية والقانون.
إن شخصية الصحابي إلى ما بعد عصر الصحابة بقليل يتعاون على تشكيلها وصياغتها عنصرا الطبيعة والإسلام، أي الحرية والقانون وإذا كان البشر مختلفين في الاستعداد الذهني والنفسي للانجذاب نحو أحد هذين القطبين، فإن النفوس المقدر لها النهوض بأدوار في التأسيس الحضاري ستنزع نحو القانون بجدية قد تثير حفيظة المستقرات الطبيعية في المجتمعات البرية.
إن عمر بن الخطاب شاخص مادي وروحي لاجتماع الحرية والقانون. ولكون القانون طارفاً أو ناشئاً في تلك المجتمعات، ولميل عمر نحو إلزامية القانون، كانت ولايته صعبة وثقيلة على قطاع من المتمرسين على الحياة بالقليل من القانون.
وكان القانون في شخصيته يتكلم بأطراف الدرّة في قضايا المخالفات العابرة والصغيرة ويأخذ مداه في مؤسسة القضاء، التي كتبت المقادير أن تنتعش بمستخرجات هذا البري النادر.
إن درة عمر، وسيأتي حديث عنها، تشبه الإشارات الضوئية في أيامنا في تنبيه المارة إلى حق الحركة والتوقف، فكانت بداية بسيطة لعصر سيدخل المجتمع العربي فيه إلى عالم القضاء الإسلامي المتشابك في عروق الاحتمالات والإشكالات ومزدحم الحلول المطروحة في مذاهب الفقه.
ودرة عمر الأجلى تعبيراً عن مشترك الذاكرة البرية وقانون المدينة.
فتى عكـاظ
التقى رجل راعياً،ً فقال له: أشعرت أن ذلك الأعسر أسلم؟.
فقال الراعي: إنه الذي كان يصارع في سوق عكاظ. فلما أجابه الرجل أنه هو ذاك. قال الراعي: أما والله ليوسعهم خيراً أو شراً.
وسبب شهرته في المصارعة، أن له طريقة خاصة في منازلته الخصم على الحلبة. فيتركه زمناً يحاوره ويحتال لصرعه وهو منه في موقف المدافع لا يبذل من الجهد، ما يبذله خصمه، فإذا شعر أن صاحبه قد هاضه ونال منه الجهد انقض عليه فركب أكتافه وألقاه على الأرض صريعاً، وهو الأسلوب الذي يستخدمه الملاكم العالمي محمد علي كلاي ذاته. فيتوجه عمر وسط ترحيب المراهنين عليه وكثرة منهم من النساء إلى إحدى الخمارات حيث الجميلات يتهنّ دلالاً وعمر يشرب بالكبير وهو الكاسب الرهان، ويشرب غيره بالصغير، وكان له شاربان مفتولان من نهايتهما إلى الأعلى على الطريقة التقليدية للرجل الدرزي. وقد اعتاد عمر أن ينفخ ويفتل شاربه قبل نزول الحلبة، وهو يقول: لست للخطاب إن لم أصرعه لأول مالقاه.
كما عرف في مسابقات الخيل، وكانت له شهرة في المصارعة. وكان لسان حاله يقول ماقاله أبو نؤاس بعد أن تاب فصام وصلى.
وأسمت سرح اللهو حيث أساموا ولقد نهزت مـع الغواة بدلوهـم
فـإذا عصـارة كـلِّ ذاك أثـامُ وبـلغت مابلـغ أمـرؤ بشـبابه
قامته تربو على مترين
يوصف عمر بن الخطاب بانه ضخم جسيم، مديد القامة، تعلو هامته هامات الجمع كلها. فإذا كانت أعلى قامة في المعدل تزيد على المائة والتسعين سنتيمتراً في قياساتنا فإن هامة تعلو هامات الجمع كلها ستربو على المترين إلاّ قليلاً. وسيكون تقدير وزنه، مابين مائة وعشرة كيلوغرامات الى مائة وخمسة وعشرين تقريباً وهذا ظن لانقطع به.
يروى أن الناس جمعوا في مكة على صعيد واحد، فإذا رجل قد علاهم جميعاً فكان هو عمر بن الخطاب، وفي رواية لابن سعد في الطبقات أنه علاهم بثلاثة اذرع! وهذا من المبالغة غير المعقولة.
