مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 21-06-2007, 01:17 AM   #2
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[align=justify]
[ 3 ]

بريدة ... قبل الجامعة !


المصدر الوحيد الذي سمعت فيه اسم مدينتنا ( بريدة ) في طفولتي كان لسان حسن كراني الذي له الفضل في معرفتي أن بالمملكة العربية السعودية مدنًا غير الخفجي والنعيرية وحفر الباطن و رفحاء ، والرياض ، طبعًا قد يسأل سائل : لماذا خصصت هذه المدن ؟ جوابي : أن طفولتي وزعت بين الخفجي مسقط رأسي ، ومدينة رفحاء التي احتضنت مراهقتي ؛ فكنت أنتقل بينهما ومن الطبيعي – لمن يعرف الطريق القديم بين رفحاء والخفجي – أن النعيرية وحفر الباطن في طريقنا ... فقط ، هذا هو السبب ، أما مدينة الرياض فلا حاجة لذكر سبب معرفتي بها .

فقدت الاتصال ببريدة بعد أن انقطعت عن حسن كراني حين غزو الأطباق الفضائية لأسطحنا عام 1416هـ في آخر سنة في المرحلة الابتدائية ، وبعد خمسة سنوات – وانتبهوا للموقف الطريف – وتحديدا في عام 1421هـ ، وبعد سنة من الدخول في عالم الاستقامة – إن صح التعبير - ؛ عُيِّن مدرسٌ جديدٌ لحلقتنا اسمه عبداللطيف الجفن ، وهو مربٍّ فاضل من أهل القصيم ، له فضل علي عظيم لا أنساه ، ومع أنه من أهل بريدة إلا أنني لم أسمع من شيخنا عبداللطيف ولا من زملائه من الأساتذة الأفاضل من أهل القصيم إلا : عندنا أشغال في القصيم ، سوف نسافر للقصيم ، كذا في القصيم .. وهكذا . حتى الآن لم أسمع بمدينة بريدة ، وقد نسيت اسمها تمامًا .

في آخر السنة ، وفي رحلةٍ لمركزٍ صيفي كان خاصًّا بطلاب الحلقات ، دخلنا مدينة بريدة ، وأذكر أنني قد سألت بفضول : إيش هذه ؟ فرد أحد المشرفين : هذه بريدة . قلت : متى نصل القصيم ؟ فضحك المشرف لما علم أنني أظن بأن القصيم مدينة ؛ وأخوكم في الله مستغرب من ضحكه ، فنبهني أن القصيم منطقة ، وبريدة مدينة في منطقة القصيم وهي مركز إمارتها .

في السنة الدراسية التالية 1422 – 1423 هـ ، دُعِينا لزواج أحد المدرسين من أهل القصيم ممن عُيِّن في مدينتنا ، ثم نُقل عنها ، وكان مسئولا عن التوعية الإسلامية وله فضل كبير علينا ، وأنتج خيرًا للتوعية لم أرَ مثله في حلقة أو مركز ، وفقه الله أينما حل ، وسدد خطاه ، اسمه عبدالعزيز الغنيم ، من عرفه فلينقل سلام معترف بفضله وقدره – وفقه الله تعالى - ، قررنا إجابة دعوة الأستاذ عبدالعزيز ، وسافرنا لبريدة ، وحضرنا العرس ، وأذكر أنني حضرت صلاة استسقاء للشيخ عبدالله القرعاوي – وفقه الله تعالى – في أيام الزيارة ، وكانت – ولا زالت – أجمل خطبة حضرتها في حياتي .

كانت تلك تعتبر زيارة سريعة جدا لبريدة ، ثم تتابعت الزيارات في السنتين الأخيرتين قبل الجامعة ، وكلها مع الحلقة ، أو مع المركز الصيفي ، فعلمت أننا نزور مدينة تستحق لقب ( مدينة العلماء ) هي ومدينة عنيزة ، في زياراتنا تعرفت على المدينة أكثر وأكثر ، لكن هذه المعرفة تدور حول أمور محددة ، المكتبات ، ومطعم الطازج ، و بعض العلماء الذين زرناهم كالعلامة سليمان العلوان ، الذي سمعت عنه الكثير قبل أن أقابله – عجل الله تعالى بفرجه - ، والشيخ علي الخضير – فرج الله عنه - ، والشيخ عبدالكريم الحميد – وفقه الله تعالى - ، وفي كل زيارة ورحلة كان لي من المواقف ما يستحق الوقوف عندها للتأمل ، لكن هذه الذكريات جامعية فقط ؛ لذا لن أسهب فيما لا يتعلق بها ، هذه الأمور المحددة التي عرفناها من بريدة ، إضافة إلى أهم أمر أعجبني في هذه المدينة ، أمرٌ ربما قد اعتدتم عليه هنا ، لكنه كان مميزًا جدًّا بنظري ، تلك الاستراحات الجميلة التي تتوزع في أطراف المدينة ، بمسابحها الجميلة ، وملاعبها المزروعة ، كانت رفحاء – في ذلك الوقت – تفتقد إلى مثل هذه الاستراحات ، خصوصًا المسابح ، لحبي الكبير للسباحة ، واسألوا الخليج العربي الذي يزحف حتى مدينة الخفجي !

