توليه الإمارة :
يذكر التاريخ لحجيلان بن حمد قصتين في أخذ الإمارة الاولى بتاريخ 1184هـ برواية ابن بشر (4) ، و تقول الأخبار الشفهية أنه كان ضمن المجموعة من آل ابوعليان التي ذهبت لتسطوا على راشد الدريبي -حسب ما يروى-(5) و اقتحموا على الامير راشد الدريبي القصر و لكنهم احدثوا ضجة و استطاع الهرب . و تولى بعد هذه الحادثة ابن عدوان(6) لمدة أشهر ثم جاء بعده الأمير عبدالله بن حسن و بقي في الأمارة حتى حصارعريعر بن دجين الأول لبريدة ببني خالد و عنزة حسب ماترويه المصادر و احتال عليه عندما طلب عريعر خروج الأمير عبدالله بن حسن إليه فقبض عليه و حبسه و تأمّر في بريدة راشد الدريبي ثم حدث أن هرب عبدالله بن حسن من الأسر و ذهب إلى الدريبي مع جماعة من آل ابوعليان و جلسوا فترة و حاربوا مع ابن سعود ثم عادوا لبريدة ، و حصلت أحداث على إثرها دخلوا بريدة برئاسة الأمير عبدالله بن حسن و خرج منها الأمير راشد الدريبي آل ابوعليان.
ثم قُتِل الأمير عبدالله بن حسن –و وصفه ابن بشر بأمير القصيم- في السنة اللتي تلتها 1190هـ في غزوة مع الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود على أعراب آل مرة في موقع يسمى (مخيريق الصفا)(7) . ثم كان موعد السطوة الثانية على امارة بريدة . إذ تذكر لنا الروايات الشعبية أن حجيلان سطى على الحكم و اخذه من راشد الدريبي و لكن التاريخ المدون لا يذكر عودة راشد الدريبي لبريدة بعد مقتل الامير عبدالله بن حسن –رحمهم الله- فضلا عن السطوة التي حدثت بعد هذه السنة . و اول حدث مكتوب لبريدة بعد 1190هـ هو في سنة 1196هـ في حصار بريدة ، لذا و في فترة بين هذين التأريخَين يفترض أن يكون الامير حجيلان بن حمد انتزع الإمارة في بعد أن عاد لها راشد الدريبي بعد مقتل عبدالله بن حسن سنة 1190هـ .
فيكون تأمّر حجيلان حسب التاريخ الموجود غير مقيّد بنصّ ، و لكنه محصور مابين 1190-1196هـ و هي سنة حصار سعدون بن عريعر لبريدة التي كان حجيلان حينها أميراً على بريدة .
سياسة الأمير حجيلان بن حمد و انجازاته المدنية :
تحدث الكثير عن التطور الكبير الذي لحق بريدة و الخبوب في عهد حجيلان بن حمد فضلا عن سياسية التوطين البناءة التي اتّخذها في بريدة فكانت نظرة بعيدة منه تكشف مدى فهمه و تقديره لإدارة الأمور و السير بها و هذا لم يكن متوفراً عند الكثير من الأمراء النجديين حينذاك . و يذكره ابن بشر رحمه الله بقوله : ((و كان حجيلان من أشد الناس حميّة لأهل بلدانه مع محبته لأهل هذا الدين و شدة نصرته له و لأهله)) . و كانت امارته خير و بركة على بريدة و على ما يتبعها من القصيم إذ استمرت حوالي أربعين سنة فازدهرت في زمنه بل كان عصره أول عصر ذهبي لها . و قد قويت شوكة القصيم في زمنه حتى أنه كان يغزو في نقرة الشام و في مشارف المدينة المنورة و ناصر آل سعود و اتفق معهم على تحكيم الشرع و إقامة علم التوحيد فَنَعِمَت البلاد بالعدل و الاستقرار. و قد توسعت بريدة في عهده و كثر المهاجرون إليها مما رفع من عدد سكانه ، و كان كثير من هؤلاء من المناطق المجاورة الذين امتهنوا تلك المهن التي لم يكن أهل القصيم يمتهنونها . كما نزح قسم من أهل الجناح قرب عنيزة إلى بريدة بعد هدمه سنة 1201هـ (8) .