يقول محمد حسين هيكل في كتابه الفاروق عمر:\" لقد بلغ من إكبار المؤرخين لسيرته أن أضافوا أموراً أدنى إلى المعجزات التي خصّ بها الانبياء، وإن ذكروا ما لا يستطيع المؤرخ اثباته، وعمر في غير حاجة الى شيء من ذلك يضاف الى سيرته، ولو أن المؤرخين الأقدمين لم يضيفوا هذه الخوارق إلى عمر لأغنوا من جاء بعدهم عن بذل الجهد في تمحيصها ولجنّبوهم الاختلاف على مبلغ صحتها. ولما طفف ذلك من قدر عمر.
هل وأد ابنته؟
أصحيح أنه وأد ابنته على طريقة بعض قبائل العرب في بعض أماكنهم والمجهول من أزمانهم..؟.
لعلها فرية كبرى أراد بها أتباعه ومحبوه أن يبرهنوا على ما أحدثه فيه الإسلام من انعطاف وما كان هو عليه في جاهليته من جهل وقسوة تكون ذروتها أن يدفن الأب ابنته حيّة وكأنها ظاهرة يومية وعرف لا تحيد عنه، فيما يروى أن عمه عمرو بن نفيل كان بسبب إحساسه الإنساني ونبذه لتلك العادة التي فرضت أخبارها علينا يدفع ثمن من يراد وأدها فيتبناها أو أن يترك لأهلها مالاً يعيلون به الموؤدة.
فلماذا لم يدفع لابن أخيه جملاً أو جملين ثمناً لشراء ابنته لتبقى حية؟ إذا كان عمر لا يجد في قبيلته من يعيل طفلة؟ كما يقول العقاد.
ولماذا لم يئد ابنته حفصة التي ولدت قبل البعثة النبوية، وهل عرف عن بني عدي أنهم يئدون بناتهم، أم أن المعروف والسائد في الروايات أن زعماءهم كانوا على سُنة عمرو بن نَفَيل.؟
عندما أمرُّ على هذه الرواية أتذكر المرحوم حندش ابن عمة والدتي محمد بن محمود وهو دليمي من قرية الكرابلة هذه التي صارت اسماً يتداوله صحافيو العالم لرفضها الوجود الأمريكي، أقول أتذكر حندش بطيبته وفطرته ونقائه يبارك لصديقه الحاج مهدي عودته من أداء فريضة الحج قائلاً بين حشد من أهل الكرادة: سبحان الله سبحان الله، كيف يتغير الإنسان بالحج وماذا يفعل الإيمان، أتذكر يا حاج مهدي قبل ثلاثة شهور كيف كنت تسرق الدجاج من بيت جوري؟؟.
إن المؤرخين الذين يتحدثون عن وأد عمر لابنته، لا يختلفون عن رأي حندش بالحجي مهدي.
إن التشهير بعمر الجاهلي، لا يخدم عمر الإسلامي، وخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام.
أما حياة عمر بأسلوب الحياة الجاهلية، فهو لا ينتقص منه مثلما لا ينتقص من أي صحابي قادم إلى الإسلام من العصر الجاهلي.
البرية أم الجندية
يقول عباس محمود العقاد في عبقريته:
\" إن طبيعة الجندي في صفتها المثلى، هي أصدق مفتاح للشخصية العمرية في أهم الخصائص التي تجتمع لطبيعة الجندي في صفتها المثلى، كالشجاعة والحزم والصرامة والخشونة والغيرة على الشرف والنجدة والنخوة والنظام والطاعة وتقدير الواجب والإيمان بالحق وحب الانجاز في حدود التبعات أو المسؤوليات.
هذه الخصائص تتجمع في ألوف السنين من تجارب الأمم في تعبئة الجيوش، حتى عرف الناس أخيراً أنها لازمة للجندي في أمثل حالاته، وكل هذه الخصائص عمرية لا شك فيها. وعمر وحده واضح بين أمثاله في جميع هذه الخصائص \".
ونقول: إن هذا التشخيص لا يتسق مع ما عرف عن موسوعية العقاد وتنوع أدواته في التحليل العلمي، فيدور بعمر حول فرضية جعلها مفتاحاً لشخصه، وهي لا تشكل في مراتبها العليا سوى سلك دقيق غير مشع في الشخصية العمرية المنسوجة بما يصعب إحصاؤه من خيوط الحرير الناعمة والصوف الخشنة والكتانية المتينة.
