مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 11-08-2002, 02:57 AM   #27
مفك14
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2002
البلد: خب بريده
المشاركات: 193
الواجب الرابع: تسهيل سبل المعيشة وتوفير الأمن وشق الطرق وغيرها، والحديث عن هذه الأمور يطول ويحسن إفراده في بحث آخر .

الواقع:

بعد هذا التأصيل يكون السؤال هل أنجز النظام تلك الواجبات الشرعية وعمل بمقتضاها؟.

ففي مجال إقامة العدل تكاد تلك الدولة تكون أسوأ بلاد العالم في الظلم وهضم الحقوق والتفرقة بين الناس، سواء الظلم الصادر من الدولة نفسها أو من المتنفذين فيها بأفرادهم، وآخر ما يمكن أن يفكر فيه المرء في مثل بلادنا أن يتحقق العدل والمساواة، فنظام البلد قائم أصلاً على تميز الآلاف من أبناء الأسرة الحاكمة عن عامة الشعب وتمتعهم بكل الحقوق، وإعفائهم من كل الواجبات، وحصانتهم ضد القضاء، وإطلاق يدهم في إهانة الناس وأكل أموالهم وهتك أعراضهم، بل وحتى قتلهم وإزهاق أرواحهم، وتتناقص قيمة الإنسان كلما ابتعدت القربى والعلاقة مع الأسرة إلى أن يصل الحال بالإنسان إلى مستوى الرق والعبودية، كما هو حال بعض العمال المستقدمين من بلاد المسلمين، أو حال بعض أبناء البادية المقيمين في أطراف البلد بلا هوية ولا تعريف، أما ممارسة الظلم وهتك الحقوق من قبل الدولة نفسها فحدث ولا حرج، فقول كلمة الحق ممنوع، والتجمع والتعاون من أجل البر والتقوى ممنوع، بل مجرد السعي لجمع الصدقة لوجوه الخير ممنوع، وبالمقابل فإن كل ما منعته الشريعة من أشكال الظلم كالإهانة والسجن والتغييب والتعذيب والتجسس ومداهمة البيوت كل ذلك يمارس بشكل منتظم حتى أصبح هو الأساس، ولم يعد للمرء خصوصية في بيته ولا في هاتفه ولا حق في أداء واجباته الشرعية، وسعياً لاستكمال واقع الظلم المطبق شلّ القضاء، وقبضت عليه الدولة بيد من حديد، وحولته إلى آلة لتأصيل الظلم وتبرير الجرائم، وأصبح القضاء من أمضى الأسلحة في وجه العدل، ومن أراد صورة متكاملة عن ذلك فليقرأ تقرير منظمة ليبرتي عن واقع الحقوق والقضاء في المملكة(35).

وأما في مجال الأموال السلطانية وجمعها وصرفها فلا يُعلم أحد أجرم في ذلك مثل جريمة فهد وإخوانه، وسوف يشهد التاريخ أن فهداً ضيع على أمة الإسلام أكبر ثروة مالية مرت في تاريخها، وأنه تخوّض في مال الله، وأنه أخذه من غير حقه بالمكوس والضرائب والاقتراض بالربا في الوقت الذي أغناه الله بكنوز الأرض، وصرفه بغير حقه على نفسه وعلى قرابته وعلى القريبين منه وعلى أعداء الإسلام والمسلمين، حتى تحول واقع الدولة من فائض بمئة وخمسين مليار دولار إلى ديون ومستحقات بمئة وخمسين مليار دولار، وقدّرت ممتلكات الأسرة في الخارج بما لا يقل عن خمسمائة مليار دولار، يملك فهد لوحده منها إحدى وأربعين ملياراً، وسلطـــان حوالي ثلاثين ملياراً، وابنه خالد حوالي خمساً وعشرين وعليك حساب الباقي، فهل هذا هو أداء الواجب الشرعي في حفظ المال؟ والمضحك أن فهداً وإخوته يمنون على المسلمين بزخرفة البيت الحرام وصناعة باب الكعبة من الذهب الخالص وقد نص العلماء أن ذلك من الجرائم في مال المسلمين، وقد عد الشوكاني ذلك من المعاصي الصريحة، وعد الشيخ صديق حسن خان “وضع الذهب في الكعبة من الكنز الذي يتضمنه قول الله: "يوم يحمى عليها في نار جهنم ... الآية" (التوبة، 35)(36).