و كانت له سياسة حكيمة في توطين القادمين في البلاد فكان إذا ذُكِر له أن أجنبياً قد إلى البلاد استدعاه و سأله : لماذا قدمت إلى بلادنا ؟ فإن قال قدمت للشغل . قال حجيلان : يا ابني شغل بلدنا لأهل بلدنا ثم أضافه ثلاثة ايام و أعطاه زادا يعينه على الوصول إلى أي بلدة يختارها و أبعده عن البلد . و إن قال : إنما جئت لأسكن في البلاد و اكون من جماعتكم . قال له أهلا و سهلا ثم أعطاه قطعة من الأرض الصالحة للزراعة بدون مقابل، و يقول له : لك مهلة كذا و كذا من الوقت ، إن أصلحتها فهي لك و إلا استرجعناها منك(9) .
و يصف محمد بن عبدالكريم الحنايا -في مقال له- هذه السياسة : ((وكان حجيلان بن حمد يهدف إلى تنشيط التجارة من جهة والقضاء على البطالة من جهة أخرى وانعاش اقتصاد مدينته بصورة أكبر فقدم الأمير كما يتحدث الرواة المال ومنح الأرض والدكاكين وأعطى الراحلة وأدوات الصناعة والتجارة وغيرها من متطلبات المهن وتبعاً لهذا الإجراء شهد اقتصاد بريدة وتجارتها حركة غير عادية في ذلك الوقت وانصرف الكثيرون إلى عمليات الاتجار والزراعة وتنامت المهن والحرف اليدوية فيها وأصبحت بريدة مقصداً وميداناً حراً للتجارة والزراعة والصناعة بأنواعها وأنماطها المختلفة وسجلت الأسواق فيها حضوراً لافتاً تحدث عنه المهتمون كثيراً إلى درجة أن الرواة يذكرون أنه في عهد إمارة حجيلان بن حمد التي استمرت قرابة الأربعين عاماً تم توسيع سور بريدة (العقدة) أو الحامية ثلاث مرات نظراً لتوسع حجم المدينة وزيادة عدد السكان فيها وازدهار الحياة بأوجهها المختلفة هذه السياسة المنبثقة من عقلية ورؤية فذة قبل ما يقارب العقدين ونصف من الزمن تحكي فعلاً جدارة أبناء بريدة في رسم صورة المستقبل وقدرتهم على الاضطلاع بمسؤولياتهم و استشعار دورهم فنظرية حجيلان بن حمد الاقتصادية تستحق التدريس في زمننا هذا وهي جديرة بالاهتمام والتقدير))(10) . و هذه السياسة نراها متّبعة الآن في وزارة الزراعة بور للمواطنين بهدف استصلاحها و تمهلهم ثلاث سنوات للنهوض بها و الا استعيدت منهم و اعطيت لغيرهم(11) .
و يعبّر عن هذه السياسة آخر بقوله : (( إستجابة لهذا البرنامج الإصلاحي الطموح إنفتح باب الهجرة إلى بريدة على مصراعيه، جاء إلى بريدة المهاجرون من داخل الجزيرة العربية وخارجها، كما وجد البناءون والحرفيون ( الصناع والنجارون والدباغون والجزارون ) في بريدة فردوسهم الجديد. إستوطن ببريدة عدد كبير من أبناء القبائل الذين إستطعموا حلاوة الإستقرار. كما لاذ بها عدد من الهاربين من ملاحقة الثارات. بل يعتقد أن من أهل بريدة من ترجع أصولهم إلى قوميات غير عربية، فمن الملاحظ أن لهجة أهل بريدة مزيج من لهجة بني تميم ولهجات القبائل والمجتمعات المستوطنة شمالي الجزيرة العربية وشمالها حتى الحدود التركية، لقد شكل هذا الخليط مجتمعاً جديداً مرصعاً بفسيفساء عديدة ومتنافرة الألوان وإن شئت قل لوحة سريالية لايتفق إثنان على تفكيك رموزها فكل يستوحي منها رؤية خاصة به حسب ثقافته ووفقاً لحالته النفسية، و أصبح الولاء للمدينة والدفاع عن مصالحها الإقتصادية هو القاسم المشترك بين مواطنيها))(12).