شخصية مركبة في نسيج مركب ومنشور بألوان البرّية والعقيدة والحياة والمزاج والضرورة والطموح والاستجابة والتحدي والتطبيقات المفتوحة للنصوص وإبداع ما اعتبر في ما بعد نصوصاً سارت عليها الأمم والشعوب الإسلامية، مما لا يصح اختزاله بوضع الإبهام والخنصر على رأس خيط منها ليكون ذلك مفتاحاً لشخصية عمر.
والعقاد شاعر كبير وناقد لا غيره يفهم شخصية الشاعر. لكنه ابن مدينة القاهرة لم يخرج إلى البرية ليرى عمر هناك يرعى إبلاً للخطاب، وينشأ على يومياتها وخلائقها. وأعجب منه أنه لم يكتشف في عمر شخصية الشاعر، ليس بمعناها السائب، بل بإحساسه وقدرته على الالتقاط ورهافته. شاعر له عشق الحرية والعدل والناس. فأي جندي هذا الذي يشبه عمر وإن كان المقصود من جندية العقاد الفروسية بمعناها الواسع؟.
يبدو تحليل العقاد من البساطة في هذه النقطة، وليس في غيرها، وكأنه يدخل في صالة النادي العسكري ويتطلع إلى لائحة التعليمات المعلقة عن أخلاق الجندي وشروطه، فيمليها فقرة بعد أخرى بتسلسل يبدأ من الشجاعة والشهامة واللياقة البدنية وطريقة المشية العسكرية شديدة الوطأة على الأرض، وتنتهي بالطاعة وحسن أدائه للواجب.
إن واقع عمر والمرويات عنه وخطوط شخصيته لا تؤشر على كثير من شروط النادي العسكري. فهو يكره الوطأ الشديد على الأرض خشية أن يكون المشي مرحاً وقد تعرض لعمرو بن العاص لما رآه يمشي مشية الضباط فخفقه بالدرة، لكنه يمشي سريعاً لأنه أروح القدمين، وهذه حالة طبية معروفة لسكان البادية. من جانب آخر، لسنا نعرف أن العسكريين في العالم إلاّ أقلية تحتفظ بما تصفهم لوائح الثكنات العسكرية، نخوة ونجدة وشهامة.
إن مزاجية عمر القائمة على الحيوية والانفتاح، تتعارض وجمودية العسكري وبواعث الإبداع في المرويات عنه، وتتعارض مع إلزامية ترسم حياة الجندي وعقله، وتضعه على سكة إن مال عنها سقط على الأرض، وليس كالجندية حقل تتكرر فيه المشاهد الرتيبة والكلمات والحركات.
من الثابت والبديهي أن صاحبنا على سكة صاحبيه، لا يحيد عنها لكنه قد يتزود من وقود شخصي وطاقة ذاتية، ليستمر على مواصلة سيره، وقد يفتح للسكة فروعاً عندما تصل به إلى حافة مغلقة. وإذا ما منع عمر مشية الخيلاء، فقد جلد رجلاً أقبل مرخياً يديه طارحاً رجليه يتبختر، بعد أن عجز عن ترويض مشيته بصورة طبيعية، فكأنه رأى فيه ميوعة الأنثى!.
أغلب الظن أن العقاد، وقد استمالته الجندية فالبسها قميصاً لعمر سمع قول الشّفاء بنت عبد الله:
إنه كان إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقاً. والعقاد الأديب والشاعر عانى ويعاني مما تفعله القافية، وما يفعله السجع وضروراته، فيملي على الساجع مفرداته ليستقيم الصوت الواحد، وإن جنح به المعنى على غير قصده.
صحيح أن عمر كان إذا تكلم أسمع، وكانت لقريش قبل الإسلام مؤسسة خاصة تشرف على كلام الحجاج، فلا تترك أحدهم يعلو الضجيع، وهي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وتدعى عمارة المسجد، ولم تكن العرب تهمس في الكلام، بما لا يسمع لأنه من فعل النساء أو من فعل الوسواس الخناس.
أما أن يكون عمر إذا ضرب أوجع، فهو غير صحيح، إلا إذا كان الضرب أقامة لحد، وهو متروك لغيره عادة. أما أن تقصد الشفاء درة عمر فلم تكن توجع، ولهذا عرفت في استخدامها جملة (علاهم بالدرة) أو (خفقهم).
ولم تستخدم الدرة للإيذاء والايجاع أو للعقوبات، بل كانت عصا الإشارة والتنبيه فلم يضق بها كبار الصحابة الذين علاهم بها.
