هوامش الحكم بغير ما أنزل الله
1) ابن تيمية الفتاوى، 35/407-408 .
2) محمد بن إبراهيم، الفتاوى، 12/251 .
3) ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، 3/12 .
4) ابن تيمية، الفتاوى، 3/267 .
5) ابن القيم، إعلام الموقعين، 1/49.
6) عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، فتح المجيد، ص392.
7) محمد بن إبراهيم آل الشيخ، رسالة تحكيم القوانين (ص8).
8) الإمام الشاطبي، الاعتصام، 2/61.
9) الجصاص، أحكام القرآن، 2/214.
10) مجموع فتاوي الشيخ محمد بن إبراهيم ج12/،251 رسالة تحكيم القوانين الصفحات 15،14،13.
11) انظر تفسير ابن كثير، في تفسير سورة المائدة (ج2/17).
12) محمد بن إبراهيم، رسالة تحكيم القوانين (ص5).
13) محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان، 4/84.
14) انظر فتح المجيد ، شرح كتاب التوحيد، 3/396.
15) أحمد شاكر، عمدة التفسير، 4/157.
16) محمد بن ابراهيم، رسالة تحكيم القوانين، 8.
17) محمد بن إبراهيم، رسالة تحكيم القوانين، ص7.
18) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، 393 .
19) انظر محمد بن إبراهيم، رسالة تحكيم القوانين (ص 8-9).
20) مجموع الفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (189/6).
12) محمد بن عبدالوهاب، كتاب التوحيد، 146.
الولاء والبراء
الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين من لوازم الإيمان، ومعيار صحيح يتميز به المؤمن من المنافق، وقبل استعراض العلاقات الخارجية للنظام السعودي يحسن إيراد الحقائق الشرعية في هذا الموضوع الخطير.
أولاً : ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن علاقات المسلمين مع غيرهم ينبغي أن تبنى على أساس الإسلام، فالإسلام هو الأصل في العلاقة مع الآخرين، وقد بينت الآيات موقف المسلم من أهل الشرك والكفر، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين" (المائدة، 51). ويقول سبحانه: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير" (آل عمران، 28)، ويقول سبحانه: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله" (المجادلة، 22)، ويقول أيضاً : "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" (البقرة، 120)، وقال كذلك: "ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون" (المجادلة، 14)، وقال سبحانه: "بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أيبتغون عندهم العزة، فإن العزة لله جميعاً" (النساء، 139).
ثانياً : ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن إقامة العلاقات على خلاف الأساس الإسلامي يؤدي إلى الكفر والخروج من ملة الإسلام. قال ابن جرير رحمه الله: (من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم، ويظاهرهم على المسلمين فليس من الله في شيء، أي قد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ..) ثم قال: (... ومن تولى اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم، أي من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه)(1)، وقال ابن حزم رحمه الله: (... صح أن قوله: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" (المائدة، 51)، إنما هو على ظاهره، بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين)(2)، وقال ابن تيمية رحمه الله: (أخبر الله في هذه الآية أن متوليهم هو منهم، فقوله سبحانه: "ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء؛ (المائدة، 81)، يدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً ...)(3)، وقال ابن القيم رحمه الله: (إن الله قد حكم ولا أحسن من حكمه أنه من تولى اليهود والنصارى فهو منهم، "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن، كان لهم حكمهم، وهذا عام ...)(4)، وقال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ: (... وأخبر سبحانه وتعالى أن من تولاهم فهو منهم ...)(5)، وقال الشيخ حمد بن عتيق: (... قد دلّ القرآن والسنة على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك والانقياد لهم ارتد بذلك عن دينه ...)(6)، قال الشيخ عبدالله بن عبداللطيف: (... إن كل من استسلم للكفار ودخل بطاعتهم وأظهر موالاتهم فقد حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام ووجب جهاده ولزمت معاداته ...)(7).
ثالثاً : أن من واجبات الدولة المسلمة بناءً على ذلك أن تسعى لنشر الإسلام وتدعم الدعوة في كل مكان وتنصر المسلمين وقضايا المسلمين وتدافع عنهم، فقد قال تعالى : "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوِلدان.." (النساء، 75)، وثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله”(8)، وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أُذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة”(9)، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من امرئ ٍ يخذل امرءاً مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يُحبّ فيه نُصرته”(10).