وأما استخلاف القوي الأمين فلا يوجد بلد في العالم تحول إلى شركة مساهمة تملكها عائلة اقتسمت الإمارة فيما بينها إلا بلاد الحرمين، فكيف يستقيم النهي الشديد عن تولية الأقارب والمعارف والتشديد على تولية القوي الأمين مع تولية أبناء الأسرة وأخوالهم وأخوال أخوالهم على كل إمارة وسلطة، واختيار أفسق خلق الله وأشدهم تضييعاً للأمانة، وأكثرهم جريمة وخيانة ليوضع في المناصب الحساسة سواء كانت مالية أو عسكرية أو سياسية أو استخباراتية أو حتى بعض المناصب المنسوبة للدين؟، ثم بعد ذلك يكون هؤلاء جميعاً معصومين من كل أشكال المحاسبة، ولديهم كل الحصانة ضد أي مساءلة، وعندهم ضمان تام وتأكيد كامل أن منصبهم لن يتعرض لأي خطر، بل إن جزاءهم على كل جريمة يقترفونها هو تأكيد البقاء، وربما الترقية، ومزيد من التقدير، وأعظم الأمثلة على ذلك وزير الدفاع الذي ضيع البلاد في الجيش الكرتوني، وانكشفت خيانته في أزمة الخليج، فلم يزدد إلا تقديراً واحتراماً!، وضيع البلاد مرة أخرى في حرب اليمن، وحرق الأموال بل وحرق القيم والدين هناك، ثم كوفئ على ذلك بزيادة صلاحياته ومسؤولياته، ولايزال يمني نفسه بالملك بعد كل هذه الجرائم!، فأين المحاسبة والعقاب؟ بل أين المحاسبة لعشرات بل مئات من المتنفذين الذين تعسفوا في استغلال نفوذهم من أمراء ووزراء ومدراء ومسؤولين؟؟ لاشك أن هذه الواجبات ليست معطلة فحسب، بل منقوضة ومعكوسة، فالمناصب لا يعين فيــها إلا من يكون وبــالاً عليهـــا!، والمجـــرم الذي يستغل نفوذه يُكرّم ويُشكر على جريمته وُيشجع على مزيد مـن الجرائـــم .

والعاقل يتساءل بعد هذا الاستعراض ماذا قدم "ولاة الأمر" حتى يستحقوا الشرعية بل كيف تكون لهم شرعية أصلاً؟، فلا هم أدوا الواجبات الدينية ولا هم قاموا بالرعاية الدنيوية، ولا يمكن أن يُفهم كيف يستحق الولاية من نقض كل مقومات ومقاصد الإمامة الدينية ونقض مقاصدها الدنيوية، وحول ملكه للبلد إلى ملك يمين يتصرف بها كما يشاء ويشرع ويرفع ويخفض ويبيع ويشتري؟ والسؤال إلى متى يعيش بعض طلبة العلم هذا التناقض الشرعي، ويخادعون أنفسهم بتلك الشرعية وهم يعلمون كل ما سبق من نصوص شرعية وأدلة واقعة؟.





















هوامش الواجبات تجاه الرعية



1) رواه البخاري ومسلم.

2) رواه البخاري.

3) رواه مسلم.

4) رواه مسلم.

5) أخرجه مسلم والبخاري في كتاب المظالم.

6) متفق عليه.

7) رواه أحمد والبخاري بنحوه.

8) رواه أحمد والبزار والدارمي وقال الهيثمي إسناده جيد.

9) تفسير ابن كثير، 1/167.

10) الجصاص، أحكام القرآن، 1/69-70.

11) المرجع السابق، 1/69-70.

12) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2/109.

13) رواه مسلم.

14) رواه الشيخان.

15) رواه الطبراني، وقال الهيثمي رجاله ثقات.