ولو استمر سجع الشفاء بنت عبد الله لقالت مثل ما نقول اليوم، وإذا أكل شبع، يوم لم يكن عمر يصل حدّ الشبع في وجبة زهيدة.
أسلم على طريقته البرية: بالصوت أم بصدمة الصوت
يقول العقاد: وقد تعددت الروايات في إسلام عمر واختلف بعض هذه الروايات في اللفظ واتفق في المغزى، وجعل أناس ينظرون فيها، كأنما الصحيح منها لا يكون إلا رواية واحدة وسائرها باطل لا يشتمل على حقيقة، فلم لا تكون صحاحاً كلها؟. ولم لا تكون أسباباً متعددات في أوقات مختلفات؟. فمن المستطاع المعقول أن نسقط منها قليلاً من الحشو هنا وهناك ثم نخلص منها إلى جملة أسباب لا تعارض بينها في الجوهر، وقد يعزز بعضها بعضاً في نسق السيرة وفي لباب النتيجة.
الرواية الأولى:
روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش. فخرجت أريد جلسائي أولئك فلم أجد منهم أحدا. فقلت: لو أنني جئت فلانا الخمار!. وخرجت فجئته فلم أجده. قلت: لو أنني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين!. فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام واتخذ مكانه بين الركنين: الركن الأسود والركن اليماني، فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، وقام بنفسي أنني لو دنوت أسمع منه لأروعنه، فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها ما بيني وما بينه إلا ثياب الكعبة، فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام).
وبتنجيم سيرته واستقراء قراراته وانعطافاته، وما يروى عنه نتوقف عند لحظة يتوقف فيها عمر أو يتحرك منها، وهو في هذه وتلك يخضع إلى ما نسميه بنظرية الصدمة.
إن إسلام عمر يقترن في الروايتين المختلفتين باستماعه إلى الصوت القرآني مثلما هي حالة الكثير ممن أسلموا تحت التأثير البلاغي والروحي لهذا الصوت.
في الرواية الأولى دخل عمر إلى الكعبة مختفياً وراء ثيابها والنبي يقرأ القرآن فاستهواه ذلك فأعلن إسلامه. لا نرجح هذه الرواية لافتقارها إلى عنصر الصدمة.
إن عمر من مثقفي الجاهلية وهو واحد من (17) رجلاً كان يكتب ويقرأ وهو المعروف بمناقضة الإسلام ومناضلة القرآن، فهل يعقل أن لا يكون سمع القرآن في ست سنوات خلت ولم يرقّ له قلبه فيبكي ويسلم؟.
الرواية الثانية:
وروى ابن اسحق في سبب إسلامه: (أن عمر خرج يوما متوشحاً بسيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين بين رجال ونساء، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين رضي الله عنهم. فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد يا عمر؟. فقال: أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفّه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله. فقال نعيم: والله لقد غرتك نفسك يا عمر!.أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً؟. أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟. قال: وأي أهل بيتي؟. قال: أختك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وتابعا محمداً على دينه.. فعليك بهما..
قال: فرجع عمر عامداً إلى أخته وختنه، وعندهما خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟. قالا له: ما سمعت شيئاً!. قال: بلى والله، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه، وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة لتكفه عن زوجها، فضربها فشجها..
فلما فعل ذلك قالت له أخته: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك، فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى، وقال لأخته: أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون آنفا، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد.. وقرأ سورة طه، فلما قرأ منها صدراً قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه، لما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له: ياعمر، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم ابن هشام أو بعمر بن الخطاب، فالله الله ياعمر!. فقال له عند ذلك عمر: دلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب، وقام رجل من أصحاب رسول الله فنظر من خلل الباب فرآه متوشحاً بالسيف، فرجع إلى رسول الله وهو فزع، فقال: يارسول الله!. هذا عمر بن الخطاب متوشحاً السيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: تأذن له، فإن كان يريد خيراً بذلناه له، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه!. فقال رسول الله: ائذن له. ونهض إليه حتى لقيه بالحجرة فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جذبه جذبة شديدة وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟. فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة، فقال عمر: يارسول الله!. جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله!..