في آخر رحلة لحلقتنا قبل أن نتخرج من الثانوية قمنا بزيارة بريدة ، واصطحبنا مدرس الحلقة ( أحد مشايخنا وأصله من أهل القصيم ومن طلاب الإمام ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - ) إلى جامعة الإمام محمد بن سعود ، ولم يدر بخلدي أبدًا أنني سألقي بقطع من قلبي ، وشيئا ليس بالهين من تفكيري في أزقتها ، وبين جدرانها ، جلسنا في المطعم قرابة الساعتين وأعين طلاب الجامعة ترقبنا باستعلاء .

في تلك الزيارة حضرنا درسًا لشيخ اسمه سلمان العودة ، ما إن انتهى اسمه إلى سمعي ، حتى تذكرت لقاءا أجري معه في مجلة كويتية – منعت لاحقا عن التوزيع في السعودية – أظن أن اسمها ( القمة ) - إن لم أكن واهمًا - ، ولم أتذكر الكثير ، واعتقدت أنني أمام شيخ كبقية المشايخ الذين عايشتهم في مدينتي ، أو سمعت لهم .. أو قرأت ؛ حدثنا مدرسنا عن الشيخ سلمان العودة مادحًا إيّاه ، ومثنيًا عليه ، لكن كل ذلك تبخر لما أطال الشيخ درسه الذي لم نفهم منه شيئا ، وقد أصابنا الملل الشديد ، خرجنا من الدرس ومدرس حلقتنا يعتذر بأن الدرس فكري .. إلخ إلخ ، فلم يَعْلق الدرس ولا حتى الشيخ برأسي ، ولم أعلم أنه سيكون لي مع هذا الإنسان متابعة ، ثم حبا ، ثم حبا وارتيابا ، ثم حبا وركونا وثقة .

هذه بريدة عندي قبل الجامعة ، دار علماء ومكتبات واستراحات و ... مطعم الطازج ، ولم أتخيل حينها أن هذه المدينة ستكون دار مرحلة مهمة من مراحل حياتي ، حيث الفتور والنشاط ، والإدبار في نفسيتي والإقبال .. باختصار : دار مرحلة حياتية كاملة ، هي دار داجن و كنتاكي وماكدونالدز ولمعة الشرق والبحار و .... كودو بالطبع ، دار العثيم وبندة وجيان ، دار جرير والعبيكان والرشد والمجتمع ، دار بينات وأحد وأصداء المجتمع ، دار جامع القرعاوي والونيان ، دار الخالدية والضاحي وشارع المستودعات ، دار قاعة ابن عثيمين والمبنى الثالث و " راجع المليداء " ، دار ( عبدالحق ) و ( بلال ) و ( سيف ) و( أبو كلام ) .. ! دار مكتبة المساعي وركن المجتهد ، دار أظلمت حتى استوطن الحزن فؤادي ، وأنارت حتى ذابت السعادة في وجداني ، دار دخلها بعض ممن أعطيتهم قطعا من قلبي أخيارًا عبّادًا روادا لحِلق العلماء ، فخرجوا منها وقد تساقطوا واحدًا بعدَ الآخر حتى قضى الجيل الأول من أصحابي ، غير أن هناك من دخلها والتفاهة بين عينيه ، وهاهو الآن وحب العلم والصلاح بين جنبيه .

دار المؤذن " أبو محمد " الشيخ العراقي .. أعمى البصر ، ودار الشيخ القصيمي الوقور ، حمامة المسجد ، وخليل القرآن ، ذي اللحية البيضاء ، والوجه المنير ، في جامع القرعاوي ، دارٌ صَدَمْت بها ( حقيقة ) بشرًا وحديدًا ، وكدت أن أموت دعسًا ، وغرقًا ، ومرضًا ، دارُ الحمزاوي ، وحرب ، والبطشان ، والمحمود ، والفاضل عبدالعزيز المقبل ، وإبراهيم التركي ، والجزائري حلام – رحمه الله تعالى – ، وربيع ، والسيف ، دار خالد المشيقح ، والمصلح ، والصقير ، دار العم أحمد ، والتوم ، والصقعبي .... دارُ .. !!

أين أذهب بكم ؟!

إنها – باختصار - داري ، موطن أحلامي وهمومي ، و حاضنة أجمل سنوات عمري ... !

إنها ... بريدة !
[/CENTER]
__________________
يا صبر أيوب !

آخر من قام بالتعديل الثائر الأحمر; بتاريخ 21-06-2007 الساعة 01:26 AM.
الثائر الأحمر غير متصل