( 5 )
فــي بـلــدٍ جـــائــع !
هـنـــاكـ كـنّــا . .
في " النيجر " . .
وفــي عــاصمتهــا تحديداً . .
دخلنـا أحد المســاجد لأداء الصلاة ، وبـعــد أن انتهت الصلاة توجهنـــا إلى الإمــام .
من المعتــاد أن يقــوم إمــام المسجــد باستضـافــة الغربــاء فـي منزلـه ، ورعــايتهمـ لحين رحيلهمـ . .
سلمنــا عليه . . لم يحتفِ بنــا كثيراً . . بادرنــاه قائلين :
- نحن غـربــاء ، أتينــا من الـ . . .
قاطعنـا بسرعــة قائلاً :
- عـفــواً ، أنــا لست إمـام هــذا المسجـد !
- لست الإمــام ؟!
- نعم .
- وأين هــو ؟
- إنــه ذاكـ الـرَّجــل الـجــالـس هـنـــاكـ .
اتجهنــا نـاحيـة الـرَّجــل المـذكـور ، وعندمـا سلمنا عليه سألنـاه :
- أنت الإمــام ، أليس كذلكـ ؟
- لا ، لست الإمــام .
- عجبــاً . . أين الإمــام إذاً ؟ !
- الإمــام . . لـقــد . . لــقــد ســافــر الإمــام منذ مدّة طويلة ، ولا أظـنُّ أنـه سيعــود ! !
آه . . يكفي . . لقـد فهمنـا الآن كل شيء . .
فالفقر المدقــع الذي يحيط بالـنَّـاس هـنـــا بالكـاد يسمــح لهمـ بإعـالة أطفالهمـ ،
فكيف بإعـالـة الغـربــاء ؟ ! !
لـذا . . فهمـ يفضلون التخلُّـص من الـغـربــاء . . بأي وسيلة ! !
بالكــاد . . حصلنا على مسكن لنـــا . .
في الحقيقة . . لم يكن مسكنــاً بالمعنى الحقيقي لكلمة ( مسكن ) ، لكـنّــه ضـمَّـنــا على
أيَّــة حــال . . ! !
بـدأنـا بالعمل كـ ( حـمَّــالين ) في السُّّوق ، وبأجــرة زهيدة جدّاً ، بالكــاد توفـر لنــا مـا يـقـيــمـ
صلبنــا في اليــوم !
كنــا نعمل يومياً ، ونقعــد يومين أو ثلاثــة عاجزين عن العمــل من شــدّة ما نعانيـه من التّـعـب .
كان عملنا شـاقّــاً جـداً . . وحالتنا الماديّـة متردية إلى أبعــد الحـدود . . !
ولكن . . الحمد لله الذي لا يحمد على مكــروه سـواه .
كنا واثقين بتوفيق الله عز وجل ، فالله عز وجل لن يخذلنا ونـحـن قد خرجنــا لطاعته سبحـانـه
جلّ في عـلاه .
وحــدث مـالم يكن متوقــعــاً أبــداً . .
تعـرّفنــا هنـاكـ على رجلين من " السنغــال " !
نعم . . من بلدنــا . .
تعـرّفنــا على بعضنـا . . وتــآلفنــا سريعـاً . . فـ [ الغريب للغريب نسيب ] .
كـان صاحبـانـا يملكـان مغسلةً يعملان فيهـا ويقتاتان منهـا ، ولما علما بقصتنـا ، عرضــا
علينــا شراء المغسلة منهمـا ، إذ أنهمـا ينويان العــودة إلى " السنغــال " .
لكـ الحمد يا رب . .
وافقنـا . .
لكن . .
من أيــن لنـا بالمــال ؟
دلـنَّــا هذان الرجلان على سنغالي آخــر يعمـل في العـاصمة . .
وبالفعـل . . استدنَّــا منـه المبلغ المطلوب ، واشترينـا المغسلة من الرجلين ، على أن نعـيــد إلى الرَّجـل
مالـه بمـا سنجنيـه من هذه المغسلــة .
اشترينـا المغسلة بما يعادل تقريباً بالعملة السعودية المئتي ريال ، اشتريناها بكل أثـاثهـا .
ومـا أثـاثـهـا ؟ ؟
لم تكـن المغسلة سـوى وعــاء دائري متوسط الحجم [ طست ] ، وحـديـدة يوضع عليها الجمـر ، تستخدم لكيِّ
الملابـس !
وبـاشرنـا العمـل في المغسلة .
كنـا نستيقـظ قبل الفجر ، ونبـدأ بغسيل الملابس حتى الظهـر ، وبعد الظهـر نبدأ بكيِّهـا حتى المغـرب !
وبعد المغـرب نسقـط متعبين قـد أرهقتنـا أعـمــال هـذه المغسلة .
أدينـا الدين لصاحبه بحمد الله عز وجل بعد فترة من العمــل ، وأزحنـا هـمَّـاً كان يثقل كاهلينا . .
أمضينـا في " النيجــر " مـدّةً تزيــد على الستة أشهر ، جمعنــا خلالها ما يعــادل الستَّ مئـة ريال تقريباً ،
كــان هـذا المبلغ نتيجــة للعمــل الدؤوب والمستمر في تلكـ المغسلة .
وكــان المبلغ المتوفر كـافيـاً لمواصلـة مسيرنــا ، ولـذا . .
فقـد قـرَّرنـا الرَّحيــل ، وحددنـا لذلكـ موعــداً .
بـدأت استعداداتنـا للرحيل . .
كنَّــا نحترق شوقــاً في انتظــار تلكـ الساعــة التي سنكحـل فيهـا أعيننا برؤية بيت الله الحرام . .
ولكـن . .
حدث مالم يكـن في الحسبان . .
.
.
.
* * * * *