مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 06-05-2007, 02:21 PM   #12
أبـو خـبـيـب
عـضـو
 
صورة أبـو خـبـيـب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 1,382
يتبـع . . بكر يتحدث .. .





( 5 )


فــي بـلــدٍ جـــائــع !








هـنـــاكـ كـنّــا . .


في " النيجر " . .


وفــي عــاصمتهــا تحديداً . .


دخلنـا أحد المســاجد لأداء الصلاة ، وبـعــد أن انتهت الصلاة توجهنـــا إلى الإمــام .


من المعتــاد أن يقــوم إمــام المسجــد باستضـافــة الغربــاء فـي منزلـه ، ورعــايتهمـ لحين رحيلهمـ . .


سلمنــا عليه . . لم يحتفِ بنــا كثيراً . . بادرنــاه قائلين :

- نحن غـربــاء ، أتينــا من الـ . . .



قاطعنـا بسرعــة قائلاً :

- عـفــواً ، أنــا لست إمـام هــذا المسجـد !

- لست الإمــام ؟!

- نعم .

- وأين هــو ؟

- إنــه ذاكـ الـرَّجــل الـجــالـس هـنـــاكـ .




اتجهنــا نـاحيـة الـرَّجــل المـذكـور ، وعندمـا سلمنا عليه سألنـاه :

- أنت الإمــام ، أليس كذلكـ ؟

- لا ، لست الإمــام .

- عجبــاً . . أين الإمــام إذاً ؟ !

- الإمــام . . لـقــد . . لــقــد ســافــر الإمــام منذ مدّة طويلة ، ولا أظـنُّ أنـه سيعــود ! !




آه . . يكفي . . لقـد فهمنـا الآن كل شيء . .

فالفقر المدقــع الذي يحيط بالـنَّـاس هـنـــا بالكـاد يسمــح لهمـ بإعـالة أطفالهمـ ،

فكيف بإعـالـة الغـربــاء ؟ ! !



لـذا . . فهمـ يفضلون التخلُّـص من الـغـربــاء . . بأي وسيلة ! !





بالكــاد . . حصلنا على مسكن لنـــا . .

في الحقيقة . . لم يكن مسكنــاً بالمعنى الحقيقي لكلمة ( مسكن ) ، لكـنّــه ضـمَّـنــا على

أيَّــة حــال . . ! !


بـدأنـا بالعمل كـ ( حـمَّــالين ) في السُّّوق ، وبأجــرة زهيدة جدّاً ، بالكــاد توفـر لنــا مـا يـقـيــمـ

صلبنــا في اليــوم !



كنــا نعمل يومياً ، ونقعــد يومين أو ثلاثــة عاجزين عن العمــل من شــدّة ما نعانيـه من التّـعـب .


كان عملنا شـاقّــاً جـداً . . وحالتنا الماديّـة متردية إلى أبعــد الحـدود . . !

ولكن . . الحمد لله الذي لا يحمد على مكــروه سـواه .



كنا واثقين بتوفيق الله عز وجل ، فالله عز وجل لن يخذلنا ونـحـن قد خرجنــا لطاعته سبحـانـه

جلّ في عـلاه .





وحــدث مـالم يكن متوقــعــاً أبــداً . .

تعـرّفنــا هنـاكـ على رجلين من " السنغــال " !

نعم . . من بلدنــا . .


تعـرّفنــا على بعضنـا . . وتــآلفنــا سريعـاً . . فـ [ الغريب للغريب نسيب ] .


كـان صاحبـانـا يملكـان مغسلةً يعملان فيهـا ويقتاتان منهـا ، ولما علما بقصتنـا ، عرضــا

علينــا شراء المغسلة منهمـا ، إذ أنهمـا ينويان العــودة إلى " السنغــال " .



لكـ الحمد يا رب . .

وافقنـا . .


لكن . .



من أيــن لنـا بالمــال ؟




دلـنَّــا هذان الرجلان على سنغالي آخــر يعمـل في العـاصمة . .

وبالفعـل . . استدنَّــا منـه المبلغ المطلوب ، واشترينـا المغسلة من الرجلين ، على أن نعـيــد إلى الرَّجـل

مالـه بمـا سنجنيـه من هذه المغسلــة .



اشترينـا المغسلة بما يعادل تقريباً بالعملة السعودية المئتي ريال ، اشتريناها بكل أثـاثهـا .

ومـا أثـاثـهـا ؟ ؟


لم تكـن المغسلة سـوى وعــاء دائري متوسط الحجم [ طست ] ، وحـديـدة يوضع عليها الجمـر ، تستخدم لكيِّ

الملابـس !


وبـاشرنـا العمـل في المغسلة .




كنـا نستيقـظ قبل الفجر ، ونبـدأ بغسيل الملابس حتى الظهـر ، وبعد الظهـر نبدأ بكيِّهـا حتى المغـرب !

وبعد المغـرب نسقـط متعبين قـد أرهقتنـا أعـمــال هـذه المغسلة .


أدينـا الدين لصاحبه بحمد الله عز وجل بعد فترة من العمــل ، وأزحنـا هـمَّـاً كان يثقل كاهلينا . .


أمضينـا في " النيجــر " مـدّةً تزيــد على الستة أشهر ، جمعنــا خلالها ما يعــادل الستَّ مئـة ريال تقريباً ،

كــان هـذا المبلغ نتيجــة للعمــل الدؤوب والمستمر في تلكـ المغسلة .



وكــان المبلغ المتوفر كـافيـاً لمواصلـة مسيرنــا ، ولـذا . .

فقـد قـرَّرنـا الرَّحيــل ، وحددنـا لذلكـ موعــداً .



بـدأت استعداداتنـا للرحيل . .

كنَّــا نحترق شوقــاً في انتظــار تلكـ الساعــة التي سنكحـل فيهـا أعيننا برؤية بيت الله الحرام . .


ولكـن . .

حدث مالم يكـن في الحسبان . .


.

.


.



* * * * *
__________________
( لو كانت الدنيا تبراً يفنى والآخرة خزفاً يبقى لكان ينبغي للعاقل إيثار الخزف الباقي على التبر الفاني ،

فكيف والدنيا خزف فانٍ والآخرة تبرٌ باقٍ )


يحيى بن معاذ _ رحمه الله _

أبـو خـبـيـب غير متصل