- حجيلان و قصيدة "العنيزية":
كان و ما زال الكثير يقدرون تاريخ حجيلان و يمجدون أفعاله و يعرفون دينه و تقواه . و لكن كان هناك أناس (فضلاء) آخرون يرون في ذلك أمراً آخرا بسبب كون حجيلان قد ذُكِر في قصة استيلاء الدولة السعودية الأولى على بلدهم ، و يعتمدون على قصائد قديمة وردت من اسلافهم عن أحداث تلك الأيام تثير في نفوسهم . و هذا ما رأيناه من الشاعر الفاضل الأستاذ عبدالعزيز المحمد الحمد القاضي ناظم قصيدة العنيزية(24) من ذمّ حجيلان و ذلك بسبب سطوة حجيلان المعروفة على بلد عنيزة في حادثة معروفة مع الإمام سعود في غزو خرجوا به جميعهم على عنيزة في غياب أميرها عبدالله بن رشيد(25) . و ما سجلته لهم قصيدة "العرف"(26) من وقائع كانت لا نستغرب أن تقال من شخص قد غُزِيَ بلده كـــالعرف صاحب القصيدة ، و لم يكن ذلك الغزو إلا لضمها تحت لواء الدولة السعودية . و يذكر القاضي أن حجيلان كان صاحب مطامع في إمارة عنيزة و لكن هذا لا يكون صحيحا إذا علمنا أن حجيلان لم يفعل ذلك بعد أن تحقق له الأمر بعد دخوله عنيزة . و لا يفوت عن ذهن قارئ التاريخ أن أهل القصيم جميعا –ماعدا الرسّ و التنومة- بما فيهم أهل عنيزة كانوا قبل دخول حجيلان بريدة قد خرجوا مع سعدون بن عريعر عند حصاره لبريدة و كان امير عنيزة هو عبدالله بن رشيد نفسه فشايعه و وضع له بيتاً كأداة حربٍ له ، فلما انتهى الحصار و خرج حجيلان و انهى وجود الشماس . طلب القصيم الأمان و أمّنهم الأمير حجيلان و لم يفتك بأحد منهم . و ذكرت المصادر هذا بوضوح كما في تاريخ الشيخ ابراهيم بن عيسى فكان مثال الحلم و العدل رحمه الله .
و ليس صحيحا قتل حجيلان لابن اخ أمير عنيزة عبدالله بن رشيد فقد نفى حجيلان رحمه الله هذا الأمر(27) . غفر الله لنا و لهم جميعاً .
و ليس ذكرنا هذا إلا للتوضيح عن سبب ما ورد في حقه ، و يجدر بي أن أشير إلى أنه لم يرد في تأريخ ابن غنام و ابن بشر و ابن عيسى و ابن بسام –ابن عنيزة- برغم ذكرهم لغزوات الدولة السعودية ذكر خروج حجيلان مع سعود بن عبدالعزيز في هذه الغزوة فضلا عن غيرها من التفاصيل . و نورد لكم بعض أبيات قصيدة "العْرْف" الرائعة في الشعر الشعبي في مثل مناسبتها و يكفينا عمق تأثيرها في من أتى بعد العرف :
ياديرتي خذاها حجيلان و سعود
بالبـوق و الا بالنقـا ماقواهـا
جونا هجاد و جملة الناس برقود
و اهل القهاوي مشعلين ضواها
لا ثار به رمية و لا زجّ به عُود
و لا ثار مثلوث الدَّخَن من وراها
الجدير بالذكر أن الشاعر كتب القصيدة في البحرين قبل أن يكمل عشرين سنة من عمره . فرحم الله الجميع و غفرلهم ما قدموا .(28)
- انهاء الأمير حجيلان بن حمد للشماس التي كانت تنافس بريدة :
ذكر سليمان النقيدان في كتابه "من شعراء بريدة"(29) عن الشماس و الشماسية: "عرف أهالي بلدة الشماس بالقوة والشجاعة والبطولات الحربية ضد كل من يعترضهم أو يضادهم وقد بلغ عدد سكانه في مطلع القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين رقماً يفوق عدد سكان بريدة أغلبهم من الدواسر الوداعين وأخلاط آخرين . وكان أول من أنشأه وعمره في القرن الثامن هم (آل شماس) فنسب إليهم وبسبب قربه من بريدة فقد ازدادت حدة المنافسة بين الفريقين على الزعامة والسلطة فأدت إلى صدامات عنيفة . ولما أشرف القرن الثاني عشر على الانتهاء وباشر حجيلان بن حمد إمارة بريدة وهو من الأسرة العليانية أيضاً ويعد من أقوى وأبرز أمراء عصره في بلاد نجد فقد قام بإصلاحات وتغييرات شتى ،...، ثم انصرف لبناء حياة جديدة تحقق رخاء البلد وازدهاره كما أقام علاقات طيبة مع أمراء آل سعود في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز رحمهم الله . ولا حقيقة أن شخصية حجيلان قد فرضت نفسها على القريب و البعيد فالقريب يكن له المحبة و الولاء والتقدير والبعيد يخشى سطوته و يسعى إلى كسب رضاه ومد يد الصداقة له لأنه رجل عدل وأنصف بين أفراد رعيته وموفقاً في جميع طموحاته وتطلعاته . فثارت ثائرة أهل الشماس ضد هذا الأمير الجديد الذي سرق الأضواء و انصرفت إليه الأنظار لأنهم يريدون أن يستمر الوضع في بريدة على ما كان عليه مع الأمراء السابقين خشية أن تقوى و يعلو شأنها فيمتد نفوذها إلى الشماس و قد استمرت المناوشات سجالاً بين الفريقين ... الأمر الذي تسبب في هجرة الكثيرين منهم إلى الشماسية فكانت ردود الفعل عند أهالي الشماس الذين لم يبرحوها تجاه هؤلاء المهاجرين غاضبة" .