16) ابن تيمية، منهاج السنة، 1/32.

17) ابن تيمية، السياسة الشرعية، 3.

18) انظر ابن القيم، إعلام الموقعين، أول الجزء الثالث .

19) ابن تيمية، الحسبة، 4.

20) المرجع السابق، 94.

21) رواه البخاري.

22) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، 7/27.

23) أبو يعلى الفراء، الأحكام السلطانية، 28.

24) ابن الجوزي، مناقب عمر ، 350 .

25) أخرجه أبو داود، وأحمد في السند بلفظ غير لفظ أبي داود.

26) الماوردي، الأحكام السلطانية، 71

27) ابن تيمية، السياسة الشرعية، 37-38.

28) المرجع السابق، 14.

29) رواه الحاكم وصححه.

30) ابن الجوزي، مناقب عمر، 58.

31)رواه البخاري، انظر البخاري مع فتح الباري ج11/279.

32) الماوردي، الأحكام السلطانية، 70.

33) ابن تيمية، السياسة الشرعية، 9-10.

34) رواه مسلم في كتاب الإمارة، والبخاري في الإمان والنذور.

35) "حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية" تقرير خاص صادر عن منظمة ليبرتي لمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان في فيينا/النمسا 14-25 يونيو (حزيران) 1993م .

36) انظر صديق حسن خان ، الكيل الكرامة، 118.



حكم مبدّلي الشرائع

والمدافعين عنهم



كان الكلام عن التأصيل الشرعي لما يجب أن تكون عليه الولاية الشرعية، وعن أداء النظام السعودي من خلال ذلك المنظار، وبين يدي القارئ الآن محاولة لتحديد موقع النظام حسب التقويم الإسلامي المدعم بالدليل الشرعي وأقوال العلماء الثقات، وما يترتب على ذلك من موقف من قبل الأمة تجاهه وتجاه من يدافعون عنه، ومن أجل ذلك تم تلخيص الفقرات الرئيسية في الصفحات الماضية .

أولاً: ثبت بالدليل الواقعي الموثّق والتطبيق العملي المنظور أن النظام السعودي قد سنّ تشريعات كثيرة فيها معنى التشريع الكامل المناهض للشريعة، من إلزام وتحريم وإباحة وعقوبة، ونصّب لها المحاكم والهيئات، وأنفذ أحكامها بقوة السلطة، ولقد تبين من خلال نقل النصوص الشرعية وأقوال العلماء أن هذا العمل كفر أكبر مخرج من الملة باتفاق العلماء ، وقد تم الرد على شبهتين في ذلك:

الأولى: شبهة من يدعي أن ذلك كفر أصغر، وتقدم نقل كلام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في الرد على ذلك، حين فرق بكل وضوح بين من يحكم بغير ما أنزل الله تقصيراً أو تهاوناً أو هوى أو شهوة في بعض المواقف فيكون اقترف كفراً أصغر ـ في أحد القولين ـ وبين من يسن التشريعات ويضاهي بها الشريعة ويقيم لها المحاكم، وسمّى رحمه الله ذلك كفراً أكبر صراحة حيث قال: (... إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين...)، وقال في موضع آخر في وصف ذلك: (... فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة لشهادة أن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة ...)(1).