رابعاً : أجمع علماء المسلمين أن الدولة أو الجماعة أو الفرد الذي يظاهر أعداء الإسلام ضد المسلمين بالمال أو بالرجال أو بالسلاح أو بالتجسس والمعلومات فهو خارج من الملة، قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ: (إن خرج معهم لقتال المسلمين طوعاً واختياراً وأعانهم في بدنه وماله فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر)(11)، قال الشيخ سلمان بن سحمان: (وأعجب من هذا أن بعض من يتولى خدمة من حادّ الله ورسوله، ويحسّن أمرهم، ويرغب في ولائهم، ويقدح في أهل الإسلام، وربما أشار بحربهم، فإذا قدم بلاد بعض أهل الإسلام تلقاه منافقوها وجهالها بما لا يليق إلا مع خواص الموحّدين، فافهم أسباب الشرك ووسائله، ومن كان في قلبه حياة وله رغبة وله غيرة وتوقير لرب الأرباب يأنف ويشمئز مما هو دون ذلك ...)(12)، وقد عد الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب عليه رحمة الله مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين من نواقض الإسلام، قال في تعداد النواقض: (موالاة المشرك والركون إليه ونصرته وإعانته باليد واللسان أو المال كما قال تعالى "فلا تكونّن ظهيراً للكافرين" (القصص، 17)(13).
خامساً: أفتى علماء المسلمين أن الذي يمكّن أعداء الإسلام من المسلمين أفراداً أو جماعات أو يسلمهم لهم فهو مرتد، فقد ذكر البرزلي في كتاب "القضاء" في نوازله (أن أمير المؤمنين علي بن يوسف بن تاشفين اللمتوني استفتى علماء زمانه ـ وهم من هم في علمهم ـ في استنصار ابن عباد الأندلسي بالإفرنج ليعينوه على المسلمين فأجابه جُلّهم بردّته وكفره)(14).
الواقع:
إن سجل آل سعود في حرب الإسلام والتواطؤ مع أعدائه سجل طويل لا يسعنا في هذا المقام الإحاطة به، وهذه بعض النماذج لإثبات تلك الحقيقة، وطلبة العلم يعلمون أن واقعة واحدة من مظاهرة أعداء الإسلام على المسلمين، أو التعامل مع أعداء الإسلام تعامل الولي المناصر القريب، يكفي لنزع الشرعية منه ووصفه بالكفر والنفاق،كما نصّ عليه أئمة الإسلام وخاصة علماء الدعوة من أمثال الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، وهذا ليس مجال نقاش عضوية المنظمات الدولية التي تحارب الإسلام ولا المعاهدات الدولية والإقليمية والعلاقات التي قامت على أساس إسقاط دور الدولة في نشر الدعوة ومسؤوليتها تجاه المسلمين في العالم رغم أن تلك بحد ذاتها تقضي على الشرعية، ليس لعدم القناعة بذلك ولكن لأن كثيراً من المسلمين بل حتى من طلبة العلم استمرأها وتعود عليها، فكانت هذه النتائج والأمثلة أبرز وأخطر من ذلك بكثير حتى لا يجادل فيها مجادل أو مكابر.