هاتان الروايتان هما أجمع الروايات للأسباب (المباشرة) التي قربت بين عمر والإسلام. وتتفرع منهما روايات منوعة يزيد بعضها تارة أن عمر قد أوفد لقتل النبي من قبل قريش، ويزيد بعضها تارة أخرى آيات من القرآن الكريم قرأها عمر في بيت أخته غير الآيات التي تقدمت الإشارة إليها في سورة طه. وأشبهها بالتصديق أنه لما أطلع على الصحيفة قرأ فيها اسم \" الرحمن الرحيم \" فذعر وألقاها. ثم رجع إلى نفسه فتناولها وجعل كلما مرَّ باسم من أسماء الله ذعر. فلما بلغ \".. ومالكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم أن كنتم مؤمنين..\" قال: أشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وهذه على اختلافها روايات متقاربة يبدو لنا أنها قصة واحدة.
إذا كان ذلك صحيحاً، فما الذي كان يستفزه في كتاب لم يسمع منه آية واحدة، فإذا استبعدنا الرواية الأولى، فالثانية التي أوردها ابن إسحاق تنتهي هي الأخرى باعلان عمر إسلامه لحظة قراءته الآيات الأولى من سورة طه.
مناقشة الرواية
يبدو منهج العقاد هنا وكأنه يستخدم مهاراته الأدبية وآليات الجدل الصوري ومحاورات المناطقة للتوفيق بين المتعارضات وجمع النقيضين وجعلهما واحداً مع اختلاف الرواية. ولعله يتحاشى الوقوع في منزلق الشكوك الخاصة بمصداقية رواة ثقاة. أما منهجنا في فحص الروايات فيعتمد على استيعاب الموحيات النفسية التي نتذوق بها الخبر العمري.
إذعاناً لنصيحة الأستاذ العقاد نسقط الحشو في هذه الرواية بمناقشتها أولاً على ضوء التحليل النفسي لشخصية عمر ونظرية الصدمة وملائمة الرواية للواقع الاجتماعي آنذاك.
1- لا نظن أن عمر خرج ليقتل النبي. إذ كيف سيتمكن من ذلك وهو يتوجه إليه والنبي في بيت محاط بفرسان الصحابة أمثال الحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعدد كبير منهم.
2- لا نعتقد أن نصيحة نعيم بن عبد الله وتهديد عمر بما سيفعله بنو عبد مناف به في حال قتله للنبي قد غيّر فيه لأن ذلك سيعزز من عزيمة عمر المعروف بعنفوانه وإقدامه.
إن قارئ عمر وعارف سايكولوجيته سيرفض رواية يبدو فيها عمر وكأنه شخصية مهزوزة يثني إرادته تخويف عابر سبيل، فكيف والأمر يتعلق بمسألة على مستوى اغتيال النبي محمد؟.
المرجح هو أن عمر كان في زيارة روتينية لشقيقته فاطمة وزوجها سعيد ابن عمها وفي بيت فاطمة واجه عمر عدداً من الصدمات المتلاحقة.
µ الصدمة الأولى: سماعه هينمة أو صوتاً خافتاً.
µ الصدمة الثانية: وجود الصحابي الخباب بن الأرت.
µ الصدمة الثالثة: إحساسه السريع بأنهما قد أسلما. أي أن الإسلام أصبح في عقر داره. ومن أسلمت هي أخته وابن عمه، فأين هو مقام عمر ومكانه في العائلة؟. الصدمة، أن تصبح أخته وابن عمه وهما عدويان من قريش تلميذين بإمرة ألقين مولى أم انمار بنت سباع الخزاعية الذي أهداه والدها إليها.
إن الخباب في تلك اللحظة لم يكن بالنسبة لعمر العضو السادس في أول خلية إسلامية شكلها أبو بكر، وإنما هو عبد لسباع بن عبد العزى.
µ الصدمة الرابعة: أنه أهان ابن عمه سعيد أمام زوجته، وأهان أخته أمام هذا المولى الغريب.
وعليك أن تقترب من وجدان عمر ومنظومته القيمية ليرتسم أمامك حجم ردّ فعله، وهو الخاضع دائماً للشعور بالإثم وعتاب الضمير لأعمال هي أقل مما حدث له في بيت أخته. فإذا نهض نهضت من لاوعيه احتجاجات ضاربة وصراعات متضاربة، فماذا كان عليه أن يفعل؟.
لقد أستفرغ شحنة الغضب بوطأه ابن عمه على الأرض، ونفحه أخته في وجهها فبدا يستعيد توازنه، فيأخذ الصحيفة ويقرأ ثم يصاب بالذعر، ويتوقف بعد ذكر البسملة قبل أن يستعيد عزمه لقراءة الآيات الأولى من سورة طه.