الثانية: دعوى بعض المدافعين عن النظام، بأن ذلك العمل لا يكون كفراً إلا إذا اعتقده من يعمل به، حيث ردّ القرآن على ذلك بقوله تعالى: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً" (النساء، 60)، ونقلنا كلام الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في تفسير هذه الآية إذ قال: (... فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وإن زعم أنه مؤمن ...)(2)، ونقلنا كذلك كلام الشيخ محمد ابن إبراهيم في تفسيرها قال: “فإن قوله عز وجل "يزعمون" تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلا ...ً”(3)، وقوله فيمن يدعي أنه يحكم القوانين لكن لا يستحلها، وتمت الإشارة إلى أن العذر بالجهل غير وارد لقيام الحجة على الحكام بما تم من الإنكار عليهم في هذا العمل مرّات متتابعة، مع التأكيد هنا على أن الحجة لم تقم على الحكام فحسب بل قامت على العلماء الذين يدافعون عنهم، حيث بينت لهم حقيقة تلك التشريعات والمحاكم والوضعية بما لا يترك لهم عذراً، ومع ذلك فلم يكتفوا بمجرد كتمان الحق والتخاذل عن الإنكار على الذين حكموا بغير ما أنزل الله، بل سعوا إلى تزكية الحكام والتأكيد على أنهم مطبقين للشريعة وأنهم يحكمون بما أنزل الله بكل حماس واندفاع!، وسعوا كذلك بأعلى أصواتهم إلى التشنيع على من ينكر على الحكام تلك الجريمة العظيمة، وهؤلاء يحسن تذكيرهم بما قاله الشيخ محمد بن عبدالوهاب فيمن دافعوا في زمانه عن الذين كانوا يحكمون بالأعراف وبسلوم البادية بحجة أن ظاهرهم الإسلام، قال رحمه الله: (... إن هؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب الطاعة من دون الله كلهم كفار مرتدون عن الإسلام، كيف لا وهم يحلّون ما حرّم الله، ويحرّمون ما أحلّ الله، ويسعون في الأرض فساداً بقولهم وفعلهم وتأييدهم، ومن جادل عنهم، أو أنكر على من كفّرهم، أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلاً لا ينقلهم إلى الكفر، فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق، لأنه لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم ...)(4)، فإذا كان مجرد عدم التكفير جريمة كبرى عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فكيف بمن يصفهم بأحسن أوصاف الإسلام ويزكي دولتهم ونظامهم، ويحمل على من أنكر عليهم؟!.

الثالث: ثبت بالدليل الواقعي الموثق أن علاقات النظام الحاكم قائمة على موالاة أعداء الإسلام ومعاداة المسلمين، ومظاهرة أعدائهم عليهم وتبين من خلال النماذج المعروضة فيما سبق أن معاداة المسلمين وموالاة أعدائهم ومظاهرتهم عليهم هو الأصل، وليس الاستثناء، ووصل الأمر إلى ذروته حين سلّم النظام الدعاة الذين لجأوا للحرم إلى الطغاة من حكام بلادهم يبطشون بهم ويعذبونهم ويقتلونهم، وتبين من خلال النصوص الشرعية وأقوال العلماء أن هذه الأعمال خروج عن الإسلام، وللتأكيد فهذه بعض أقوال أهل العلم في شأن ذلك، كقول ابن حزم في تفسير الآية: ("ومن يتولهم منكم فإنه منهم" (المائدة51،) إنما هو على ظاهره، بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين)(5)، وصرح الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ بردّة من يقترف ذلك فقال: (إن كل من استسلم للكفار ودخل بطاعتهم، وأظهر موالاتهم فقد حارب الله ورسوله، وارتد عن الإسلام ووجب جهاده ...)(6)، وكذا الشيخ حمد بن عتيق حيث قال: (... قد دل القرآن والسنة على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك والانقياد لهم ارتد بذلك عن الدين ...)(7)، وقد عد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ذلك من نواقض الإسلام حيث قال في النواقض: (... موالاة المشرك والركون إليه ونصرته وإعانته باليد واللسان ...)(8)، وقد ثبت من خلال استعراض النماذج الواقعية لعلاقات النظام أنها ولاء حقيقي كامل لأعداء الإسلام، ومظاهرة صريحة لهم على المسلمين، وتربص بالمسلمين وكيد لهم وسعي لإضعافهم، وللأسف فإن الذين يدافعون عن النظام من علماء السلطة وغيرهم يعلمون تلك التفاصيل حق المعرفة، ويعلمون جيداً أن تلك العلاقات ليست مجرد تسديد ومقاربة ودفع للشر، ومع ذلك فلم يكتفوا بترك الإنكار عليهم وبيان الحق في أعمالهم فحسب بل أصروا على تزكيتهم ونعتهم بالحرص على خدمة الإسلام والمسلمين والدفاع عن قضايا الإسلام، وهذا لاشك خيانة لواجب البيان، وتضليل للأمة، وتلبيس على المسلمين، وتلك الجريمة أكبر بكثير من مجرد السكوت عن إنكار ذلك المنكر الكبير، والقعود عن تغييره.