النموذج الأول: العلاقة مع الأمريكان: لا يشك عاقل أنها علاقة عمالة وعبودية، وقد يُقال أن الدولة المسلمة لا بأس أن تسدد وتقارب إذا كانت في مرحلة ضعف، لكن لا يمكن أن يقبل مسلم من دولته وضع الانبطاح والعبودية الذي يمارسه آل سعود تجاه الأمريكيين، ويكفي أن الأمريكان هم الذين يرسمون سياسة المملكة بكاملها: السياسة الخارجية والعلاقات، السياسة العسكرية، السياسة الاجتماعية، السياسة المالية والاقتصادية، فالخطط الخمسية التي نفذتها المملكة منذ منتصف السبعينات الميلادية وضعها أساتذة من جامعة هارفرد تحت إشراف المخابرات الأمريكية، والاستراتيجية العسكرية وضعتها وزارة الدفاع الأمريكية وتتضمن تلك الاستراتيجية تحديد من هو العدو للمملكة، وقد حُدّد العدو ببعض الجيران من البلاد الإسلامية وشعب الجزيرة نفسه!، والسياسة الاقتصادية وضعها الأمريكان، وقد رسمت تلك السياسة بحيث تحقق أكبر عملية استنزاف مالي في التاريخ، فضلاً عن التحكم المباشر بأسعار النفط وسياسة تسويقه، والتمكن من ارتهان كل احتياطي النفط في أرض الجزيرة، وتمادى الأمريكان في استعباد آل سعود إلى درجة أن وظفوا أموال المملكة لتأمين العمليات السرية التي تقوم بها المخابرات الأمريكية في نيكاراغوا وأنغولا ولبنان وبلاد أخرى، وحين وقعت حرب الخليج مكّن آل سعود نصف مليون من الأمريكان من جزيرة العرب ثم من تدمير العراق وحصار شعبه المسلم، وكانت السلطة الوحيدة للملك في تلك الحرب أن سمح له الأمريكان بمعرفة توقيت الضربة الأولى، ثم بعد الحرب بقي عشرات الألوف من الأمريكان اليهود والنصارى منهم ذكورهم وإناثهم، مع سلاحهم وطائراتهم يتصرفون تصرف الأسياد، ويدخلون جزيرة العرب ويخرجون بدون معرفة السلطات السعودية، والنصوص الشرعية والإجماع منعقد على تحريم ذلك تحريماً قطعياً، قال صلى الله عليه وسلم "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً" رواه مسلم، وكان آخر الأمثلة على تلك العبودية البيان الرسمي من وزارة الخارجية الموجه للشركات يطالبها فيه بالتوقف عن مقاطعة إسرائيل، ويشير البيان صراحة وبدون خجل إلى أن هذا التعميم تم بناءً على توجيهات أمريكا، وهذه النماذج المذكورة مما عرف واشتهر، أما ما خفي من العلاقات والمعاهدات والاتفاقيات فخطير خطير.
النموذج الثاني: علاقة المملكة مع الأنظمة الجاثمة على صدور المسلمين والتي تحارب الإسلام والدعاة، وخاصة دول شمال أفريقيا، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن آل سعود دعموا تلك الأنظمة بالمال وبالدعم الإعلامي والدعم المعنوي علناً وبكل افتخار وقد إستلم واحد من هذه الأنظمة من آل سعود أكثر من ألفي مليون دولار دفعة واحدة كمحاولة لإنقاذه، واستقبل آل سعود أحد وزراء الدفاع في تلك البلاد الذي لا يُعرف عنه إلا حرب الإسلام استقبال الفاتحين وقلّدوه وسام والدهم الملك عبدالعزيز حتى أصبح الحرم الشريف مزاراً مفتوحاً لكل عدو حاقد على الإسلام، وامتلأت وزارة الداخلية بخبراء القمع وحرب "الأصولية" من تلك البلاد، وكانت أكبر الجرائم التي اقترفت في هذا الميدان والتي نص علماء المسلمين بالإجماع أنها ردة عن الإسلام هي تسليم كثير ممن لاذ بالحرم من الدعاة هرباً من طغاة بلاده لحكام بلادهم لقتلهم والتنكيل بهم، وقد تقدّم كلام الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في أمثال هذا الفعل الذي لم يجرؤ حتى الجاهليون، ولا حتى الدول الكافرة في الزمان المعاصر على اقترافه.
النموذج الثالث: الدعم الصريح للدول والمؤسسات والجماعات الملحدة التي حاربت الإسلام علناً وتقديم ذلك الدعم لها في معركتها مع الإسلام، فقد استلم "الاتحاد السوفياتي" في أوج الحرب مع المجاهدين أربعة آلاف مليون دولار من آل سعود، ودعم آل سعود النظام الاشتراكي الملحد في اليمن الجنوبي بأكثر من ثلاثة آلاف مليون دولار فضلاً عن الدعم العسكري والبشري والسياسي والإعلامي والمعنوي، بل وحتى بالدواء والغذاء، كما قدم آل سعود الدعم المادي والمعنوي للصليبي المجرم جون قرنق وزودوه بالسلاح وبالدواء والغذاء، وكذلك دعموا حزب الكتائب النصراني الماروني وأخيراً دعموا أسياس أفررقي لاحتلال جزيرة حنيش اليمنية.
