[align=justify]
سلمان العودة والتأشيرة السويسرية
جمال سلطان - جريدة المصريون - القاهرة
أحيانا يبدو السلوك الغربي تجاه الحالة الإسلامية مترعا بالجهل و"الغشومية" ، وبصورة لا يمكن أن تستقيم مع العقل أو المنطق ، من النماذج الفاضحة لمثل هذا السلوك "الغشيم" قرار السلطات السويسرية منع إصدار تأشيرة دخول للداعية السعودي المعروف الدكتور سلمان العودة ، وهو أحد رموز الاعتدال المؤثرين في الحالة السعودية والخليجية الآن ، وربما قطاع كبير من المثقفين المصريين لا يعرف الخريطة الإسلامية في الخليج ، ولتقريب المسألة فإن دور ومكانة العودة في السعودية تماثل ـ تقريبا ـ دور ومكانة الشيخ يوسف القرضاوي في مصر ، والشيخ سلمان العودة رمز كبير من رموز الخطاب الإسلامي في الخليج ، كما أن خطابه الدعوي في السنوات الأخيرة يتميز بقدر كبير من الانفتاح والاعتدال ، وهو ما أثار عليه مشكلات بين الشباب المتحمس ، خاصة عندما تصدى للدعوات العشوائية التي تتوسد العنف سبيلا للتغيير ، والأهم من ذلك موقفه الجديد من العلاقات الإسلامية الغربية ، ودعوته إلى الحوار ، وتبنيه لخطاب وافر العقلانية والحكمة في التعامل مع الآخر ، وقد شارك بفاعلية في إصدار العديد من البيانات والخطابات الفكرية والثقافية التي تدعو الغرب إلى الحوار ، وتدعو الحالة الإسلامية إلى فهم التركيبة الغربية وحسن التعامل مع تفاصيلها ، فمثل هذه الشخصية ، بكل هذه المواصفات والمقاييس عندما تقابل من الطرف الغربي بكل صلف وغرور وجهل ، يصل إلى حد منعها من الحصول على تأشيرة دخول إلى دولة هامشية ـ بالحساب السياسي ـ مثل سويسرا ، فإن هذا الموقف بدون شك يعطي رسائل شديدة السلبية للحالة الإسلامية ، ويعني أن السياسات الغربية لا تفرق بين معتدل ومتطرف ، ولا بين من يدعو إلى استخدام العقل والحكمة والحوار الإنساني وبين من يدعو إلى استخدام الأحزمة الناسفة وخطف المدنيين ، القضية رمزية بالأساس في حالة الداعية السعودي الكبير ، لأنها "مش فارقة معاه" كما يقال ، أن يسافر إلى هناك أو لا يسافر ، ولكن البعد الرمزي في الموضوع هو الخطير ، هل بالفعل الخصومة الغربية هي مع خطاب العنف في الحالة الإسلامية ، وضد التطرف والأصولية ، أم أنها خصومة مع الإسلام نفسه ، وربما خصومة مع الخطاب المعتدل أكثر من الخطاب المتطرف ، باعتبار الخطاب المعتدل والعقلاني أكثر نفاذا في الأوساط الغربية وكسبا للفهم والتعاطف والقبول ، بصراحة الموقف السويسري يعطي الانطباع الواضح بأن الموقف هو من الإسلام نفسه ، وليس مع التطرف ، لأنه بكل المقاييس لا يمكن تصنيف سلمان العودة في معسكر التطرف ، بل إن المعادلة تكون أكثر إثارة للحيرة والإرباك عندما نضع في مقابل هذا الموقف مواقف أخرى مثلت احتفالا بشخصيات محسوبة على تيار التطرف في الحالة الإسلامية ، ومنح الكثيرين من هذه الشخصيات أوضاعا قانونية لها حصانة مثل حق اللجوء السياسي ، وحتى لا يفهم كلامي بمحمل خطأ ، فإن من حق هؤلاء أيضا أن يحصلوا على اللجوء طالما التزموا بالمعايير القانونية ونبذوا أي سلوك يتعارض معها ، خاصة وأن الكثيرين منهم معرضون للمخاطر إذا عادوا إلى بلادهم ، ولكن أن يتم التعامل بمثل هذه الأريحية مع من يصنفون تقليديا في معسكر التطرف ، بينما يتم التصرف بعجرفة وصلافة مع رموز الاعتدال في الحالة الإسلامية ، فإن الأمر يجعلنا أمام علامة استفهام كبيرة .
[/CENTER]