مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 11-06-2007, 09:06 PM   #8
الناقد1
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2007
المشاركات: 410
لقد ثارت الشجون في الحديث عن أدب السجون ، فاسمحوا لي بالاستطراد في قصة من أدب السجون قديماً يرويها بطل تلك المأساة ، الشاعر أبوالعتاهية ، يقول :
( لما امتنعت من قول الشعر، وتركته، أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم، فأخرجت من بين يديه إلى الحبس.
فلما أدخلته دهشت وذهل عقلي، ورأيت منظرا هالني.
فرميت بطرفي أطلب موضعا آوي فيه، أو رجلا آنس بمجالسته، فإذا أنا بكهل حسن السمت، نظيف الثوب، تبين عليه سيماء الخير، فقصدته. فجلست إليه من غير أن أسلم عليه، أو أساله عن شئ من أمره، لما أنا فيه من الجزع والحيرة.
فمكثت مليا، وأنا مطرق مفكر في حالي، فأنشد الرجل:
تعودت مس الضر حتى ألفتـــــــــه *** وأسلمني حسن العزاء إلى الصبــر
وصيرني يأسي من الناس واثقــــا *** بحسن صنيع الله من حيث لا أدري

قال: فاستحسنت البيتين وتبركت بهما، وثاب إلي عقلي، فأقبلت على الرجل، فقلت له: تفضل أعزك الله بإعادة هذين البيتين.
فقال لي: ويحك ياإسماعيل - ولم يكنني - ما أسوأ أدبك، وأقل عقلك ومروءتك! دخلت، فلم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم، ولا توجعت لي توجع المبتلي للمبتلي، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم، حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك فضلا ولا أدبا، ولا جعل لك معاشا غيره، لم تتذكر ما سلف منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مما قدمته، وفرطت فيه من الحق، حتى استنشدتني مبتدئا، كأن بيننا أنسا قديما، أو معرفة سالفة، أو صحبة تبسط المنقبض.
فقلت له: تعذرني متفضلا، فإن ما دون ما أنا فيه ما يدهش.
فقال: وأي شئ أنت؟ أنت إنما تركت قول الشعر الذي كان به قوام جاهك عندهم، وسببك إليهم، فحبسوك حتى تقوله، وأنت لا بد أن تقوله، فتطلق. وأنا يدعى بي الساعة فأُطالب بإحضار عيسى بن زيد، وهو ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن دللت عليه، لقيت الله عز وجل بدمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمي فيه، وإن لم أفعل قُتلت، فأنا أولى بالدهش والحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري!
فقلت: يكفيك الله عز وجل، وأطرقت خجلا منه.
فقال لي: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع اسمع البيتين، واحفظهما، فأعادهما علي مرارا حتى حفظتهما
ثم دعي به وبي، فلما قمنا قلت له: من أنت أعزك الله؟
قال: أنا حاضر، صاحب عيسى بن زيد.
فأدخلنا على المهدي، فلما وقفنا بين يديه قال له:
أين عيسى بن زيد؟
قال: من يدريني أين عيسى بن زيد، طَلَبْتَه وأخفْتَه فهرب منك في البلاد وأخذتني فحبستني، فمن أين أقف على موضع هاربٍ منك وأنا محبوس؟
قال له: فأين كان متواريا، ومتى آخر عهدك به، وعند من لقيته؟
قال: ما لقيته منذ توارى، ولا أعرف عنه خبرا.
قال: والله لتَدُلَّني عليه أو أضرب عنقك الساعة!!
فقال: اصنع ما بدا لك، أنا أدلك على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقتله، وألقى الله عز وجل ورسوله، وهما مطالبان لي بدمه؟! والله لو كان بين جلدي وثوبي ما كشفت عنه.
فقال: اضربوا عنقه!
فقُدٍّم فضربت عنقه من ساعته.
ثم دعاني، فقال: أتقول الشعر، أو ألحقك به؟!!
قلت: بل أقول الشعر
قال: أطلقوه...)
( من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي )
__________________
فـاطر السـماوات والأرض أنت وليي في الـدنيا والآخـرة تـوفـني مـسـلـماً وألـحـقـنـي بـالـصـالـحـيـن
الناقد1 غير متصل