النموذج الرابع: ذلك الاندفاع الكبير تجاه مشروع الصلح مع اليهود المغتصبين، حيث يفتخر بندر بن سلطان أن المملكة هي التي دفعت تكاليف مؤتمر "مدريد" كاملة، وقبل ذلك تكفّلت المملكة خلال حرب الخليج بتقديم ثلاثة عشر مليار دولار لإسرائيل مقابل إسكاتها عن ضرب العراق، فضلاً عن الدعم الذي تحظى به مسيرة التطبيع مع العدو، دع عنك موافقة المملكة وتأييدها لكل القرارات الدولية التي أعطت الشرعية لاحتلال اليهود لفلسطين، وهذه كلها مما أُعلن وتداوله الإعلام، أما ما لم يُعلَن فطوام عظيمة تصل إلي حد التنسيق الأمني والعسكري والتواطؤ ضد الحركات والجماعات الإسلامية.
النموذج الخامس: اختراق كل الحركات والجماعات والمراكز والمؤسسات الإسلامية بهدف تشتيتها وإثارة الفتنة بينها وإفشال برامجها وتمييع قضيتها وتشويه الإسلام وجعله قاصراً على بعض المعاني المحدودة، وتحويل عدد كبير من المراكز والمؤسسات الإسلامية إلي مؤسسات عميلة تخدم الدعاية للنظام السعودي، ومن ثم الأهداف الأمريكية واليهودية.
ولقد تبين بالأدلة القاطعة من خلال تتبعنا لسياسة المملكة وخاصة بعد حكم الملك فهد أن ما من مصيبة ألمت بالإسلام والمسلمين والدعوة الإسلامية إلا وكان لآل سعود فيها دور فعّال والعياذ بالله، وعلى الذين يدافعون عن النظام أن يثبتوا أن السياسة الخارجية للمملكة لا تحارب الإسلام، فضلاً عن أن تكون في صالح الإسلام.
وبعد هذا الاستعراض فإنه قد ترسخ لكل طالب حق أن الحكام يوالون أعداء الإسلام ويعادون المسلمين ويكيدون لهم، وأن علاقاتهم مبنية على دعم وتأييد كل عمل يضر بالإسلام والمسلمين، ويكفينا من الشواهد الماضية تسليم الذين يلوذون بالحرم من المجاهدين والمضطهدين لحكومات بلادهم، فهل يُعتبر هذا النظام شرعياً بعد كل ذلك؟.
هوامش الولاء والبراء
1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ج313/6.
2) ابن حزم، المحلى، ج35/13.
3) ابن تيمية، الإيمان، 14.
4) ابن القيم، أحكام أهل الذمة،ج 67/1-69.
5) سليمان بن عبدالله آل الشيخ، أوثق عرى الإيمان، 26ـ27.
6) انظر الرسائل والمسائل النجدية،ج1 ص745، وكذلك مجموع رسائل حمد بن عتيق (100ـ101).
7) عبدالله عبداللطيف، الدرر السنية، 11/7.
8) رواه مسلم.
9) رواه أحمد بسند حسن.
10) قال الهيثمي إسناده حسن.
11) انظر الرسائل والمسائل النجدية، 134/2-135.
12) المرجع السابق، 52/3.
13) انظر محمد بن عبدالوهاب، مجموع التوحيد، 29، والمرجع السابق.
14) انظر نصيحة أهل الإسلام، 179.
رفع شعائر الإسلام
من المسلمات الشرعية أن المسلمين أفراداً وجماعات ودولة يجب أن يسعوا لإعزاز الإسلام ورفع شعائره، ولكن قبل تقويم أداء النظام في هذا الجانب لابد من التأصيل الشرعي العام لهذه القضية.
أولاً : ثبت بالكتاب والسنة أن التمكين للإسلام، ورفع كلمة الله وإقامة شعائر الإسلام وإظهارها واجب شرعي على من تولى أمر المسلمين، قال تعالى "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" (الحج، 41)، نقل القرطبي عن الضحاك في تفسير هذه الآية قوله: (... هو شرط شرطه الله عز وجل على من آتاه الله الملك ...)(1)، وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: (...جميع الولايات مقصودها أن يكون الدين كله لله، فإنه سبحانه إنما خلق الخلق لذلك وذلك هو الخير والبر والتقوى ...)(2)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها)(3)، وقال إمام الحرمين الجويني (الغرض ـ من الإمامة ـ استيفاء قواعد الإسلام طوعاً أو كرها،ً والمقصد الدين)(4)، وقال الماوردي رحمه الله: (... الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ...)(5)، وهكذا فإن الغرض الأول الذي شرعت من أجله الإمامة هو تحقيق الدين على مستوى المجتمع والدولة.