ثالثاً: ثبت بالدليل الواقعي الموثق أن النظام عطّل شعائر الإسلام الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، بل نقضها وعمل بضدها، ومن بين تلك الشعائر وجوب إقامة الحد الأدنى من الجهاد وهو حماية البيضة وسد الثغور، ولقد ثبت أن النظام تعمّد إضعاف الجيش والاعتماد الكامل في حماية البلد على أعداء الإسلام، وسلمهم ومكنهم من أرض الإسلام، وكذلك نقض النظام شعيرة تحريم الربا، ولم يكتف بإباحته وحمايته ودعمه بميزانية الدولة وجعله الأساس في تعامل الدولة الاقتصادي، بل منع بسلطة الدولة إنشاء المصارف الإسلامية، ومنع نشر فتاوى العلماء في البنوك الربوية، ونقض النظام كذلك شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحول إلى نظام يحارب الدعوة ويرمي العلماء والدعاة في السجون، ويضع كل العقبات في سبيل إيصال الحق إلى الأمة، ويوفر كل التسهيلات في إيصال الباطل والفساد والانحراف، وينفذ ما يسمى ببرنامج تجفيف المنابع لعزل الأمة عزلاً كاملاً عن دينها وقيمها، ولقد تبين من خلال أقوال العلماء أن الذين يصرون على تعطيل شعيرة من شعائر الإسلام الثابتة يعامل معاملة الطوائف الممتنعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (... وأيما طائفة ممتنعة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين...)(9)، وقال كذلك: (... فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، أو التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها ...)(10)، فلا يكفي الإقرار بل لابد من التطبيق، والذين يدافعون عن النظام من علماء السلطة وغيرهم يعرفون كل تلك التفاصيل، وهم مطلعون على واقع الجيش والوجود الأمريكي في جزيرة العرب، ومطلعون على واقع الربا ومنع البنوك الإسلامية ومطلعون على ما يجري للدعوة وللدعاة وما ينفذ من برنامج لتجفيف المنابع والإفساد والتخريب، ويصرون بعد ذلك كله على تزكية النظام والتشنيع على من أنكر عليه ولا يكتفون بمجرد السكوت عن جرائمه ونقضه لتلك الشعائر.

رابعاً: ثبت بالدليل الواقعي الموثق أن النظام نقض واجباته تجاه الرعية وأهمها العدل وتعيين الثقات وحفظ المال العام، ولقد ثبت أن الظلم ضرب أطنابه سواء كان ظلم الدولة أو ظلم المتنفذين، وثبت أن التعيين لا يتم إلا على أساس القربى والعلاقة مع الأسرة والولاء لها وخدمتها، وليس على أساس القوة والأمانة، وثبت كذلك أن المال العام يجنى ويحفظ ويصرف بطرق غير شرعية، ولقد ضيع النظام على الأمة أكبر ثروة مالية في تاريخها، واقترف جريمة استراتيجية في تحميل كاهل الأمة الديون الضخمة ومسؤولية سدادها، رغم ما حبا الله هذه البلاد من كنوز عظيمة، ولقد تبين من خلال ما نقل من النصوص الشرعية ضخامة هذه الجرائم وكونها سبب سريع وقوي لحلول الهلاك والدمار وأشكال العذاب الدنيوي، والذين يدافعون عن النظام يعلمون يقيناً كل هذه التفاصيل ومع ذلك فلم يكتفوا بمجرد السكوت على من ظلم وولّى الفسقة والفجار وخاض في مال الله، بل برروا كل ذلك الواقع، ووصفوا الحكام بأوصاف العدل والأمانة والقيام بالمسؤولية، وشنعوا على من أنكر عليه فأي خيانة أكبر من ذلك، وأي غش للأمة وتضليل لها أعظم منه!؟.
مفك14 غير متصل