-و له -رحمه الله- عدة مآثر و آثار منها ذلك السور العظيم المعروف باسمه و هو الذي لم يبنَ على بريدة مثله قبله أو بعده . و قد صمد أمام هجمات المدافع التركية التي جاءت من العراق (حصار 1201هـ) أو في التي جاءت من مصر (حصار1233هـ) و لا تزال بقاياه موجودة(13) إلى وقت قريب و بمعاينة احد البواقي وجدوا ان عرضه ثلاثة امتار و زيادة و هذا بعد قرنين من الزمان . و قالوا : بأنه كان البعير يمشي فوق السور في أصل الجدار و يفرغ حمولته من الطين يمنة و يسرة فيخلطون الطين في اماكنهم . و تبلغ نسبة الزيادة في المساحة بينه و بين السور السابق له (سور الدريبي) أكثر من 300% في فترة لا تتجاوز ثلاثين عاماً(14) ، و هي نسبة نمو عالية جدا بالنسبة لتلك الفترة في نجد . و كان بناء هذا السور بمشاركة أهل القرى القريبة من بريدة فقد أشار عليهم حجيلان بهذا معللا ذلك بأنه ليس لأهل بريدة فقط بل للجميع و يجب على الجميع المشاركة فيه(15).
-و قد قدّر الربدي في كتابه "بريدة؛ نموها الحضري و علاقاتها الاقليمية" الكثافة السكانية لنهاية فترة حكم الأمير حجيلان بن حمد بأكثر من 4416 نسمة بزيادة قدرها 3056 نسمة عن الفترة التي سبقت حكمه .
-و كان للأمير حجيلان –رحمه الله- توجه معروف للعمل الخيري المنظم من خلال تخصيص دور لرعاية الأيتام و اللقطاء و كان برعاية مباشرة منه و كان هذا انجازا فريدا لم اقرأ بوجود مثيل له في نجد حينذاك ، وأراد الله ان يكون احد اللقطاء -و اسمه عباد- ممن رباهم حجيلاهم في دوره و اصبح بوابا للقصر هو من سيتسبب في مقتل ابنه الوحيد "عبدالله" في آخر حياته. فأقام في داخل قصره و بمساعدة زوجته لولوة بنت عبدالرحمن العرفج "العرفجية" غرف للعجزة و المشلولين و ذوي العاهات و المعتوهين الذين أصيبوا بعاهات مستديمة ، و كذلك الأيتام و الأرامل و اللقطاء من الجنسين ، كل هؤلاء أسكنهم حجيلان و وفّر لهم الطعام و الماء و الملبس ، فأصبح الناس إذا رأوا مشلولاً أو مصاباً بعقله أو لقيطاً قالوا: سلّموه حجيلان ، أو اذهبوا به إلى قصر حجيلان(16).
-قضاء الأمير حجيلان بن حمد نهائيا على بلدة الشماس سنة 1196هـ و نزوح أهلها الى الشماسية و جزء إلى بريدة نفسها كان له اثر اقتصادي كبير على بريدة . فقد فتح المجال لبريدة في التوسع في كل الاتجاهات و ابعد عنهم ذلك الخصم القديم الذي يقف عائقاً امام تطور بريدة ، و ادى هذا ايضا الى زيادة دخل بريدة من الضرائب و الزكوات التي أصبحت تؤدى إلى الأمير حجيلان بن حمد من سكان القرى و البلدان المحيطة(17) .
--------------------------
(4)عنوان المجد ج1 ص115 ، تحقيق : آل الشيخ
(5)معجم بلاد القصيم ج2 ص504
(6)العدوان أسرة معروفة من آل ابوعليان
(7)عنوان المجد ج1 ص130
(8)معجم بلاد القصيم
(9)معجم بلاد القصيم ج2 ص511-512
(10)صحيفة الجزيرة .
(11)بريدة؛ نموها الحضري وعلاقاتها الاقليميه ج2 ص66
(12)عبدالله الوابلي ( من مثقفي بريدة ) ، في حديث لجسد الثقافة
(13)معجم بلاد القصيم ج2 ص511-512
(14)بريدة؛ نموها الحضري وعلاقاتها الاقليميه ج2 ص65
(15)معجم بلاد القصيم ج2 ص490
(16)قاله النقيدان في "شعراء بريدة" جـ2 ص251
(17)بريدة؛ نموها الحضري وعلاقاتها الاقليميه ج2 ص667