ثانياً : ثبت بالكتاب والسنة أن رفع شعائر الإسلام والتمكين لدين الله لا يتحصل إلا بقيام الولاة بالأمر بالمعروف "كل معروف"، والنهي عن المنكر "كل منكر"، ولذا صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه الشامل واجباً منوطاً بولي الأمر، إذا قصّر فيه قصّر عن شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وإذا نقضه نقض مقصود الإمامة في الإسلام، قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" (آل عمران110،)، وقال: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" (الحج، 41)، وقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (التوبة، 71)، والإمام وكيل أو نائب عن الأمة في تحقيق عهد المؤمنين مع الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك بشكل واضح وصريح فقال: (... جميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...)(6)، وقد نقل ابن القيم عبارة الشيخ ابن تيمية تقريباً بقوله: (... وجميع الولايات الإسلامية مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...)(7)، وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: (... ومما يجب على ولي الأمر تفقد الناس من الوقوع فيما نهى الله عنه ورسوله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن بإزالة أسبابها، وكذلك بخس الكيل والميزان والربا ...)(8)، قال شيخ الإسلام في حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (... هذا واجب على كل مسلم قادر وهو فرض على الكفاية، يصير فرض عين على القادر الذي لم يتم به غيره، والقدرة هي السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم ...)(9).
ثالثاً: ثبت بالكتاب والسنة كذلك أن تعطيل هذه الشعائر وإنعاش الباطل، وإضعاف الحق سبب في الهلاك والدمار والعذاب الدنيوي، فضلاً عن الإثم المترتب على ذلك، قال تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً" (الإسراء، 16)، قال القرطبي في تفسيرها (وقيل أمّرنا: جعلناهم أمراء لأن العرب تقول: أمير غير مأمور أي غير مؤمّر، فإذا أراد (الله) إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قال تعالى أمر مترفيها بالفسق والظلم فحق عليها القول بالتدمير ...)(10)، وقد تضافرت الأحاديث النبوية في هذا المعنى فمنها ما رواه الترمذي وأبي داود عن عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما وقع النقص في بني إسرائيل، كان الرجل منهم يرى أخاه يقع على الذنب، فينهاه عنه، فإذا كان الغد، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ونزل فيهم القرآن، فقال: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانو يعتدون" (المائدة، 78) وقرأ حتى بلغ "ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون”" (المائدة، 78-81)(11).
وعن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال، قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" (المائدة، 105)، وإنما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب”، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيّروا ولا يغيّرون، إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب”)(12)، وعن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيّروا عليه ولا يغيّرون، إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا”(13)، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم”(14).
فهذه الأدلة وغيرها كثير دليل قاطع على أن تقصير الأمة ممثلة في نوابها وعلى رأسهم الحاكم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب مباشر في حلول العـــذاب الدنيوي، فضلاً عن الإثم والسيئات، فكيف إذا كان الحال أكثر من مجرد تقصير، بل أمر بالمنكر ونهي عن المعروف، وإشاعة للفاحشة، ودفاع عن الباطل، وحرب للدعوة.
رابعاً: نص العلماء على أن الطائفة الممتنعة التي تصر على تعطيل الشرائع الثابتة، أو استحلال الحرام الثابت الذي لا عذر لأحد فيه تعامل معاملة مانعي الزكاة الذين قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، ليس لإنكارهم النبوة ولا القرآن ولا حتى لتركهم الصلاة، بل لمجرد تعطيل تلك الشعائر الثابتة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (... وأيما طائفة ممتنعة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله ...)(15)، ويقول في موضع آخر: (... فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، أو التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها ...)(16)، وتأمل قوله "أو التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا"، وأين يقع الربا في ذلك، وتأمل قوله كذلك "وإن كانت مقرة بها"، فلا يكفي الإقرار بل لابد من التطبيق.
وبعد هذا الاستعراض لما يفرضه الإسلام على الدولة من إقامة الشعائر، والتمكين للدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخطر تعطيل ذلك على المجتمع، فكيف كان إنجاز النظام السعودي في هذا الجانب؟ وكيف يمكن تقويمه من هذا المنطلق؟ وعلى الذين يحرصون على إصابة الحق في معتقدهم وعملهم، أن يتأملوا الأمر بحنكة وفطنة، ويتخلوا عن السذاجات والتبسيط وخداع النفس ويقبلوا بحقائق الأمور ولا تغرهم الدعاوى والافتراءات.
|