ثم بعد حصار سعدون بن عريعر لبريدة عام 1196هـ و قيام أهل الشماس مع البقية بقتل من ينتسب للدين كما يذكر ابن بشر في تاريخه و آخرون أيضاً و عند قفوله راجعاً بعد أن فشل الحصار خرج الأمير حجيلان في إثر أهل الشماس و قتل هؤلاء القوم و أجلاهم من الشماس إلى الشماسية -و البعض ذهب إلى بريدة- و أمر بهدمها إذ أنه لن يصلح الحال بوجود هاتين المدينتين بجوار بعضهما البعض . فطلب بقية القصيم الأمان من الأمير حجيلان الأمان بعد خروجه هذا فأعطاهم الأمان(30) .
-حجيلان شاعر! :
لم يعرف عن حجيلان أنه شاعر . و لكن سمعنا بقصيدة تروى عند رواة بني خالد و يقولون بأنها لحجيلان بن حمد ، تقول القصيدة :
الاقـدار يرمـن الفتـى بالجهايـر
وكـل الـى مـاقـدر الله صـايـر
ابـن آدم لـو زينتـه قـدر حجـة
تبـدي الجفـا امـر مـن الله دايـر
فلـو زانـت الدنيـا ليـال تنكـرت
كثير و ترمي بـك كبـار الخطايـر
رد النبـا ياطـارش قـد لفـت بـه
من الهجن و جنا من كبار الفقايـر
لقيـدوم هبـاس المناعيـر باللقـا
و حماي بالضيقات عنهـا الكبايـر
حر وهو مقـدم ظعـن كـل قبيلـة
منى الضيف في غبر السنين العساير
حليف الندى سعـدون بـن محمـد
حريب الردي يوم احتمـال الجرايـر
باسالـك بالله العظيـم الـذي بنـى
بيـت تجيـه اكبارهـا و الصغايـر
ويش الذي تبغيه منا تـرى الولـي
يرميـك يازبـن المراميـل دايــر
لك الخير مبسوط على جاهد الوطـى
ومن لا يراعـي الله بالقـدر جايـر
ترى نجد ياعيـد المراميـل مابهـا
من الفضـل الا مايضيـق الحظايـر
و خالقك لو نلنـا احذاهـا معيشـة
صبرا ولـو سقنـا كبـار الخسايـر
فكم ليلة بتنا يدلل وجودنا للاضياف و العاني ندور الستاير
نقاسي بها مـن سـو كـل قبيلـة
و نمرح بسوَ بيـن شـور و شايـر
و الصبح نفجا الضـد مـن بغـاره
نخلي بهـا جـرد السبايـا عقايـر
كـم واحـد مـن شجـاع مجـرب
ياطا القسا و اللين و ان شاف بايـر
و كم قايـد اظعـان رمينـاه بالقنـا
الى حقق الضيقات يدعـي كسايـر
يامـا ذبحنـا مـن مقـادم قبيلـة
الى درهمن الجيش و العقـل طايـر
يالله بحـق آيـات عـم و يوسـف
انـه يجنبـنـا جمـيـع النكـايـر
و يدفـع ورانـا كـل سـؤ تريـده
يامزبن المظلوم و معطـي البدايـر
حنـا فـلا نجفـاك كانـك جفيتنـا
بلا سبب منا علـى النـاس صايـر
و طاوعت فينـا كـل ذيـخ مبلـل
كويناه لين اونـس لهيـب السعايـر
لا عـاد شحـاذ و يبـدي صداقـه
و هو تايـه يـدي عليـك البشايـر
ليتك تميز يـاذرى الجـود و الثنـا
ومن له بزينـات المعانـي ذخايـر
و حنا هل الفعل الذي تكـره العـدى
و ندقم شبات الضد لابـدى النكايـر
و صباره للحرب لو طـال هجرتـه
و للضيف ريف بالسنيـن العسايـر
و صلوا على المختار و آله و صحبه
عدد مالفى القمري و ما طار طايـر
و لا أعلم صحة نسبتها إليه .
-----------------------------------
(24)ولد الشاعر عبدالعزيز القاضي سنة 1343 في عنيزة و انتقل إلى البحرين و عمره 4 سنوات . و القصيدة بالفصحى على قافية الهمزة و هي مطبوعة و منشورة منذ زمن.
(25)هو عبدالله بن رشيد بن محمد من آل فضل من سبيع عنيزة أمير عنيزة توفي سنة 1234هـ. و قد يشتبه على البعض اسمه بعبدالله بن رشيد امير حائل بعد ذلك بعقود .
(26)من موالي أسرة آل رشيد أمراء عنيزة حينذاك
(27)الرواية تقول أن ابن جارالله الرشيد ابن اخ عبدالله بن رشيد امير عنيزة خرج الى الشماسية ليتزوج فقطع عليه الطريق رجال مجهولون و قتلوه ، فشكى عبدالله بن رشيد إلى الامام عبدالعزيز حجيلان زاعماً أنه قتل ابن اخيه بتدبيره . و لكن الأمير حجيلان بن حمد نفى هذا الأمر و أكّد عدم صحته و العارفين لسيرة حجيلان يعرفون صدقه . و قد ذكرها مقبل الذكير في تاريخه.
(28)للشيخ محمد العبودي فصل في شرح ما تحخدثنا بشأنه في معجم بلاد القصيم رسم "عنيزة" و قد استفدنا منه في توضيحنا و اختصارنا .
(29)ج 2, ص 256-260
(30) تجدون الأحداث مفصلة في التواريخ النجدية بسنة 1196هـ
|