في ظننا أنه أسلم عند قراءة البسملة وإذا كان اسم الله معروفاً، وليس له ذلك الوقع فإن (الرحمن الرحيم) استلت من عمر جبروت القسوة، وكأنها علاج عاجل لأزمة الشعور بالذنب فانحلت عنده عقدة وانزاح عن صدره تأنيب الضمير، فهو الآن في بطن الرحمة والرحمة في بطنه تحت ظلال الرحمن الذي تنتشر رحمته على وجه فاطمة المدمي وظهر سعيد المعفر بالتراب وامتعاض الشاهد.
فعسى أن يغفر الله لنا إن نحن استبعدنا جملة قيلت حقاً في حوار عمر مع أخته طالما أن إنكار بعض فقرات الحوار يبقى ملحاً على أصابع الكتابة. ننكر أن تجرأ أخت لعمر صفعه بكلمات مثل إنك نجس أو إننا أسلمنا رغماً عن انفك، لأن مثل هذا الكلام لايصدر لا عن فتاة جاهلية شقيقها عمر بن الخطاب، ولا عن سيدة مسلمة نبيها بعث بمكارم الأخلاق، ولا نكاد نصدق أن عمر استجاب لها كالطفل فغسل يديه وتوضأ قبل أن يمسك بالصحيفة، وهو بعد لما ينطق بالشهادة، ولم يكن الإيمان قد ملأ قلبه ولم يكن الرجل من صنف الذين يستجيبون لأوامر امرأة، وكأنه طفل بين يديها.
لكن الرواية أرادت أن تمنح شقيقة عمر هذا الامتياز الإسلامي.
أجل، لقد أسلم عمر بالصوت القرآني عندما أحدثت البسملة فيه تلك الصدمة.
رقم اسلامه 67 :
المشهور أن عمر بن الخطاب اسلم بعد 45 رجلاً وإحدى وعشرين امرأة فيكون رقمه في اللائحة الأولى للمسلمين 67.
وقيل: إنه أسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة، وكانوا تسعين بين رجل وامرأة، فيكون رقم عمر في تلك اللائحة يتجاوز المائة.
وفي رواية أقرب إلى مزاجه وواقع حياته، وتسند إلى عمر نفسه أنه كان يقول: كنت للإسلام مباعداً وكنت صاحب خمر في الجاهلية، أحبها واشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش، فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم فلم أجد فيه منهم أحداً، فقلت لو أني جئت فلاناً الخمار وكان بمكة يبيع الخمر، فخرجت إليه فلم أجده.. وبقية الرواية تنتهي بالكعبة ولقائه بالنبي وإسلامه.
لاتتعارض هذه الرواية مع قولنا بإسلامه بالصدمة وبالهاتف الوجداني، بل هي تؤكد أمرين: الأول أن بيئة عمر \"الخاصة\" ومحيط صداقاته صار للانحسار حد شعوره بالوحدة والغربة وهم ذهبوا إلى الدين الجديد. والثاني أن هذه الحالة لا تكون وعدد من أسلم هو 45 رجلاً لم يكن معظمهم من رواد ذلك الوسط وهم معروفون بانتماءاتهم الاجتماعية، فيكون رقمه في الإسلام تجاوز المائة كثيراً، وإن كان حب المؤرخين له يجعلهم يختزلون في زمنه الجاهلي لصالح زمنه الإسلامي، فيستعجلون عليه بأرقام متقدمة لاينتقص من دوره طولها، ولايطيل في قامته قصرها. فحيث تقفر الحانات والمحلات ويهجر الخمار حانته فمعنى ذلك أن غالبية المجتمع قد أسلم. ومجتمع مكة لم يكن يتكون من 45 رجلاً وإحدى وعشرين امرأة ولا من تسعين هاجروا إلى الحبشة، فإذا أسلموا وهاجروا أقفرت مكة من أهلها!.
إن رقم عمر في لائحة المسلمين قد يرتفع إلى ضعف أعلى رقم حدده المؤرخون لو أخذنا بروايته. وعمر فيها كما كان في غيرها صادقاً مع نفسه واضحاً مع الناس، فصدقت مروياته ووضحت ملامحه.
يتبع
__________________
***إنَّ الصعوبات هي تحدّ خلاق لأنه يستحث الرّد عليها ***
|